
11/07/2025
الجمعة ،يوم العائلة، العبادة، و"لمة" الأحباب
بقلم / اشرف عبوده
في نسيج الحياة اليومية للمصريين، لا يمثل يوم الجمعة مجرد نهاية لأسبوع عمل وبداية لعطلة نهاية الأسبوع؛ بل هو مناسبة اجتماعية ودينية فريدة، تحمل طابعًا خاصًا يميزها عن سائر أيام الأسبوع. إنه يوم "اللمة" العائلية، والعبادة الروحانية، والراحة التي تتخللها طقوس وتقاليد راسخة.
يبدأ يوم الجمعة في مصر بمظهر مهيب في الشوارع والساحات، حيث تتجه الأنظار والخطى نحو المساجد. صلاة الجمعة هي ركيزة هذا اليوم وأهم شعائره. تمتلئ المساجد بالمصلين من جميع الأعمار، يحرصون على الاستماع إلى خطبة الجمعة التي تتناول قضايا دينية واجتماعية معاصرة، وتقدم التوجيه والنصح. تُعد هذه الصلاة فرصة للتجمع الروحاني وتجديد الإيمان، كما أنها تعزز الشعور بالوحدة والتكافل بين أفراد المجتمع.
تتوقف الحركة نسبيًا في الشوارع وقت الصلاة، وتخفت الأصوات، وكأن إيقاع الحياة يتباطأ ليمنح الجميع فرصة للخشوع والتأمل.
بعد أداء الصلاة، تتحول وجهة معظم المصريين إلى بيوت العائلة الكبيرة. "لمة الجمعة" ليست مجرد تعبير، بل هي جزء لا يتجزأ من الثقافة المصرية. يجتمع أفراد الأسرة الممتدة – الآباء والأمهات، الأبناء والبنات، الأحفاد، والأصهار – على مائدة غداء واحدة.
عادة ما تكون هذه المائدة عامرة بأصناف الطعام التقليدية التي تُعد خصيصًا لهذا اليوم. تختلف الأطباق من منطقة لأخرى، لكنها غالبًا ما تشمل أكلات دسمة مثل المحاشي، الفتة، البط، أو الدواجن المحمرة، إلى جانب الأرز والسلطات. الأهم من الطعام نفسه هو الجو العام، الضحكات، الأحاديث، تبادل الأخبار، وحكايات الماضي التي يرويها الكبار للصغار. هذه التجمعات تعزز الروابط الأسرية وتغرس قيم الترابط والتآلف بين الأجيال.
لا يقتصر يوم الجمعة على العبادة والغداء العائلي. فبعد الغداء، يأخذ كل فرد نصيبه من الراحة والاسترخاء. البعض يفضل القيلولة، والبعض الآخر يتفرغ لقراءة القرآن أو مشاهدة التلفزيون.
كما أن يوم الجمعة هو يوم الزيارات العائلية والاجتماعية. يتبادل الأقارب والأصدقاء الزيارات، أو يخرجون للتنزه في الحدائق العامة، الكورنيش، أو المراكز التجارية. في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، تشهد المتنزهات والمقاهي إقبالًا كبيرًا، حيث يفضل الكثيرون قضاء فترة ما بعد الظهر في الخارج للاستمتاع بالهواء النقي أو مقابلة الأصدقاء.
بالنسبة للأطفال، يوم الجمعة يعني اللعب والتجمع مع أبناء الأقارب، ومشاهدة برامجهم المفضلة، أو التوجه إلى الأماكن الترفيهية.
مع اقتراب غروب شمس الجمعة، يبدأ الهدوء في التسلل تدريجيًا. تستعد الأسر لوداع بعضها البعض، ومع حلول المساء، تبدأ الأجواء في التغير، حيث يستعد الجميع لاستقبال أسبوع عمل جديد. ومع ذلك، تبقى ذكريات "لمة الجمعة" ودفء العائلة محفورة في الأذهان، لتمنح طاقة إيجابية تعين على مواجهة تحديات الأسبوع القادم.
في النهاية، يظل يوم الجمعة في مصر أكثر من مجرد يوم عطلة. إنه يوم تجديد الروح، وتقوية الروابط الأسرية، وممارسة العادات والتقاليد التي تمثل جزءًا أصيلًا من الهوية المصرية. إنه يوم يجسد "اللمة" المصرية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.