العمامة

العمامة "العمامة" هي مجلة ثقافية أدبية اجتماعية تاريخية مصورة تعنى بشؤون الطائفة الدرزية

"العمامة" هي مجلة ثقافية أدبية اجتماعية تاريخية مصورة تعنى بشؤون الطائفة الدرزية. وقد صدرت لأول مرة عام 1982 لتعرض وتشرح محطات ومواقف وأحداث في الطائفة الدرزية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم. وهي مجلة مستقلة غير سياسية وتهتم بالأحداث من منطلق موضوعي ولا تعبّر عن موقف سياسي معيّن وإنما تعنى بكل ما يمت بصلة للطائفة الدرزية.
وقد صدر منها حتى اليوم (2020) مائة واربعة وخمسون عددا.

قام بتأسيس وتحرير المجل

ة الأستاذ الشيخ سميح ناطور وهو حامل شهادة الماجستير في التاريخ والعلوم السياسية من الجامعة العبرية بالقدس منذ عام 1971 وهو خبير وباحث في شؤون الطائفة الدرزية منذ زمن طويل وقد اصدر عددا من الكتب والموسوعات حتى وفاته في ايلول عام 2020. منذ ذلك الحين تقوم بتحرير المجلة "اسرة العمامة" المكونة من عائلة المرحوم الشيخ سميح ناطور وعدة كتّاب ومراسلين.
للتوسيع عن المرحوم الشيخ سميح ناطور:
https://al-amama.com/%d9%85%d8%a4%d8%b3%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%ad%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b3%d9%85%d9%8a%d8%ad-%d9%86%d8%a7%d8%b7%d9%88%d8%b1/

صدرت المجلة عن دار آسيا للصحافة والنشر، التي أسسها الأستاذ سميح ناطور عام 1974. هذه الدار تخصصت بنشر مجلة العمامة ، كتب وموسوعات في المواضيع الدرزية وأيضا بإصدار سير مجموعة من الزعماء والقياديين الدروز في إسرائيل والعالم العربي. وكذلك القواميس والموسوعات لجميع الاجيال.

من العدد 169 لمجلة "العمامة"- نساء رائدات: روان ومنار هشام زيدان حلبي – شقيقتان توأمان من نورِ أَضاءَتا قمم العلم في عال...
24/10/2025

من العدد 169 لمجلة "العمامة"- نساء رائدات: روان ومنار هشام زيدان حلبي – شقيقتان توأمان من نورِ أَضاءَتا قمم العلم

في عالم يحتاج دائمًا إلى القدوة والإلهام وفي زمن تتسابق فيه الأمم نحو التقدّم العلميّ، تبرز نماذج حيّة وملهمة من نساء طائفتنا المعروفيّة، يؤكّدن أنّ المرأة الدّرزيّة لا تكتفي بالحفاظ على جذورها الرّوحيّة، بل تمتدّ منها لترتقي نحو آفاق الإبداع والتّميّز. ومن بين هذه النماذج المشرقة، تتألّق الدّكتورة روان حلبي والدّكتورة منار حلبي، ابنتا دالية الكرمل. شقيقتان جمعتا بين نقاء الإيمان، وشغف البحث العلميّ، والتزام العطاء المجتمعيّ.

الدّكتورة روان والدّكتورة منار ليستا مجرّد شقيقتيْن توأمين جمعهما الدّمّ، بل رفيقتان في الحلم والطّموح جسّدتا معًا صورة الأمل وقدّمتا للجيل الجديد قصّة تلخّص أنّ قمم العلم لا تُضاء إلّا بنور المثابرة واليقين وأنّ المرأة في مجتمعنا ليست استثناءً، بل امتدادًا طبيعيًّا لإرثٍ يُعّلي من شأن التّعليم، ويُبارك السّعي في طلب العلم والعمل.

وُلدت الّدكتورة روان والدّكتورة منار ونشأتا في بيت يتنفّس القِيم، ويزرع في أبنائه الإيمان بأهميّة التّعلّم كطريق للارتقاء والتّقدّم، ليس فقط الفرديّ بل الجماعيّ حيث لم تكن البيئة حاضنة للعلم فحسب، بل أيضًا للعمل التّطوعيّ وخدمة الإنسان. ومن هنا، بدأت مسيرتهما في منظمة نجمة داوود الحمراء، إذ عملتا كمسعفتيْن متطوعتيْن مقدّمتيْن الرّعاية ومُدرّبتين على الإنقاذ، في أصعب اللّحظات وأدقّها. وقد أدركتا منذ نعومة أظفارهما أنّ العلم ليس نقيضًا للقيم، بل وسيلة لترجمتها. وأن المرأة، حين تسير على أرض ثابتة من الأخلاق، تستطيع أن تبلغ السّماء علمًا وخلقًا.

أنهت الدكتورة روان تعليمها للقب الأول البكالوريوس في الهندسة الكيميائية، وللقب الثاني الماجستير في هندسة المواد، أحد أفرع العلوم الدّقيقة الّتي تتطلّب صبرًا معرفيًا وشغفًا خالصًا بالتّفاصيل. حصلت على البكالوريوس والماجستير من معهد التّخنيون، وكان بحثها في مرحلة الماجستير يتمحور حول فصل الماء وإنتاج الهيدروجين، وهو من الاتّجاهات العلميّة الواعدة في مجال الطّاقة النّظيفة.

لم يكن الإنجاز أكاديميًّا فقط، فقد نُشرت أبحاثها في مجلّات علميّة مرموقة، وشاركت كمؤلِفة رئيسيّة، وهو ما يُعتبر إنجازًا لافتًا في عمر مبكِّر نسبيًا في هذا المجال. أما أطروحتها للّقب الثّالث الدّكتوراه، فكانت في مجال الهندسة الكيميائية في واحد من أكثر مجالات البحث العلمي تعقيدًا: دراسة تأثير العيوب النقطية على عمليّة التّلبيد السّريع لأكسيد المغنيسيوم (MgO) من أجل فهم مراحل هذه العملية بشكل أفضل. وتُعدّ التّقنيّة الّتي بحثتها ثوريّة في مجال تصنيع مواد السّيراميك باستخدام المجالات الكهربائيّة، وتُسهم في تقليل استهلاك الطّاقة وتحسين جودة التّصنيع. وبدعم من مؤسّسة بازي الدّاعمة للبحوث العمليّة المتقدّمة ووزارة الطّاقة، قدّمت روان أبحاثها في مؤتمرات علميّة دوليّة في أوروبا والولايات المتّحدة، ورفعت اسمها واسم الّطائفة عاليًا، بكل ثقة وتواضع.

من جهتها، سلكت الدّكتورة منار حلبي دربًا موازيًا في الهندسة الكيميائية، وخصّصت بحثها في مجال التّحفيز غير المتجانس، وبالتّحديد في تطوير محفزات فعّالة لإعادة تشكيل غاز الميثان باستخدام ثاني أكسيد الكربون، بهدف إنتاج غاز التخليق الذي له استعمالات واسعة في مجال الصناعة وكذلك تخفيف الأثر البيئي، وقد ركّزت منار في أبحاثها على التّحكّم في التّفاعل بين المعدن والدّعامة، من خلال بنى نانويّة هرميّة، تُسهم في تحسين أداء المحفّزات الصّناعيّة. هذا البحث حظي بإشادة المجتمع العلمي، كونه يفتح آفاقًا جديدة في مجال الطّاقة المستدامة.

إلى جانب بحثها العلميّ، كانت الدّكتورة منار حاضرةً في الحقل الأكاديميّ، كما شقيقتها الدّكتورة روان، كمساعدة تدريس في معهد الهندسة التّطبيقيّة التّخنيون، حيث عملت عن قرب مع طلاب المرحلة الجامعيّة، وقدّمت لهم من علمها وخبرتها وتوجيهها. كما شاركت في مؤتمرات دوليّة وألقت محاضرات باسم التّخنيون، حاملةً إرثها الثّقافي بكلّ فخر واعتزاز.

ورغم اختلاف التّخصّصات، إلّا أنّ هناك خيطًا ذهبيًا يجمع بين الشّقيقتين، الإيمان العميق بأنّ المرأة تستطيع أن تُحدث فرقًا، ليس فقط في بيئتها، بل في العالم بأسره، إذا ما نشأت على القِيم، وسُلّحت بالعلم، ودُعمت بالثّقة، فالدّكتورة روان والدّكتورة منار لم تبرزا فقط في عوالم البحث العلمي، بل مثّلتا نموذجًا لمَن يحسن التوفيق بين العقل والروح، وبين التقدّم المهنيّ والحفاظ على الهويّة.

إن إنجازات روان ومنار لا تعكس فقط تميزًا علميًا، بل تحمل في طياتها بدون أدنى شكّ بُعدًا روحيًّا وإنسانيًّا عميقًا حيث نقف هنا ليس فقط لنُحيي إنجازات الدكتورتين روان ومنار حلبي، بل لنقول لكل فتاة ولكل أم وكل مربٍ إن هذا هو ثمار الاستثمار في القيم، في التّربيّة، وفي الثّقة. ففي زمنٍ تتبدّل فيه المعايير، تبقى القدوة الصّامتة، المتفانيّة، والمشرقة، هي الصّوت الأعلى. فلنرفع القبعة احترامًا للدّكتورتين روان ومنار حلبي ولنجعل من انجازاتهما صفحة مشرقة في سجلّ فتيات ونساء مجتمعنا الرّائدات.

**زاوية من إعداد السيّدة سهام ناطور (عيسمي).

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

بسم الله الرحمن الرحيم﴿إِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون﴾غيّب الموت عنّا هذا الأسبوع أحد وجهاء الطائفة الدرزية في البلاد ا...
23/10/2025

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون﴾
غيّب الموت عنّا هذا الأسبوع أحد وجهاء الطائفة الدرزية في البلاد البارزين سعادة القاضي متقاعد أبا زايد فارس فلاح، الذي كان من رجالات المجتمع والقضاء والإصلاح الذين تركوا بصماتٍ مضيئة في مجال عمله وفي خدمة المجتمع وفي مجالات عديدة أخرى.
كان الفقيد مثالاً في النزاهة والتقوى، إذ سخّر علمه وخبرته لخدمة الناس ونصرة الحق، فكان قاضياً عادلاً، وصاحب نظرة ثاقبة وإنساناً رؤوفاً بقلبٍ كبير، لم يتوان للحظة في عمل الخير ودعم المشاريع المجتمعية الهامة، وقد ربطته علاقات وثيقة بكافة أطياف المجتمع في البلاد.
وقد جمعته علاقة وطيدة مع مؤسس ومحرر مجلة "العمامة" وصاحب دار "أسيا" للنشر المرحوم الشيخ سميح ناطور، علاقةٌ اتسمت بالاحترام المتبادل والتقدير العميق، حيث أصدر الشيخ سميح كتابين حول سيرة حياة ومسيرة القاضي فارس فلاح الذي كان نموذجًا يُحتذى به في العمل والعطاء الإنساني.
أسرة مجلة "العمامة" تتقدم بأحرّ التعازي والمواساة إلى عائلة فلاح الكريمة، سائلين الله تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنّاته، وأن يُلهم ذويه الصبر والسلوان. رحمه الله وطيب ثراه وأسكنه واسع جناته.

فيما يلي مقتطفات من مقدمة كتاب "القاضي فارس حمود فلاح - الثروة الحقيقية: الأعمال، الأصدقاء والذكرى" الذي صدر عام 2017:

"القاضي أبو زايد فارس فلاح، هو علم من أعلام المجتمع في البلاد، وشخصية مرموقة مقبولة في جميع الأوساط، وهو ما زال رائدا، يقود مسيرة من العمل والعطاء والمشاركة، منذ أكثر من خمسين عاما، يتبوأ فيها مركز الصدارة والقيادة والزعامة، سواء كان يشغل منصبا أو لا يشغل، فمكانته محفوظة مرفوعة في كل الأماكن، وفي جميع الأوساط. وقد انطلق من قرية صغيرة في الجليل الأعلى، لكنه رفع اسم هذه القرية، وجعلها منبعا للعلم والتحصيل والتألق، حيث بنى إمبراطورية لامعة برّاقة من الشباب والبنات المتعلمين المثقفين، وأعطى بذلك درسا ونموذجا وقدوة، في ارتياد العلم، وفي التطلع إلى أعلى، وفي الوصول إلى المراتب والمراكز. وهو يضم في داخل بيته، خمسة ألقاب دكتوراه، وهذا إنجاز لا يوجد له مثيل حتى الآن في مجتمعنا، مما يجعلنا نعتز ونفتخر بوجوده، وبأعماله، وبشخصيته، وبمناقبه، حيث تجد له تقديرا واحتراما في الجليل، والكرمل، والمثلث، والنقب، والضفة الغربية، وكذلك في الأردن. وفي نفس الوقت، يُعتبر شخصية فذة لامعة في أوساط أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، وسوريا، ولبنان، والأردن.
وقد جعل وظيفة القاضي، الذي يبعث الرهبة والخوف والوجل، في نفوس الناس، جعلها وظيفة مبجّلة محترمة، تبعث في النفوس الثقة والاطمئنان، بأن الحق والعدل هو رائدها. ومن هذا المنطلق، توجّهت إليه منظمات كثيرة، طالبة أن يترأسها وأن يقودها، لأن الأوساط الداعمة لهذه المؤسسات، تعرف مدى تقدير الجماهير في البلاد لشخصيته، وأن أي موضوع يوكل بتنفيذه، يُنفّذ على أحسن وجه.
وقد أصدر عام 2005 كتابه "دواليب الحياة"، الذي شمل عددًا من مشاريع حياته الضخمة. وقد لمست كمخرج وناشر للكتاب، مدى التقدير والاحترام، الذي يكنّه الناس، على مختلف المستويات، لشخصية القاضي أبي زايد، وقد توجه إلى الكثيرون، مشيرين إلى إعجابهم وتقديرهم واحترامهم لشخصيته، وذكر الكثيرون منهم، القصص والأحداث التي رفعت من مكانته، وغمرتني اقتراحات أصدقاء القاضي أبي زايد ومعارفه، الذين أعربوا عن اقتراحاتهم بأن تُجمع معلومات من المعارف والأصدقاء، لتكون نواة لكتاب جديد، يتحدث عن شخصية أبي زايد وأعماله ومناقبه، من خلال الذين تعاملوا معه. وعندما بدأت بعرض الفكرة على بعض معارفه، قوبلت بالاستحسان والتشجيع، والاستعداد للمساهمة والكتابة، في ذكر أعمال ونشاطات القاضي أبي زايد. وكان بإمكاننا أن نصدر عشرات المجلدات، لو فسحنا المجال للجميع، أن يكتبوا كل ما كانوا يودون كتابته، لكننا اختصرنا على عدد من المقربين، الذين يمثلون كافة قطاعات المجتمع والشرائح، التي تعامل معها القاضي أبو زايد، وتعاملت معه، واحترمها واحترمته.
لا شك أن سيرة وأعمال أبي زايد، هي مرآة للمجتمع في بلادنا في الخمسين سنة الأخيرة. وهذه الأعمال، وهذه السيرة، تثبت أن مجتمعنا على مختلف طوائفه، زاخر بالعطاء، والإحسان، والتقدير، والاحترام، والديمقراطية، والمساواة، والتطلع إلى التألق، وإلى إحلال السلام في منطقتنا. وكلنا أمل، أن يكون هذا الكتاب، قدوة ونموذجا للشبيبة العربية الصاعدة، التي يمكن أن تتعلم من جهود، ومثابرة، واستقامة، وإخلاص أبي زايد، كيفية الوصول إلى القمة، والبقاء فيها مدة طويلة.
والله ولي التوفيق
سميح ناطور
دالية الكرمل 2017"

من العدد 169 لمجلة العمامة: نبذة عن تاريخ الدّروز في سوريايعيش الدّروز في سوريا منذ بدء دعوة التّوحيد في مستهلّ القرن ال...
20/10/2025

من العدد 169 لمجلة العمامة: نبذة عن تاريخ الدّروز في سوريا

يعيش الدّروز في سوريا منذ بدء دعوة التّوحيد في مستهلّ القرن الحادي عشر ميلادي، فقد كانت سوريا، وخاصّة مناطق حلب، غوطة دمشق، وسفوح جبل الشّيخ، من المراكز الفاعلة والنّشطة للدّعوة، وانتشرت فيها التّجمّعات التّوحيديّة بقوّة، لا سيّما في شماليّ سوريا، حيث ازدهر الوجود الدّرزيّ في منطقة أنطاكية وبلغ درجة كبيرة من التّنظيم والصّلابة .إلّا أنّ هذا الازدهار لم يدم، إذ واجه الموحّدون في أنطاكية حملة شرسة عُرفت بـ”محنة أنطاكية”، الّتي استمرّت عدّة سنوات، وتعرّض فيها الدّروز للملاحقة والقتل والتّشريد، ممّا أدّى إلى تفكّك هذا التّجمع القويّ. كما تزامنت هذه الأحداث مع إغلاق باب الدّعوة، ما تسبّب في تراجع انتشار الطّائفة في مختلف المناطق السّوريّة وغيرها. ففي حلب، انحسر عدد الموحّدين بشكل كبير، واقتصر وجودهم على جبل السّمّاق حيث لا تزال هناك حتّى اليوم 13 قرية درزيّة قائمة. كما بقيت بعض القرى الدّرزيّة في غوطة دمشق، وعلى السّفوح الشّرقيّة لجبل الشّيخ، وكذلك في مدخل وادي التّيم من الجهة السّوريّة. وفي تلك الفترة، لم يكن جبل الدّروز مأهولًا بعد بالسّكّان الدّروز. وقد بدأ الاستيطان الدّرزيّ المكثّف في جبل الدّروز في أوائل القرن الثّامن عشر، بعد معركة عين دارا عام 1711 الّتي وقعت بين الفريقيْن القيسيّ واليمنيّ من الدّروز في لبنان. انتصر القيسيّون في هذه المعركة، وهُزم اليمنيّون بقيادة ما تبقى من آل معن، واضطرّوا للنّزوح إلى جبل حوران، حيث عمّروا الخرائب، وبنوا قرى جديدة، وشكّلوا نواة لتجمّع درزيّ قويّ في المنطقة.

مع مرور الوقت، أصبح جبل الدّروز في سوريا ملاذًا لكلّ درزيّ مظلوم أو مُطارَد، فاستقرّ فيه أناس من ذوي الشّجاعة والاجتهاد، عمّروا أرضه، وحوّلوه إلى قوّة اقتصاديّة وعسكريّة لها شأنها في الإمبراطوريّة العثمانيّة والمنطقة. وقد حاولت الدّولة العثمانيّة حينها فرض التّجنيد الإجباريّ على الدّروز وتجريدهم من سلاحهم، إلّا أنّهم قاوموا هذه المحاولات بشجاعة وإصرار، مماّ أكسبهم وحدة داخليّة وقوّة تماسك فريدة. ومن أبرز المحطّات التّاريخيّة في هذا السّياق، مقاومة الدّروز للغزو المصريّ بقيادة إبراهيم باشا، الّذي احتلّ بلاد الشّام حتّى حدود الأناضول، دون أن يتمكّن من إخضاع جبل الدّروز، إلّا بعد أن قطع عنهم مياه الشّرب، ما اضطرّهم إلى التّفاوض والتّوصّل إلى اتّفاق معه. وفي تلك الحقبة، تولّت أسرة آل حمدان إدارة شؤون الجبل، فكانوا أول من قاد موجة النّزوح الدّرزيّ من لبنان إلى جبل العرب، وعملوا على تنظيم حياة السّكّان وتحويلهم إلى طائفة موحدة ذات نظام اجتماعيّ متماسك. لكن في منتصف القرن التّاسع عشر، بدأت سلطة آل حمدان تضعف، وانتقلت القيادة تدريجيًّا إلى آل الأطرش، بقيادة إسماعيل الأطرش، الّذي قاد جيشًا ولعب دورًا بارزًا في نصرة دروز لبنان خلال أحداث عام 1860، ما عزّز مكانته كزعيم سياسيّ كبير، ووطّد حكم آل الأطرش في الجبل، إذ وُجد في كلّ قرية زعيم من هذه العائلة له الولاية على شؤونها، ويملك ربع أراضيها. وفي عام 1889، ظهرت حركة شعبيّة تمثّلت في تمرّد بعض العائلات الصغيرة على هيمنة آل الأطرش، وقد تمّ تسوية الخلاف، لكنهّا عادت للظّهور عام 1947 بصورة جديدة، وبنفس الحدّة، وانتهت بمصالحة عامّة.

شهدت منطقة جبل الدّروز حروبًا متكرّرة ضد السّلطنة العثمانيّة، بقيادة آل الأطرش، وحقّق الدّروز فيها انتصارات مهمّة، إلى أن جاءت الحرب العالميّة الأولى، حيث وقف الدّروز إلى جانب الأمير فيصل بن الحسين، وساهموا في دخول قوّاته إلى دمشق. غير أن القوى العظمى لم تعترف بحكم فيصل، وفرضت الانتداب الفرنسيّ على سوريا ولبنان.

سعى الفرنسيّون إلى استمالة الدّروز، فأنشأوا دويْلة جبل الدّروز ضمن مشروع تقسيم سوريا إلى كيانات طائفيّة، وشكّلت حكومة محليّة، وانتُخب مجلس نيابّي برئاسة سليم الأطرش، واعتمدت السّويداء عاصمة للدّولة وحُدّد العلم وعُين أصحاب المناصب الماليّة والعدليّة والثّقافيّة وغيرها، إلّا أنّ هذا المشروع كان هشًّا، وقوبل برفض وطنيّ واسع، لا سيّما من قِبل عطوفة سلطان باشا الأطرش، الّذي قاد مع رفاقه الثّورة السوريّة الكبرى عام 1925. ألهبت هذه الثّورة مشاعر الجماهير العربيّة، وأحيت رغبة التّحرّر من الاستعمار، وبرز فيها الدّروز كقوّة وطنيّة شجاعة رائدة. لكنّ الثّورة لم تلقَ الدّعم الكافي من باقي القوى الوطنيّة، بل إن بعض الزّعامات العربيّة تعاونت مع الانتداب الفرنسيّ، ما أدّى إلى ضعف الثّورة وانكفاء قادتها إلى المنفى، حيث نُفي سلطان باشا الأطرش ورفاقه إلى الصّحراء السّعودية، وبقوا هناك عشر سنوات، عانوا فيها من قسوة العيش، في حين تنعّم الآخرون بمواقع السّلطة، حتّى تمّ التوّصل إلى مصالحة عامّة عام 1936، فعاد القادة المنفيوّن إلى ديارهم، ليعيدوا إعمار ما دمرته القاذفات الفرنسيّة.

آثر عطوفة سلطان باشا الأطرش بعد عودته الابتعاد عن السّياسة، بعد ما خاب أمله من بعض مواقف الزّعامات الأخرى. إلّا أن دوره برز مجدّدًا عام 1954، حين شنّ الدّيكتاتور أديب الشّيشكلي حملة عنيفة على الجبل، طارد فيها الدروز، ودمّر بيوتهم، فخرج سلطان من البلاد حقنًا للدّماء. إلّا أن الجيش السّوري تمرّد على الشّيشكلي وأطاح بحكمه، ففرّ إلى البرازيل، وهناك لحقه أحد المتضرّرين من بطشه، وهو المواطن الدّرزي نواف غزالة، الّذي واجهه وقضى عليه. وفي عهد الوحدة بين سوريا ومصر، نال الدّروز تقديرًا واحترامًا، وكان لاستقبال عطوفة سلطان باشا الأطرش للرّئيس جمال عبد النّاصر في السّويداء أثر بالغ، إذ قُوبل الرّئيس المصريّ بحفاوة كبيرة من قبل سكّان الجبل. وبعد الانفصال بين الدّولتيْن، حافظ الدّروز على كيانهم ودورهم المؤثّر في الحياة السّياسيّة، وإنْ بشكل محدود، وقد حرصوا على التّمسك بقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم.

ويبلغ عدد الموحّدين الدّروز في سوريا اليوم حوالي 700 ألف نسمة، يتوزّعون بشكل أساسيّ في جبل الدّروز (الّسويداء)، وفي مناطق من حلب، وغوطة دمشق، وسفوح جبل الشّيخ.

المصدر: موسوعة التّوحيد الدّرزيّة، 2011

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

من العدد 169 لمجلة العمامة: مع الأولياء الصّالحين.. المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز أبوذياب. بقلم الأستاذ الشّيخ غسّان يوسف...
16/10/2025

من العدد 169 لمجلة العمامة: مع الأولياء الصّالحين.. المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز أبوذياب. بقلم الأستاذ الشّيخ غسّان يوسف أبوذياب.

شيخ همّام سادق ديَّان
وتذلّ عند حضوره الفرسانُ
وسلاحُه سدقُ النَّوايا والتّقى
ومسدّد قد صانه الرّحمن
يحمي الحقيقةَ بالنّباهة والوفا
وفصاحةٍ يحلو بها البرهان
رحماتُ ربِّي غيثُها متواصلٌ
تترى عليه ما جَرَتْ غُدرانُ

وُلد الشّيخ أبو سعيد فايز أبو ذياب في الجاهليّة سنة 1924. توجّه إلى الدّين وله من العمر خمس وثلاثون سنة. رُبي يتيم، وقامت والدته خانوم خدّاج(كفرمتى) بتربيته ورعايته، وكان لها الفضل الكبير في ذلك. وقد فقد والده وله من العمر أربع سنوات، وكذلك فقد أخاه “سعيد” وهو في مقتبل الشّباب. توفّاه المولى سنة 2009 م رحمة الله عليه.
كان في مطلع شبابه يتعاطى بالشّأن العامّ السّياسي، وبعد توجّههه إلى الدّين أضحى يتعاطى بالشّأن الدّيني- السّياسي، وحاز على ثقة أهل الدّين ومشايخ عصره، حيث كانوا يكلّفونه بحلّ المشكلات الصّعبة، مطمئنّين لسدق نواياه، وإخلاص مسعاه وتقواه. تميّز بالجرأة الأدبيّة الدّينيّة، والشَّخصيّة الاجتماعيَّة القويَّة، والأسلوب المقنع المرن، حيث نال ثقة مشايخ البلاد، وبات من أصحاب المشورة لديهم، يعتدّ برأيه.

وجهان مشرقان التقيا في وقت واحد، فتآلفا وتصافيا، وأفاضا من خيراتهما وعلمهما وأفضلا، المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز أبو ذياب رحمه الله وابن عمّه سماحة الشّيخ الجليل أبو علي سليمان أبو ذياب حفظه الله تعالى. إذ كان هذان الشّيخان الجليلان متعاضديْن ومتعاونَيْن لنصرة الحقّ وإشادة منارة الدّين بما وهبهما الله تعالى من مواهب متنوّعة.

محطّات نفيسة من حياته:

– وقع خلاف بالرّأي بين سيّدنا الشّيخ أبي يوسف أمين طريف، ومشايخ بقعاتا بسبب “مشكلة الهويّة”، فتكلّف المرحوم الشَّيخ أبو سعيد من قِبل مشايخ البلاد لحلّ هذه المشكلة، وتوفّق في ذلك وجمع الآراء المتباعدة تحت سقف السَّلام والوفاق، فأُعْجِبَ سيِّدنا الشَّيخ أبو يوسف أمين بإخلاصه وذكائه وشجاعته، وأجلسه بجانبه، وطلب من الاستماع إليه قائلًا له: ” إيّاك أن تقول إنّك مقصر، الاجتماعات فقيرة بدونك. إيَّاك أن تقول مقصِّر، أوصيك بأهلنا في لبنان”.
– بعد مجزرة صاليما أرصون سنة 1975 عُقد اجتماع في خلوات القطالب بحضور مشايخ البلاد من حاصبيا إلى المتين، وسماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين محمد أبي شقرا، وفوّض جميع الشّيوخ الحاضرين، المرحوم الشّيخ أبي سعيد وكلّفوه أن يتكلّم باسمهم لحلّ هذه المشكلة الكبيرة، وكذلك الزّعيمان الأمير مجيد أرسلان ووليد بك جنبلاط كلّفاه أن يتكلم باسمهما. فانطلق المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز على بركة الله وبدعاء المشايخ الأفاضل لمقابلة القيادة السّوريّة وفي صحبته المحامي فريد أبو شقرا، وكان في استقبال الشّيخ أبو سعيد كبار الضّباط السّوريين.

بدأ الكلام الشّيخ أبو سعيد قائلًا: إني أرحّب بالمشنقة والإعدام، وسجن المزة. ولي الشّرف أن أستشهد في سبيل العرض والدّين. هؤلاء الجماعة أخسّ وأجبن وأنذل أن يتصرّفوا معنا لولا ما تكونون حامين لهم. وإذا كنتم أنتم وغيركم تريدون التّخلّص من الطّائفة الدّرزية فإني أشهد أمام الله سبحانه وتعالى أمشي أمام الشّباب وبيدي هذه العصا وأدوّخكم وأدوّخ كلّ من ينصركم. فأجابه الضّابط السّوري وليد حمدون: لكم ماض وحاضر يشهد لكم، وما يقدر أحد يزايدكم عليه.

الشّيخ أبو سعيد: نحن نحبّ الإنصاف حتّى مع الأعداء. اِجلسوا أنتم على حياد كي لا يُهرق دم عربيّ، ونحن نعمل جولة معهم، إذا انتصروا يجرون فينا كما أجروا في صاليما وأرصون، وإذا انتصرنا نعلّمهم ونعلّم العالم شرف القتال، ونعلّمهم كيف تكون المحافظة على العرض والأرض، وكيف المحافظة على الأطفال العزّل. نحن قوم ما تعوّدنا نتهجر، وهذه الضّياع الّتي حصلت فيها المجازر يجب أن تعود أهاليها وتتأمّن حمايتهم ومعيشتهم. رفع وليد حمدون يده وأقسم باسم حافظ الأسد بأنّه على استعداد لتنفيذ طلبات الهيئة الرّوحية بكاملها.

– من كلامه النّفيس عندما كلّفته الهيئة الرّوحية أن يتكلّم باسمها في إحدى المحطّات التّاريخية والأزمات الصّعبة الّتي مرّت بها، ممّا اضطرّها الأمر إلى اتّخاذ موقف صارم يترجم عن صورة الطّائفة الدّرزية الحضاريّة الرّاقية:” …كلّنا يدٌ واحدة في سبيل الكرامة، ودفاعًا عن العرض والأرض، وبعون الله تعالى نرفض التّعدّي منّا على أحد، وقلنا وسنبقى نقول الّذي يتعدّى علينا الله لا يوفّقه، والله سبحانه خصمه، ونحن خصمه، والّذي سيتخاذل عندما يصير علينا تعدٍّ، الله خصمه، ونحن خصمه، والّذي يخاف أن يموت من يد الخصم، سيموت من يد أمّه وأبيه، لأنّنا ما تعوّدنا نُنجِب جبناء وأنذالًا لا يغارون على عرضهم وأرضهم…”.

رحم الله الشّيخ أبو سعيد الّذي سطّر في حياته سطور العزّة والكرامة، والإخلاص والدّيانة، وما ذكرناه في هذا الكتاب يبقى غيضًا من فيض.

أقيم للمرحوم الشّيخ الجليل مزار في ضيعته الجاهليّة تقصده النّاس للتّبرّك، وتلاوة كتاب الله العزيز.

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

كلمة العدد 169! لمجلة "العمامة": جبل الشّموخ… لا يطغى ولا ينكسر.. ثباتٌ لا يَعرف انكسارًا وأخلاق تعلو المقامجاء في كلمة ...
04/10/2025

كلمة العدد 169! لمجلة "العمامة": جبل الشّموخ… لا يطغى ولا ينكسر.. ثباتٌ لا يَعرف انكسارًا وأخلاق تعلو المقام

جاء في كلمة العدد 153 من مجلة “العِمامة” لمؤسّس ومحرّر المجلة
المرحوم الشّيخ سميح ناطور: “لقد تربّينا خلال مئات السّنين، على المقولة الشّعبيّة الدّرزيّة: “نيّال مَن له في السّويداء خرابة”، فقد نظر جميع الدّروز، في أيّ مكان في العالم، إلى مدينة السّويداء الّتي تمثّل الجبل الأشمّ ودروز سوريا في باقي المحافظات السّوريّة، كما ينظر المسيحيّون إلى الفاتيكان، والمسلمون إلى مكّة المكرّمة، واليهود إلى أورشليم، وكما ينظر صفوة العلماء إلى قاعدة إطلاق صواريخ الفضاء في فلوريدا، وإلى مقرّ جائزة نوبل في ستوكهولم، وإلى كلّ مصادر القداسة، والقيادة، والطّهارة، والنّبل، والشّرف، والعزّة، والكرامة، والعطاء، والمجد، والسُّؤدد، والفخر، والتّقدم، والتّألّق، والبراعة، والمهنيّة وكلّ الفضائل الإنسانيّة”.

ولم يكن من قبيل الصّدفة أن يشبّهها الرّاحل الشّيخ سميح ناطور في حينه، بكلّ فخر، بالفاتيكان للمسيحيين، ومكّة للمسلمين، وأورشليم لليهود. بل تخطّى التّشبيه إلى أنْ جعلها تضاهي مراكز التّقدّم الإنسانيّ في العالم، مثل قاعدة إطلاق الصّواريخ في فلوريدا، ومقرّ جائزة نوبل في ستوكهولم. فهو، كما كلّ الآخرين من أبناء الطائفة المعروفيّة الغرّاء، يرى أنّ السّويداء تختزن في ترابها معاني الطّهارة والعِلم والمجد والعطاء والفخر والنّبالة وهي موطن الفضائل الإنسانيّة كلهّا ووعد بالاستمرار وصوت للتّاريخ ومرجعيّة أخلاقيّة وثقافيّة. حتّى إنْ كانت “خرابة”، فهي تكفي كي يشعر الإنسان أنّه منتمٍ إلى شيء أكبر من ذاته، إلى جذور ضاربة في الأرض والتّاريخ، بوصلة المعنى وحصن الثّوابت وراية الشّرف المرفوعة في ذاكرة الأمّة الدّرزيّة.

وليفهم القاصي والدّاني أنّ السّويداء حيث تسكن الرّموز وتنبض الجذور هي في قلب مشاعر الدّروز في العالم أجمع، وأن مقولة: “نيّال مَن له في السّويداء خرابة” ليست مجرّد مقولة شعبيّة، بل إعلان انتماء يفيض بالعزّة والحنين، واعتراف صريح بأنّ لهذه المدينة رمزيّة تتجاوز الجغرافيا، وهي مرآة للكرامة، وراية للهويّة، ومنبع للرّوح.

إنّ ما شهدناه ونشهده في الفترة الأخيرة في منطقة السّويداء والجبل من اعتداءات وجرائم بربريّة وحشيّة سافرة يندى لها الجبين، من قِبل نظام داعشيّ وأعوانه يحتِّم ردًّا حاسمًا لا هوادة فيه من قِبل كلّ صاحب ضمير حيّ في كافةّ أرجاء المعمورة، وليس فقط من قِبل أبناء الطّائفة المعروفيّة الشّامخة الغرّاء فقط، الّتي حتمًا تعرف وستعرف كيفيّة التّعامل بحزم مع ما آلت إليه الأمور بهمّة وقدرة وحكمة شيوخها وقاداتها ورجالاتها وأبنائها وبناتها.

وفي هذا السّياق لا بدّ لنا من كلمة ثناء وعرفان وشكر وتقدير لكلّ الدّول والجهات والأطراف والأشخاص الّذين وقفوا مع الحقّ ومع الإنسانيّة ضد الطّغيان والمجازر والأعمال البشعة الّتي ارتُكبت في منطقة الجبل والسّويداء ومدّوا لسّكّان هذه المنطقة يد العون وعلى رأسهم سماحة الشّيخ أبو حسن موفق طريف الرّئيس الروّحي للطّائفة الدّرزيّة في إسرائيل، الّذي لم يغمض له جفن وبقي طول الفترة الأخيرة العين السّاهرة والقلب النّابض لصون مصالح وحماية دروز الجبل والسّويداء، وقد عرف سماحته كيف يخرج إلى العلن حين يحتاج الصّوت الدّرزيّ إلى سندٍ دوليّ، ويعود إلى الدّاخل حين تشعر الجماعة بالحاجة إلى لمّ الشّمل وجمع المساعدات وتقوية اللّحمة وحفظ الاخوان والتّعاضد، حيث لم يكن حضور فضيلته في ميدان العطاء محصورًا بالقول أو الموقف، بل كان ولا زال دائم المبادرة في نُصرة أهل الجبل، ومساندة السّويداء في ساعات الشّدة، مؤمنًا بأنّ الوقوف إلى جانب الأهل واجب لا تفضُّل، وامتداد طبيعيّ لرسالة صادقة.

وممّا لا شكّ فيه فأنّ هذه التّطورات تعود لتذكرّنا أنّ السّويداء كانت على مرّ العصور وما زالت مدرسة الحرّيّة، فعندما ضاقت الأرضُ بما رحبت، اختار أهلُ التّوحيد الجبلَ لا هربًا من التّاريخ بل ارتفاعًا عليه. ففي القمم يتعلّم المرء أنّ العلوَّ ليس كبرياء، بل بُعد نظر. فهناك أُطفئت حرائق الطّغيان أكثرَ من مرّة، وهناك فهم النّاسُ أن السّيف آخر الكلام، وأنّ ما يسبقه محراث يُعمّر، وعقل يُبصّر. لذلك ما دخل الدروز حربًا إلّا دفاعًا لغاصبٍ، ولا خرجوا منها إلّا بأقلّ الكلام وأكثر الوقار فالبطولةُ في السّرديات السّهلة صخب وصور، أمّا في ذاكرة الجبل والسّويداء فهي سلوك منضبط: شيخ يسدّ فوّهة المدفع بعمامتِه لا ليستدرَّ التّصفيق، بل ليمنعَ دمًا معصومًا؛ وأمّ تودّع أبناءَها الخمسة ويمكث وجهُها أبيض كالنّقاب. من فخر الدّين إلى سلطان باشا، ومن وهاد لبنان إلى حِرار حوران، ظلّت المعادلة واحدة، نُدافع عن البيت لأنّ البيت فكرة، وعن الأرض لأنّها مرآة العهد.

ونحن اليوم نقول، استنباطًا من مقولة “إنّ التاريخ يعيد نفسه”، إنّ انطلاق وصمود السّويداء النّبيل في راهنها، لم يكن فعلَ رفضٍ وغضبٍ فحسب، بل تعبيرًا عن وعيٍ توحيديٍّ عميق: ألا تُذِلّ النفسُ حرًّا، وألا تُقدَّم الكرامةُ قربانًا على مذابح الطّغيان. هناك، في شوارع العزّة، ومضافات الصّبر، ومداخل البيوت الحرّة الصّامدة، يقف شبابٌ وشيوخٌ، نساءٌ وأطفال، يردّون على القهر بصمتِ الكبرياء، وعلى الجوع بكبرياء الشّبعان نفسًا، وإن خلا بيته من الخبز. إنّ بطولات أهل السّويداء والجبل ليست استعراضًا، بل استمرارًا لمعادلة الجبل القديمة، كما أسلفنا، الّتي حتّمت الدّفاع عن البيت مهما كلّف الأمر من تضحياتٍ وأثمان، ومن منطلق إيمانٍ توحيديٍّ راسخ.

وفي السّويداء ولدى أبناء وبنات طائفتنا في كلّ مكان، تتجلّى اليوم هذه الفكرة أكثر من أيّ وقت مضى. ليس لأنّ النّاس انتفضوا فقط، بل لأنّهم عرفوا متى وكيف ولماذا. لم ينجرّوا إلى هاوية الطّائفيّة، ولم يخلطوا بين الغضب المشروع وغواية الفوضى. رؤوسهم مرفوعة، لكن قلوبهم خافضة لله، صوتهم قوي، لكنّ أياديهم أنظف من أن تُلوّث بدمٍ معصوم وبدون حقّ كما يفعل الآخرون.

فسلامٌ على جبلٍ يعلو دون أن يتكبّر، ويشمخ دون أن يطغى، وعلى مدينةٍ راسخةٍ بعزّتها، سامقةٍ بوقارها، لا تنحني إلا لله جلّ جلاله، ولا تلوذُ إلا بالحقّ. وسلامٌ على قوم، إذا اصطفّ النّاس خلف السّلاح، اصطفّوا خلف الإيمان، وإذا اختبأ الخائفون وراء النّظام والجدران، واجهوا هم بالمروءة والضّمير، وبثباتٍ لا يعرف انكسارًا، وبأخلاقٍ تُسكِت الضّجيج وتُعلّي المقام..

والله ولي التّوفيق..
أسرة “العمامة” | دالية الكرمل | أيلول 2025

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

الموحِّدون أمةٌ سمت بالحكمة نهجًا، وبالمرجعية التوحيدية سندًا، وبإرثٍ من الوفاء والبطولة جذورًا لا تنقطع.أمةٌ اعتادت أن ...
01/10/2025

الموحِّدون أمةٌ سمت بالحكمة نهجًا، وبالمرجعية التوحيدية سندًا، وبإرثٍ من الوفاء والبطولة جذورًا لا تنقطع.
أمةٌ اعتادت أن تُسطِّر مواقفها منذ أكثر من ألف عام بماء العزّ، وتثبت في مهبّ الصعاب كالجبل الشامخ لا تهزّه الرياح. تحيطها أدعيةُ الصالحين، وترعاها أنظارُ السماء، ويشدّ أزرها الأوفياءُ الذين حفظوا العهد وحملوا الأمانة.
وستبقى، بعون الله، مرفوعة الرأس، شامخة القامة، لا تُرهِبها العواصف، ولا تُثنيها المحن…
يصدر العدد 169 من مجلتكم مجلة "العمامة" في الذكرى الثانية والثلاثين لرحيل سيّد الجّزيرة وشيخ العشيرة فضيلة سيّدنا الشّيخ أبي يوسف أمين طريف (ر) وفي ظلّ الأحداث والظروف العصيبة التي مرّ ويمرّ بها أهلنا في السويداء وجبل الدروز، راجين أن تحمل المرحلة المقبلة بزوغ فجرٍ من الأمن والطمأنينة والسلام.
ويتميّز هذا العدد بسلسلة من المقالات الثرية والمتنوّعة الهامة ومنها:
- كلمة العدد بعنوان: جبل الشّموخ… ثباتٌ لا يَعرف انكسارًا وأخلاق تعلو المقام
- في وجهِ العاصفة: سماحة الشّيخ في خطاب تاريخيٍّ في مقام سيّدنا النّبيّ شعيب (ع) حول محنة السّويداء
- دعاء فضيلة الشيخ أبو علي حسين حلبي في الموقف التأبيني في مقام سيدنا شعيب (ع)
- مقال اخر عن فضيلة المشايخ المتوّجين بالعمامة المكولسة عن الشّيخ الفاضل الجليل أبو صالح محمد العنداري
- مقال عن المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز أبوذياب من إعداد الشّيخ غسان أبو ذياب
- قصص متفرقة من "الذّاكرة الدّرزيّة" وهو مشروع لجمع وتدوين ونشر قصص من تراث وتاريخ أهل التوحيد اعداد المرحوم الشيخ سميح ناطور
- مقالات خاصة عن الدروز في سوريا، عن نشوء الرّئاسة الرّوحيّة في جبل العرب، عن جبل حوران وعن عائلة الهجري
- مقالات متنوعة من تاريخ وحاضر الطائفة الدرزية: كوارث ومحن في تاريخ الدّروز، النّبيّ هابيل (ع)، النبي سبلان (ع)، سيرة الصحابي سلمان الفارسي (ر)، طبقات اجتماعيه بين دروز لبنان، السّيّد المسيح في وجدان الموحّدين الدّروز وغيرها
- زاوية "نساء رائدات" عن التوأم روان ومنار هشام زيدان حلبي الحائزتين على لقب دكتوراه في الهندسة الكيميائية
- زاوية "العمامة للصغار"، نشاطات طائفية، مقالات عن شخصيات محلية، كتب صدرت مؤخراً، قصص ومواضيع تراثية شيقة، اشعار ومقالات متنوعة اخرى..
** العدد سيوزع في مقام النبي الخضر (ع) في كفر ياسيف ومقام النبي شعيب (ع) في حطين ومتوفر دائما في موقع مجلة "العمامة" أو في نسخة PDF في التعليق الأول

01/09/2025

خمسة أعوام انقضت على رحيل قامةٍ سامقة، ورمزٍ سامٍ نقش اسمه في صميم وجدان الثقافة والفكر، الشيخ سميح ناطور، الكاتب والمؤرخ والشاعر والناشر، الذي حمل في قلبه همّ الطائفة الدرزية، ورسالة الإنسانية جمعاء.

غاب الجسد عن مرأى العيون، غير أنّ الروح ما برحت حاضرة، والفكر باقٍ لا يزول، والكلمة التي خطّها بمداد الصدق ما تزال تُنير العقول، وتفتح للباحثين دروب الحقيقة. لقد كان الشيخ سميح ناطور شاهدًا على زمنٍ غني بالأحداث، وصانعًا لمجد طائفته، وسفيرًا للسلام حيثما حلّ، ومنارةً متوهجة للثقافة الدرزية.

وفي مثل هذا اليوم، تتجدّد الذاكرة بطيب سيرته، وتتسع الدهشة أمام عطاءٍ لم يعرف حدودًا، وموسوعاتٍ أقام بها جسورًا متينة بين الماضي والحاضر، وبين الطائفة والعالم. لقد ترك إرثًا عظيما، ورسالةً خالدة للأجيال بأنّ الكلمة الصادقة أطول عمرًا من صاحبها، وأنّ الذاكرة الحية لا يطالها النسيان.

سلام على روحه الطاهرة في عليائها، سلام على ذكراه التي تزداد إشراقًا مع تعاقب الأعوام، وسلام على قلمه الذي لم ينكسر، بل تحوّل بعد الرحيل إلى شعلةٍ تهدي الدروب وتبقى منارًا للأجيال.

طيب الله ثراه..

خمس سنين على الرحيلغاب الجسد عن مرأى العيون، غير أنّ الروح ما برحت حاضرة، والفكر باقٍ لا يزول، والكلمة التي خططتها بمداد...
01/09/2025

خمس سنين على الرحيل
غاب الجسد عن مرأى العيون، غير أنّ الروح ما برحت حاضرة، والفكر باقٍ لا يزول، والكلمة التي خططتها بمداد الصدق ما تزال تُنير العقول، وتفتح للباحثين دروب الحقيقة.
لروحك السلام!

في مثل هذا التّأريخ من عام 2020، توفّي الكاتب والأديب الشّيخ سميح ناطور رحمه الله.

ولد ناطور عام 1946 في قرية دالية الكرمل، فشبّ مولعًا بالعلم والثّقافة ليكون أوّل طالب ديلاويّ يُنهي دراسته الجامعيّة عام 1967.

خلال مسيرته الثّقافيّة، أسّس ناطور أوّل تجمّع شبابيّ تحت عنوان "النّهضة الثّقافيّة لشباب دالية الكرمل"، مستضيفًا من خلاله مختلف الكتّاب والشّعراء والمفّكرين.

في مرحلةٍ متأخّرة، تفرّغ ناطور للكتابة الّتي سخّرها لتأريخ الطّائفة الدّرزيّة ونشر محاسنها بأكثر من لغة، فأقام "دار آسيا" للصّحافة والنّشر مصدرًا عنها عشرات الكُتب والموسوعات التّوحيديّة التّثقيفيّة، إضافةً إلى إصدارة الرّياديّ لمشروع مجلّة "العمامة" الّتي حرّرها وأصدرها خلال مناسبات الطّائفة وزياراتها حتّى يوم وفاته.

02/06/2025

"... نحن نكتب هذه السطور، وقد هلّت علينا ليالي العشر المباركة، إذ ننتظر عيد الأضحى المبارك. وفي كل ليلة، يحاول المتدينون بيننا، حضور السهرات الدينية، التي تزخر بالصلوات الروحانية والابتهالات والدعاءات والصلوات والأناشيد القدسية المؤثّرة... وما أجمل أن يجلس الإنسان في رحاب الخلوة المباركة، ويفكر أنه في هذه اللحظة التي يجلس فيها في الخلوة في دالية الكرمل، يجلس إخوان له على الفراش الناعم في خلوات بعقلين وحاصبيا والقريّا وقنوات وحذر ومجدل شمس وكافة القرى الدرزية يقرأون في نفس الكتب ويصلّون نفس الصلوات، ويرددون نفس التضرعات.
الإنسان المؤمن الذي يجلس في رحاب الخلوة، ويغمض عينيه لبرهة على صوت المنشد الديني الرخيم، يجول بفكره على ألف سنة على الوراء، مارا بألف عيد اضحى، وألف وقفة، وألف سجدة، وما أجملها من لحظات يرى الإنسان فيها نفسه محلّقا في سنوات المعرفة والنور، وعوالم الخصيصة والنقاوة والطهارة والتقديس...
.. والإنسان الدرزي المؤمن، الذي يتعمق في المثل العليا التي يرمز إليها عيد الأضحى المبارك، يعرف أن الإنسان، مهما كبر ومهما تقدّم ومهما تجبّر، يظل بالنسبة للكون والأجرام السماوية والخليقة ذلك المخلوق الصغير...
فلِيَع ِ كل إنسان ما يفعل، وليراقب كل مؤمن ما يجري، ولينتبه كل مخلوق لما يحدث، وليعلم الجميع أننا، حتى ولو طال بنا هنا المقام، نظل دائما وأبدا، ضيوفا ونزلاء مؤقتين في رحاب هذه الديار..."

من كلمات مؤسس "العمامة" - المرحوم الشيخ سميح ناطور طيّب الله ثراه
__________
*اسرة العمامة تتمنى للجميع أضحى مبارك وكل عام وأنتم بخير.*

**شهداء الحرب الأخيرة من أبناء الطّائفة الدّرزيّة**ثكلت الطّائفة الدّرزية في إسرائيل منذ بدء حرب "السّيوف الحديديّة" في ...
30/04/2025

**شهداء الحرب الأخيرة من أبناء الطّائفة الدّرزيّة**

ثكلت الطّائفة الدّرزية في إسرائيل منذ بدء حرب "السّيوف الحديديّة" في السّابع من أكتوبر من العام 2023، ثلاثة عشر ضابطًا وجنديًّا من خيرة أبنائها البررة على الجبهتيْن الجنوبيّة والشمالّية الّذين قاموا بأعمال بطوليّة يشار إليها بالبنان في هذه الحرب دفاعًا عن أرض الوطن. وقد كتبنا في الأعداد الأخيرة من مجلة "العمامة" عن الشّهداء: المرحوم المقدّم عليم سعد – يانوح، المرحوم المقدّم سلمان حبقة – يانوح، المرحوم الرّائد جمال عبّاس – البقيعة، المرحوم دانيال راشد – شفا عمرو، المرحوم عدي مالك حرب - بيت جن، المرحوم جواد عامر – حرفيش، المرحوم سفيان خالد دغش – المغار، المرحوم أنور سرحان – حرفيش، المرحوم الميجر جلاء إبراهيم – ساجور، المرحوم الكابتن وسيم محمود – بيت جن، المرحوم الميجر نائل فوارسة – المغار، العقيد إحسان سامي دقسة – دالية الكرمل والمرحوم تامر نبيل عثمان – كفر ياسيف، رحمهم الله جميعًا وأسكنهم فسيح جنّاته.
فيما يلي نبذه عن كل شهيد:

***المرحوم العقيد إحسان دقسة – دالية الكرمل
خيّم الحزن الشّديد على قرية دالية الكرمل مسقط رأسه والطّائفة الدّرزيّة ودولة إسرائيل عامّة باستشهاد العقيد البطل إحسان سامي دقسة في معركة في قطاع غزة في 20 أكتوبر 2024، عن عمر ناهز 41 عامًا بعد أن كان قد التحق بجيش الدّفاع في 9 يناير 2001 وخدم في سلاح المدرّعات، وقد ووري الثّرى في المقبرة العسكريّة في عسفيا. تاركًا وراءه زوجة هدى، ثلاثة أبناء عمري، ريف وياسمين، والديْن سامي وضوية، وأربعة إخوة. وفور إعلان خبر وفاته الّذي وقع كالصّاعقة على أسرته وقريته، تقاطر الآلاف من القادة والوزراء وكبار الضّباط والمواطنين من كافّة أرجاء الدّولة الى دالية الكرمل للمشاركة في مراسم تشييع جثمانه ومشاطرة عائلته الحزن والأسى في هذا المصاب الجلل.
عُرف العقيد إحسان دقسة الّذي شغل منصب قائد اللّواء 401 التّابع للفرقة 162 في قيادة المنطقة الجنوبيّة بأعماله البطوليّة وببسالته وشجاعته وقدراته القياديّة الفائقة وبحكمته العسكريّة وبدماثة خلقه، ودقّته العالية في أداء مهامه، وحرصه الدّائم على ترسيخ قيم الانضباط والتّفاني في صفوف القوّات الّتي قادها وخدمها بإخلاص وبمحبته الشّديدة لدولته وقريته ولأسرته الفريدة وأقاربه وأصدقائه وتفانيه وإخلاصه الّذي لم يعرف مثيلًا لقيم ومبادئ جيش الدّفاع. وفي ميدان الشّرف والانضباط، يبرز اسم العقيد إحسان دقسة كأحد الرّموز الّتي كانت مدعاة للفخر والاعتزاز إذ لم يكن مجرّد قائد فحسب، بل كان قدوة يُحتذى بها، يبثّ الثّقة في مَن حوله، ويصنع الفارق أينما حلّ، وقد ترك بصمته في كلّ موقع شَغَلهُ، وكان حاضرًا في قلوب رفاقه، لا بكثرة الكلام، بل بصدق الأفعال إلى أن استُشهد وترك وراءه سيرةً عطرة ستبقى تُروى للأجيال القادمة.
وُلد العقيد طيِّب الذِّكر إحسان دقسة في دالية الكرمل عام 1983، ودرس في الكلّيّة الأكاديمية «أونو»، وتخرج منها بعدما حصل على درجة البكالوريوس في القانون. وكان قد جُنِّد في جيش الدّفاع في العام 2001 والتحق بسلاح المدرّعات، وخدم فيه سنوات عدّة. شارك العقيد إحسان في حرب لبنان الثّانية في العام 2006، وحارب في معركة عيتا الشّعب، ودخل بمفرده بدبّابته إلى هذه القرية بعد أن حدّد خلال المعركة مصدر نيران أصابت قوّة مظلّيين تابعة لجيش الدّفاع، وعمل على تدمير مصدر النّيران، وإجلاء الجنود المصابين، وبسبب جهوده هذه، حصل على وسام تقدير وتميّز من قائد المنطقة الشّماليّة. أشغل لاحقًا منصب قائد سريّة في الكتيبة 75 ضمن اللّواء السّابع، ثمّ أصبح نائبًا لقائد الكتيبة 77 في العام 2012، وقائدًا للّواء السّابع في العام 2014، وترقّى إلى رتبة مقدّم وعُيّن قائدًا للكتيبة 82 عام 2016. وفي سبتمبر 2018، عُيّن قائدًا للكتيبة 532 في اللّواء 460، ثمّ ضابط عمليّات في القيادة الشّماليّة عام 2019، وعُيّن قائدًا للواء الجولان في أغسطس 2021.
عاد العقيد إحسان من جديد للدّراسة في كلّيّة الأمن القوميّ في أغسطس 2023. لكن معركة السّيوف الحديديّة أجبرته على العودة إلى منصبه في أكتوبر 2023. وقد رُقّي إلى رتبة عقيد إبّان الحرب في غزّة، وعُيّن قائدًا للواء 401 في 25 يونيو 2024، وكان مسؤولًا عن العمليّات العسكريّة في مخيّم جباليا، وقاد العمليّات العسكريّة على مستشفى الشّفاء وحيّ الزّيتون وبيت حانون وجباليا ورفح. فيما يلي مقتطفات من كلمات رئيس الدّولة، وزير الدّفاع ونائب رئيس هيئة الأركان التّأبينيّة:
رئيس الدّولة يتسحاق هرتسوغ:
"مع كافّة أبناء شعب إسرائيل، تلقّيت بحزن وألم النّبأ المُفجع عن استشهاد قائد لواء 401، العقيد إحسان دقسة، الّذي سقط في المعارك في جباليا. إحسان، بطل إسرائيل، مقاتل شجاع، متواضع وقِيَمي، واستشهاده يُعتبر خسارة لدولة إسرائيل وللمجتمع الإسرائيليّ بأسره.
أقف احترامًا وإجلالًا له وأحتضن عائلته، وأهل بلدة دالية الكرمل، وأخواتنا وإخواننا من الّطائفة الدّرزيّة الّذين فقدوا العديد من أبنائهم منذ بداية القتال، من خلال الإخلاص والتّضحية والتّفاني والشّراكة في المصير. رحمه الله."
وزير الدّفاع (آنذاك) يؤاف غالانت في الجنازة:
"بحزن عميق وألم كبير، نودِّع العقيد إحسان دقسة، أحد أبرز وأفضل قادة الميدان في جيش الدّفاع الإسرائيليّ، ضابط شجاع، قائد محبوب ورمز للتّواضع والشّجاعة. قصّة العقيد إحسان تُعدّ رمزًا ونموذجًا لطريقة عمل قادة جيش الدّفاع، الّذين يسيرون في طليعة القوّات، في أخطر المواقع، ويشكّلون قدوة لجنودهم الّذين يتبعونهم في ساحة المعركة.
منذ أن تلقّيت النّبأ الأليم عن استشهاد إحسان، أتذكّر مرارًا اجتماعنا الأخير في الميدان، حيث كان يقود جنوده في مهمّة لتفكيك لواء رفح التّابع لحماس. لقد تركتْ لديّ قدرات الحسم والتّواضع والمبادرة الهجوميّة الّتي أظهرها العقيد إحسان انطباعًا عميقًا. كما في حياته، للأسف أيضًا في مماته، في أخذ المبادرة الهجوميّة والسّعي للمواجهة المباشرة مع العدو.
عائلة الفقيد العزيزة، لقد فقدت دولة إسرائيل اليوم قائدًا جريئًا، كان قائدًا طبيعيًا لجنوده ومصدر قوّة لقادته. رغم الحزن العميق الّذي لا يُحتمل، يجب أن تبقى شخصيّة إحسان، الابن، الزّوج، الأب، القائد، والمقاتل، رمزًا للأجيال القادمة في المجتمع الإسرائيليّ وفي جيش الدّفاع، ومصدر فخر وقوّة للطّائفة الدّرزيّة بأكملها.
الوالدان: سامي وضوية، الزّوجة: هدى، والأبناء: عمري، ريف وياسمين، أعدكم بأنّنا سنفعل كلّ شيء لتخليد طريق وذكرى إحسان وقِيَمه، وسنواصل السّير على دربه وفي مسارات إرثه. سيُكتب اسم العقيد إحسان دقسة من الآن وإلى الأبد بأحرف ذهبيّة بين أسماء أبطال دولة إسرائيل.
وستبقى ذكراك إحسان مباركة ومحفوظة في قلوبنا إلى الأبد."
نائب رئيس الأركان الميجر جنرال أمير برعام في الجنازة:
"لقد كان العقيد إحسان دقسة القائد الأكثر إسرائيليّة الّذي التقيته، نحن معتادون على المعارك، والفقدان بالنّسبة لنا هو رفيق دائم – ومع ذلك، بقيت أفواهنا صامتة وعاجزة عن الكلام أمام حجم الخسارة الّتي أصابتنا إثر استشهاد العقيد إحسان، الّذي لم يكن سوى في الحادية والأربعين من عمره عندما سقط في المعركة، لكنّ الإنسان لا يُقاس بطول عمره، بل بالبصمات الّتي يتركها على من حوله، من خلال شخصيّته وأفعاله. العقيد إحسان، الّذي قاد رتل الدّبّابات في طليعة لوائه، جريء، حازم وقويّ، سيُذكر في صفحات تاريخنا كقائد محترف ومقاتل من الّطراز الأوّل، كان الأوّل في تطهير المنازل والأزقة من الإرهابيّين، وكان أيضًا الأوّل الّذي سقط هناك شهيدًا.
العقيد إحسان كان ابنًا لهذه الأرض وعاشقًا كبيرًا لها. إحساسه العميق بالمسؤوليّة، ولاؤه للدّولة، فخره بانتمائه للطّائفة، التزامه بزملائه ومرؤوسيه، تفانيه وروح الأخّوة القتاليّة – كلّ هذه الصّفات جعلته يتواجد هناك، في المكان الّذي سقط فيه أثناء أداء واجب حياته العسكريّة المليئة بالقيم، الّتي تجلّت في شخصيّته وفي أخلاقه في كلّ معاني النّبل والعظمة الّتي تميزّ حياة رجل الجيش المقاتل. قال ونستون تشرشل عن أمثاله: "أنا أحبّ الرّجل الّذي يبتسم أثناء قتاله" – ولهذا أحببته حبًا جمًا!
لقد قدّرتُ فيه قبل كلّ شيء قيادته الفريدة، الهادئة، المليئة بالثّقة بالنّفس، الإبداع، والقدرة على تحفيز قادته من الصّميم – وهي من أهمّ الصّفات، أو كما أفضّل تسميتها: "القائد غير الرّسميّ"، أيّ ذاك الّذي تنبع قدرته القياديّة بشكل طبيعيّ وتنمو من بين النّاس، من الأسفل إلى الأعلى.
لقد كان العقيد إحسان القائد الأكثر إسرائيليّة الّذي التقيته – ذاك الّذي يؤمن بعدالة الطّريق ويعرف كيف يشرح "لماذا نقاتل".
عائلة دقسة فقدت اليوم أغلى ما تملك: إنسان رائع ومحبوب، هديّة من الله في قلب عائلة كبيرة ومميّزة. لكلّ أقاربه ترك في قلوبهم فراغًا هائلًا، يصعب تصوّره أو تعويضه.
أمّا نحن، فقد فقدنا شخصيّة مركزيّة في جيش الدّفاع، مقاتلًا شجاعًا، جريئًا، قويًا ومتفانيًا، وبلا أدنى شكّ كان يمكن أن يكون شخصيّة قياديّة محوريّة في الجيش، في قريته أو في الطّائفة – صاحب إمكانيّات هائلة للعمل والإبداع في جميع مجالات الحياة والمجتمع في إسرائيل."

***المرحوم المقدم عليم سعد – يانوح
المقدم عليم سلمان عبدالله سعد من قرية يانوح الذي استشهد بضعة أيام قبل انهائه للخدمة العسكرية، في التاريخ الموافق 09.10.2023 حين كان يشغل منصب نائب قائد وحدة 300، يُعتبر من نخبة الضباط المتفوقين في صفوف جيش الدفاع، وقد حلّ خبر استشهاده كالصاعقة ليس فقط على أبناء عائلته وقرية يانوح مسقط رأسه والطائفة الدرزية بأكملها وإنما على دولة إسرائيل جمعاء. وفور نشر خبر استشهاده تقاطر الآلاف الى قرية يانوح لمشاطرة العائلة الحزن والأسى وتقديم واجب العزاء.
رحل عنا المقدم عليم البالغ من العمر 41 عاماّ، وهو في أوج عطائه تاركاً أسرة كريمة مؤمنة بقضاء الله وزوجة وثلاثة أولاد يعتصرهم الحزن والأسى على فراقه، بعد مقتله في اشتباك مع مخربين تسللوا من الأراضي اللبنانية الى الأراضي الإسرائيلية على مقربة من قرية عرب العرامشة، حيث سعى المقدم عليم إلى الاشتباك معهم والعمل على تحييدهم، وقال الضباط الذين خدموا معه: "لقد كان المقدم عليم محاربًا شجاعًا وذو خبرة وقائدًا من الدرجة الأولى، وكان من المفترض أن ينهي خدمته رسمياً في اليوم التالي ليبدأ التعليم". كما ونُقل عن زوجته منى قولها بأنها قد أدركت فوراذاعة نبأ حادث تسلل إرهابيين إلى الشمال واشتباكهم مع قوة من جيش الدفاع، أن الحديث يدور عن المقدم عليم، لأنه كان دائمًا الأول وفي المقدمة في هذا النوع من الحوادث، مضيفة أنه فعل ما يفترض أن يفعله القائد. لقد منع تسلل إرهابيين إلى الشمال ومنع وقوع مجزرة في عرب العرامشة وكيبوتس إدميت.
يشار الى أن المقدم عليم سعد كان قد تجند وانخرط في صفوف جيش الدفاع في العام 2002 وتقدم في سلم الدرجات والرتب الى أن أصبح برتبة عميد وقد أشغل سلسلة من المناصب الهامة وبضمنها قائد فرقة حيرب بين الأعوام 2018 و2021.
وفور استشهاده، تم نشر شريط قيديو للمقدم عليم سعد التقط قبل عامين من استشهاده، بجانب حائط في قاعة لتخليد ذكرى جنود وحدة 300 الذين سقطوا في حروب ومعارك سابقة قال فيه من ضمن أمور أخرى: " إنّ حائط التخليد هذا لا يفرق بين شهيد وآخر سواء كان من صفوف الدروز أو المسيحيين أو البدو أو اليهود. إنهم جميعاً يظهرون على نفس الحائط، وهذه هي أرض إسرائيل الجميلة، هكذا نبدو وهذا هو جيش الدفاع". رحمه الله واسكنه واسع جناته.

***المرحوم المقدم سلمان حبقة – يانوح
المقدم سلمان عماد حبقة أبكى دولة بأسرها، كيف لا وقد هبّ منذ اللحظات الأولى لنشوب حرب "السيوف الحديدية" للدفاع بكل قواه وقدراته وحنكته العسكرية عن البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة التي ارتكبت فيها حماس الإرهابية مجازر وأعمال وحشية. لم ينتظر المقدم عماد حبقة الأوامر لتنفيذ هذه المهمة وقام على الفور بترك منزله في قرية يانوح في شمالي البلاد وتوجه الى الجنوب ليقود سلسلة من المعارك الضارية ولينقذ حياة العشرات من السكان والجنود وخصوصاً من سكان كيبوتس بيئري ولاحقا داخل قطاع غزة حين تعرض مقاتلو الكتيبة 13 التابعة للواء غولاني لهجوم شرس من قبل مجموعات من عناصر حماس، فوصل الى المكان لنصرة جنود جيش الدفاع من لواء غولاني وليخوض هناك معارك شرسة. وفي تلك الليلة وبعد أن حارب ببطولة واستبسال استشهد قائد الكتيبة 53 المقدم عماد حبقة مخلفاً من ورائه إرثاً بطوليا سيتناقله السكان من جيل الى جيل.
وفور نشر نبأ استشهاد المقدم سلمان حبقة في التاريخ الموافق 02.11.2023 وصل الآلاف الى قرية يانوح مسقط رأسه من كافة الطوائف ومن كبار المسؤولين في الدولة لتقديم واجب العزاء والمشاركة في تشييع جثمانه.
وقد جرت مراسم تشييع جثمان المقدم سلمان حبقة وسط حضور مهيب شمل جمهوراً غفيراً وعددا من الوزراء وأعضاء الكنيست والعشرات من سكان من منطقتي الجنوب وبلدات غلاف غزة. وخلال هذه المراسم الحزينة قام الرئيس الروحي للطائفة الدرزية فضيلة الشيخ موفق طريف بإلقاء كلمة تأبين قال فيها: "إنّ استشهاد المقدم سلمان هو خسارة كبيرة لدولة إسرائيل وجيش الدفاع والطائفة الدرزية. لقد فقدنا بطلا، جنديا من خيرة أبناء هذه البلاد الذي كان دائما يسير في الطليعة وقد سقط وهو في مقدمة جنوده. بطل دافع عن مواطني الدولة وسكان كيبوتس بئيري بشجاعة وبسالة وحنكة واسعة وسقط في معركة للدفاع عن الدولة. الطائفة الدرزية تدفع مرة أخرى ثمناً باهظاً، من الضحايا والجرحى، وخيرة أبنائها يحاربون الان في كل الساحات، وقد استشهد خيرة القادة. قلبي مع العائلة الحزينة في هذا الوقت العصيب الذي لا يُحتمل. نصلي من أجل سلامة جنود جيش الدفاع في مهمتهم المقدسة التي يقومون بها". كما وقال فضيلة الشيخ موفق طريف إنّ المساواة هي من حق الطائفة الدرزية مطالبا الحكومة أن تقوم بواجباتها تجاه الطائفة الدرزية وتجد حلاً للمشاكل التي تعانيها المدن والقرى الدرزية بما في ذلك مشاكل التخطيط والبناء وأوامر الهدم والغرامات وغيرها.
ولد المرحوم المقدم سلمان عماد حبقة في العام 1990 وتعلم في مدارس قريته يانوح في المرحلتين الابتدائية والاعدادية وأنهى تعليمة الثانوي في عكا ليلتحق بعد ذلك بالكلية قبل العسكرية "كيرم ايل" التابعة لمؤسسة بيت الشهيد الدرزي في دالية الكرمل، ثمّ انخرط في العام 2009 في سلاح المدرعات في صفوف جيش الدفاع وتقدم في سلم الرتب والمناصب وقد عيّن قائداً للكتيبة 53 في سلاح المدرعات. وعرف المقدم سلمان بشجاعته وبحبه لدولته وقدم كل ما لديه للجيش واهتم بجنوده وباحتياجاتهم بشكل خاص.
رحل المرحوم المقدم سلمان تاركاً من ورائه زوجة وطفل وأسرة كريمة فاضلة يعتصرها الحزن والأسى على هذا المصاب الجلل.
رحمه الله وطيب ثراه.

***المرحوم الميجر جلاء ابراهيم - ساجور
بقلوب يعتصرها الحزن والأسى ووسط حضور مهيب ودّعت قرية ساجور والطّائفة الدّرزيّة ودولة إسرائيل في الثّامن من تموز الماضي الميجر جلاء إبراهيم البالغ من العمر 25 عاماً الّذي استُشهد جراء إصابة مركبته بقذيفة مضادة للدّروع في منطقة رفح في التاّريخ الموافق 7\7\2024، قد تمّت ترقيته إلى رتبة رائد بعد استشهاده.
ويُذكر أن الميجر جلاء إبراهيم كان قائد سريّة في كتيبة الهندسة 601 التابعة للواء 401 حيث كان قد صرّح في مقابلة مع إذاعة كان في شهر مارس/ آذار الماضي إنّ للحرب تكاليف باهظة، ولكنّ الأهمّيّة تكمن فيما نقوم به لتحقيق النّصر الكامل، علماً بأنّه قد سار على درب ثلاثة من إخوته الضّباط في سلاح الهندسة حيث قاموا جميعًا بحثّ أبناء الطّائفة على الانخراط في هذا السّلاح. وعُرف الميجر جلاء الّذي كان الأصغر سنًّا في أسرته بتفوّقه وباجتهاده وتفانيه وبقدراته الهائلة وبطموحه الكبير وبسلوكه الحسن وباهتمامه الخاصّ بأفراد عائلته بشكل عامّ، وبوالدته بشكل خاصّ، وكان جدّه قد استُشهد في اشتباك في طولكرم.
بدوره قال الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة فضيلة الشّيخ موفّق طريف في كلمته التّأبينيّة: "أحيانًا يكون من الصّعب إيجاد الكلمات لتأبين بطل آخر سقط في هذه الحرب، أيّ بطل جبّار نرافقه في طريقه الأخيرة، فعند التّمعّن فقط بصورة جلاء وسماع تسجيلاته يمكن التّخيّل حجم خسارة ضابط واعد في الجيش. إنّ من يعرف عائلة جلاء عن قرب لن يتفاجأ، كوننا نتحدّث عن ابن لعائلة وطنيّة راسخة الجذور قدّمت وضحّت بكلّ ما تملك للدّولة منذ قيامها وحتّى يومنا هذا".
وفي الكلمة التأبينية للوزير عميحاي شيكلي خلال مراسم تشييع جثمان الميجر جلاء قال: "إن الحلف الّذي يربط منذ القدم بين الدّروز واليهود مبنيّ على تقديس الحياة وعلى الإيمان بقدسيّتها وعلى تحريم القتل والزنا وعلى ميزة احترام الوالديْن الّتي هي ميزة واضحة لدى الطّائفة الدّرزيّة. إنّ هذا الحلف يفرض علينا، جميع قادة إسرائيل وحكومتها مسؤوليّة دعم وتعزيز العلاقة بين الجانبيْن". رحمه الله وطيّب ثراه.

***المرحوم الميجر احتياط نائل فوارسة – المغار
بقلوب ملؤها الحزن والأسى وبعيون دامعة تلقّت مدينة المغار والطّائفة الدّرزيّة في 19/09/2024 نبأ سقوط الجندي الشّاب الميجر احتياط نائل فوارسة الّذي استُشهد أثناء خدمته العسكريّة إثر تعرّضه لانفجار طائرة مسيرّة مفخّخة بالقرب من بلدة يعاره في شماليّ البلاد.
وكان الميجر احتياط نائل فوارسة الّذي سقط وهو في ال 43 من العمر، قائد سريّة في كتيبة "حيرف" في جيش الدّفاع وقد عُرف بشجاعته وتفوّقه وتفانيه ودماثة أخلاقه وبحبّه الشّديد لمجتمعه ولجيش الدّفاع ودولته. حيث كان قد أصيب قبل ستّة أشهر بجروح بصاروخ مضاد للدّبّابات وفور تعافيه عاد للخدمة العسكريّة.
وقد تمّ تشييع جثمان الميجر احتياط نائل فوارسة في مدينة المغار في موكب جنائزيّ مهيب بحضور الآلاف من سكاّن المدينة والطّائفة الدّرزيّة والطّوائف الأخرى وبمشاركة الوزيريْن عميحاي شيكلي وأوفير سوفير والرّئيس الروحيّ للطّائفة الدّرزيّة فضيلة الشّيخ موفّق طريف الّذي قال في كلمته التأبينيّة: "إنّ الميجر احتياط نائل انضمّ اإى قائمة طويلة من شهداء الطّائفة الّذين سقطوا منذ اندلاع الحرب لحماية الدّيار." وتساءل فضيلته في كلمته ما لم يحن الوقت لتبرهن الدّولة ولاءها للمواطنين الدّروز ويشعر شبّان الطّائفة بحبّ الدّولة لهم في الحياة اليوميّة وليس فقط أثناء خدمتهم العسكريّة.
كما وأشار الو زير شيكلي إلى أنّه كان قد تلقّى رسالة معبرِّة في بداية الحرب من الميجر احتياط نائل فوارسة والتقى به مؤكِّدا بأنّه قد كان لديه حبّ عميق للدّولة ولطائفته التّي ينتمي إليها واصفًا إيّاه بالرجل الوطنيّ حسن السّيرة والتّعامل.

***المرحوم الرائد جمال عباس – البقيعة
لبست قرية البقيعة في 18,11.2023 ثوب الحزن والأسى بفقدان الرائد المرحوم جمال عباس الذي استشهد في معركة في حي الشيخ عجلين بقطاع غزة. رحل الرائد جمال عباس تاركاً في القلب حسرة وفي العين دمعة ليس فقط لدى ذويه وأفراد أسرته الكريمة، وإنما لدى طائفة بأكملها لا بل لدى دولة بأسرها، فمن منا لا ترافقه تلك المكالمة مع والده العقيد احتياط عنان عباس وشقيقه النقيب احتياط جدعون عباس اللذان كانا يخدمان في قيادة المنطقة الشمالية عبر جهاز الاتصال اللاسلكي، والتي أصبحت المكالمة الأخيرة بينهم قبل استشهاده، أو كلمة الرثاء المعبرة التي القاها والده العقيد احتياط في مراسم تشييع جثمانه أو مواقف وكلمات جده العقيد احتياط جدعون عباس المؤثرة الذي كان من أوائل الضباط الدروز في جيش الدفاع الاسرائيلي.
وما أن أُعلن عن استشهاد الراد جمال عباس، قائد سرية تابعة للكتيبة 101 في لواء المظليين حتى بدأ توافد الآلاف من مواطني الدولة الى قرية البقيعة، لتقديم واجب العزاء والمشاركة في مراسم الجنازة الى جانب أبناء عائلة عباس العريقة والمعروفة لدى كافة الأوساط في الدولة، نظرا لما قدمته من عطاء مميز للطائفة وللمجتمع الإسرائيلي على كافة شرائحه ومؤسساته وللروابط والعلاقات المتينة التي تجمعها مع الكثيرين من القادة والوجهاء وأصحاب المناصب والسكان في البلاد من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.
ولد المرحوم الرائد جمال عباس في التاريخ الموافق 29.11.1999 والتحق في صفوف جيس الدفاع في سلاح المشاة في شهر مارس من العام 2018، واستشهد وهو في سن ال 23 وقد أدرك الجميع للتو حجم الخسارة. لروحه السلام، الله يرحمه.

***المرحوم الكابتن وسيم محمود – بيت جن
الكابتن وسيم محمود البالغ من العمر 23 عامًا كان قائد سريّة في كتيبة الهندسة 601 واستُشهد في منطقة رفح يوم 15\6\2024 مع سبعة محاربين آخرين. وقد أقيمت مراسم تشييع جثمانه في قريته بيت جن بعد أن استُشهد مع سبعة محاربين آخرين جرّاء تفجير ناقلة جنود مدرّعة، وتمّت ترقيته إلى رتبة رائد.
وفور تلقّي خبر استشهاده خيّم الحزن والأسى على قرية بيت جن وعلى الطّائفة الدّرزيّة والدّولة عامّة، وقد عُرف وسيم بتواضعه وبصفاته الحميدة وبمسؤوليّته الكبيرة. كما وأعلن رئيس مجلس بيت جن المحلّيّ نزيه دبور جميع الاحتفالات الّتي كانت مقرّرة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك.
وفي الكلمة التأبينية الّتي ألقاها الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة فضيلة الشّيخ موفّق طريف عدّد مناقب الفقيد وأشار إلى أنّ والد جدّه كان أوّل شهيد من قرية بيت جن قبل اثنين وسبعين عامًا.
وكان الرّئيس الرّوحي للطّائفة الدّرزيّة فضيلة الشّيخ موفّق طريف قد أصدر قبل ذلك بيانًا قال فيه إنّنا تلقّينا عشيّة عيد الأضحى الخبر الأليم بسقوط الكابتن وسيم محمود من بيت جن، مضيفًا أنّ الطّائفة الدّرزيّة تدفع مرّة أخرى ثمنًا باهظًا جدًّا، ثمنًا فوق قدرة التّحمّل في الحرب ومشيرًا إلى أنّ الكابتن وسيم ينضمّ إلى قائمة طويلة من الشّهداء الدّروز الّذين ضحّوا بحياتهم من أجل أمن الدّولة منذ اندلاع الحرب. ومضى الشّيخ طريف يقول إنّنا نكتشف مرّة أخرى أن الشّراكة والمساواة في تحمّل العبء هما في ساحة المعركة مشدِّدًا على أنّ مثل هذه المساواة يجب أن تطبَّق كذلك في الحياة اليوميّة غير أن الأمور ليست على هذا النّحو.
وأعلنت مؤسّسة بيت الشّهيد الدّرزيّ فور الإعلان عن خبر استشهاده
عن بالغ حزنها وعميق صدمتها وأسفها على رحيل الضّابط البطل وسيم الّذي عُرف ببسالته وشجاعته وحنكته القتالية.
وأعتبر عمّ الضّابط وسيم شريف غانم استشهاده بمأساة كبيرة مؤكِّداً أنّه كان مقاتلاً شجاعاً أحبّه الجميع حيث كان من المفترض أن يخضع لعمليّة جراحيّة بعد أن أصيب في ذراعه في بداية الحرب لكنه قرّر تأجيلها حتّى انتهاء الحرب ليعود الى جنوده في ساحة المعركة.

***المرحوم دانيال راشد – شفاعمرو
بعيون دامعة وبقلوب يعتصرها الحزن والأسى ودعت عائلة راشد في شفاعمرو والطائفة الدرزية الجندي دانيال معاد راشد الذي استشهد في التاريخ الموافق 07.10.2024، أول أيام حرب السيوف الحديدية. وقد استشهد الجندي دانيال في ناحل عوز حيث كان يخدم كجندي نظامي في وحدة غولاني.
وكان الجندي دانيال قد أصر دانيال على البقاء في ذلك اليوم (يوم السبت 07.10) في معسكره على الرغم من أنه أُذن له بالخروج، وقام بمحاربة الإرهابيين ببسالة فائقة حيث قتل أثناء إنقاذه لحياة الاخرين.
يشار الى أن الاتصال مع الجندي دانيال كان انقطع في ذلك المشؤوم، ولم تستطيع العائلة التواصل معه حيث رُجّح بانه قد يكون من بين المختطفين الى غزة، وحاول والداه طيلة الوقت جمع كل معلومة عنه الى أن أُعلن رسمياً عن مقتله.
رحمه الله واسكنه فسيح جناته والهم ذويه الصبر والسلوان.
***المرحوم عدي مالك حرب - بيت جن
فجعت قرية بيت جن في التاريخ الموافق 18.11.2023 بنبأ استشهاد ابنها الرقيب أول عدي مالك حرب ابن التاسعة عشرة ربيعاً والذي كان يخدم في صفوف وحدة الناحل في جيش الدفاع.
وقتل عدي في معركة في قطاع غزة برصاص قناص من حماس الإرهابية أثناء تأديته لمهامه في صفوف جيش الدفاع. عرف المرحوم الرقيب أول عدي حرب بأخلاقه الحميدة وبعطائه المميز للمجتمع وقد كان مرشداً متفوقاً ضمن حركة الشبيبة العاملة والمتعلمة وبرز في عمله التربوي التثقيفي وخدمته لمجتمعة.
انضم الرقيب أول بعد تجنده الى وحدة النخبة في الناحال وقد اختير كجندي متفوق في صفوف وحدته، وخطط للوصول الى أعلى الرتب في صفوف جيش الدفاع. حارب ببسالة فائقة وبشجاعة كبيرة حتى استشهاده، وقد شارك المئات في مراسم تشييع جثمانه التي جرت في قريته بيت جن. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

***المرحوم جواد عامر – حرفيش
في التاريخ الموافق 09.10.2023 وفي نفس الاشتباك الذي استشهد فيه المرحوم المقدم عليم سعد، أعلن أيضا عن استشهاد الرقيب أول الجندي جواد أكرم عامر، البلغ من العمر 23 عاما، من قرية حرفيش، التي خيم عليها الحزن الشديد والأسى فور نشر خبر استشهاده. وقد جرت مراسم تشييع جثمانه في قريته حرفيش بحضور المئات من أبناء القرية وخارجها.
واستشهد الرقيب أول جواد في اشتباك مع مخربين تسللوا من لبنان بالقرب من قرية عرب العرامشة، حيث منع هذا الاشتباك البطولي ارتكاب المخربين المتسللين لمجزرة في قرية عرب العرامشة وكيبوتس ادميت. وقد تمكنت قوات جيش الدفاع من قتل عدد من المخربين الذين اجتازوا الحدود باتجاه الأراضي الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية.
ستبقى ذكراه خالدة الى الأبد، رحمه الله.

***المرحوم سفيان خالد دغش – المغار
بمزيد من الحزن والأسى ودعت مدينة المغار في 02.01.2024 أحد أبنائها المميزين المرحوم الرقيب أول سفيان خالد دغش الذي استشهد في احدى المعارك في قطاع غزة، وقد كان يخدم في لواء الهندسة 601.
وفور الاعلان عن خبر استشهاده، بدأ الآلاف بالتوافد الى بيت العزاء في مدينة المغار لتقديم واجب العزاء والمشاركة في تشييع جثمانه، وخلال مراسم تشييع جثمانه قال فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية: "أمام عظمة ورهبة الموت والقدر المحتوم، نقف اليوم صابرين خاشعين مسلّمين لله رب العالمين، مودعين المأسوف على شبابه طيب الأخلاق والسيرة وحسن الذكر والمعشر، الشاب الكريم سفيان خالد دغش، شاباً واعداً من خيرة شباب المغار والطائفة والدولة".
الرقيب أول سفيان الذي لم يتجاوز الواحد وعشرين عاماً من العمر عُرف بأخلاقه الحميد وببسمته التي لم تفارق محياه وبطاقاته الإيجابية وبشجاعته وبتفانيه واخلاصه لعائلته وبلده وطائفته ودولته. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وأقرباءه ومعارفه الصبر والسلوان.

***المرحوم الرّقيب تامر نبيل عثمان – كفر ياسيف
بعيون دامعة وبقلوب يعتصرها الحزن الشّديد ودّعت قرية كفر ياسيف والطّائفة الدّرزيّة في التّاريخ الموافق 26.11.2024 جنديًّا من خيرة شبابها الرّقيب تامر عثمان، ابن 21 عامًا، الّذي كان مقاتلًا في كتيبة نحشون (90) التّابعة للواء كفير، وقد استُشهد الرّقيب تامر عثمان خلال اشتباك بين جباليا وبيت لاهيا، أثناء عمليّة مداهمة في المنطقة وكجزء من القوّة القتاليّة للواء كفير.
وعُرف الرّقيب تامر بحبّه للحياة وللجيش وبتفانيه وخدمته للمجتمع وبحسن سلوكه وأخلاقه السّامية، وفور الإعلان عن استشهاده نعاه الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة سماحة الشّيخ موفّق طريف، قائلاً: "الحزن يضرب قرية درزيّة أخرى ويحصد شابًّا من خيرة أبنائنا. المقاتل البطل تامر نبيل عثمان سقط في الحرب. لا توجد كلمات لوصف الحزن والألم على فقدان شابّ في بداية حياته".
"وأضاف: الطّائفة الدّرزيّة تستمرّ في دفع أثمان باهظة في هذه الحرب القاسية. نخسر أفضل شبابنا. أشعر بالألم مع عائلة عثمان الّتي انضمّت قسرًا إلى عائلة الثّكل. لقد مللنا من وعود قادة الدّولة الّذين يدلون بتصريحات خلال لحظات الحزن والفقدان. انهضوا وافعلوا شيئًا، وأثبتوا للشّهداء أنّ تضحياتهم لم تذهب سدى. أبناء الطّائفة يجب أن يكونوا متساوين وشركاء، ليس فقط في حمل العبء والتّضحية، ولكن أيضًا في الحياة اليوميّة".
وقال العقيد احتياط شادي عثمان، ابن عم الرّقيب تامر، "إنّ الحزن والأسى يخيّمان على العائلة الّتي تركها تامر وراءه وأنّه من الصّعب استيعاب ما حدث. لقد كان الرّقيب تامر شابًّا سعيدًا، متواضعًا وهادئًا، نشأ في عائلة محبّة وداعمة".
وتطرّق العقيد احتياط شادي عثمان، الّذي أنهى خدمته الدّائمة، مؤخّرًا إلى حديث أجراه مع الرّقيب تامر قائلًا: "لقد درس هندسة الاتّصالات قبل التّجنيد، ثمّ التحق بوحدة الاتّصالات في يونيو 2023، لكنّه لم يكتفِ بذلك وأصرّ على أن يكون مقاتلًا. استشارني، وقلت له إنّ هناك دائمًا قيمة إضافيّة للمقاتل في جيش الدّفاع الإسرائيليّ، وكان يطمح للوصول إلى هناك للمشاركة في المعركة. ومن المحزن أنّنا فقدناه في وقت مبكّر جدًّا".
الرّقيب تامر رحمه الله ترك وراءه والديه، نبيل ولينا وثلاثة أشقّاء وئام، هديل وميار أطال الله أعمارهم.

***المرحوم أنور سرحان – حرفيش
الجنديّ احتياط أنور سرحان استشهد بتاريخ 17\01\2024 في ختام نشاط عمليّاتي.
وُلد المرحوم الجنديّ احتياط أنور سرحان ابن قرية حرفيش، بتاريخ 29/03/1997 لوالديْه راضي وتمام سرحان، وقد كان الجنديّ أنور الابن الأصغر بين سبعة إخوة وأخوات في عائلة صاحبة قلب كبير.
درس في قريته وأنهى دراسته الثّانوية فيها، وبرز في صفوف عائلته وبين أصدقائه ومعارفه، حيث كان شخصاً مِعطاءً يهتمّ بالجميع، ويبذل كلّ ما في وسعه من أجل الآخرين. لم يعرف للتّذمّر معنى، كان بطلاً لا يخاف أبداً وعبّر عن آرائه بشجاعة وجرأة وتميزّت انتقاداته الشّخصيّة بالموضوعيّة واحترام الآخر.
لبّى المرحوم أنور كلّ مهمّة او نشاط او طلب او توجّه إليه على الفور دون أيّ تردّد، واعتنى بإخلاص تامّ بوالديه وعائلته وأصدقائه وحتّى بالأشخاص الّذين لم تربطه علاقة بهم، حيث لم يكتفِ أبدًا بما كان يقدّمه لهم بل كان يهتمّ دائمًا بمنح المزيد، دون انتظار أيّ المقابل. وخلال فترة دراسته الثّانويّة، عمل في مصلحة لعائلته مع إخوته بتفانٍ وإصرار. في العام 2015، انخرط المرحوم أنور كمحارب في صفوف جيش الدّفاع في لواء كفير، كتيبة شمشون، وقد برز كشخص محترف ذي قيم ومحبوب لدى الجميع. بعد إنهائه لخدمته العسكريّة، ثمّ التحق في وظيفة قائد ورديّة في قسم الأمن في مستشفى شعاري تسيديك حتّى العام 2022.
وبعد أن أكمل أنور إجراءات التّجنيد لوحدة نحشون، وفي 07\10\2023 تمّ استدعاؤه بأمر الطّوارئ رقم 8 الى الحرب في وحدته كمحارب في منطقة يهودا والسّامرة، وقد استُشهد الجنديّ احتياط أنور في ختام نشاط عمليّاتي ليليّ في التّاريخ الموافق 17\01\2024. وجرت مراسم تشييع جثمانه في قريته حرفيش. ورثاه قادته بالقول: "لقد كان أنور محارباً شجاعاً وبطلاً، حارب مع رفاقه على مدار الساعة ضد العدو، نفذ اعتقالات وقام بمواجهة وملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم بشجاعة مع رفاقه".
ووُصف أنور بالجندي المتميز، المخلص، الاجتماعي والمسؤول، حيث كان يهتم برفاقه الذين اعتبرهم إخوة له، وبرز بحضوره وبثقته ومحبته. رحمه الله.

_____________
لتكن ذكراهم خالدة.
من مجلة "العمامة" الأعداد: 166، 167، 168. بالاشتراك مع بيت الشهيد الدرزي.

Address

Daliyat Al-Karmil

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when العمامة posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to العمامة:

Share

Category