
23/07/2025
السيدة التي في الصورة أمامك الآن خرجت من بيتها في إحدى قرى منفلوط، ترتب عباءتها وتثبت نقابها، وتُحكم إغلاق حقيبتها التي تضم أغلى ما تملك: حقنة الإنسولين التي تُبقيها على قيد الحياة، لم تكن تحمل حلمًا كبيرًا في هذا الصباح، فقط كانت تتمنى أن تصل إلى محل عملها بمستشفى منفلوط المركزي في الموعد، دون أن تسقط في دوار السكر أو تأخر المواصلات.
لكن الطريق لم يكن رحيمًا...ركبت سيدة منفلوط التوك توك، وجلست على المقعد الخلفي، وبجوارها جلس طفل لا يتجاوز العاشرة، نجل السائق... أخرجت من حقيبتها بعض النقود، فبدت إبرة الإنسولين لوهلة وسط ما تحمله من أدوات طبية معتادة لمريض مزمن، لكنها لم تكن تدرك أن هذا "الظهور العابر" ستدفعها ثمنًا فادحًا.
الطفل، ببراءة مشوشة، صرخ...لم يستوعب ما رأى، ولم يجد تفسيرًا سوى ما رسخته بعض القصص والصور الذهنية عن "الحقن" و"المخدرات". خاف، وصرخ، وارتبك السائق.
وهنا بدأت المأساة...السائق أوقف التوك توك فجأة، دون أن يسأل أو يستوضح، فقط راح يفتش في حقيبتها بعنف وارتباك. وحين رأى حقنة الإنسولين، لم يرَ علاجًا، بل رأى "خطرًا على ابنه"، فصرخ بدوره، ودفعها خارج التوك توك.
لم تمر ثوانٍ حتى بدأ التجمع... المارة، وهم أيضًا أسرى الصور النمطية والهلع الجماعي، انهالوا عليها بالسباب والضرب، لا يسمعون صراخها وهي تقول:
"أنا مريضة سكر… دي أدوية… والله أدوية!"
لكن لا أحد يسمع، لأن الجهل حين يصرخ، يُسكت كل شيء.
أحدهم استدعى الشرطة اللي لولا حضورها بسرعة كانت الأهالي تفتك بها... تلك السيدة التي خرجت من بيتها فقط لتعيش، وجدت نفسها محاطة باتهام لا تُجيد حتى الدفاع عنه، لأنه ببساطة لا يملك من المنطق شيئًا.
سيدة منتقبة… تحمل حقنًا… في توك توك…؟
هكذا فُسرت كل المؤشرات، وهكذا سُحقت إنسانيتها.
أمام الجميع، وبلا تحقيق أو سؤال، تحولت إلى "مُشتبه بها"، تحمل وصمة لا ذنب لها فيها، تُضرب وتُهان وتُذل، لأن أحدهم لم يتعلم أن يسأل أولًا… أو يصبر ثانيًا.
في النهاية، أثبتت التحقيقات أنها لا تحمل إلا دواءً، وأن قلبها أنظف من كل من اعتدى عليها، لكن من يُعيد كرامة سُلبت في الشارع؟ من يُعيد إليها ثقتها في المجتمع؟ من يمحو من عينيها نظرة الرعب والخذلان؟
يا سيدة منفلوط، نحن نعتذر، ليس لأننا فُوجئنا بما حدث، بل لأننا لم نُفاجأ.
نعتذر لأننا نعيش في مجتمع يسرع في الحكم، يفتك بمن لا يعرفه، ويُقدّس الظن، ويُقصي الحقيقة.
نعتذر لأن "الجهل" كان أقوى من "الدواء"، ولأن "الشك" كان أسبق من "السؤال"، ولأن "الخوف" أصبح هو القانون.
أرجو أن يكرمها المحافظ ومدير أمن أسيوط ووكيل وزارة الصحة ويقدما لها اعتذاراً لها لعله يطيب خاطرها🙏
أرجو كمان إنهم يجيبوا حقها من كل واحد مد أيده عليها، وكل واحد شتمها وقل أدبه عليها.
كل المجتمع يعتذر لـ