13/06/2025
قضية كيدية تنتهي ببراءة تاريخية!
أشارككم اليوم ,واقعة استثنائية خاصة تُظهر كيف يمكن للعدالة أن تنتصر حتى في أصعب الظروف وأمام أعتى الدوائر القضائية التي تُعرف بميلها للإدانة.
بدأ ذلك عندما حضر إلى مكتبي الزوجان “شاهيناز” و”سيف ” وهما يتمتعان بمكانة أجتماعية مرموقة (أسماء مستعارة للحفاظ علي سرية بيانات موكلين المكتب)، وكانت علامات القلق والتوتر بادية على وجهيهما وأخبراني أنهما متهمان في قضيتين متزامنتين للسب والقذف والتهديد، مقامتين من أب وابنته (أحمد وابنته منة الله)، وأن القضيتين منظورتين أمام دائرة بمحكمة جنح أول مدينة نصر معروفة بتشددها وندرة أحكام البراءة الصادرة عنها.
كانت المفاجأة الأولى عندما اطلعت على ملف القضيتين (٥٣١ و٥٢٤٤ لسنة ٢٠٢٥ جنح أول مدينة نصر)، فوجدت أمامي نموذجاً صارخاً للكيدية والتلفيق تخيلوا معي أن أباً وابنته يقيمان دعويين متزامنتين بنفس التهم تقريباً ضد نفس الأشخاص، دون أي دليل مادي أو فني أو حتى شاهد واحد!
وعندما تعمقت في دراسة القضيتين، اكتشفت أن المحضر الأصلي (١٢٣٠٩ لسنة ٢٠٢٤) الذي تقدم به المجني عليه (الأب) قد تم حفظه من النيابة العامة لعدم الجدية، وأن الواقعة المزعومة كانت بتاريخ ١٧ أكتوبر ٢٠٢٤، بينما لم يتم تحريك الدعوى المباشرة إلا بتاريخ ٢٤ مارس ٢٠٢٥، أي بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على تحرير المحضر!
وكان أمامي تحدٍ كبير كيف أقنع دائرة معروفة بتشددها, بالحكم بالبراءة في قضية سب وقذف؟ وضعت خطة دفاع متكاملة تعتمد على محورين أساسيين:
١. الدفع الشكلي: عدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني (٣ أشهر) المنصوص عليه في المادة ٣ من قانون الإجراءات الجنائية.
٢. الدفع الموضوعي: إثبات الكيدية والتلفيق من خلال:
• تزامن الدعويين من الأب والابنة
• الخواء التام من الأدلة في كلتا القضيتين
• حفظ النيابة للمحضرين الأصليين
• غموض الوقائع المزعومة وعدم تحديدها بشكل دقيق
• انتفاء أركان جرائم السب والقذف (خاصة ركن العلانية)
وفي يوم ٣ يونيو ٢٠٢٥، وقفت أمام هيئة المحكمة وبدأت مرافعتي بثقة، رغم أن قلبي كان يخفق بشدة كنت مدرك ان الموقف يتطلب الكثير من الثبات والاصرار وذلك لمكانتهم المرموقة و أن هذه الدائرة تحديداً من أصعب الدوائر في إصدار أحكام البراءة، وأن الأمر يحتاج لمعجزة.
بدأت بعرض الدفع الشكلي بتقادم الدعوى، ثم انتقلت للدفع الموضوعي بالكيدية والتلفيق وهنا حدثت المفاجأة الأولى - رأيت في عيني القاضي اهتماماً خاصاً عندما بدأت أشرح كيف أن الأب وابنته نسقا معاً لإقامة دعويين متزامنتين بنفس الاتهامات تقريباً.
“و قلت بقوة، “نحن أمام نموذج صارخ للكيدية تخيلوا أن شخصاً وابنته يقيمان دعويين متزامنتين ضد نفس الأشخاص، بنفس التهم تقريباً، دون أي دليل في كلتيهما! وأن النيابة العامة حفظت المحضرين لعدم الجدية!”
ثم أضفت: “والأغرب من ذلك، أن المجني عليه يزعم وقوع السب والقذف ‘ناحية المنزل وعن طريق التليفون’ دون تحديد أي تفاصيل أو شهود أو حتى رقم هاتف محدد! فأين العلانية المطلوبة قانوناً لجريمة السب والقذف؟”
ولاحظت أن هيئة المحكمة تستمع بإنصات شديد، وهو أمر غير معتاد في مثل هذه القضايا استمرت المرافعة لأكثر من نصف ساعة ، قدمت خلالها كل الدفوع المكتوبة والشفوية، وأبرزت بوضوح كيف أن الدعويين ما هما إلا محاولة للضغط على المتهمين وإرهاقهما مادياً ومعنوياً.
وبعد المرافعة أخبرني القاضي ان القرار اخرالجلسة , و كنت متوتراً للغاية فهذه الدائرة تحديداً معروفة بأنها “دائرة إدانة” كما يطلق عليها المحامون، ونادراً ما تصدر أحكاماً بالبراءة في قضايا السب والقذف.
“حكمت المحكمة… بالبراءة …”
وبعد دقائق، صدر الحكم في القضية الثانية (المقامة من الابنة) بذات المنطوق، ليكتمل الانتصار القانوني والإنساني.
تحياتي ..
علي القاضي_المحامي