06/11/2025
أزرو تُعيد وهج المسيرة الخضراء: 800 ألف مواطن يهتفون “الله، الوطن، الملك” في لوحة وطنية مهيبة
في مساءٍ من أمسيات التاريخ، حين امتزجت برودة الجبال بحرارة القلوب، خرجت ساكنة مدينة أزرو عن بكرة أبيها لتصنع مشهدًا سيبقى محفورًا في ذاكرة الوطن.
أكثر من 800 ألف مواطن ومواطنة، أطفالًا وشيوخًا ونساءً ورجالًا، التقوا تحت رايةٍ واحدة، وهتافٍ واحد: "الله، الوطن، الملك".
لم تكن المسيرة مجرد احتفال بذكرى المسيرة الخضراء، بل كانت مسيرة جديدة في ذات الدرب، إعلانًا متجدّدًا عن الوفاء للوطن، وتجسيدًا صادقًا للعهد بين الشعب والعرش، في مدينةٍ صغيرةٍ بحجمها، كبيرةٍ في رمزيتها الوطنية.
منذ الساعات الأولى من المساء، تحوّلت شوارع أزرو إلى أنهارٍ بشريةٍ تتدفق بحب الوطن الأطفال رسموا الأعلام على وجوههم، النساء حملن صور جلالة الملك محمد السادس، والشيوخ مشوا بخطى بطيئة لكن ثابتة، كأنهم يُعيدون سيرة سنة 1975، يوم نادى الراحل الحسن الثاني شعبه إلى المسيرة الأولى.
كانت المدينة تشتعل فرحًا وانضباطًا في آنٍ واحد الأهازيج الوطنية تتعالى من كل زاوية، الأغاني الخالدة تُعيد مجد الصحراء المغربية، والقلوب تنبض بإحساسٍ جماعيٍّ نادرٍ لا يُصطنع ولا يُدرَّس.
وفي قلب هذا المشهد المهيب، برز الحضور المنسق والميداني للسلطات المحلية، التي أبانت عن مستوى رفيع من التنظيم واليقظة والمسؤولية الوطنية. فقد انخرط رجال السلطة، وأعوانهم، وأفراد القوات المساعدة، ورجال الأمن في تأمين المسيرة بسلاسةٍ وانضباطٍ مثالي، لم يُسجَّل معه أي تجاوز أو فوضى كانوا هناك يحرسون المسيرة بحب، ويبتسمون بفخر، ويشاركون الناس فرحتهم كأنهم جزءٌ من العائلة الوطنية الكبرى.
تجلّت الوطنية في أدق تفاصيل المشهد في يدٍ صغيرةٍ تمسك العلم بقوة، في دمعة شيخٍ تتلألأ وهو يردد النشيد الوطني، وفي نظرة أمٍّ تقول لابنها: “هكذا نحب المغرب”.
كان المساءُ أزروياً مغربياً في آنٍ واحد، حيث امتزجت الروح الجماعية بالأصالة الترابية، والتاريخ بالانتماء، والفرح بالانضباط.
ولم يغب المجتمع المدني عن الموعد؛ فقد شاركت الجمعيات والمؤسسات التعليمية، والأطر التربوية، والتجار، والحرفيون، والجماعات الترابية، في لوحةٍ وطنيةٍ نادرةٍ التناغم، أظهرت أن حب الوطن لا يُفرض… بل يُورّث ويتناقل كما تتناقل العائلات قصصها القديمة.
وفي لحظة الغروب، حين مالت الشمس خلف جبال أزرو، بدا المشهد أشبه بلوحةٍ سماويةٍ من الألوان الحمراء والخضراء.الرايات ترفرف في الأفق، الهتاف يرتفع من أعماق القلوب، والمدينة تُعلن للعالم أجمع نحن أبناء المسيرة الأولى، وما زلنا على العهد، نجدد القسم كل نونبر: الله، الوطن، الملك."
ذلك المساء لم يكن احتفالًا عابرًا، بل فصلًا جديدًا في كتاب الوطنية المغربية، كتبه أبناء أزرو بمداد الفخر، وبدموع الانتماء الصادق، تحت إشرافٍ حكيمٍ وتعبئةٍ شاملةٍ من سلطاتها المحلية.
وهكذا، أثبتت أزرو — مرّة أخرى — أنها مدينة صغيرة في الجغرافيا، كبيرة في الوطن، قادرة على أن تُعيد للحظة المسيرة الخضراء وهجها الأول، بروحٍ مغربيةٍ خالصةٍ، تؤمن أن حب الوطن لا يُورّث بالوصايا... بل يُكتَب بالأقدام التي تمشي على ترابه.