
19/09/2025
د. أحمد توفيق، عضو هيئة التدريس بجامعة طرابلس: حين بكت اللحية وسكت العدل!!
في مشهدٍ مُضحك مُبكٍ، كلنا شاهد أحد المنتسبين لوزارة الداخلية أمس والدموع تتدافع في عينيه عبرة، يستنكر علنا على (ولاة الأمر !!) لأول مرة في حياته!
ليس على المظالم التي رآها بعينيه لسنوات من دماء تُسـ(فك)، أو أعراض تُنتهك، أو بيوت وأحياء تُدمَّر، أو فساد يستشري في كل زاوية… كلا.
كل هذا مرّ أمامه ساكنًا، بل كان يمنع غيره من الإنكار العلني على تلك الكبائر.
لكن هذه المرة اختلف الأمر. لماذا؟
لأنه طُلب منه حلق لحيته!
فجأة، اتضحت القضية عنده أنها "محاربة لدين الله"، وصارت اللحية آخر قلاع الدين في نظره.
هنا يظهر تسطيح الدين وتشويهه بأوضح صورة حينما يُختزل الإسلام في شعرة على الوجه، بينما تُسكت صرخاته في مقاصده الكبرى كإقامة العدل، ورفع الظلم، ومحاربة الفساد، ونصرة الضعفاء.
حين تصير الكبائر سياسة لا يُنكر عليها، وتصير السنن الشكلية معركة فاصلة بين الحق والباطل!!
إنها ازدواجية خطيرة: ولاء للسلطة حين يُنتهك الإنسان، واستبسال في الدفاع عن المظاهر حين تُمسّ الشعائر الشكلية.
ليست هذه غيرة على الدين، بل تشويش وانقلاب في سلّم القيم، حتى غدا الدين عند بعضهم مجرّد شَعرٍ في الوجه، لا رسالة إصلاح تهزّ أركان الظلم.
نعم.. اللحية سنة… لكن الدين أوسع..
فاللحية في ذاتها سنة معتبرة لا جدال في فضلها، ولا ينكر أحد مشروعيتها.
لكن المصيبة أن تتحوّل من سنة إلى جوهر الدين كله، ومن علامة شخصية إلى معركة الأمة الكبرى، بينما تُهمّش القضايا الأهم!!
إن الدين أعظم بكثير من أن يُختزل في شكل أو رمز، بل هو منظومة إصلاحية شاملة: عبادة، أخلاق، عدل، ومقاصد عليا تحفظ الإنسان والمجتمع!
وإلى أن نعيد ترتيب أولوياتنا ونفهم أن العدل قبل الشكل، وأن الجوهر قبل المظهر، سيظل بعض الناس يبكون على لحاهم، بينما يسكتون عن دماءٍ تُسـ(فك) وأوطانٍ تُنهب!!