04/10/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، حيث قال:
بعد فتح حنين، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمع الغنائم في مكان يُدعى الجِعْرَانَة، ثم توجه إلى الطائف. وبعد حوالي شهر، عاد إلى الجعرانة. وعند وصوله، لم يقسم الغنائم على الفور، بل انتظر ثلاثة عشر أو أربعة عشر يومًا، على أمل أن يعود بنو هوازن تائبين، فيُعاد إليهم أهلهم وأموالهم ومواشيهم. فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرهم، كان بنو هوازن في حيرة من أمرهم، يتساءلون عما إذا كان قدومهم سيُجدي نفعًا أم لا. وبعد انتظار طويل، قام النبي صلى الله عليه وسلم بتوزيع أموال الغنائم والأسرى. وبعد اكتمال التوزيع، حضر وفد من بني هوازن مكون من أربعة عشر شخصًا من المعززين إلى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم. كانوا قد أسلموا وأخبروه أن قبيلتهم بأكملها قد اعتنقت الإسلام. ثم طلبوا منه الرحمة وقالوا: "يا رسول الله، نحن أهل شرف وعزة، والمصيبة التي حلت بنا ليست خافية عليك. تفضل علينا بالإحسان، يحسن الله إليك." وكان زعيم الوفد أبو صُرَد زهير بن جروَل، وهو خطيب وشاعر. تحدث بأسلوب مؤثر وجذاب، طالبًا الرحمة، وقال: "يا رسول الله، في الأسرى خالاتك وعماتك وأخواتك اللواتي ربينك وأطعمنك وسقينك." حيث قضى النبي صلى الله عليه وسلم فترة رضاعته في قبيلة بني سعد، وهي إحدى فروع بني هوازن.
وأضاف: "لو كنا قد أرضعنا ملك الغساني حارث بن أبي شمر أو ملك العراق النعمان بن المنذر، ثم أصابتنا مثل هذه المصيبة، لرحمونا. وأنت أرحم الراحمين وسيد الجود والكرم."
استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسلاتهم المؤثرة ولم يرفض طلبهم، بل قال: "لقد انتظرتكم طويلاً حتى تيقنت أنكم لن تأتوا. والآن، كما ترون، لم يتبقَ عندي إلا القليل من الأسرى، فقد تم توزيع الباقين. وأحب الأمور إليّ هي الأصدق. لذا، يمكنكم الاختيار بين شيئين: إما الأسرى من الرجال والنساء، وإما الأموال والأمتعة. لقد انتظرتكم كثيرًا." فلما رأى وفد بني هوازن الحال، قالوا: "نريد استعادة أسرانا، أي رجالنا ونساءنا." فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأسرى الذين في حصتي وحصة بني عبد المطلب لكم، أما بالنسبة لبقية الأسرى، فسأتحدث مع المسلمين الآخرين." ثم أشار إليهم بحل، وقال: "بعد صلاة الظهر، قفوا أمام الناس وقولوا: إننا نجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيعنا عند المسلمين، ونجعل المسلمين شفعاء لنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلق سراح أبنائنا ونسائنا. وأعلنوا أمام المسلمين أنكم أسلمت وأنكم إخوتهم. ثم سأشفع لكم عند الناس." يظهر هنا أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في الجود والكرم، حيث علّمهم طريقة إطلاق سراح الأسرى مع مراعاة كرامة المسلمين العامة -لأن الأسرى أصبحوا ملكًا لهم- وزيادة عزة بني هوازن. ففعل الوفد كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقاموا بعد صلاة الظهر وقالوا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
ووفق روایة البخاری قام النبي ﷺ یخطب في الناس فقال:
"إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ"
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عن إعادة الأسرى الذين كانوا في حصته وحصة بني عبد المطلب. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحبون النبي صلى الله عليه وسلم حبًا عظيمًا يفوق حبهم لأنفسهم وأهليهم، فقالوا: "يا رسول الله، من أجل رضاك، نعيد أسرى هوازن بكل سرور." فسر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، لكنه رأى أنه من المناسب التأكد من موافقة الجميع وسعادتهم بهذا القرار. فقال: "لا أعلم من منكم وافق ومن لم يوافق [لأن الجميع كانوا يتحدثون في المجلس العام]، فارجعوا واجعلوا قادتكم ومسؤوليكم يأتون إليّ ويعرضون موقف قومهم." فامتثل الجميع لهذا الأمر، وأعربوا عن موافقتهم الطيبة بإعادة الأسرى، وقد نقل قادتهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا كان هذا الإحسان العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم على قبيلة هوازن العدوة، حيث أُعيد جميع الأسرى دون أي مقابل. وفي الوقت نفسه، حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مراعاة مشاعر أصحابه المخلصين المحبين، فأمر بأن يُعطى عن كل أسير ستة جمال كتعويض. وكان من مظاهر محبة وطاعة سيدنا عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن حاضرًا أثناء إطلاق سراح الأسرى. وعندما عاد وسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق سراح جميع الأسرى، رأى العبيد يرقصون فرحًا. فسأل عن السبب، فلما عَلِمَ بذلك، لم يرَ حاجة لمزيد من الاستفسار، وقال على الفور لابنه: "يا عبد الله، اذهب وأعتق جاريتي التي منحني إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم." ولم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق سراح أسرى بني هوازن دون مقابل، بل أمر بإعطائهم ثيابًا قائلاً: "فَلَا يَخْرُجُ الْحُرُّ مِنْهُمْ إِلَّا كَاسِيًا"، أي لا يخرج أي محرر منهم دون أن يرتدي ثوبًا جديدًا. فامتثالاً لهذا الأمر، أُرسل الصحابي بُسْر بن سفيان لشراء ثياب جديدة، فجاء بأغطية جديدة، وأُعطي كل أسير ثوبًا جديدًا.
ووفقًا لبعض الروايات، كان هناك ثلاثة أشخاص رفضوا إعادة أسراهم. فقال أقرع بن حابس: "أما أنا وبنو تميم، فنرفض." وقال عيينة بن حصن الفزاري: "أنا وبنو فزارة نرفض." وقال عباس بن مرداس: "أنا وبنو سليم لن نعيد الأسرى." لكن بني سليم، ما إن سمعوا كلام زعيمهم، رفضوا الانصياع له وقالوا: "كل ما نملكه قدمناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم." وبحسب روايات أخرى، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يُطلق سراح جميع أسرى بني هوازن، وأن من لا يرغب في تحرير أسيره سيُعوض من بيت المال بستة جمال شابة. فوافق الجميع، حتى أولئك الذين كانوا مترددين في إعادة الأسرى، وهكذا تم تحرير ستة آلاف أسير من بني هوازن.
وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين وذكر نبذة من حياتهم.