10/04/2025
🎯 تفوقك... إعلان مدرستك!
تخيل نفسك، أيها الأب الكريم، وأيتها الأم الفاضلة، وأنتما تسعيان جاهدين لتأمين أفضل مستقبل لأبنائكما. في زحمة البحث عن المدرسة "المثالية"، تلك التي تحمل اسمًا لامعًا وتكاليف باهظة، ينتابكما شعور بأنكما بذلك تشتريان لابنكما تذكرة نحو النجاح الباهر. لكن، اسمحا لي أن أتساءل معكم بصراحة: هل فكرنا يومًا، بعمق، فيما إذا كنا ندفع حقًا مقابل تعليم حقيقي ينمي عقول أبنائنا وقلوبهم، أم أننا ببساطة ننخدع ببريق تسويقي مُحكم؟
دعونا نعترف بيننا، وبكل أسف، أن هناك العديد من المدارس الخاصة اليوم التي يبدو أنها فقدت البوصلة. لم يعد همّها الأول هو ما يكتسبه ابنك من علم ومعرفة حقيقية، بل كيف يبدو هذا الابن، ونتائجه، أمام أعين أولياء الأمور الآخرين. تفوق ابنك، الذي من المفترض أن يكون ثمرة جهده الشخصي، يتحول أحيانًا إلى مجرد وسيلة دعائية مجانية تتباهى بها المدرسة.
ترى كيف يُدفع أبناؤنا الصغار إلى أقصى طاقتهم لتحقيق علامات مُذهلة في الامتحانات؟ ليس دائمًا ليرتفع مستواهم الفكري، بل لترتفع أسهم المدرسة وتصنيفها على صفحات الإنترنت وفي الإعلانات التي تمولها!
يبدو الأمر وكأن بعض المدارس تحولت إلى شركات تسويق ترتدي ثوبًا أكاديميًا أنيقًا. تستعرض طلابها المتفوقين وكأنهم أحدث المنتجات التي تروج لها. السؤال لم يعد "كيف تعلم هذه المدرسة أبنائي؟" بل أصبح محصورًا في "كم عدد الطلاب الأوائل الذين تخرجوا منها؟".
والأخطر من كل ذلك، أننا قد نغفل عن التعليم الحقيقي الذي يبني شخصية الطفل، ينمي مواهبه وقدراته الكامنة، ويشعل فيه شرارة حب التعلم الذاتي. المدرسة هنا تهتم بالحصاد الظاهري، بالنقاط والأرقام، وقد تنسى الإنسان الذي يقف خلف هذه الأرقام.
تذكروا معي تلك السنوات الثمينة، من عمر الثالثة وحتى السابعة. بدلًا من أن نلهث وراء أرقام ونتائج قد تكون مُصطنعة، تعالوا بنا نتوقف لحظة ونسأل: ماذا يحتاج طفلنا حقًا في هذه المرحلة الهامة؟
إنه يحتاج إلى اللعب البناء الذي يشكل عقله، لا إلى التلقين السلبي. يحتاج إلى الاستكشاف الذي يوسع مداركه، لا إلى الحفظ الأصم. يحتاج إلى اكتساب المهارات الحياتية التي تنفعه في كل يوم، لا إلى حفظ جدول الضرب قبل أوانه. يحتاج إلى إشباع فضوله الطبيعي الذي يدفعه للمعرفة، لا إلى مجرد الرغبة في إرضاء المعلم خوفًا أو طمعًا في علامة.
التعليم في هذه المرحلة ليس عن الشهادات أو الألقاب التي نحصدها مبكرًا، بل عن بناء عقلية قادرة على التعلم المستمر مدى الحياة. الطفل الذي يتعلم كيف يتعلم بنفسه، سيكون قادرًا على خوض أي مجال، والتكيف مع أي صعوبة، دون أن يحتاج إلى مؤسسات تضع اسمه على لوحات الشرف لغايات تجارية.
في نهاية المطاف، أيها الأب وأيتها الأم، تقع على عاتقنا مسؤولية عظيمة. لا تجعلوا حرصكم الصادق على مستقبل أبنائكم يقودكم إلى طريق استهلاكي مُزين بالوعود البراقة. التعليم الحقيقي لا يُشترى بالمال وحده، بل يُبنى بالوعي والبصيرة. ابحثوا عن تلك المؤسسة التي تحترم طفلكم كإنسان فريد، بكل ما يحمله من طاقات وقدرات، لا كمجرد أداة لتحسين سمعتها.
تذكروا دائمًا، أن تفوق ابنكم الحقيقي ليس مجرد إعلان تتباهى به المدرسة، بل هو استثمار نبيل في إنسانيته ومستقبله.
Send a message to learn more