30/06/2023
ضرب الله تعالى لنا مثلًا عظيمًا في سورة العاديات، مثل يجعلنا نستحي منه سبحانه ....
أقسم الله عز وجل بالعاديات وهي الخيول ... لكن لم يُقسم الله العزيز بالخيول وهي واقفة ، بل وصفها بصفة ( الضبح ) ....
الضبح : هو صوت أنفاس الخيول عندما يحترق صدرها من شدة الركض ،
فقال تعالى «وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا».
نعتها الله العليم بصفة أخرى فقال «فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا» وهي النار أو الشرارة التي تلمع نتيجة لاحتكاك أقدام الخيول (حوافرها) مع الأرض وهي تركض بسرعة شديدة .... نار تحرق صدورها ونار تحرق أقدامها!
«فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا» هنا يخبرنا الله تعالى أن الخيول لا تركض هذا الركض الشديد من أجل التسلية أو التدريب بل تركض داخل حرب (فالمغيرات) أثناء النهار (صُبحًا).. فهي تعلم أنها داخل معركة وترى الأسهم والرماح والسيوف وتعلم أنها في خطر ، ومع ذلك لم تتراجع ساخطة على قائدها..
«فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا» أي أثارت الغبار في مكان المعركة من شدة الركض فأصبح الهواء الذي تتنفسه الخيول مختلطًا بالغبار (النقع) ... صدرها يشتعل نارًا ومع ذلك لا تستنشق هواءً نقيًّا بل تستنشق هواءً مختلطًا بالغبار.. تضحية عجيبة!
«فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا» أي أنها تقف في مركز المعركة ( وسطها ) .... أخطر مكان فيه احتمالية هلاكها كبيرة.. إخلاص عجيب!
كل تلك الآيات كانت قسمًا من الله عز وجل ... لكن جاء جواب القسم عجيبًا: «إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ» !!
القرآن الكريم يحدثنا عن الخيول ويصف أحوالها ثم ينتقل للحديث فجأة عن حال الإنسان مع ربه ويصفه بالـ (كنود) أي الساخط على نِعم الله تعالى ....
لمَ هذا الانتقال العجيب؟!
لأن الخيول تُضحي كل هذه التضحية من أجل قائدها الذي –فقط- يُطعمها ويرعاها .... قائدها هذا لم يخلق لها السمع ولا البصر ولا حافرًا واحداً من حوافرها ..... ومع ذلك فهي تُظهر امتنانها له بالإقدام على هلاكها دون خوف!
أما الإنسان فإنه ينسى كل نِعم الله عليه مجرد أن يُصادف أمراً واحداً يسوءه .... فيُصبح ويمسي يشكي حاله لخلقه حتى تمل الشكوى منه.. صدق الله العظيم «إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ».