22/02/2025
🔲 الشباب الجزائري وحراك فبراير 2019: ثورة الكرامة
في 22 فبراير 2019، خرجت الجزائر في مسيرة تاريخية نحو التغيير، حين انتفض شبابها بحراك شعبي سلمي تحت شعار "دولة العدل والمساواة"، رافضين الاستمرار في نظامٍ طالما قيد أحلامهم بحُكمٍ ديمقراطي حقيقي. لم تكن الاحتجاجات مجرد رفضٍ لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة فحسب، بل كانت صرخة جيلٍ يطالب بكرامته، وبمؤسساتٍ وطنية تُبنى على أساس الديمقراطية، لا على المحسوبية والفساد.
🔲 بداية الحراك: إرادة التغيير تنتصر على الخوف
تحوّلت المسيرات السلمية التي انطلقت من العاصمة الجزائرية إلى كافة المدن إلى إعصارٍ شعبي اجتاح نظامًا سياسيًا متصلّبًا. حمل المتظاهرون الأعلام والأغاني الوطنية، ورفضوا العنف، مؤكدين أن مطالبهم ليست سلطةً بل كرامة. لم يقتصر الحراك على فئةٍ دون أخرى؛ بل وحّد الجزائريين عبر الأجيال، لكن الشباب كانوا وقوده الأبرز، خاصةً مع استخدامهم المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي لنشر الرسائل وتنظيم الفعاليات، متحدين القيود الإعلامية التقليدية.
نجح الحراك في تحقيق أول انتصارٍ رمزي بإسقاط ترشح بوتفليقة في أبريل 2019، ثم تنحيه تحت الضغط الشعبي. لكن هذا النصر لم يكن سوى بداية معركةٍ أطول ضد نظامٍ ظلّ متماسكًا خلف واجهة التغيير.
🔲 النظام القديم بثوب جديد: تحايل النخبة واستعادة السيطرة
سرعان ما كشفت الأجهزة الأمنية والقضائية عن وجهها. بدلًا من الاستجابة لمطالب الإصلاح، لجأ أركان النظام إلى استراتيجيات ممنهجة لاختطاف الحراك وتفريغه من مضمونه.
👈 أولًا: استغلال المشهد السياسي عبر تنظيم انتخابات رئاسية مُسيطرٍ عليها (ديسمبر 2019)، قاطعها الجزائريون واعتبروها مسرحيةً لتجديد شرعية النخبة الحاكمة.
👈 ثانيًا: تسليط آلة القمع؛ ، اعتقال مئات النشطاء والصحفيين بتهمٍ واهية مثل "إضعاف المعنويات الوطنية"، في إشارةٍ إلى أي صوتٍ معارض.
لم يقتصر القمع على الاعتقالات، بل امتد إلى تشويه سمعة الحراك عبر وسائل الإعلام الموالية، التي صورت المتظاهرين كمخربين أو أدواتٍ لأجندات خارجية. وفي المقابل، حُجبت المواقع الإلكترونية الناقدة، وطُبقت قوانين مكافحة "الأخبار الزائفة" لقمع حرية التعبير.
🔲 الحراك بين مطرقة القمع وسندان الإصرار
رغم الحملة القمعية، استمر الشباب الجزائري في تنظيم مسيراتٍ أسبوعية لأكثر من عام، مؤكدين تمسكهم بالسلمية. لكن تصاعد الاعتقالات التعسفية، خاصةً بعد 2020، أجبرت الكثيرين على التزام الصمت خوفًا من الملاحقة. تحوّلت سجون الجزائر إلى أماكنٍ لاحتضان قصصٍ مؤلمة للنشطاء الذين تحولوا إلى رموزٍ للمقاومة.
اليوم، ورغم إطلاق سراح بعض المعتقلين تحت ضغطٍ دولي، تظل الحريات العامة مقيدة، وتُدار الدولة بمنطق الأمني أولًا. فالدستور المعدل (2020) والمؤسسات الجديدة لم تُحدثا تغييرًا جوهريًا، بل عززا هيمنة النظام تحت شعارات الإصلاح الوهمي.
🔲 الحراك. ذكرى وتحدٍ مستمر
قد لا يُكتب للحراك الجزائري نصرٌ سريع كالثورات الأخرى، لكنه نجح في كسر جدار الصمت وزرع بذرة الوعي في جيلٍ يرفض القيود. لقد أثبت الشباب أن التغيير الحقيقي ليس حدثًا عابرًا، بل مسيرةٌ طويلة تتطلب إصرارًا على القيم التي نادوا بها: الكرامة، العدالة، والديمقراطية.
ربما نجح النظام في قمع الأصوات اليوم، لكن التاريخ يُذكر أن شعبًا خرج بسلام ليُطالب بحقه في وطنٍ حر. فكما قال أحد نشطاء الحراك: "قد تأخذون حريتنا، لكنكم لن تسرقوا أحلامنا". الجزائر الجديدة، وإن تأخرت، فستأتي.