24/10/2025
من العدد 169 لمجلة "العمامة"- نساء رائدات: روان ومنار هشام زيدان حلبي – شقيقتان توأمان من نورِ أَضاءَتا قمم العلم
في عالم يحتاج دائمًا إلى القدوة والإلهام وفي زمن تتسابق فيه الأمم نحو التقدّم العلميّ، تبرز نماذج حيّة وملهمة من نساء طائفتنا المعروفيّة، يؤكّدن أنّ المرأة الدّرزيّة لا تكتفي بالحفاظ على جذورها الرّوحيّة، بل تمتدّ منها لترتقي نحو آفاق الإبداع والتّميّز. ومن بين هذه النماذج المشرقة، تتألّق الدّكتورة روان حلبي والدّكتورة منار حلبي، ابنتا دالية الكرمل. شقيقتان جمعتا بين نقاء الإيمان، وشغف البحث العلميّ، والتزام العطاء المجتمعيّ.
الدّكتورة روان والدّكتورة منار ليستا مجرّد شقيقتيْن توأمين جمعهما الدّمّ، بل رفيقتان في الحلم والطّموح جسّدتا معًا صورة الأمل وقدّمتا للجيل الجديد قصّة تلخّص أنّ قمم العلم لا تُضاء إلّا بنور المثابرة واليقين وأنّ المرأة في مجتمعنا ليست استثناءً، بل امتدادًا طبيعيًّا لإرثٍ يُعّلي من شأن التّعليم، ويُبارك السّعي في طلب العلم والعمل.
وُلدت الّدكتورة روان والدّكتورة منار ونشأتا في بيت يتنفّس القِيم، ويزرع في أبنائه الإيمان بأهميّة التّعلّم كطريق للارتقاء والتّقدّم، ليس فقط الفرديّ بل الجماعيّ حيث لم تكن البيئة حاضنة للعلم فحسب، بل أيضًا للعمل التّطوعيّ وخدمة الإنسان. ومن هنا، بدأت مسيرتهما في منظمة نجمة داوود الحمراء، إذ عملتا كمسعفتيْن متطوعتيْن مقدّمتيْن الرّعاية ومُدرّبتين على الإنقاذ، في أصعب اللّحظات وأدقّها. وقد أدركتا منذ نعومة أظفارهما أنّ العلم ليس نقيضًا للقيم، بل وسيلة لترجمتها. وأن المرأة، حين تسير على أرض ثابتة من الأخلاق، تستطيع أن تبلغ السّماء علمًا وخلقًا.
أنهت الدكتورة روان تعليمها للقب الأول البكالوريوس في الهندسة الكيميائية، وللقب الثاني الماجستير في هندسة المواد، أحد أفرع العلوم الدّقيقة الّتي تتطلّب صبرًا معرفيًا وشغفًا خالصًا بالتّفاصيل. حصلت على البكالوريوس والماجستير من معهد التّخنيون، وكان بحثها في مرحلة الماجستير يتمحور حول فصل الماء وإنتاج الهيدروجين، وهو من الاتّجاهات العلميّة الواعدة في مجال الطّاقة النّظيفة.
لم يكن الإنجاز أكاديميًّا فقط، فقد نُشرت أبحاثها في مجلّات علميّة مرموقة، وشاركت كمؤلِفة رئيسيّة، وهو ما يُعتبر إنجازًا لافتًا في عمر مبكِّر نسبيًا في هذا المجال. أما أطروحتها للّقب الثّالث الدّكتوراه، فكانت في مجال الهندسة الكيميائية في واحد من أكثر مجالات البحث العلمي تعقيدًا: دراسة تأثير العيوب النقطية على عمليّة التّلبيد السّريع لأكسيد المغنيسيوم (MgO) من أجل فهم مراحل هذه العملية بشكل أفضل. وتُعدّ التّقنيّة الّتي بحثتها ثوريّة في مجال تصنيع مواد السّيراميك باستخدام المجالات الكهربائيّة، وتُسهم في تقليل استهلاك الطّاقة وتحسين جودة التّصنيع. وبدعم من مؤسّسة بازي الدّاعمة للبحوث العمليّة المتقدّمة ووزارة الطّاقة، قدّمت روان أبحاثها في مؤتمرات علميّة دوليّة في أوروبا والولايات المتّحدة، ورفعت اسمها واسم الّطائفة عاليًا، بكل ثقة وتواضع.
من جهتها، سلكت الدّكتورة منار حلبي دربًا موازيًا في الهندسة الكيميائية، وخصّصت بحثها في مجال التّحفيز غير المتجانس، وبالتّحديد في تطوير محفزات فعّالة لإعادة تشكيل غاز الميثان باستخدام ثاني أكسيد الكربون، بهدف إنتاج غاز التخليق الذي له استعمالات واسعة في مجال الصناعة وكذلك تخفيف الأثر البيئي، وقد ركّزت منار في أبحاثها على التّحكّم في التّفاعل بين المعدن والدّعامة، من خلال بنى نانويّة هرميّة، تُسهم في تحسين أداء المحفّزات الصّناعيّة. هذا البحث حظي بإشادة المجتمع العلمي، كونه يفتح آفاقًا جديدة في مجال الطّاقة المستدامة.
إلى جانب بحثها العلميّ، كانت الدّكتورة منار حاضرةً في الحقل الأكاديميّ، كما شقيقتها الدّكتورة روان، كمساعدة تدريس في معهد الهندسة التّطبيقيّة التّخنيون، حيث عملت عن قرب مع طلاب المرحلة الجامعيّة، وقدّمت لهم من علمها وخبرتها وتوجيهها. كما شاركت في مؤتمرات دوليّة وألقت محاضرات باسم التّخنيون، حاملةً إرثها الثّقافي بكلّ فخر واعتزاز.
ورغم اختلاف التّخصّصات، إلّا أنّ هناك خيطًا ذهبيًا يجمع بين الشّقيقتين، الإيمان العميق بأنّ المرأة تستطيع أن تُحدث فرقًا، ليس فقط في بيئتها، بل في العالم بأسره، إذا ما نشأت على القِيم، وسُلّحت بالعلم، ودُعمت بالثّقة، فالدّكتورة روان والدّكتورة منار لم تبرزا فقط في عوالم البحث العلمي، بل مثّلتا نموذجًا لمَن يحسن التوفيق بين العقل والروح، وبين التقدّم المهنيّ والحفاظ على الهويّة.
إن إنجازات روان ومنار لا تعكس فقط تميزًا علميًا، بل تحمل في طياتها بدون أدنى شكّ بُعدًا روحيًّا وإنسانيًّا عميقًا حيث نقف هنا ليس فقط لنُحيي إنجازات الدكتورتين روان ومنار حلبي، بل لنقول لكل فتاة ولكل أم وكل مربٍ إن هذا هو ثمار الاستثمار في القيم، في التّربيّة، وفي الثّقة. ففي زمنٍ تتبدّل فيه المعايير، تبقى القدوة الصّامتة، المتفانيّة، والمشرقة، هي الصّوت الأعلى. فلنرفع القبعة احترامًا للدّكتورتين روان ومنار حلبي ولنجعل من انجازاتهما صفحة مشرقة في سجلّ فتيات ونساء مجتمعنا الرّائدات.
**زاوية من إعداد السيّدة سهام ناطور (عيسمي).
--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.