
08/07/2025
تأمين شبكات الاتصالات ومراكز البيانات: دروس مستفادة وتحديثات ضرورية
لا يوجد نظام مضمون بنسبة 100% ضد الأعطال، لكن يمكن تصميم بنية هندسية تقلل من تأثير أي أزمة وتمنع تكرارها. في أعقاب الأزمة التي شهدها سنترال رمسيس، بات من الضروري إعادة تقييم وتحديث البنية التحتية الحيوية للاتصالات في مصر، مع الأخذ في الاعتبار أحدث التطورات في مجال الشبكات، مراكز البيانات، وتأمين الاتصالات.
لقد اتخذت الدولة خطوات إيجابية في تحديث شبكة الألياف الضوئية وربط آلاف المدارس والقرى والمدن الجديدة، بالإضافة إلى تطوير السنترالات القديمة لتصبح رقمية بالكامل. ومع ذلك، لم يكن ما حدث مجرد "حريق في مبنى"، بل كان انقطاعًا لخدمة حيوية، مما يؤكد الحاجة إلى إعادة التفكير في تصميم البنية التحتية الحرجة للاتصالات (Critical Telecom Infrastructure).
حلول جذرية لتعزيز مرونة البنية التحتية للاتصالات
للحد من تكرار الأزمات وضمان استمرارية الخدمات، إليك تحليل هندسي للحلول الجذرية، مع دمج أحدث التقنيات والممارسات:
1. الفصل الوظيفي والجغرافي (Functional and Geographic Segregation)
يكمن الخطأ الأساسي في قيام السنترالات بأكثر من دور في آن واحد (توجيه مكالمات أرضية، تجميع الإنترنت، ربط شركات المحمول، مركز بيانات ضخم، بوابة ربط دولي).
الحل: يجب فصل هذه الأدوار جغرافيًا ووظيفيًا. على سبيل المثال:
* سنترالات توجيه المكالمات المحلية والإنترنت: تظل في مواقعها مع التركيز على وظيفتها الأساسية.
* مراكز تجميع الإنترنت (Internet Aggregation Points): يمكن أن تكون منفصلة وتستضيف أجهزة توجيه عالية السعة.
* مراكز البيانات (Data Centers): يجب أن تكون منشآت مستقلة ومخصصة بمعايير أمنية وتشغيلية عالية، مع توفير مساحات مخصصة لاستضافة تجهيزات شركات المحمول وبوابات الربط الدولي. هذا الفصل يضمن أن أي عطل في جزء واحد لا يؤثر على المنظومة بأكملها.
2. توزيع الأحمال والشبكات (Network Redundancy and Distributed Architecture)
لا يمكن لشبكة الاتصالات أن تعتمد على مفهوم "المركزية". يجب أن تعمل بمفهوم البنية الموزعة (Distributed Architecture).
الحل: يتطلب ذلك وجود مراكز بيانات رئيسية (Core Data Centers) ونقاط تجميع رئيسية (Core Routers and Interconnect Hubs) في 4 أو 5 مدن رئيسية على الأقل (مثل القاهرة، الإسكندرية، الدلتا، الصعيد، والقناة). يجب أن تكون كل نقطة قادرة على العمل كبديل للأخرى أو أن تتولى المهام تلقائيًا في حالات الطوارئ من خلال:
* مسارات متعددة للكابلات (Diverse Cable Routes): ضمان وجود مسارات متعددة للكابلات بين المواقع المختلفة، بحيث لا يؤثر قطع كابل واحد على الخدمة.
* بروتوكولات التوجيه الديناميكي (Dynamic Routing Protocols): استخدام بروتوكولات توجيه متقدمة تسمح بإعادة توجيه حركة المرور تلقائيًا وفوريًا في حالة تعطل مسار أو نقطة.
* الشبكات المعرفة بالبرمجيات (Software-Defined Networking - SDN): يمكن لـ SDN أن توفر مرونة أكبر في إدارة وتوجيه حركة المرور، مما يتيح استجابة أسرع وأكثر كفاءة للأعطال.
3. تحديث البنية التحتية بمعايير Tier-III أو Tier-IV (Data Center Tier Standards)
يجب أن تلتزم مراكز البيانات والسنترالات الكبرى بمعايير Uptime Institute لضمان أعلى مستويات التوافرية.
المتطلبات الأساسية تشمل:
* أنظمة إطفاء حريق أوتوماتيكية (Automatic Fire Suppression Systems): مثل FM-200 أو أنظمة الغازات الخاملة (Inert Gas Systems) لسرعة إخماد الحرائق دون إلحاق ضرر بالمعدات.
* مصادر طاقة احتياطية مزدوجة (Redundant Power Systems): توفير نظام طاقة غير منقطع (UPS) ومولدات كهربائية احتياطية (Generators) مع ربط مزدوج بشبكة الكهرباء العامة لضمان عدم انقطاع التيار.
* أنظمة تبريد N+1 أو N+2 (N+1 or N+2 Cooling Systems): لضمان استمرارية التبريد حتى في حالة تعطل إحدى وحدات التبريد.
* توزيع الكابلات في غرف منفصلة ومحكمة (Segregated and Secured Cabling): تصميم البنية التحتية للكابلات بحيث تكون مقاومة للحرارة والرطوبة وذات مسارات منفصلة لتقليل مخاطر الأعطال المتتالية.
4. استخدام الذكاء الاصطناعي والصيانة التنبؤية (AI-based Predictive Maintenance)
يمكن لأنظمة الصيانة التنبؤية القائمة على الذكاء الاصطناعي أن تحدث ثورة في مراقبة البنية التحتية.
التطبيق: يجب تركيب أنظمة AI-based Predictive Maintenance في السنترالات ومراكز البيانات الكبرى. هذه الأنظمة تراقب باستمرار:
* درجات حرارة الخوادم.
* استهلاك الطاقة.
* مستويات الرطوبة.
* ضغط المراوح.
* أداء الشبكة (Network Performance).
* الاكتشاف المبكر للشذوذ (Anomaly Detection).
الفوائد: تقوم هذه الأنظمة بتشغيل إنذارات مبكرة في حال خروج أي قيمة عن المعدلات الطبيعية، مما يتيح التدخل قبل حدوث الأعطال. هذا هو النهج الذي تتبعه شركات عالمية مثل أمازون ومايكروسوفت في مراكز بياناتها.
5. تطوير خطط التعافي من الكوارث والتدريب الفعلي (Disaster Recovery Planning and Drills)
وجود خطة مكتوبة للتعافي من الكوارث (Disaster Recovery Plan) ليس كافيًا.
التحسين: يجب إجراء تدريبات حقيقية (Drills) على سيناريوهات الكوارث كل 6 أشهر على الأقل. تشمل هذه السيناريوهات:
* الحرائق.
* انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع.
* الهجمات الإلكترونية (Cyberattacks)، بما في ذلك هجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS) واختراق الأنظمة.
* الكوارث الطبيعية.
الهدف: من خلال هذه التدريبات، يتم تحديد مدى جاهزية الأنظمة والأفراد، وتحديد الثغرات، وضمان أن كل خدمة يمكن أن تعمل من موقع بديل، وكيفية تفعيل ذلك بشكل فعال وسريع.
6. الأمن السيبراني المتقدم وحماية البنية التحتية (Advanced Cybersecurity for Critical Infrastructure)
مع تزايد الاعتماد على الشبكات الرقمية، أصبح تأمينها أولوية قصوى.
التحديثات:
* أنظمة كشف ومنع التسلل (Intrusion Detection/Prevention Systems - IDPS): نشر حلول IDPS متقدمة لمراقبة حركة المرور واكتشاف الأنشطة المشبوهة أو الهجمات في الوقت الفعلي.
* تقسيم الشبكة (Network Segmentation): تقسيم الشبكة إلى شرائح أصغر ومنفصلة لتقييد حركة المهاجمين في حال اختراق جزء من الشبكة (Zero Trust Architecture).
* المصادقة متعددة العوامل (Multi-Factor Authentication - MFA): تطبيق MFA لجميع عمليات الوصول إلى الأنظمة الحساسة.
* الاستجابة للحوادث (Incident Response): تطوير فرق متخصصة للاستجابة السريعة والفعالة لأي حوادث أمنية.
* الامتثال للمعايير الدولية (Compliance with International Standards): الالتزام بالمعايير الأمنية العالمية مثل ISO 27001 و NIST CSF.
نحو شبكة قومية مرنة وذكية
إن التركيز الآن يجب أن ينصب على المرونة (Resilience) والتقسيم (Segmentation) والمراقبة الذكية (Smart Monitoring). ما حدث في سنترال رمسيس يجب أن يكون دراسة حالة حقيقية (Case Study) لتطوير الشبكة القومية، وليس مجرد أزمة يتم تجاوزها. من خلال تبني هذه الممارسات والتحديثات، يمكن لمصر بناء بنية تحتية للاتصالات قوية، آمنة، وقادرة على الصمود أمام أي طارئ.
#رمسيس #حريقـرمسيس #حريق #مصر