
16/07/2025
#الأمثال:
تُعدّ دراسة "الأمثال: التقليد اليهودي والتفسير المسيحي" للمؤلف براد إتش. يونج، بترجمة القس مينا القمص إسحق، الصادر عن دار "الشرق المسيحي"، إسهامًا محوريًا في الدراسات اللاهوتية. يبرز هذا العمل، على غرار مؤلفات يونج السابقة، الدور الأساسي لأمثال المسيح في الإيمان المسيحي، مؤكدًا في الوقت ذاته على تجذرها العميق في اليهودية خلال فترة الهيكل الثاني. يقدم الكتاب رؤية مفادها أن الفكر اليهودي لا يشكل مجرد خلفية لتعاليم المسيح، بل يمثل الإطار الأصيل الذي انبثقت منه رسالته.
ويُسلط يونج الضوء على التحديات التي يواجهها الباحثون في العهد الجديد، فقلة منهم يمتلكون القدرة على تجاوز حواجز اللغة والتعامل ببراعة مع المصادر العبرية والآرامية لليهودية المبكرة. وفي المقابل، قد يفتقر العلماء اليهود أحيانًا إلى القدرة على التعامل بحرية مع النصوص المسيحية. ومع ذلك، يواجه جميع المهتمين بالدراسات اليهودية وبالفهم العميق لشخصية المسيح تحديًا في استكشاف بحث يونج الرصين والمبتكر. ويشبه المؤلف دور الأناجيل هنا بدور مخطوطات البحر الميت في البحث اليهودي المعاصر، حيث غالبًا ما تُفسر نصوص العهد الجديد، وخاصة الأناجيل الإزائية، بالاستناد إلى مصادر يهودية أخرى.
يتناول الكتاب قضية أوسع تتمثل في فهم أمثال يسوع ضمن سياقها التاريخي والأدبي. فعدم الإلمام بآلاف الأمثال الرابّية الأخرى قد يؤدي إلى اعتقاد خاطئ بأن يسوع هو مبتكر هذا الشكل الأدبي. وبمجرد التعرف على الأمثال الرابّية، يبرز تساؤل جوهري حول مدى أصالة أمثال يسوع في التعبير عن رسالته الخاصة، ومدى استيعابها لللاهوت اليهودي المشترك ودمجه فيه. كما يثير الكتاب تساؤلات مماثلة حول جوانب أخرى من كلمات يسوع، مثل مدى اعتبار الصلاة الربانية نموذجًا مسيحيًا، وارتباطها بالعالم اليهودي.
يطرح يونج سؤالين حيويين ومتشابهين حول العلاقة بين تيار اليهودية القديمة الذي ينتمي إليه يسوع، ووعيه الذاتي. يؤكد أن أمثال يسوع، على خلاف ما يعتقده البعض، لا تنتمي إلى حركة الفريسيين، بل هي جزء أصيل من اليهودية الرابّية وتمثل نموذجًا للتعاليم التي تميز الأنماط الفكرية للفريسيين. ويوضح أن الرابّيين صاغوا أمثالًا لأغراض تفسيرية، بينما ركز آخرون على الاهتمامات اللاهوتية العليا. وتشرح الأمثال غير التفسيرية تبني الإنسان لله وجوهر الطبيعة الإلهية، وتعزز الأخلاق والسلوك الرابّي. تُعد الأمثال الرابّية وسيلة فعالة للتقريب بين الناس والنهج الإنساني اليهودي، وتلهم وتتحدى فهم الإنسان لشخصية الله وطرق عمله. غالبًا ما تعكس هذه الأمثال الابتكارات الحاسمة المستمدة من المشناج والمرحمية، وقد تبنى يسوع هذا النوع من الأخلاق اليهودية، فقد تشارك مع الأمثال الرابّية في الهدف.
على الرغم من صعوبة تحديد مدى تعارض آراء يسوع في أمثاله مع معلمي اليهود المعاصرين، يرى يونج أن أمثال يسوع تؤكد على رؤيته بأن الخطأة متساوون مع الأبرار، بل لهم قيمة أعظم عند الله من الصالحين. وكمثال على ذلك، يشير إلى مثل "العمال في الكرم" (متى ٢٠: ١-١٦)، حيث يدفع صاحب الكرم نفس الأجر لجميع العمال، بغض النظر عن وقت بدء عملهم، تأكيدًا على صلاحه الشامل. وبينما يقبل الله الخطأة في الأمثال الرابّية، يرى يونج أن يسوع يشدد بشكل أكبر على النعمة الإلهية الممنوحة للمذنبين مقارنة ببعض المعلمين الآخرين.
يُعدّ هذا الكتاب مساهمة قيمة لفهم عميق للاهوت يسوع وأخلاقياته المستمدة من أمثاله. يقدم يونج تحليلًا دقيقًا لأخلاقيات يسوع ولاهوته مقارنة بالتعاليم اليهودية المبكرة. وتُسهم المادة اليهودية الموازية في فهم رسالة يسوع بشكل سليم. ويُبرز يونج أهمية هذا البحث في تمكين القراء المسيحيين من الوصول إلى المصادر اليهودية ذات الصلة، التي غالبًا ما تكون غير معروفة للقارئ العادي. ويختتم الكتاب بالتأكيد على أن فهم الجانب اليهودي لشخصية يسوع ضروري في عصرنا الحالي لفهم عالمنا المتغير وتقديم حلول للتحديات الراهنة، ويُثنى على عمل يونج الرائد في هذا المجال.
يبقى أن نذكر، أن الكتاب متوفر للاطلاع المجاني بمكتبة مركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط، بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة.