26/10/2025
📘 اسم الكتاب: الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب
✍️ اسم الكاتب: هانى الميهى
الفصل الثامن: تبدّل الأدوار – حين يهرب من كان يطارد
🔹 الجزء الرابع (الختام)
هناك لحظة دقيقة،
لا يمكن تحديدها بالضبط،
ينتقل فيها القلب من الشغف إلى الهدوء،
ومن اللهفة إلى التأمل،
ومن انتظار الرد إلى الاكتفاء بالصمت.
في تلك اللحظة، يفهم المطارد القديم أن الركض لم يكن سبيلًا للفوز،
بل كان طريقًا لاكتشاف ذاته.
ويفهم الهارب أن الهروب لم يكن خلاصًا،
بل كان تأجيلًا مؤلمًا للّحظة التي عليه أن يواجه فيها نفسه.
حين تتبدّل الأدوار،
لا يعود أحد كما كان.
فالمطارد يتعلم أن لا يطارد إلا ما يبادله السعي،
والهارب يدرك أن الهروب لا يمنح راحة، بل يُثقِل القلب بالأسئلة.
يصبح الاثنان أكثر نضجًا،
وأقل ضجيجًا.
يتعاملان مع الحبّ كمن يلمس جمرةً لا يريد أن تحرقه،
لكنه لا يريد أيضًا أن تنطفئ.
إن تبدّل الأدوار بين الهارب والمطارد ليس انتقامًا كونيًا،
بل تربية روحية خفيّة،
تجعل الإنسان يرى نفسه من الخارج،
ويكتشف كم كان أحيانًا قاسيًا دون أن يشعر،
أو هشًّا دون أن يعترف.
فما يبدو عقابًا،
هو في الحقيقة تدريبٌ على الوعي،
وما يبدو نهاية،
هو بدايةٌ أكثر صدقًا مع الذات.
وفي ختام هذا الفصل،
أقول لك يا قارئي،
لا تركض وراء من يهرب، ولا تهرب ممن يقترب.
قف مكانك قليلًا، أنصت لنَفَسك،
اسأل قلبك: هل هذا سعيٌ نحو الحب،
أم هروبٌ من الوحدة؟
فالنجاة لا تكون في من تلحقه، ولا في من تفرّ منه،
بل في أن تدرك أخيرًا أنك لست مضطرًا أن تكون أيًّا منهما.
حين تتبدّل الأدوار، لا ينتصر أحد…
لكن كلٌّ يخرج بجرحٍ يعرف قيمته،
ودرسٍ يغيّر طريقه إلى الأبد.