بصائر من القرآن

بصائر من القرآن قرية كتامة مركز بسيون القرآن لهُ سطوة إذا حلت على القلب بدلته إلى جنة كأن الروح مع القرآن تغتسل من أدران الدنيا تأثيره على القلب كتأثير الغيث على الأرض

بسم الله الرحمن الرحيم وان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله (صدق الله العظيم )....اكتاب مع ...
10/09/2025

بسم الله الرحمن الرحيم
وان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله (صدق الله العظيم )....
اكتاب مع كتاب الله ما ضل الامم السابقه الا بما اكتتبوا مع كتاب الله (النبى الكريم محمد عليه الصلاة والسلام )
انما اهلك الناس حيث اتبعوا احاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم ( الامام على كرم الله وجهه ) ....
ان اناسا قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتابا فاكبوا عليه وتركوا كتاب الله وانى والله لا البس كتابا اخر مع كتاب الله
(عمر بن الخطاب رضى الله عنه) ....

07/09/2025

قال تعالى:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ الفرقان: 63.

هذه الآية تضع الملامح الأولى لشخصية "عباد الرحمن" التي يقدّمها القرآن كنموذج إنساني متفرّد.
وعند التدبر يظهر لنا عمق الاختيار القرآني للمصطلحات بحيث تكشف كل كلمة عن بُعد وجودي وفكري يتجاوز الفهم السطحي المألوف.

لماذا "عباد الرحمن"؟

لم يقل القرآن "عباد الله" أو "عباد العزيز" بل قال "عباد الرحمن".

الرحمن : هو الاسم الجامع بين الرحمة والعقاب أي الرحمة المطلقة التي قد تقتضي العقوبة رحمةً بالحق والعدل

﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ (مريم: 45).
فالمؤمنون في امتحان الدنيا يتعاملون مع ربٍّ وصف نفسه بالرحمن فيتطلعون إلى رحمته ويخشون عذابه فيتحقق التوازن المطلوب بين الأمل والرهبة.

الفرق بين "عباد" و"عبيد"

عباد : وردت في القرآن غالبًا للدلالة على البشر في الدنيا وهم في موقع الاختيار والامتحان مثل:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ (الزمر: 53).

عبيد : استُعملت لتوصيف البشر يوم الحساب حين يسقط عنهم الخيار ولا يبقى إلا سلطان الله :

﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا﴾ مريم: 93.

إذن فالتعبير بـ"عباد الرحمن" يرسّخ فكرة الامتحان الإنساني:
أنت عبد مخير اليوم وسيُحاسبك الله غدًا كعبد له بلا خيار.

المشي على الأرض : منهج حياة

"المشي" في القرآن كثيرًا ما يُستخدم بمعنى المنهج والسلوك لا مجرد الحركة الجسدية :

﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾ (لقمان: 19).

"الأرض" هنا ليست مجرد التربة أو المكان بل هي مجال التطبيق لأوامر الله العليا
(السموات) أي الميدان العملي الذي تُختبر فيه المبادئ الإلهية.
و"هونًا": أي بسكينة واتزان بعيدًا عن التكبر أو الصخب لأن المؤمن يرى نفسه أداة لإحقاق القيم لا أداة للتسلّط.

"وإذا خاطبهم الجاهلون"

"الخِطاب" في القرآن يدل على توجّه كلامٍ من موقع فوقي أو في إطار مجادلة وليس مجرد القول العابر .
"الجاهلون" ليسوا فقط غير المتعلمين بل كل من يتصرّف بسطحية أو انفعال أو عدوانية تُعكر السلم المجتمعي.

"قالوا سلامًا"
القول في القرآن تعبير عن الذات وهو غير النطق الذي يعبر عن الاخرين هو تعبير عن موقف داخلي يترجم إلى فعل أو توجه .
فسلامهم ليس انسحابًا سلبيًا بل فرضٌ لقيمة السلام كخيار حضاري يقطع الطريق على تعكير صفو المجتمع.
وهذا منسجم مع آيات أخرى:

> ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت: 34).

تصف هذه الآية معالم الشخصية القرآنية في زمن الامتحان:

1. عباد الرحمن : أناس أحرار في اختيارهم يعيشون بين رحمة الله ورهبته.
2. منهجهم على الأرض : سلوك متزن قائم على التطبيق العملي للأوامر العليا.
3. تعاملهم مع الجاهلين وعيٌ يتجنب الاستفزاز ويؤسس لسلام مجتمعي راسخ.

بهذا المعنى لا تقدم الآية وصفًا سطحيًا للمشي أو القول بل ترسم خارطة وجودية للإنسان المؤمن: منهج متزن على الأرض، يعكس انتماءه إلى الرحمن في الامتحان .

دروس عملية لنا اليوم

أن نعيد النظر في سلوكنا اليومي باعتباره "مشيًا على الأرض" أي منهجًا يعكس قناعاتنا أمام الناس.
أن ندرك أن الجدل العقيم مع "الجاهلين" لا يزيد إلا فرقة بينما السلام الواعي يُنهي الخصومة قبل أن تتضخم.
أن نستلهم من صفة "عباد الرحمن" التوازن بين الأمل برحمة الله والخوف من عذابه فلا يُغري بنا الأمل ولا يُقعدنا الخوف.

أن نعي أن الأرض ليست ساحة صراع للهيمنة بل مجال امتحان لتطبيق قيم السماء:
العدل، الرحمة، والسكينة .

04/09/2025

"كتاب الله والوكالة المحتكرة"

تفتتح الآية الكريمة من سورة النساء بحقيقةٍ قاطعة:

﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ (النساء: 132).

هذه الاية الموجزة تختصر نظام الإيمان كلّه:
المرجعية المطلقة والوكالة الكاملة لله وحده.
لكنّ الكهنوت الديني الذي صنع دينًا موازيًا لم يجد حرجًا في إقصاء هذه الحقيقة لصالح فكرةٍ بائسة:
احتكار وكالة الله على الناس.

كهنوت الدين وادعاء "الوكالة الحصرية"

أقاموا سدودًا بين الناس والقرآن تحت ذريعة "الحماية من الانحراف" ليظلّ التفسير بيد نخبةٍ تدّعي العصمة المعرفية.
فصار القرآن كتابًا يُتلى في الجنائز والمناسبات بينما التشريع والوعي والإيمان العملي يُسحب شيئًا فشيئًا إلى بطون الروايات.
هؤلاء الكهنوت تجاهلوا قوله تعالى:

﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ (الأنعام: 114).
﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ (الأعراف: 3).

من تفصيل القرآن إلى "الملاحق البشرية"

بلغ الغلوّ حدّ إقناع الناس أنّ أحاديثهم البشرية ليست فقط مفسّرة للقرآن بل هي ملاحق مُكمِّلة و"تصويبات لاحقة" لنصٍّ إلهيٍّ زعموا أنه ناقص البيان!
والحق أن الله قال:

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89).
﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 38).

فأيّ جرأة أكبر من وضع "المرويات الظنّية" في مقام "الوحي المحكم"؟!

الرسول الحيّ: القرآن لا غير

الآية تقول بوضوح:

﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ (الشورى: 52).

هذا "الروح" هو القرآن نفسه وهو الرسول الأبدي الحيّ الذي يخاطب العقول إلى يوم الحساب.
أما تحويل النبيّ ﷺ إلى مشرّعٍ مستقلّ عن الوحي أو شفيعٍ مضمونٍ بتمتمات فليس إلا صورة من صور الغلوّ الذي نهى عنه القرآن.

الخلاصة
لقد أقنع الكهنوت الناس أنّ الله فوّضهم وكالةً حصرية على القرآن بينما النصّ نفسه يفضحهم:
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾.
فإذا كان الله وكيلًا كافيًا فما حاجة المؤمن لوكيلٍ بشريّ يفرض وصايته باسم "التفسير المعتمد"؟
أليس هذا أشبه بادّعاء "محامي دفاع عن الله"؟!

القرآن كاملٌ مفصَّلٌ قائم بذاته باقٍ إلى يوم الحساب.
ومن هجره ليلتصق بمروياتٍ بشرية فقد قال الله فيه:
﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (الفرقان: 30).

عجبًا لهؤلاء الكهنة:
نصبوا أنفسهم وكلاء عن الله بلا توكيل وزعموا أنّهم مكمّلون لكتابٍ وصف نفسه بالتمام والإحكام!
وكأنّ الله حاشاه أرسل للناس «مسوّدة أولية» بانتظار أن يُهذّبها البشر.

فيا قوم:

"اتّبعوا ما أُنزِل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء" الأعراف: 3

فإن كفى بالله وكيلاً فبأيّ منطقٍ يحتاج وكيلَ فرعٍ بشريٍّ اسمه التراث ؟!

29/08/2025

اشهار الغموض

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٨٥﴾ سورة البقرة.

نتدبر الآية على شكل سؤال وجواب

رمضان في الاية ليس شهرٍ زمني كما يتضح من السياق فالقران تنزل خلال اكثر من عشرين عاما

"وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا ‎﴿الإسراء: ١٠٦﴾‏"

بل رمضان هو حالة غموضٍ شديده والقرآن أنزل ليكشف عنه — ومن شهد/علم ذلك فعليه التمسك بالفرقان عملاً وسلوكًا .

ثلاث رسائل عملية للمتدبر:
تدبّر القرآن هو مفتاح الخروج من حالة الغموض.
«الصيام» في هذه الآية = تَمَسُّك عملي بالهدي (لا اختزال للطاقة الشكلية).
التدرج مطلوب: من لم يتهيأ بعد
ف له فرص إعداد لاحقة والله يريد اليسر لا العسر.

ساصيغ التدبر على شكل أسئلة وأجوبة بحيث يكون السؤال هو مفتاح الفهم والجواب مستخرج إمّا مباشرة من الآية (البقرة 185) أو من منظومة القرآن المتكاملة:

س1: ما الغرض من نزول القرآن؟

الجواب: {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.

الغاية إذن:
هداية عامة للبشرية وبيان واضح يفرق بين الحق والباطلةليُخرِج الإنسان من غموضه.

س2: ما معنى المصطلح "شَهْرُ رَمَضَانَ" ؟
الجواب: "شهر" من الإشهار = الوضوح والإعلان و"رمضان" من الرمض = شدة الغموض أو الالتباس.

المعنى: إشهار الغموض الشديد الذي يواجه الإنسان في فهم الوجود والحقائق.

ومن هنا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} أي أن القرآن أُنزل بسبب ذلك الغموض العسير ليكشفه ويُوضّحه.

س3: ماذا يترتب على من يشهد هذا الشهر؟
الجواب: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.
أي من أدرك حالة الغموض ثم عاين بيان القرآن لها فعليه أن يصومه

أي أن يدخل في حالة انضباط عملي والتزام سلوكي بما كشفه الوحي لا مجرد إمساك جسدي عن الطعام.

س4: ماذا عن من لم يستطع (المريض أو المسافر/العجز المؤقت عن الفهم)؟
الجواب: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
أي أن من لم يتهيأ بعدةأو كان في ظرف يعيقه عن التدبر العميق والالتزام فله فرص لاحقة للإعداد والتدرج.
التشريع هنا قائم على التيسير والرحمة لا على العسر.

س5: ما مقصد الله من هذه المنظومة؟
الجواب: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
الهدف: التربية على التوازن لا إثقال الإنسان ولا تعذيبه بل توجيهه بخطوات تناسب طاقته.

س6: لماذا الحديث عن "إكمال العدة"؟
الجواب: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}.
أي أن التجربة الروحية ينبغي أن تكتمل لتؤتي أثرها حتى يبلغ المؤمن وعيًا كاملًا بمقاصد الوحي مثلما اكتملت كلمة الله {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}.

س7: ما الغاية الكبرى النهائية؟
الجواب: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
الغاية: أن يعترف الإنسان بعظمة الله الذي هداه بالقرآن ويترجم ذلك إلى شكر عملي عبر التمسك بالحق وترك الباطل.

الرسائل العملية للقارئ

1. تدبّر القرآن: هو مفتاح الخروج من حالة الغموض (رمضان).

2. الصيام = التمسك العملي بالهُدى لا مجرد إمساك جسدي عن الطعام.
3. التدرّج واليسر جزء من المقصد: من لم يتهيأ له فرص لاحقة والله يريد التيسير لا العسر.

👈الآية تؤكد أن في حياة الإنسان "رمضانًا" = غموضًا شديدًا.
القرآن أُنزل ليكشف هذا الغموض.
من يشهده (يفهمه) عليه أن يصومه (يلتزمه عمليًا).
ومن لم يبلغ بعدُ فله فرص إعداد لاحقة.
المقصد: هداية، تيسير، تمام، تكبير، وشكر.

"الصيام في كتاب الله : التزام عملي للتقوى وليس مجرد امتناع عن الطعام"

بعد أن تدبرنا الآية 185/البقرة فلنتدبر الآيتين 183–184/البقرة وفهم علاقتهما بالآية 185 بعيدًا عن الفهم المتداول:

س1: ماذا يعني قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}؟

الجواب:
"كُتِب" فعل ماضٍ مبني للمجهول أي أنّ نائب الفاعل مقدر تقديره المؤمنون .

* هذا يعني أنّ المؤمنين هم الذين يكتبون على أنفسهم عناصر الصيام كما كتب الله على نفسه الرحمة (الأنعام: 54).

إذن: ليس الصوم فرضًا مباشرًا من الله
بل التزامٌ وفرضٌ يخطّه المؤمنون على أنفسهم في ضوء غاية {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

س2: ما المقصود بالصيام هنا؟

الجواب:
من الجذر (ص و م) الدال على الإمساك والتوقف والالتزام.

السياقات القرآنية (أحد عشر موضعًا) تشير إلى أنّ الصوم ليس مجرد امتناع عن الأكل والشرب بل
👈انضباط عملي يتوقف فيه الإنسان عن فعلٍ أو سلوكٍ ليُحقّق غاية روحية وأخلاقية.
بالتالي: الصيام هنا = وسيلة عملية للتقوى لا طقس جسدي بدون هدف.

س3: ما معنى {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}؟

الجواب:
ليست 30 يومًا كما قيل إذ لم يذكر العدد النص صراحة.
"معدودات" تفيد التحديد المرن: المؤمنون يحدّدون المدة اللازمة لتحقيق هدف التقوى .

مثال عملي: إذا كتب المؤمنون على أنفسهم إضرابًا عن العمل لتحقيق مطالب عادلة وانتهى الهدف خلال 5 أيام فهذه هي "الأيام المعدودات".

وإذا لم يتحقق إلا بعد 10 أيام فتكون العشرة هي الأيام المعدودات.

إذن: التركيز على الغاية (التقوى) لا على عدد زمني ثابت.

س4: ما معنى {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ}؟

الجواب:
المرض والسفر رمز لحالات تعذّر مؤقت بالمشاركة أو تشتّت القدرة .

الحل: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي أنّ الفرصة مفتوحة لاحقًا دون إسقاط المقصد.
هذا يعكس مرونة المنظومة القرآنية والغاية الحقيقية هي بناء التقوى لا المشقة.

س5: من هم {الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}؟

الجواب:
الجذر أ ط ا ق بعد دخول همزة التعدية يعني تحمّل الأمر على مشقة وجهد زائد فوق القدرة الطبيعية وليس مجرد القدرة السهلة.

إذن {الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} هم الفئة التي تستطيع الصيام فقط بجهد قسري مثل مريض مزمن أو شخص يهدد عمله بالفصل إذا التزم الصوم.
هؤلاء منحوا خيارين:

1. الاستمرار بالصيام رغم المشقة (مع التذكير أن {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ}).
2. أو الفدية (إطعام مسكين) كبديل رحيم.
هذا الفهم يوضح مرونة القرآن ويصحّح الفهم التراثي الخاطئ الذي يربط القدرة المطلقة بالعجز الكلي.

س6: ما موقع {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ}؟

الجواب:
لا يعني الامتناع عن الطعام والشراب فقط بل أن تختاروا مسار الصيام (بمفهومه العملي الأخلاقي) أفضل لكم من تركه.
أثره المباشر هو بناء التقوى وهي الحصن الأصيل للإنسان والمجتمع.

س7: ما الفرق بين الصيام في 183–184 والآية 185؟

الجواب:
الآيتان 183–184 تتحدثان عن كتابة الصيام كأداة عامة للتقوى مع مرونة للفئات غير القادرة، والفدية، والمدة المحددة حسب تحقيق الهدف.

الآية 185 تتحدث عن إنزال القرآن (فقد انزل على مدى 23 عامًا وليس في 30 يوما) لتوضيح الغموض في حياة الإنسان ومن يشهده/يفهمه فعليه "فليصمه" = التمسّك به وتطبيقه عمليًا.

الرابط بينهما ليس في المعنى التراثي (الصيام = جوع وعطش) بل في الغاية المشتركة: الهداية والتقوى بينما المسارات مختلفة.

الخلاصة:
الصيام في 183–184: التزام عملي يخطّه المؤمنون على أنفسهم بأيام معدودات مرنة لتحقيق هدف التقوى مع بدائل للفئات غير القادرة ومقصدُه التقوى وليس مجرد الامتناع عن الطعام.

الصيام في 185: التمسّك بالقرآن وتطبيقه للخروج من الغموض.
الجمع التراثي بينهما جعل
"الصوم = الجوع 30 يومًا"

بينما النصّ القرآني أوسع وأعمق بكثير ويبرز المرونة، الهدف، والغاية العملية .

27/08/2025

لم يكن لكفار قريش مأخذٌ على حديث محمدٍ في مجالسهم ولا عجب فهو بشرٌ مثلهم ولسانٌ من ألسنتهم يحدّثهم بما يفهمون ويجادلهم بما يعرفون.
ولكنّ البلاء العظيم وقع حين أخذ يتلو عليهم آيات الله فإذا هو كلام ليس كالكلام وحديث ليس كالأحاديث.
وهنا وقف الوليد بن المغيرة أبلغهم لسانا وأحدهم بيانا يشهد شهادة تدوي في التاريخ

"والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى عليه"
فأية قوة في البيان تجبر عدوا لدودا على أن يعترف بأن الكلام فوق طاقة البيان؟
وأية هيبة للحق تجعل القلوب تهتز قبل أن تصغي الآذان؟
لقد سجل القرآن حقيقة هذا الرفض المكابر فقال :

﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ (يونس: 15).

لم يقولوا :
"بدل حديثك" أو "غيّر أقوالك" بل طلبوا أن يبدل القرآن نفسه لأنهم علموا أن الحديث البشري لا يهدد سلطانهم أما الوحي فهو الهادم من أساس المزلزل للأصنام المقتحم على الباطل حصونه.
فأتاهم الرد القاطع على لسان النبي صلى الله عليه وسلم :

﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ (يونس: 15).

هنا تتجلى الحقيقة :
النبي بشر يبلغ والرسول الحق هو الوحي نفسه القرآن الكريم الحي الباقي إلى قيام الساعة.

ومن عجبٍ أن القوم ما جحدوا أحاديث محمد الخاصة ولكنهم جحدوا القرآن لأنه رسول أبدي لا يساوم ناطق باسم الحق وحده لا يشترى ولا يغيَّر ولا يُبدَّل.

وهكذا يبقى القرآن رسول الله إلى الناس كافة لا يموت بوفاة محمد ولا يدفن مع جسده بل يظل يتردد صوته في الأزمان.

﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت: 41–42).

فهو الرسول الحي الباقي الدائم الشاهد الذي يُحاجج الناس جميعا يوم الحساب.
اما الى الذين لا يزالون يصنعون ويتبعون دينا نقلا عن كلام البشر فهم غارقين بضلالهم ولن يجدوا لهم من جهنم شفيعا يوم الحساب!

20/08/2025

الله منزه عن الحلفان
والكثيرون من القراء عندما يمرون على
"تَالله" أو "والله" أو "فوربك"

يظنون فورًا أن الله يُقسم
بينما لو تدبرنا بمنهج متماسك مع بقية القرآن سنرى أن هذا الفهم لا يستقيم مع
تنزيه الله عن الحاجة إلى الحلف .

1. قوله تعالى:

﴿تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ (النحل: 56)

الظاهر التراثي:
"الله يقسم بنفسه أنه سيسألكم".

التدبر القرآني:
"تالله" ليست قَسَمًا بالمعنى البشري (يمين لتوكيد الشك) وإنما أسلوب توكيد إلهي مباشر .

في اللسان العربي اذا قيل "تالله" فهو أقوى صور الجزم والقطع في الكلام لا بمعنى "أقسم"
بل بمعنى "حتمًا / يقينًا / لا مفر".

إذن المعنى: "يقينًا لتُسألنّ عمّا كنتم تفترون".
الله لا يحتاج أن يحلف ليثبت بل يخاطبنا بلساننا الذي نفقه للتوكيد.

مثل قوله:
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ المنافقون:1

هنا الحق بيّن بذاته لكن التعبير جاء بالأسلوب الذي يقطع العذر عن المخاطَبين.

2. قوله تعالى:

﴿تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ النحل: 63

التفسير التراثي:
"الله يقسم بنفسه أنه أرسل رسلاً من قبل.

التدبر القرآني:
إرسال الرسل حقيقة مطلقة لا تحتاج قسمًا.

"تالله" هنا = صيغة قطع لغويّ
تعني "حقًا / باليقين / بالقطع".

أي أن الله يضع المخاطَبين أمام حقيقة لا مجال لإنكارها:
الرسالة ليست أمرًا طارئًا جديدًا مع محمد ﷺ بل سنة ممتدة عبر الأمم.

"تالله" ليست يمينًا بالمعنى البشري.
هي أداة لسانية عربية
تفيد الجزم القطعي صيغت بما يوافق أسلوب المخاطبين ليقطع العذر.

الله منزّه عن "الحلفان" لأنه لا يحتاج شاهدًا خارجيًا ولا توثيقًا.
قوله هو الحق بذاته.

إذن "تالله" في القرآن ليست "يمينًا" بل صياغة عربية للتوكيد المطلق جاء بها الوحي على مقاس لسان الناس: "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ".

19/08/2025

"فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ‎﴿٧٥﴾‏ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ‎﴿٧٦﴾‏ سورة الواقعة"

"فلا" = نفي وردع لما سبق مقدرا

"فلا" هنا جملة قائمة بذاتها
معناها: ليس الأمر كما تزعمون في اتهام القرآن بالأساطير.

ثم تبدأ جملة جديدة:

"أُقسم بمواقع النجوم" = أُبيّن وأُبرز لكم بوضوح مواقع النجوم
(أي النظام الكوني المحكم الذي يشهد على صدق هذا الوحي).

فالآية ليست "حلفان" بل خطاب احتجاج وردع

1. "فلا" = ردّ على مزاعم الكافرين.
2. "أقسم" = أُبيّن وأُفصّل.

هل تتخيلون أن الله جلّ في علاه يبدأ خطابه للبشر بحلفان يقول: "احلف بهذه النجوم كي تصدقوني"؟

الآية تقول: "فلا"
أي: ليس كما تزعمون أيها المكذبون. ثم جملة جديدة: "أقسم بمواقع النجوم" أي أُبيّن لكم بالنظام الكوني الدقيق مواقع النجوم مساراتها انفجاراتها أن هذا القرآن تنزيل رب العالمين.

لكن من لم يستطع الخروج من ثوبهم الذين جعلوا من الله "حلاّفًا" بمخلوقاته .
قرروا أن "فلا" زيادة حشو وأن الله يحتاج أن يُقسم ليقنعهم!

مع أن الله نفسه قال:
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾.
غنيٌّ عن إيمانهم وغنيٌّ عن الحلفان لهم.

الله لا يُقسم ولا يحتاج.

بل يقول:
"ليس كما تزعمون (فلا) أنا أُبيّن لكم بوضوح (أقسم) من خلال مواقع النجوم أن هذا وحي عظيم".

فمن يصرّ أن الله "يحلف" بالنجوم لا يسيء للقرآن فقط

بل يُنزّل مقام الإله إلى مستوى من يستفتح كلامه
بـ والنعمة !!! وحياتك !!!

17/08/2025

الله نجا بني إسرائيل من فرعون
ولم يرفع الظلم عن أهل غزة ؟
لماذا ؟

السؤال في ظاهره بريء لكنه في جوهره يكشف سوء فهم عميق لسنن الله في التاريخ والقرآن .

الله تعالى لم ينقذ بني إسرائيل لأنهم "عرق مميز" أو "شعب مختار" كما يزعم أهل التزوير وعباد المثناة بل أنقذ
👈الباحثين عن الحق فيهم .

فالمعنى القرآني لـ "بني إسرائيل" هم الذين اتصلوا بالوحي وساروا في درب الرسالات لا مجرّد نسل بيولوجي أو دمٍ يجري في العروق كما فسرها اليهود ومن تبعوهم في هذا الفهم من المسلمين التراثيين .

النجاة إذن لم تكن "عرقية" بل رسالية .

موسى عليه السلام لم يأتِ ليؤسس مملكة قومية بل أُرسل ببلاغ رباني واضح :
﴿اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ﴾ طه: 24.
لقد كان تكليفه تحرير المظلومين الباحثين عن الحق من سلطة الطغيان وكانت "العصا" دلالة لسانية لوحدة القيادة الجامعة في موسى لا عصبية الطوائف .

فالسؤال الحقيقي اليوم ليس :
لماذا لم ينقذ الله أهل غزة من الظلم؟
بل :
هل نحن اليوم مؤهلون للنجاة التي وُعد بها الباحثون عن الحق؟

انظر إلى حالنا:

* تفرّقنا إلى طوائف وشيع كل حزب بما لديهم فرحون.

* عبدنا الملالي والدجالين والعجول الجدد بدل أن نعتصم بحبل الله وحده.

* استبدلنا صراط الله المستقيم بممرات ضيقة يجرّنا فيها كل زعيم طائفي حتى صارت دماؤنا وقوداً لمعارك الآخرين.

أما سنن الله فهي واضحة في كتابه لا تتبدل ولا تتحيز :

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

الهداية مشروطة بالجهاد في سبيل الحق لا في سبيل راية حزبية.

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

التغيير يبدأ من الداخل لا من انتظار معجزة سماوية تنقذنا ونحن غارقون في التبعية.

﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الحرية هي أساس المسؤولية ومن يرضَ بالذل ويتنازل عن حقه في التحرر فقد اختار لنفسه مصيره.

إذن النجاة ليست هبة تُمنح لمجرّد الانتماء الجغرافي أو الديني .

بل هي ثمرة الإيمان الفعّال والجهاد في سبيل الحق .

بنو إسرائيل نالوا الخلاص يوم اصطفوا خلف موسى وتحرروا من عبودية فرعون .
أما نحن فكيف نطلب نجاة غزة ونحن نراوح مكاننا بين أهواء الطوائف وأصنام السياسة ؟

إن الله لا يخذل الأبرياء لكنه أيضاً لا يتواطأ مع الغافلين المضللين.

فإذا أردنا نصراً من عند الله فعلينا أن نعيد لأنفسنا هويتنا الحقيقية :
أمة تبحث عن الحق لا أمة تتقاتل على الوهم .

15/08/2025

هناك من يعيش حياته كلها تحت شعار : 👈 مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا

وكأنه جالس في قبو التاريخ يتنفس هواءً راكداً عمره مئات السنين .

هؤلاء يشبهون النعامة التي تدفن رأسها في الرمل معتقدة أن الخطر زال .
بينما جسمها في العراء ينتظر أول صياد عابر !
القرآن لم يُنزَّل ليمدّ لنا أنبوب أوكسجين من الماضي بل ليوقظ العقول
ويقول :
👈 فكّر👈 تدبر👈 قِس👈 تأمّل

ثم اختر الطريق المستقيم بنفسك.

الإيمان ليس وراثة جينية ولا بطاقة انتساب لعائله بل قرار فردي وشجاعة فكرية للسير في نهج القرآن

حتى لو اضطُررت لرفع رأسك من الرمل ورؤية الواقع كما هو .
لا كما حكى لك الجدّ الأكبر .

04/08/2025

" وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ : حين تصبح الحياة حقًا "

في مشهد بالغ الدقة والتوازن، يكشف القرآن عن حقيقة الوجود الإنساني من خلال تمييز جوهري بين الحياة الدنيا والدار الآخرة، ليس فقط من حيث الزمان والمكان، بل من حيث 👈ماهية الحياة ذاتها .
ومن أعمق تجليات هذا التمييز قوله تعالى :

﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۖ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ العنكبوت: 64

هذه الآية ليست فقط مقارنة بين عالمين، بل هي نقد لمفهوم زائف عن "الحياة" حين تُختزل في مظاهرها العابرة، وزخرفها المادي، وانشغالها الباهت بالمنافسة واللهو .

ما معنى "الحَيَوَان" في هذه الآية؟

لفظة "الحَيَوَان" لم تأتِ في القرآن إلا مرة واحدة، في هذا الموضع الفريد، وبوزن صرفي خاص (فَعَلان) يُفيد الامتلاء والغزارة (كما في: غضبان، عطشان، رَيّان).
وهي مشتقة من الجذر (ح ي ى) الذي يدل على :

الامتداد والنماء والحركة المتصلة النابعة من مصدر حيى .

وبذلك، "الحَيَوَان" تعني :

👈الحياة الحقيقية الكاملة المتدفقة

حياة لا تخبو، لا تنقطع، ولا يعتريها وهم أو غفلة أو نهاية.

فهي ليست مجرد "بقاء بيولوجي"، بل حالة من الوعي النقي، والوجود الفعّال، والاتصال الدائم بالله .

الحياة الدنيا: لهو ولعب وزينة

ليست هذه الآية وحدها التي تصف الدنيا بمصطلحات التسلية المؤقتة، بل تتكرر الصورة في عدة مواضع:

﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ...﴾ الحديد: 20

﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ... ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا﴾ يونس: 24

الحياة الدنيا، بحسب هذه التصويرات
👈مشهد تمثيلي زائل:

كأنك تلعب دورًا في مسرحية، تعلم أنها ستنتهي قريبًا.

مبهرة لكنها سطحية فيها زينة وتفاخر وتكاثر لا تؤدي إلى عمق أو نمو حقيقي للإنسان.

الآخرة: موطن الحياة الحقّة

إذا كانت الدنيا تفتن بسطحها، فالآخرة تُدرك بجوهرها، ولهذا وُصفت بأنها:

دار القرار* غافر: 39
أي الثبات والسكينة النهائية.

دار الحيوان* العنكبوت: 64
أي الفيضان بالحياة الكاملة.

والقرآن لا يقدم الآخرة كأمنية روحية فقط، بل كـ امتداد طبيعي لمن وعى معنى الحياة في الدنيا لمن تجاوز لهوها ولعبها وزخرفها وسعى لما *يحييه* :

﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ الأنفال: 24

الحياة الحقيقية إذن، لا تبدأ بالموت، بل تبدأ **حين يفيق الإنسان من وهم الدنيا ويتصل بنوره الداخلي المنبعث من الله .

لماذا أصبح "الحيوان" في الاستعمال الثقافي يعني "كائن حي غير عاقل" فقط؟

في العربية، اختار العرب وصف الكائنات المتحركة النامية بأنها "حيوان" لما فيها من
**حياة وتفاعل وحسّ**.
لكن الاستخدام الثقافي لاحقًا حصر الكلمة في
**الكائنات غير العاقلة** فقط
مع أنها لسانيًا تدل على
**فيض الحياة**.

واللافت أن القرآن استخدم الكلمة في أسمى مواضعها، ليميز بين:

*حياة تظنها حقيقية وهي لهوٌ ولعب*
و *حياة هي "الحَيَوَان" بكل ما تحمله الكلمة من حركة وامتداد ووعي*

وتغيير مقاصد مفردة "الحيوان" من حركة وامتداد ووعي الى الكائن غير العاقل شاهد على تحريف صانعي الدين الموازي في بداية عصر تدوين الكلم عن مواضعه في ايات اخرى في القران الكريم.

كيف نختار بين الحياتين؟

الآية تقول: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي أن الناس مخدوعون بمظاهر الحياة ولا يدركون ما ينتظرهم من حياة حقيقية في الدار الآخرة .

إذن الدعوة ليست إلى الزهد السلبي بل إلى 👈الوعي والفهم العميق لوظيفة الحياة الدنيا وهي أن تكون محطة عبور نحو حياة لا موت فيها ونور لا ظلمة بعده .

*وإن الدار الآخرة لهي الحيوان...*

ليست مجرد جملة بل
*بوابة لليقظة* ودعوة الى تدبر القران بلسانه العربي المبين وليس ما شاع بين الناس .

28/07/2025

كرامة النفس في البر والبحر

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ، وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ، وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ الإسراء: 70

هذه الآية العظيمة تُعدّ من أوضح المواضع القرآنية التي تبيّن
👈مكانة النفس الإنسانية في ميزان الخلق الإلهي وكيف خصّها الله بالرعاية والتكريم والتفضيل .

لكن التأمل العميق في ألفاظ الآية يكشف أن موضوعها ليس وصفًا مادّيًا لحركة الإنسان في الأرض بل هو بيان لـ العناية الإلهية بالنفس الإنسانية خلال مسيرتها في الحياة الدنيا في حالتي السكينة والاضطراب والوضوح والتيه .

النفس الإنسانية :
المخاطَب الأول في القرآن

القرآن يخاطب النفس لا الجسد.
والنفس هي جوهر الإنسان الذي يُحاسَب على أفعاله لقوله تعالى:

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ المدثر: 38
﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ مريم: 95

إذاً حين يقول الله :
"كرمنا بني آدم" فليس المقصود كرامة الجسد بل كرامة الذات العاقلة المدركة القادرة على الاختيار.

1. "كرمنا بني آدم" : التكريم بمعناه المعنوي

الكرامة هنا تعني أن الله منح النفس الإنسانية :

* القدرة على الإدراك والتمييز.
* المسؤولية الأخلاقية.
* حرية الإرادة.
* قابلية الارتقاء بالوعي والعمل الصالح.

ولذلك قال: "وفضلناهم على كثير ممن خلقنا" أي أن هذه النفس عندما تختار طريق الخير تتفوق على كثير من المخلوقات الأخرى في سلم الوجود لأنها حرة ومسؤولة .

2. "حملناهم في البر والبحر": رعاية الله للنفس في طريقها الوجودي

ما معنى "الحمل"؟

* لا يتحدث الله هنا عن حمل الأجساد بل عن حمل النفس الإنسانية في رحلتها عبر الحياة :

* أي عنايته بها وتيسيره لها سبل الاستقامة وتحملها لمشقة التجربة الأرضية.

"حملناهم" تعني: تكفّلنا بإيصالهم في رحلتهم من الولادة حتى لقاء الله بتوفيقنا وهدايتنا وتدبيرنا لهم في الظروف المختلفة .

ما معنى "البر" و"البحر"؟

ليس المقصود التضاريس الجغرافية بل:

• البرّ :

* يرمز إلى حالات الاستقرار النفسي والمعرفي في الحياة.
* حين تكون النفس هادئة، مستقرة، واثقة، تسير في بيئة منضبطة وواضحة.

• البحر :

* يدل على الاضطراب والتيه والخوف والقلق والتحديات الوجودية التي تمر بها النفس .
* وهو ما يشبه الخوف والتيه الذي مرّ به بنو إسرائيل أو الحيرة التي تقع فيها النفس البشرية أمام تساؤلات الحياة.

"حملناهم في البر والبحر" رعينا نفوسهم في حالات السكينة، كما رعيناها في أوقات الشك والخوف، ولم نتركهم في أي حال من أحوالهم الوجودية.

3. "ورزقناهم من الطيبات": الاختيار الأخلاقي والروحي

* لم يقتصر رزق الإنسان على الطعام والشراب، بل شمل:

* القيم الراقية.
* المعاني النبيلة.
* الرسالات السماوية.
* العلم والعقل.

وهذا جزء من التكريم الإلهي، إذ إن النفس أُعطيت القدرة على تمييز الطيب من الخبيث، واختيار الأصلح والأسمى.

4. "وفضلناهم على كثير ممن خلقنا": التفضيل بمعيار الوعي والأخلاق

* هذا التفضيل ليس عامًّا، بل مشروط بالاستجابة لهداية الله.
* فمن لم يرتقِ بنفسه، خسر كرامته وتفوّقه، وأصبح دون المخلوقات.

لماذا لم يُذكر "الجو" في الآية؟

لأن *الآية لا تتحدث عن وسائل النقل أو الفضاءات المادية، بل عن الحالات النفسية والمعنوية التي تمر بها النفس في الحياة.

* البرّ : حالة من الاستقرار النفسي.
* البحر: حالة من التيه والقلق والخوف.
* أما الجو، من حيث دلالته المعنوية، لا يمثّل حالة داخلية للنفس تمسّ علاقتها بالله أو بالحياة.

> الجوّ لا يعبر عن استقرار أو اضطراب نفسي، ولا عن مسار اختياري للنفس.
> بل هو مجال فيزيائي لا يدخل في مقاصد هذه الآية التي تبيّن تكريم النفس ورعايتها في مسيرتها الوجودية بكل أحوالها.
---
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾
أودعنا في النفس الإنسانية جوهرًا من الإدراك والمسؤولية.

﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾
رعينا مسيرتهم في حالات الاستقرار والتيه.

﴿وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾
زودناهم بالخير والمعنى ليختاروه.

﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ﴾
ميّزناهم بالحرية والقدرة على الترقي فوق سائر المخلوقات.

الجوّ لم يُذكر لأنه لا علاقة له بحمل النفس الإنسانية في رحلتها الوجودية.
فالقرآن لا يقدّم وصفًا تقنيًا لحركة الإنسان، بل تأمّلًا عميقًا في حال النفس وكيف يعتني الله بها في سكونها واضطرابها.

24/07/2025

وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) سورة الإسرَاء

الروح ليست لغزًا يخيفنا بل هي 👈أمرٌ من الله .

عندما خلق الله آدم أعطاه جسدًا من طين لكنه لم يصبح إنسانًا حتى نفخ الله فيه من روحه .

وهذا لا يعني أن الله أعطاه شيئًا غامضًا بل أنه أعطاه علمًا وأوامر من عنده تجعله حيًا واعيًا ويعرف الخير من الشر .

الروح هي مثل النور الذي يهديك في الطريق وهي ليست شيئًا سحريًا بل هي :
* أوامر الله التي أنزلها في كتبه كالقرآن .
* والعلم الذي أذن الله لنا أن نتعلمه مثل الطب والهندسة والفلك…

ألم يقل الله
﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾؟

نعم لأن علم الله لا حدود له وما نعرفه نحن حتى لو صعدنا إلى المريخ أو صنعنا طائرات وصواريخ لا يزال قليلاً جدًا أمام علم الله الواسع .

ولكن هذا القليل الذي أعطانا الله إياه هو من روحه… من أمره… لنستعمله في الخير ونعمر به الأرض ونكون خلفاء صالحين عليها .

الروح ليست لغزًا مرعبًا بل هي هدية عظيمة من الله .

إذا أردت أن تقوّي روحك فاستمع لكلام الله في القرآن وتعلّم وافعَل الخير تكن روحك حيّة ونقيّة .

الروح في القرآن ليست شيئًا غامضًا بل هي أوامر الله التي تهدي الإنسان والعلم الذي يساعده ليعمر الأرض .

كلما تعلّم الإنسان وتبع أوامر الله زادت قوة روحه وصفاؤها .

Address

Tanta

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when بصائر من القرآن posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Share