
14/12/2024
الحرب في السودان وتأثيرها على الأمن الغذائي والأراضي
“كوب16” يرسم خارطة الطريق قبل انخفاض المحاصيل ب10% في 2050..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقيف بس - تقارير
14 ديسمبر 2024م
تقرير/ عباس عبد الحليم
يشهد السودان منذ منتصف أبريل 2024 صراعاً دامياً أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية بشكل كبير. هذا الصراع، الذي تسبب في نزوح جماعي وتدمير البنية التحتية، ترك آثاراً بالغة الخطورة على القطاع الزراعي، وهو الركيزة الأساسية للأمن الغذائي في البلاد. في الوقت الذي يعقد فيه العالم مؤتمرات ومناقشات حول الأمن الغذائي المستدام، يواجه السودان تحديات وجودية تهدد قدرته على توفير الغذاء لشعبه.. مع تزايد التحذيرات من خطر المجاعة الذي يحوم على اجساد الضحايا والنازحين والعالقين في مناطق النزاع..
تأثير الصراع على القطاع الزراعي..
أدى القتال إلى نزوح أعداد كبيرة من المزارعين عن أراضيهم، مما تسبب في توقف الزراعة وتدهور المحاصيل القائمة.. كما تعرضت السدود والقنوات والترع الزراعية للتدمير، مما أثر سلباً على عمليات الري والتخزين.. في االوقت الذي يعاني فيه المزارعون من نقص حاد في الأسمدة والبذور، مما سيؤثر على إنتاجية الأراضي على المدى القريب.. وسؤدى تراجع الإنتاج الزراعي بطبيعة الحال إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية، مما يفاقم من معاناة السودانيين، خاصة الفئات الأكثر ضعفاً..
الأمن الغذائي في خطر
يواجه السودان خطراً حقيقياً من انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع. فبالإضافة إلى الآثار المباشرة للصراع على القطاع الزراعي، فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية وتضخم العملة أديا إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين. هذا الوضع يهدد بتفاقم أزمة الجوع وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل.. وهو ما حذرت منه عدد من التقارير التي اصدرتها منظمة الأغذية العالمية، وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية..
ارتباط الأزمة السودانية بالأجندة العالمية للأمن الغذائي..
تسلط الأزمة السودانية الضوء على أهمية الأمن الغذائي المستدام والتحديات التي تواجه تحقيق هذا الهدف. ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فإن الصراعات والأزمات الإنسانية تعيق الجهود المبذولة لتحقيق الأمن الغذائي..
أجندة "أنظمة الأغذية المستدامة" أحد الحلول لمواجهة "تدهور الأراضي" في COP16 بالرياض..
انعقدت خلال الفترة الماضية عدد من المؤتمرات الدولية التي تناقش قضايا تغير المناخ، أخرها مؤتمر الأطراف السادس عشر لمكافحة الجفاف والتصحر الذي انعقد في الفترة من 2 - 13 من ديسمبر 2024م بالعاصمة السعودية الرياض، حيث نوقشت خلاله أجندة عمل جلسة الحوار التفاعلية رفيعة المستوى حول أنظمة الأغذية الزراعية المستدامة والمرنة والشاملة والتي تهدف لتعزيز الجهود الفعلية ليعود نفعها على الكثيرين، بمن فيهم المزارعون وحتى الشعوب الأصلية.
وشهد اليوم الرابع من المؤتمر العشرات من الجلسات الحوارية والمبادرات وإعلان لبرامج تمويل للأنظمة الغذائية، والتي تشير التقديرات الصادرة عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر أنه بحلول العام 2050، ستنخفض إنتاجية المحاصيل بنسبة 10% على مستوى العالم، في حين ستصل النسبة إلى 50% في المناطق الأكثر تضرراً. ومن المتوقع أن يتسبب هذا السيناريو في زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة تُقدّر بنحو 30% على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي النمو السكاني إلى زيادة الطلب على الأراضي والزراعة.
وفي ذات السياق، قال د. أسامة فقيها، وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة لشؤون البيئة ومستشار رئاسة مؤتمر الأطراف "كوب 16" الرياض: "إذا أردنا بالفعل تسريع مبادرات استعادة حيوية الأراضي وتعزيز القدرات لمواجهة الجفاف بالحجم المطلوب والسرعة اللازمة، يكون لزاماً علينا مواصلة حشد الجميع، وتحفيز مختلف الأطراف على العمل لفترة طويلة بعد انتهاء هذا المؤتمر. ومن شأن هذا النهج أن يعزز ريادة المملكة العربية السعودية في جهود إعادة تأهيل الأراضي واستصلاحها، إلى جانب التأسيس لإرث دائم من التأثير العالمي الشامل".
الجدير بالذكر أن أجندة عمل الرياض تم إطلاقها خلال اليوم الرابع من مؤتمر الأطراف "كوب 16" الرياض، وذلك ضمن فعاليات يوم نظم الأغذية الزراعية، وهو أحد أيام المحاور الخاصة السبعة المصممة لتركيز المناقشات والمفاوضات الجارية. وتعتبر الزراعة أحد المحركات الرئيسية وراء تدهور الأراضي، حيث تُظهر الدراسات أن أنظمة الأغذية الزراعية الحالية تُسهم في إزالة الغابات، فضلاً عن أثرها في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وفقدان التنوع البيولوجي. ووفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، تبلغ حصة الأنشطة الزراعية من هذه الانبعاثات ما نسبته 23%، كما تستحوذ على نسبة 80% من إزالة الغابات، وتستهلك 70% من المياه العذبة.
وحول تعزيز التربة الصحية والمحاصيل المرنة والأطعمة المغذية، قال د. فقيها: "تقدم لنا التربة 95% من طعامنا تقريباً، ومع ذلك نواصل التعامل وكأنها عنصر عديم القيمة. ونظراً لممارساتنا غير المستدامة في الأنشطة الزراعية، ناهيك عن سوء استغلالها في الأغراض الصناعية، تتعرض الأراضي لحالة شديدة من التدهور، ما يؤدي ذلك إلى فقدان 24 مليار طن من التربة الخصبة كل عام. ويمثل هذا الوضع الحرج سبباً رئيسياً لانعدام الأمن الغذائي والمائي العالمي، وتصل تأثيراته السلبية إلى الجميع، بدءاً من المزارعين الذين يصارعون التحديات في حقولهم القاحلة، وحتى المستهلكين الذين يدفعون أثماناً باهظة للحصول على المنتجات الأساسية التي يحتاجون إليها".
واختتم د. فقيها حديثه بالقول: "إننا لا نحتاج إلى اختراعات غير مسبوقة لتقديم الحلول العاجلة للأزمات التي تعصف بأرضنا وتربتنا؛ بل إن إعادة توجيه أموال الدعم التي يساء استغلالها في الممارسات الزراعية الضارة، يمكن أن يوفر إغاثة مالية عاجلة، واستثمارها على النحو الأمثل في أغراض إعادة تأهيل الأراضي، وإصلاح الممارسات غير المستدامة"..
إن الصراع في السودان يمثل تذكيراً قوياً بالترابط بين الأمن والصحة والتنمية. فالأزمات الإنسانية لا تؤثر فقط على حياة الأفراد، بل تهدد أيضاً تحقيق أهداف التنمية المستدامة على نطاق عالمي. يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوداني وأن يعمل على دعم جهود السلام والاستقرار والتنمية في السودان..
تابعونا على منصة تقيف بس لمعرفة مزيد من الأخبار والمعلومات..
ــــــــــــــــــــــــــ