27/06/2025
مقال فضيلة العارف بالله تعالى الشيخ/ الطاهر الحامدي في مجلة الأزهر / المحرم ١٤٢٣........................................
الهجرة تذكير وإيناس
فى مثل هذا اليوم من 1422 عاما أو تزيد أضاءت طلعته البهية صلى الله عليه وآله وسلم على أرض ذات نخل كانت تسمى((يثرب))فتحول اسمها إلى((المدينة المنورة)).
وطاب هواؤها ونقلت حُمَّاها إلى((الجُحفة))واستضاءت بنوره صلى الله عليه وآله وسلم الذي شاهده أهلها فرددوا بتلقائية وحب ترحيبا بالكريم الحبيب المنتظر:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع
وواجب علينا أن نروى القلوب الظمأى فى زمن القيظ المميت برحيق السيرة العطرة والسلسبيل العذب والقدوة الحسنة لنجدد الإمداد بالنور المحمدي ونحيي ما ذبل من صلتنا بالله ـ سبحانه وتعالى ـ فنحيل دنيانا من الجدب إلى النماء, ومن الظلمة إلى النور, ومن القسوة إلى الرحمة ومن الضلال إلى الهدى.
وفي الحديث عن الهجرة تذكير وإيناس للمسلمين, وتذكير لهم بحقائق الدين الذى هوجم فى مكة وعودى أهله بما هو فوق طاقة البشر.
وإيناس لهم بتأييد الله للمؤمنين الصادقين الصابرين فى كل وقت وما أدراك ما تأييد الله للمؤمنين من عباده: ((وما يعلم جنود ربك إلا هو)) (المدثر/31). قاطعني صاحبى كأنه يتوسل إلىّ فى رجاء ومودة قائلا: هل من الممكن أن تترك الحديث عن الهجرة اليوم وتجيبنى عن أسئلة ـ لا أكتمك سرا إن قلت ـ ألحت علىّ وأقضت مضجعي, ثم أردف يقول: ولعل في الإجابة عنها تذكيرا وإيناسا للمسلمين! قلت: عافاك الله يا صاحبى, هات ما عندك, أسأل الله أن يجعل في الإجابة إيناسا وتذكيرا. قال: كيف يجرؤ مسلم أن ينكر حديثا صحيحا ذكره الإمام مسلم في صحيحه؟
قلت: ما هكذا يا صاحبى تؤخذ الأمور ولا تناقش مسائل العلم! قلت: لعل الرجل أنكر صحة ثبوت الحديث فهو ينكر نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو لم ينكر ما ورد عن النبي, إنما أنكر ثبوت الحديث للنبي. وفرق بين القولين بين رجل يثبت عنده قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يرفضه وبين آخر يزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل هذا الكلام الذى هو منسوب إليه ويصبح الأمر فى الحالة الأخيرة محصوراً فى الإمام مسلم وفى تثبته ومنهجه وضبطه فى إخراج مسنده ثم لا يخلو الأمر إما أن يكون المعترض على الإمام مسلم من أهل العلم والمعرفة بالحديث وعلومه, أو يكون صاحب هوى يهرف بما لا يعرف فإن كانت الأخرى فلا تقم لكلامه وزنا لأنه جاهل فيما يتكلم فيه متكبر يتنكب طريق العلم السوى والله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: ((فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))(النحل/43) فهو ليس من أهل الذكر ولا يريد أن يسأل أهل الذكر وكما يقولون :(شفاء العى السؤال)وتلك هي المصيبة الكبرى وهي أكبر آفة تصيب أمة,أن يتصدى للرأى فيها من لا يعرف, لأنه إن كان من أهل العلم لا يمكن أن يقلل من شأن الإمام مسلم أو يرفض حديثًا رواه. فالإمام مسلم لم يكتسب هذه الثقة بين أهل العلم لمنصب أو جاه, إنما اكتسب هذه الثقة من منهجه وعلمه ورسوخه وزهده في حياة علماء الحديث وصاحبك لا يرقى إلى معرفة منهج المحدثين فضلا عن معالجة هذا العلم والإفتاء فيه. ورفض أو قبول أحد من أهل الحديث فكيف بربك تلغي عقلك لتستمع إلى كلام دعيٍّ في غير مجاله وغير تخصصه.
إن العالم اليوم يحترم التخصص الدقيق فلا يمكن فى عالم اليوم ـ مثلا ـ أن أترك جراحًا ماهرًا فى عالم المخ والأعصاب وأستمع إلى كلام مشعوذ دعيٍّ, فضلا عن أن العاقل لا يمكن أن يقبل كلام طبيب عيون فى جراحات المخ والأعصاب وهذا فى كل التخصصات وكما يقولون : ((أهل مكة أدرى بشعابها)).
قال صاحبى: اسمح لى أن أقول لك إنك شديد التعصب للإمام مسلم وأهل الحديث! قلت: لن أقول لك إنها تهمة لا أرفضها وشرف لا أدعيه. بل أقول إنه شرف أحاول أن أصل إليه طوال حياتى وأن أحشر فى زمرتهم بعد مماتى.
إن منهج علماء الحديث وما تركوه لنا من تراث فى التحرى الدقيق والورع والزهد والخوف من الله منهج تفرد به قومنا يا صاحبى. وإن كل أمة على وجه الأرض تأخذ من تاريخها وتدع لأن الرواية عندهم مفقودة والورع عندهم لا وجود له. وعلماء الحديث يتعاملون مع النصوص بالأمانة, لأنه دين فليس منهجهم من منطلق إحراز السبق فى الدنيا أو المحمدة عند الناس, وهناك فرق بين من يسعى للدنيا ومن يرجو الآخرة, وبين الذى يسعى فى الدنيا ويرجو محمدة الناس والذي يسعى للآخرة لله وفى الله. إن منهج أهل الحديث مؤسس على رجاء أن تصيبهم رحمة الله استجابة لدعوة النبى صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: ((رحم الله امرأً سمع مني حديثاً فبلغه كما سمعه))(أخرجه ابن حبان).
وما تركه القوم ـ والحمد لله مسطر فى كتبهم ـ خير شاهد على ما قلت وأسوق لك واقعة تدرك منها دقة هذا العلم وأمانة أصحابه. وأيضًا لا بأس أن تهدى هذه الواقعة لأصحاب اللافتات البراقة (( حقوق الإنسان )), و((جمعيات الرفق بالحيوان )) إذ لا معنى للرفق بالحيوان مع إهدار رفق أوجب. ألا وهو الرفق بالإنسان. والواقعة مع هذا ترتبط برواية الحديث. قال صاحبى : ما علاقة الرفق بالحيوان وحقوق الإنسان بالحديث وعلومه؟ قلت: إن جماعات ((الرفق بالحيوان)), و((حقوق الإنسان)), و((سفراء النوايا الحسنة)) وما شاكل ذلك هى لافتات براقة جميلة فى مظاهرها, أما الرفق عند علمائنا فهو أمانة, وحقوق الإنسان عندهم دين, والنوايا الحسنة فرض فى كل قول وعمل, لا يحتاج فى ديننا إلى كاميرات وصحف وقنوات أرضية وفضائية, ولا إلى بدلات أو دعاية, والواقعة تقول : إن رجلا ذهب وسافر ليأخذ حديثا ممن سمعه ليثبت سماعه منه فرآه منصرفا عنه متجها إلى كلب يعالج يده, فهم أن يرجع ظنا منه أن صاحبه ليس أهلا للرواية فلما فرغ من معالجة الكلب أقبل إلى صاحبه كأنه يعتذر إليه قائلا : إنا ببلاد لا تكثر فيها الكلاب ورأيت هذا الحيوان أقبل علىّ رافعا يده كأنه يرجونى أن أعالجها فما أحببت أن أقطع رجاءه فيَّ لأنى سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((قطع الله رجاء من قطع رجاء من رجاه)) فقال الآخر: جزاك الله خيرا على فعلك وقولك, أنا ما جئت إلا عن هذا الحديث أسمعه منك وشكر صاحبه وقفل راجعا. أما الواقعة الثانية فهى أن رجلا نفرت ناقته فأراد أن يتألفها فأومأ إليها كأنه يقدم إليها علفا فلما جاءت أمسكها ولم يكن ثمة علف ولا طعام ورآه رجل جاء ليأخذ منه حديثا فرجع ولم يأخذ منه شيئا وقال : إنه رجل لا يؤتمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت لصاحبي : تأمل هذه الوقائع ذات الدلالة البليغة المؤثرة, حيث إنها صادقة فطرية فلم تحتج إلى دعاية أو إعلان أو تحضير حتى يتم التصوير والبث وذلك شىء أصيل فى الدين وفى الناس!! ثم أردفت قائلا : إن الإنكار للسنة يأخذ أشكالا عديدة وليس شكلا واحدا فتارة يكون بالطعن في رواة الحديث وتارة بالطعن فى أصحاب الأسانيد والجوامع. وتارة بالزعم أنه يدافع عن الدين نفسه وأنه يريد تنقية الدين ويرفض أحاديث بزعم أنها تخالف القرآن وهى خدعة رديئة لا تنطلى على بصير ولو علم هؤلاء جهد علماء الحديث فى علمهم وبحثهم لما تفوهوا بما قالوا ولولا ضيق المجال لسردت لك التراث الطيب الذى خلفوه لنا من المؤلفات.
وهذا الاحتماء المزيف بالقرآن الكريم خدعة ((رديئة)) كما قلت, فإن الشيطان يسول لهم ذلك ويلهمهم بالمعرفة وهم مخدوعون. على أنهم فى رفضهم للأحاديث وطلب الإحتكام للقرآن هنا زعم نتوقعه بل وننتظره فى شوق.
لعلك تقول : كيف تنتظره فى شوق؟ أن تتوقعه معقول ومقبول لضعف الاستعداد العلمى ولسوء البضاعة التى يتاجرون فيها, أما أننا ننتظره فى شوق فذلك فى حاجة إلى بيان. وإليك البيان قلت : إن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مرسل من عند الله ـ تعالى ـ مؤيد بالمعجزات الباهرة وبعض هذه المعجزات حدثت فى حياته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم وبعضها أخبر بأنها ستحدث ونحن نتلهف ونتشوق إلى وقوعها كما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم فذلك من دلائل نبوته التى التى يظهرها الله كل يوم فمنها ما أخرجه أبو داوود والحاكم وأحمد قال : ((يوشك أن يقع الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثى فيقول بيننا وبينكم كتاب الله, فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما حرم الله)). فالنبى صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأنه سوف يجىء أناس يرفضون حديثه بزعمه أنهم يحتكمون للقرآن وحده فهى إذا نبوءة نحن ننتظر تحققها ووقوعها فلو لم تحدث لكانت خبرا كاذبا, أما وإنها قد وقعت وخرج أناس يرفضون حديثه صلى الله عليه وآله وسلم فلا يغرك منهم ادعاء أنهم يحتكمون للقرآن وحده فهذا باطل يلقونه فى وجوه الناس يتوارون به من سوء ما أضمروا فإنهم لا يريدون الدين أصلا ففى حجية السنة سطر العلماء ـ وأنا أقول العلماء ـ كتبا شافية ضافية لن أحيل المتكلمين برفض السنة عليها لأنهم يبغون أهدافا لن تجدى معها كتابة العلماء. قال صاحبى : أرحتنى جزاك الله خيرا وعندى سؤال آخر!!
قلت مقاطعا مهللا : أنا لم أفرغ مما أريد!
إن الذين يزعمون أنهم يحتكمون إلى القرآن وحده مخادعون ماكرون فهم يجعلون إنكار السنة مرحلة يقفزون بعدها إلى مرحلة أخرى, إلى القرآن نفسه, انتفض صاحبى كأنه قد لدغ قائلا: هل ينكرون القرآن قلت: إنهم أخبث من هذا إنه يلجأون إلى طريق آخر, فالواقع أنهم لا يريدون قرآنا ولا سنة لكنهم يبغون مواجهة القرآن بالرفض والتشكيك فيلجأون للحيلة والتضليل فمثلا يزعمون أن سيدنا عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة وألغى سهم المؤلفة قلوبهم وما دام ثانى الخلفاء فعل ذلك ـ كما يزعمون ـ فهم على آثار عمر مقتفون فلا بأس إذًا أن يتناولوا نصوص القرآن بالإلغاء أو الوقف أو التقييد.
قال صاحبى متسائلا فى نزع كأنه يسمع أول مرة هذا الزعم بأن عمر أوقف حد السرقة وألغى سهم المؤلفة قلوبهم : هل يملك أحد كائنا من كان أن يلغى نصا من كتاب الله أو يوقف عمله؟.
قلت على الفور مبادرا : دع أسئلتك وتداعياتها الآن واسمع منى فلعلك تجد الإجابة فيما أقول لك؟ قال : لك ما تريد. قلت : هذه أكذوبة قديمة وحيلة رديئة كما قلت وصاحبك قليل البضاعة ضحل المعلومات حديث عهد بملاعب المفترين والشياطين فلما طالع هذه الفرية خيل إليه أنه عثر على ضالته, فلا بأس بأن يستعملها ويلقيها فى ملاعب الرأى والجدال يبرر بها ما يريد أن يفعله مع القرآن الكريم لكن هيهات هيهات فلن يصلوا إلى هدفهم, إن أغلب هؤلاء عندهم رغبة مدفونة فى حب الظهور لم يحققوها فى مجالهم فبعد أن لفظتهم الدنيا التى يلهثون وراءها ولم ينالوا منها أخذوا يبحثون عن مجال يظهرون فيه فسولت لهم أنفسهم أمرا فصبر جميل والله المستعان. على أن هناك آخرين يمارسون هذا اللون لكنهم والحق يقال أكثر اطلاعا وأكثر دراية وأكثر مكرا نشأوا على هذا المنهج وليسوا طارئين عليه كمن يبحثون عن عمل يمارسون وشغل يسدون به فراغا فى نفوسهم بعد أن انصرف الناس عنهم يقول هؤلاء يبغون تعطيل النصوص القرآنية والعبث بها بزعم أن هذا هو واجب التفاعل مع النصوص داعين الناس إلى التفاعل الإيجابى ـ هكذا ـ مع نصوص القرآن!!! أليست هذه خدعة رائجة فى هذا العصر, لا أنكر أنهم يملكون ذكاء فطريا دون شك لكنه شيطانى وأصحاب اطلاع وافر أشهد به لا يقدر عليه صاحبك الكهل الآن حيث ذهب أكثر عمره. ومع الذكاء والاطلاع لا تخطىء العين فيهم ظلالا ماركسية. يقولون مثلا : لقد كان هناك ((ديالكتيك)) صاعد بين القرآن والمجتمع فى عصر النبوة, أما الآن, فثمة ديالكتيك هابط بفعل ـ ما زعموه ـ من تخلف أدى إلى تقديس النص ـ هكذا ـ ولعلك تعلم أن مصطلحات الماركسية المشهورة ـ ((الديالكتيك)), ((والجدلية)) ـ فهذه مسلمات لا تقبل الجدل ولا النقاش ولا حتى السؤال عن معناها فى الفقه الماركسى.
فهو يقول: إن القرآن كان ينزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحكم من الأحكام ثم ينزل بعد ذلك تخفيف للحكم أو تدرج فيه ـ فصاحبنا الخليط من الماركسية والتغريب ـ يزعم أن هذه تفاعل بين القرآن والمجتمع أو الناس مع النص فكان التغيير إلى الأحسن والأيسر, أما الآن فلا, ولنا أن نسأل ما الذى يريده الآن بعد انتقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم وبعد انقطاع الوحى؟
إنه يريد تحوير النصوص بفعل ما يسميه((ديالكتيك)) صاعد لصرفها عن معناها, تأمل هى نفس الدعوة ونفس الهدف لكن صاحبنا أكثر دراية واطلاعا كما قلت من المتقاعد العجوز!! لكن هل يملك أحد أن يعطل نصا فى كتاب الله ؟ ـ أبدا..
هم ينسبون ذلك لعمر ولا يمكن لشخص كائنا من كان أن يلغى نصا من كتاب الله كذلك يزعمون مع سهم المؤلفة قلوبهم, صاحبنا الشاب الماركسى المطلع يفهم ذلك جيدا يعرفه ويعرف الرد عليه تماما أما صاحبك المتقاعد العجوز فهو مسكين لا يعلم شيئا ولا يستطيع ولا هو قادر على أن يفعل بعد فوات العمر إنما رأى الشبهة ولقلة اطلاعه تصور أنها جديدة وطازجة فقدمها فرحا بها مبهورا دون أن يدرك أنها منتهية الصلاحية فهو قليل الخبرة حديث عهد بمجال الشبهات الفاسدة طامح إلى الشهرة بغير حدود.
قلت لصاحبى: سوف أفرد بإذن الله مقالا لهذه الشبهات القديمة البالية. أبادر فأقول: إنه ليس من عندى لكن من التراث بأقلام الأساتذة العلماء أهل التخصص, حتى أريك أنها شبه فاسدة منتهية الصلاحية ضبطتها أجهزة الفحص الرشيدة فى حينها وألقت بها فى محرقة المخلفات صونا للمجتمع والناس. لكنى أقول لك باختصار : إن أى حد من حدود الله ـ تعالى ـ مثل الزنا والخمر والسرقة له شروط فليست المسألة اهتبالا للانتقام من البشر بل هو عدل ينبغى أن يسود وتقويم وعلاج يقدم لمرضى وليس ش**ة انتقام مرذولة, فثمة شروط فى الشىء المسروق والمكان الذى سرق منه, فإذا لم تنطبق الشروط فهل تقطع يد الرجل الذى أخذ المال بزعم أنه سارق.
فإذا قال حاكم عادل وفقيه مستقيم الفقه سليم الصدر لا تقيموا الحد, فواقعة السرقة لم تتحقق وهل يُلقى فى وجه المتعطشين للدم أو الراغبين فى التحلل على السواء أنه يعطل النص ولا يقيم الحد؟!!.
إن الأمر فى الإسلام جد مختلف عما يشيع المرجفون ويتلهف المتشددون فليس الإسلام متعطشا للدم ولا لقطع الرقاب والأيدى فعلماء الحديث وعلماء الفقه أيضا عندما يتكلمون فى ((أبواب الحدود)) يصدرون الباب بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((ادرأوا الحدود بالشبهات))(أخرجه ابن سعد)كلهم يفعل ذلك بلا استثناء من غير اتفاق مدبر أو مفتعل, إنما هى سماحة الدين نفسه تنساب من قلوبهم وأفكارهم وتسطر أقلامهم ما نطق به الصادق المصدوق الرحمة المهداة صلى الله عليه وآله وسلم فشعار المسلمين لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة فهل لو أن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ طبق شروط القطع ووجدها لم تتوافر فى المختلس أو خائن الأمانة يلام من جهة المتشددين ويتهم من جهة المتسيبين المفسدين أما من وسط عاقل أليس منكم رجل رشيد يقول إن عمر أعمل النص بشروطه التى أظهرتها رحمة الدين نفسه كما أن سهم المؤلفة قلوبهم معلول لعلة وكما يقولون : المعلول يدور مع العلة وجودًا وعدما كما وردت فى حيثيات الإلغاء لو كلف نفسه بالاطلاع على سيرة عمر وهذا ما تقتضيه أمانة البحث وأظن أن فى ذلك كفاية.
بادرنى صاحبى قائلا: مهلا ثمة أسئلة أخرى. قلت لصاحبى: مرحبا بالأسئلة, لكنه قد يتملكنا العجب عندما نجد أناسا فى موكب تجديد الخطاب الدينى يهرولون ويسرعون دون وعى أو إخلاص, لقد فاجأهم الزعيم بهذه الدعوة الرشيدة, فهم يهتفون دون وعى بموقفهم, أين كانوا يقفون بالأمس, ولمن يهتفون؟ فلهؤلاء وهؤلاء نستعير كلمة للعقاد نختم بها, قالها لمن شغبوا عليه فى ميدان السياسة, قال رحمه الله: ((إيه يا خفافيش السياسة, أعثيتم نفوسنا, أعثى الله نفوسكم الضئيلة, لا هوادة بعد اليوم, السوط فى اليد وجلودكم لمثل هذا السوط خلقت, وسنفرغ لكم أيها الثقلان)).