
17/07/2025
**اعتداء إسرائيلي على سوريا.. نزيف العواصم العربية مستمر**
- من أيام، اندلعت أعمال عنف طائفي في السويداء جنوب سوريا بين عشائر بدوية سنية من جهة ومجموعات درزية مسلحة من جهة أخرى بسبب مشاحنات مستمرة على طريق دمشق السويداء.
- الحكومة السورية المؤقتة اللي بيقودها أحمد الشرع قامت بإرسال القوات التابعة لها إلى السويداء، لكن هذه القوات لم تنجح في وقف عمليات العنف الطائفي بل تحولت إلى طرف أصيل في الصراع، بعد اتهامات متبادلة بين المجموعات الدرزية والقوات التابعة للحكومة بالمسئولية عن الاعتداءات ورفع شعارات طائفية، وظهور مشاهد لقتل وضرب عناصر من القوات الحكومية على يد المجموعات الدرزية.
- السويداء كما هو معروف يسكنها الدروز في سوريا، ونجحت منذ وقت الأسد في عزل نفسها أمنيا عن الصراع في سوريا، ثم رفضت دخول قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة إليها.
- شهد المجتمع الدرزي بعد سقوط الأسد وقيام الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، نوعا من الانقسام بين اتجاه يسعى إلى التفاهم مع الحكومة الجديدة بيقوده الشيخ وحيد البلعوس زعيم حركة رجال الكرامة، وشيخ عقل الطائفة الشيخ يوسف الجربوع.
- وفي المقابل هناك اتجاه سعى إلى التقارب مع إسرائيل وعزل السويداء والدروز عن دمشق بيقوده الشيخ حكمت الهجري شيخ الطائفة في السويداء.
**
سموم الطائفية
- مع اندلاع الصراع في السويداء بين قوات الحكومة والمجموعات الدرزية المسلحة، تورطت قوات الحكومة اللي هي بتتشكل بالأساس من فصائل مسلحة ذات خلفية متطرفة في رفع شعارات طائفية وارتكاب اعتداءات خطيرة على الأرواح والممتلكات في السويداء، وظهرت برضه مقاطع فيديو مهينة لحلق شوارب رجال من الدروز في السويداء تنكيلا بهم وإهانة لكرامتهم.
- وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد بلغ عدد القتلى إلى الآن 350 قتيلا، من بينهم 189 من عناصر القوات الحكومية، مقابل 79 مقاتلا درزيا، و55 مدني من الدروز.
- في ظل هذا المشهد، استغلت الحكومة الإسرائيلية الأوضاع، وقامت بشن غارات عنيفة على القوات التابعة للحكومة السورية، مما تسبب في مقتل 15 عنصر من القوات الحكومية.
- إسرائيل أعلنت إنها لن تسمح للحكومة السورية بتجاوز الخطوط الحمراء اللي رسمتها إسرائيل في الجنوب، وهتتدخل لحماية الدروز، ووصل القصف إلى عمق دمشق بعد قصف مدمر على وزارة الدفاع السورية أدى إلى مقتل 3 وإصابة أكثر من ثلاثين شخص.
- استمرار الغارات الإسرائيلية على القوات السورية في السويداء وعلى دمشق أدى إلى اضطرار الحكومة السورية المؤقتة إلى سحب قواتها من السويداء، بعد إعلان اتفاق على دخول قوات الأمن العام التابعة للحكومة إلى السويداء ولكن بدون قوات عسكرية، لكن حتى الآن لم تتضح حقيقة الأوضاع على الأرض.
- من المعروف طبعا إن هناك أقلية درزية في إسرائيل قررت الالتحاق بالدولة الإسرائيلية، وبتمتاز بالتحاق عدد كبير من أبنائها بالجيش الإسرائيلي وبلوغهم لمناصب ميدانية مهمة بين المجموعات القتالية، وهو ما تحاول إسرائيل استغلاله لخلق منطقة نفوذ، وربما كيان مصطنع في جنوب سوريا يمثل منطقة عازلة وحائط صد وحجة للتدخل في سوريا.
**
خسارة سورية وطنية
- ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية هو تقريبا أسوأ خيارات يمكن أن تحدث في سوريا، لا الحكومة المؤقتة نجحت في احتواء القلق الطائفي الي بتعاني منه المكونات السورية القلقة من الخلفية المتطرفة للفصائل اللي بتشكل حاليا قوات الحكومة السورية، ولا الحكومة في المقابل نجحت في فرض نفوذها بالقوة والعنف كما حصل في الساحل.
- اللي حصل هو أسوأ شيء، والطرف الوحيد اللي استفاد هو قوى الاحتلال الإسرائيلي اللي فرضت إرادتها وأجبرت القوات الحكومية على الانسحاب، وأظهرت نفسها بدور حليف الدروز والحامي لهم من التطرف.
- الحكومة السورية المؤقتة استيقظت كذلك على صدمة واضحة بعد أسابيع من محاولة التقارب مع الولايات المتحدة بعد رفع العقوبات وإزالة اسم أحمد الشرع من قوائم الإرهاب الأمريكية، وأخيرا الانخراط في محادثات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي للتواصل إلى تفاهمات أمنية أو حتى اتفاقية سلام وتطبيع بين سوريا وإسرائيل.
- اللي عملته امبارح قضى على أوهام الحكومة السورية المؤقتة بمعنيين: المعنى الأول هو إمكانية أن تقبل إسرائيل بوجود حكومة مستقلة حقيقية في دمشق لا تخضع للشروط الإسرائيلية بالكامل، أما الوهم الثاني فهو تصور إن أحمد الشرع قادر على حكم سوريا اعتمادا على قاعدته السنية حصرا بدون عملية سياسية تدمج المكونات السورية المختلفة زي الأكراد والدروز وحتى العلويين.
**
لا مفر من المواجهة
- المطلوب في سوريا عملية سياسية لا تتجاوز جرائم الماضي، وإنما عملية تربط بين جمع المكونات السورية وإرساء حكم تشاركي على أساس دستوري حتى ولو تحت قيادة أحمد الشرع كشخصية تحظى بدعم المكون الاجتماعي الأكبر في سوريا.
- وده في نفس الوقت يتم على أساس عدالة انتقالية ليست انتقامية ولكن تسعى على الأقل للاعتراف بجرائم الماضي وتجاوز ذاكرة الصراع والطائفية على أساس واعي وقانوني وتشاركي.
- توحد المكونات السورية على هذا الأساس هو الطريق الوحيد للحفاظ على وحدة سوريا أولا، ووحدة سوريا هي السبيل للتصدي للعدوان الإسرائيلي والإملاءات الإسرائيلية المهينة المفروض في جنوب سوريا وليس فقط في الجولان المحتل.
- من جهة أخرى، ما حدث بالأمس خطير ومرعب بالنسبة لكل شعوب المنطقة وخاصة دول الطوق والمواجهة كما كانت تعرف قديما، زي مصر والأردن.
- احنا أمام كيان لا يتورع عن قصف أي حد بدون أن يبحث عن أي مبرر غير إنه "مسمعش كلامنا ومنفذش أوامرنا".
- ده وضع مرعب لو احنا جادين فعلا في التفكير في أمننا القومي بشكل استراتيجي، مش بمنطق النعامة اللي بتغمس راسها في الرمل، أو بمنطق النظر تحت أقدامنا ونسيان أي تفكير استراتيجي على المدى البعيد.
- ده يستلزم شحذ كل أدوات القوة اللي نملكها، طبعا بالمعنى العسكري للحفاظ على التوازن الإقليمي المختل لصالح إسرائيل بدون كده أي تجميل أو هروب من الحقائق، ولكن كمان أدوات القوة الأخرى زي الحفاظ على السيادة المالية والتخفف من الديون، وبناء تحالفات إقليمية على أساس المصير المشترك والسعي لفرض السلام العادل.
- زي ما قلنا من أول يوم، غزة مش مجرد جار، غزة بوابة لمصر، وحمايتها حماية لمصر، وبنقول النهاردة دمشق على مدى التاريخ كانت توأم القاهرة، واستباحتها رسالة مبطنة شئنا أم أبينا لسائر عواصم الإقليم الكبرى، وعلى رأسها القاهرة والرياض وبغداد.
**