
16/07/2025
فجأة وجدت أنني في الأربعين… الخامسة والأربعين… ثم سن الخمسين!
هذه أرقام لم أسمع عنها من قبل، ولم أتخيل أنها ممكنة…
بدأت أشعر بالذعر عندما لاحظت أن الباعة يقولون لي: «يا حاج»، والمراهقون يقولون لي: «يا عمو».
ثم ازداد الأمر سوءًا، عندما صار الأولاد المهذبون يقفون لي في وسائل المواصلات كي أجلس مكانهم.
أمس الأول، رأيت سيدة مسنّة تحمل حقيبة ثقيلة وتمشي في الطريق،
فهرعت في شهامة لحمل حقيبتها عنها، ثم فطنت إلى أنني في الخمسين، وقلبي مريض.
شهامتي هذه ستبدو أقرب للسخف، أو تجلب عليّ السخرية.
مُسنّ بعنف. مُسنّ جدًا…
من المستحيل أن أجد أي شخص أكبر سنًا مني.
أجلس في مجلس كبير، فأكتشف أن كل الجالسين بين ثلاثين وأربعين عامًا…
الشيخ فيهم في التاسعة والأربعين!
الحلّاق الأشيب المسن الذي أحلق عنده سألني عن علاج النسيان،
فقلت له إنه لابد أن يتوقع تصلب شرايين المخ في سنّه هذه.
قال في اتعاظ وأسى:
ـ «بالفعل… بعد ٤٥ عامًا يجب أن يقبل الإنسان تداعي حواسه!»
ـ «هل أنت في الخامسة والأربعين؟»
ـ «نعم… وأنت يا حاج؟»
ابتلعت لساني… وفضلت الصمت.
مع الوقت، صرت أشعر كأن كل من في الخامسة والأربعين طفل كان يرضع البارحة، ويبدلون له الكافولة!
لهذا أحب جدًا صداقة اثنين أو ثلاثة ممن يكبرونني سنًا…
عم حسين، البوّاب العجوز في بنايتنا… كم هو شخصية رائعة وذكية…
إنه الصديق الأمثل. هؤلاء الذين في الستين… أين هم؟ لماذا صاروا نادرين؟
أما أشنع اللحظات، فهي حين ترى فتاة حسناء تروق لك، فتتودد لها،
ليكون أول لقب تناديك به هو: «يا عمو»!
هذه أقرب إلى صفعة على وجهي بلا شك.
ليس هذا أسوأ من صديقي طبيب الأطفال،
الذي قابل في إحدى الحفلات فتاة بارعة الجمال.
كان مطلقًا يبحث عن عروس جديدة، وبدت له هذه الفتاة مناسبة جدًا.
وجد أنها تحدثه في حرارة وحب حقيقيين، وأعطاه هذا انطباعًا بأن الطريق ممهد لقلبها.
قال لها:
ـ «أشعر أننا التقينا في زمن ما، في مكان ما…»
قالت في مرح:
ـ «بالفعل… أنت كنت الطبيب الذي يتابعني وأنا في الحضانة بعد ولادتي!.. لقد وُلدت قبل موعدي كما تعلم!»
طبعًا يمكنني أن أتخيل ما حدث بعد ذلك…
لقد تبدّل وجهه إلى اللون الأحمر واعتذر لها وانسحب…
اللحظة التي تتحول فيها من “كابتن”، إلى “أستاذ”، إلى “عمو”… هذه لحظة قاسية ومروعة.
— أحمد خالد توفيق
راقت لي