العمامة

العمامة "العمامة" هي مجلة ثقافية أدبية اجتماعية تاريخية مصورة تعنى بشؤون الطائفة الدرزية

"العمامة" هي مجلة ثقافية أدبية اجتماعية تاريخية مصورة تعنى بشؤون الطائفة الدرزية. وقد صدرت لأول مرة عام 1982 لتعرض وتشرح محطات ومواقف وأحداث في الطائفة الدرزية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم. وهي مجلة مستقلة غير سياسية وتهتم بالأحداث من منطلق موضوعي ولا تعبّر عن موقف سياسي معيّن وإنما تعنى بكل ما يمت بصلة للطائفة الدرزية.
وقد صدر منها حتى اليوم (2020) مائة واربعة وخمسون عددا.

قام بتأسيس وتحرير المجل

ة الأستاذ الشيخ سميح ناطور وهو حامل شهادة الماجستير في التاريخ والعلوم السياسية من الجامعة العبرية بالقدس منذ عام 1971 وهو خبير وباحث في شؤون الطائفة الدرزية منذ زمن طويل وقد اصدر عددا من الكتب والموسوعات حتى وفاته في ايلول عام 2020. منذ ذلك الحين تقوم بتحرير المجلة "اسرة العمامة" المكونة من عائلة المرحوم الشيخ سميح ناطور وعدة كتّاب ومراسلين.
للتوسيع عن المرحوم الشيخ سميح ناطور:
https://al-amama.com/%d9%85%d8%a4%d8%b3%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%ad%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b3%d9%85%d9%8a%d8%ad-%d9%86%d8%a7%d8%b7%d9%88%d8%b1/

صدرت المجلة عن دار آسيا للصحافة والنشر، التي أسسها الأستاذ سميح ناطور عام 1974. هذه الدار تخصصت بنشر مجلة العمامة ، كتب وموسوعات في المواضيع الدرزية وأيضا بإصدار سير مجموعة من الزعماء والقياديين الدروز في إسرائيل والعالم العربي. وكذلك القواميس والموسوعات لجميع الاجيال.

من العدد 169 لمجلة "العمامة"؛ فريضة حفظ الإخوان: قراءة اجتماعيّة، سياسيّة وعلميّة في مرآة الواقعبقلم د. عنان وهبه – دالي...
08/11/2025

من العدد 169 لمجلة "العمامة"؛ فريضة حفظ الإخوان: قراءة اجتماعيّة، سياسيّة وعلميّة في مرآة الواقع
بقلم د. عنان وهبه – دالية الكرمل؛ شادي حلبي – باحث في قسم العلوم السياسية جامعة حيفا – بيت جن

حين تنبع القوّة من الفطرة

يتطلّب بعض المجهود أن تشرح فريضة حفظ الإخوان لمَن لم يعشها. فهي شعورٌ متجذِّر، وسلوك فطريّ ينشأ في البيوت التّوحيديّة ويتناقل عبر الأجيال.

حين يصدح صدى العمامة من أعالي الجبال: “نخيناكم يا أهل النّخوة، يا غيرة الدّين!،” يصل نداؤها إلى الجبال الأخرى. لا حاجة لشرح، بل يكفي النّداء ليُستجاب، ويكفي الصّوت ليُفهم. لا خريطة تُفْتح، ولا هويّة تُراجع، بل يُستدعى شعور صادق، حقّ وعميق.

ليست فريضة حفظ الإخوان شعارًا، بل ممارسة حيّة تنبض في الموقف والسّلوك اليوميّ، فكم بالحريّ في الأوقات الصّعبة. إنّها نداء من أعماق الدّاخل الحسّيّ، يدفع الإنسان لترك راحته، عمله، وربّما مخاطرة بحياته، لا ليُقال عنه شيء، بل لأنّه لا يتخيّل نفسه في غير هذا الموضع. لأنّه يرى في تلبية النّداء واجبًا لا يُؤجّل، وانتماءً لا يُشترط.

فريضة بديهيّة… وفكر عالميّ

هذه الفريضة، الّتي يعيشها أبناء الطّائفة التّوحيديّة كجزء من هويّتهم الأخلاقيّة والدّينيّة، هي في جوهرها مفهوم إنسانيّ عميق، تمّ التّطرّق له بأشكال مختلفة وربما للأجزاء منها، من قِبل كبار المفكّرين الاجتماعيين، السّياسيّين والفلاسفة.

تناولها ابن خلدون، المتأثِّر بفلسفة أرسطو، في كتاب ديوان العبر، حين تحدّث عن نشوء الدّول والحضارات، مشددًّا على أن استمرار المجتمع لا يُبنى فقط بالقوّة، بل على تماسكه الدّاخليّ وروح العمران. فليس المقصود هنا العصبيّة بمعناها الضّيّق، بل تلك الوحدة الأخلاقيّة الّتي تجعل الفرد يرى نفسه جزءًا من كلّ أكبر، ويشعر أن مسؤوليّته نحو إخوانه ليست فضلاً، بل أصلًا.

كارل ماركس، في كتاب البيان، تناول مرض البرجوازيّة والبروليتاريا، الانقسام المجتمعيّ لكنّه ختم بيانه بدعوة إلى الوحدة، إلى تجاوز الفروقات الطبقيّة من خلال وعي مشترك وجماعيّ.

أنطونيو غرامشي أشار إلى عواقب غياب العدالة الفكريّة والإنصاف، مؤكِّدًا أنّ التّفكُّك الجماعيّ والثّقافيّ هو أوّل ما يضُعف المجتمع، بينما التّماسك الأخلاقيّ هو من يحميه.

أمّا فرنسيس فوكوياما، واستنادًا على فلسفة الحكيم أفلاطون، شرح مفهوم “التّيموس” أىّ الرّوح الّتي تكمن فيها قِيم المجتمع، فقدّم مفهوم رأس المال الاجتماعيّ، مُعتبرًا أنّ الثّقة، والاحترام المتبادَل، وروح التّعاون، هي أساس المجتمعات السّليمة الّتي تبني مستقبلها على الاستقرار والتّكافل.

أولئك غيض من فيض من العلماء، بحثوا وتحدّثوا عن أفكار، نعيشها نحن واقعًا: حفظ الإخوان، صائنة البناء من الدّاخل

الميدان يشهد: حين تتجاوز الرّوح الحدود

في صيف 2025، تعرّضت طائفة التّوحيد في سوريا إلى هجوم عسكريّ بنيَّة واضحة لإبادة الطّائفة في سوريا وانتهاكات بربريّة لا إنسانيّة. عبَّرت فريضة حفظ الإخوان عن نفسها بصورة صادقة، راقية، ومؤثِّرة. لم يكن هناك تنظيم مُسبق، ولا دعوات شعبويّة، بل كانت استجابة وجدانيّة تلقائيّة من أبناء الطّائفة، تفاعلت مع ما شعروا أنّه نداء صادق يستحقّ التّلبيّة.

ما جرى على الحدود لم يكن استثناءً، بل استمرارًا طبيعيًّا لفريضة يُمارسها أهل التّوحيد بنيّة واضحة، وقلوب حاضرة. لا أحد حمل معه خريطة، ولا أحد راجع موقعه، لأنّ المواقع هنا أخلاقيّة قبل أن تكون جغرافيّة. عبور الحدود لم يكن عُبورًا فيزيائيًّا فقط، بل دليلاً على أنّ الشّعور الجماعيّ لا تحدّه خطوط ولا تصنعه المسافات. المساس برموز الحضارة على أيد غاشمه ظالمة الّتي تعمّدت تعدّي الخطوط الحمراء قوبل بجواب واضح لا يقبل التّأوّل لتتناوله الصّحافة المحليّة والعالميّة بالخطوط والعناوين الرّئيسيّة.

الدّولة والفريضة: انسجام لا تعارض

أجمل ما يُميّز هذه الفريضة، أنّها لا تُمارس على حساب أحد، ولا تأتي في وجه الدّولة الأمّ الرّاعية، بل في انسجام مسؤول مع الانتماء الوطنيّ. الطّائفة التّوحيديّة، منذ نشأتها في هذه البلاد، عرفت كيف توفّق بين وطنها، والوفاء لفريضتها، بتناغم دون أن يُلغي أحدهما الآخر.

لقد تعاملت القيادة الرّوحيّة والمجالس المحلّيّة والأهالي مع الموقف بروح منضبطة، تسعى لفهم الواقع، وتقُدّر السّيادة، وتُعبِّر عن مواقفها بصوت الحكمة. وما لفت النّظر، أنّ الدّولة تجاوبت مع هذا المشهد بتقدير واضح، لأنّها رأت فيه الصّدق وقيمة أخلاقيّة تُعبِّر عن مجتمع متماسك، لا بنظرة متوتّرة، بل القٍيم الإنسانيّة المشتركة.

سلطان الأطرش: من وصيته إلى حاضرنا

وهذا كلّه ليس بجديد. من يمعن ويتثقّف بوصية القائد الوطنيّ الكبير سلطان باشا الأطرش، يرى كيف انطلقت الطّائفة من احتمالات ضئيلة جدًا للنّجاح، يعرف أن الالتزام الحقيقيّ يجعل المستحيل واقعًا.

لقد تغيّر الزّمن، نعم. وتبدّلت الظّروف. لكنّ المحور بقي ثابتًا: الصّدق، التّضامن، والإخلاص لفريضة لا تتغيّر، حتّى وإن تغيَّر شكلها الخارجيّ.

القيادة لا تغيب: الواجب لا يؤجَّل

أحد أبرز وجوه هذا الالتزام، ما نراه في سماحة الشّيخ موفق طريف، الّذي لا يتوقف عن العمل، لا في الدّاخل ولا في الخارج، من أجل خدمة أهله. تحرّكاته، لقاءاته، وجولاته في أوروبا وروسيا والولايات المتحدّة، ليست تحرّكات إعلاميّة، بل تعبير ناضج عن مسؤوليّة يعرفها، ولا ينتظر التّكليف لأدائها.

وحين يقول: “أنا أقوم بخدمة أهلي”، تختصر هذه الجملة جوهرًا كبيرًا، وتنطق بلغة لا تحتاج إلى شرح.

جيل اليوم… استمرار لا انقطاع

كثيرًا ما يُقال إنّ الجيل الجديد منفصل عن تاريخه، أقلّ اكتراثًا بالشّأن العامّ، أكثر انشغالًا بالذّات. لكنّ البحث الّذي أُجريَ حديثًا بين أبناء الطّائفة، من مختلف الأعمار والخلفيّات، أظهر غير ذلك، ونُشر على منصّات علميّة محلّيّة وعالميّة.

لقد بيّنت النّتائج أن الفريضة لا تزال حاضرة في الوعي، وأنّ المواقف الجماعيّة، وخصوصًا في أوقات الاستحقاق، تُوحِّد الجميع: الكبير والصّغير، المتديّن وغير المتديّن، الرّجل والمرأة. فريضة لا تُميّز، بل تجمع على أساس القِيم واللّغة المشتركة.

خصوصيّة لا أفضليّة

في ختام الحديث، من المهمّ أن نُكرّر: ليس الهدف من المقال القول إنّ الطّائفة التّوحيديّة أفضل من غيرها، بل أنّ لكلّ جماعة روابطها، وهويّتها، ومساراتها. فمن البديهيّ إجماع أخلاقيّ لكلّ بيئة سليمة، فإنْ بطلت لفسد الوجود. مع ذلك، الطّائفة التّوحيديّة خُصّت منذ بداية الدّعوة بفريضة جعلت من صدق العلاقة شرطًا للانتماء، ومن حفظ الإخوان شرطًا للصّدق، فوجب التّسديق ليكمل الحفظ والعكس صحيح. ولهذا، ما يبدو للآخرين لربما سلوكًا غير مفهوم، هو عند أبناء التّوحيد أمر فطريّ لا يُسأل عنه، بل يُعاش.

الخاتمة: حين يصبح الواجب هو الهويّة

فريضة حفظ الإخوان ليست قيمة فقط، بل أسلوب حياة. لا تُنظّر، بل تُمارَس. لا يُطلب مقابلها، بل يُطلب منها الثّبات.

إنّ ما نعيشه من تجلّيات هذه الفريضة في الميدان، في البيوت، في القيادة، في الكلمة الطّيّبة، وفي الحضور وقت الحاجة، ليس إلّا دليلًا على أنّ الواجب حين يكون نابعًا من القلب، يصبح هو الهويّة ذاتها. “هذه أختي وهذا أخي… ولن أتركهم، ما دمت أتنفّس.”.

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

من العدد 169 لمجلة "العمامة"- نتعرّف على عائلات درزيّة وشخصيّاتها البارزة: آل الهجريتميّزت الطّائفة الدّرزيّة عبر تاريخه...
06/11/2025

من العدد 169 لمجلة "العمامة"- نتعرّف على عائلات درزيّة وشخصيّاتها البارزة: آل الهجري

تميّزت الطّائفة الدّرزيّة عبر تاريخها بقيادات دينيّة وروحيّة شكّلت محاور التّوازن والاستقرار داخل المجتمع، وكان لعائلة الهجري حضور استثنائي في هذا السّياق، إذ شكّلت مشيخة العقل الّتي تعاقب عليها أفراد هذه الأسرة مركزًا للتّوجيه الدّينيّ والقيادة المجتمعيّة، منذ مطلع القرن التّاسع عشر إلى يومنا هذا.
لقد جسّدت هذه العائلة العريقة القِيم التّوحيديّة في أبهى صورها، فمزجت بين الورع الدّينيّ والصّلابة الوطنيّة، وبين النّقاء الدّاخليّ والفطنة السّياسيّة. ويُعدّ الشّيخ إبراهيم الهجري المؤسِّس الحقيقيّ لهذا الدّور، وقد خلّف وراءه إرثًا لا يُقاس بطول العمر بل بعُمق الأثر، تتابع من بعده أبناؤه وأحفاده في حفظ الأمانة ورفع راية التوحيد.

*** الشّيخ إبراهيم الهجري: المؤسّس وباني المرجعيّة

وُلد الشّيخ أبو حسين إبراهيم الهجري عام 1804 في قرية الأشرفية في غوطة دمشق، في بيت متواضع من عائلة عُرفت بالزُّهد والورع. تعلّم مبادئ الدّين واللّغة على يد والده الشّيخ محمود سلمان زين الدّين، فنشأ على حبّ الرّوحانيات، وظهرت عليه منذ صغره علامات الذّكاء والنّبوغ والتّوق إلى المعرفة. وقد نُسب اسمه إلى “هَجَر”، المكان المقدّس عند الدّروز في شبه الجزيرة العربيّة، لتعلّقه الشّديد به روحيًّا ومع نضوجه العلميّ والرّوحيّ، انتقل إلى بلدة قنوات في جبل الدّروز، حيث استقرّ هناك وبدأ تنظيم الحياة الدّينيّة والاجتماعيّة للطّائفة. فأسّس المجالس الدّينيّة في القرى، وعيّن السُّيّاس، وحثّ الناس على التزام الصّلاة وتلاوة المعلوم الشّريف والتّمسّك بتعاليم الأمير السّيّد قدّس الله سرّه. وفي وقت قصير، تحوّل إلى المرجع الأوحد للدّروز في جبل العرب، بل تجاوز تأثيره الجغرافيّ ليصل إلى لبنان وفلسطين، فأضحت مشيخة العقل في عهده حقيقة قائمة ومؤسّسة منظّمة.

لم يكن الشّيخ إبراهيم رجلًا دينيًّا فحسب، بل كان زعيمًا وطنيًّا أيضًا، إذ لعب دورًا محوريًّا في مقاومة سياسة التّجنيد الإجباري الّتي فرضها إبراهيم باشا المصريّ على سوريا. قاد ثورة درزيّة مسلّحة، كانت ملاذًا لكلّ من هرب من ظلم الاستعمار والجنديّة، وخاض معارك حاسمة في منطقة اللجاة دامت تسعة أشهر، مُنيت فيها جيوش إبراهيم باشا بخسائر فادحة، قُدّرت بسبعين ألف قتيل، مقابل ثلاثمئة شهيد درزي. وقد اعتُبر هذا الانتصار معجزةً روحيّة ونصرًا من عند الله.

لكن حياة هذا القائد العظيم لم تطل، إذ اغتيل غدرًا عام 1840 عن عمرٍ لا يتجاوز السّادسة والثّلاثين، ويُروى أنّ أحد ولاة دمشق الأتراك استدعاه وحاول أن يستميله بشتّى المغريات للحصول على تأييده لسياسة الحكم التّركي القائمة على البطش والإرهاب، ولمّا لم ينجح في ذلك دسّ له السّمّ في حذائه، فمات متأثّرًا بالسّمّ بعد أيام، ودُفن في قنوات حيث لا يزال قبره مزارًا مقدّسًا يتبارك به الموحدون.

خلّف الشّيخ إبراهيم وراءه ديوان شعر عاميّ يفيض بالوجد والعرفان، بالإضافة إلى رسائل ومكاتبات قيّمة تُمثّل ركيزة من ركائز التّراث الدّينيّ الدّرزيّ. وقد لُقّب عند وفاته بـالسّيّد، وهو لقب لا يُمنح إلا لمن بلغ أعلى مراتب الصّفاء الرّوحي والكرامات.

***شخصيّات بارزة أخرى من آل الهجري:
**الشيخ حسين الهجري

بعد وفاة والده الشيخ إبراهيم الهجري تولّى الشّيخ حسين الهجري مشيخة العقل، فكان خير خلف لخير سلف ومن أبرز رجال عصره وأحزمهم وأشدّهم بأسًا وأحرصهم على أن تكون كلمة التّوحيد هي العليا. امتاز بالحكمة والجرأة والفصاحة، وكان مدافعًا شرسًا عن الدّين والكرامة. وقف الشّيخ حسين بشجاعة ضد الفساد والانحرافات لا يهاب في الحقّ لومة لائم، وممّا عُرف عنه أنه كان فصيح اللّسان، قويّ الحجّة، سليم المنطق، أمره نافذ، وخاطره مقبول، كفوءً في القيام بأعباء منصبه مع التّواضع والتّقوى ومحبّة الإخوان وعمل الخير والإصلاح الاجتماعيّ. وأنّ مواقفه للنّهي عن المنكر ولتنفيذ أوامر الدّين قد رفعت من شأن الطّائفة بأكملها حيث قال:” الدّين له شروط، وبأهله موثوق مربوط، وإنّ أمّة الموحّدين إذا لم يحفظوا فروضه وشروطه والتّمسّك بأوامره ونواهيه. فعرِّفوني بأيّ ديانة تدينون؟ وبأيّ شيء إلى الله تتقرّبون؟ ومن أيّ باب إلى الجنّة تدخلون؟ ” مشدّدًا على حفظ الفرائض والتّمسّك بأوامر الدّين ونواهيه، وكان لصوته وقع في المجالس، ولسيرته أثرٌ في النّفوس. وقد شهدت فترته هدوءًا وازدهارًا دينيًّا واجتماعيًّا، فاعتبرها الناس “عصرًا ذهبيًّا” في تاريخ الجبل.

**الشيخ أبو يوسف حسن الهجري

انتقلت المشيخة الى الشّيخ أبو يوسف حسن الهجري الّذي وُلد في قنوات بعد وفاة الشّيخ حسين، وقد عُرف عنه رحمه الله أنّه كان من أهل الورع والتّقى والزّهد صاحب بصيرة نيّرة وقويّة وفراسة عميقة فريدة إذ كان يقرأ الأحداث في لوح الغيب هذا فضلًا عن كونه معروفًا بالتّقوى والورع وحكمةٍ صامتة. لكنّ القدر لم يُمهله، إذ اضطرّ إلى الالتحاق بالجيش العثمانيّ ضمن سياسة التّجنيد الإجباريّ، فهرب إلى قرية الرّحيبة، وكان برفقته بعض المجنّدين الدّروز منهم، أبو طلال وهبة عامر وقفطان عزام وحمد المغوش وأبو هلال هزاّع الحلبي وذوقان القلعاني حيث أصيب بالمرض وتوفي هناك في مقتبل عمره، موصيًا بالمشيخة إلى ابن أخيه، أحمد بن مسعود الهجري.

**الشيخ أبو حسين أحمد الهجري

تسلّم المشيخة في عمر الرّابعة والعشرين فقط، بوصيّة من عمّه الشّيخ حسن كما أسلفنا. وفي زمن تتداخل فيه أطماع المستعمرين ومؤامرات الدّاخل، برز الشّيخ أحمد كقائد روحي نادر المثال، تمكّن من صون الدّين ومحاربة البدع، والوقوف في وجه الفساد وقلع جذوره، ومواكبة تطلّعات النّاس في ظلّ الاستعمار العثمانيّ والفرنسيّ حيث امتاز بعلمٍ غزير، وحكمةٍ نافذة، وشجاعةٍ في قول الحقّ، وتواضعٍ شديد رفع من شأنه. لقد ساهم الشّيخ أبو حسين أحمد الهجريّ في دعم وتعزيز حركة الاستقلال الوطنيّ ورفع راية الوطن خفّاقة بين رايات سائر الأمم. وأثبت أنّه شخصيّة قياديّة قادرة فذّة نادرة المثال لم يعرف تاريخ هذه المنطقة شخصيّة دينيّة مثلها، غير شخصيّة جدّه الأوّل المرحوم الشّيخ إبراهيم الهجري، كما وكان له دورٌ محوريّ في ترسيخ مفاهيم القيادة الدّينيّة كمؤسّسة فاعلة في المجتمع وقد كرّس نفسه للطّاعة ولخدمة المجتمع والعمل على حلّ مشاكل النّاس وقد تظافرت جهوده مع جهود أبناء الجبل لرفع مستوى أبنائه في كافّة المجالات الدّينيّة والاجتماعيّة والعلميّة. توفي عام 1953، بعد مسيرة حافلة تركت بصمات واضحة في وجدان الطائفة والمنطقة.

**الشيخ إبراهيم الهجري (الثاني)

تسلّم المشيخة في العام 1953 بعد وفاة الشيخ أحمد الهجري، في فترة سياسيّة دقيقة من تاريخ سوريا. عُرف بالحكمة والرّصانة، وبمحافظته الشّديدة على قيم الطّائفة وتقاليدها في ظلّ التّغيّرات المتسارعة في المنطقة. سعى إلى الحفاظ على الوحدة الدّاخليّة، وعلى استقلال القرار الرّوحيّ للطّائفة، واستمرّ في تكريس الإرث العائليّ لمشيخة العقل.

**فضيلة الشّيخ حكمت الهجري – الرّئيس الرّوحي الحالّي للدّروز في سوريا

خلف شقيقه الشّيخ أحمد الهجري في هذا المنصب في العام 2012 وقد وُلد في فنزويلا في العام 1965 حيث كان والده يعمل في حينه، ثمّ عاد الى سوريا واستكمل تعليمه على كافّة مراحله فيها، وقد درس الحقوق بجامع دمشق وتخرّج منها في العام 1990، شهدت فترة تولّيه لمشيخة العقل انقسامًا في الهيئة الرّوحيّة في سوريا الى اثنتين: الأولى برئاسته في القنوات والثّانية في منطقة عين الزّمان بقيادة الشّيخيْن يوسف جربوع وحمود الحنّاوي. على الصّعيد السّياسّي، عُرف الشّيخ الهجري بمواقفه المتأنّيّة، حيث أيّد النظام السّوريّ في بدايات الأزمة، ممّا أثار بعض الانتقادات. لكن مع تطوّرات الأحداث بدأ خطابه يأخذ طابعًا أكثر استقلاليّة وتماهيًا مع مطالب المجتمع.

وعقب سقوط الرّئيس بشّار الأسد والنّظام السّوريّ في ديسمبر 2024، دعا إلى حوار وطنيّ برعاية دوليّة، رافضًا تسليم السّلاح قبل ضمان الحقوق الدّستوريّة. كما شدّد في بياناته على وحدة سوريا وضرورة تشكيل حكومة انتقاليّة مدنيّة تكنوقراطيّة تضمن العدالة والشّفافيّة.

في ظلّ المرحلة الجديدة، أبدى تحفّظات واضحة تجاه الرّئيس أحمد الشّرع وحكومته، مؤكدًا رفضه لمحاولات تهميش الجبل ومحافظة السّويداء العريقة والّتي لعبت دورًا هامًّا في تاريخ سوريا ومعربًا عن معارضته للإعلان الدّستوريّ الجديد. وبرز اسم فضيلة الشّيخ حكمت الهجريّ، الزّعيم الرّوحي لطائفة الموحّدين الدّروز، خلال الاشتباكات الأخيرة في محافظة السويداء، بعد رفضه لاتفاق وقف إطلاق النّار مع الدّولة، ومواقفه الصّريحة ضد نظام الشّرع واتباعه الّذين نفّذوا اعتداءات وحشيّة بربريّة ضد سكّان السّويداء والبلدات المجاورة لها، ما دفع بالشّيخ حكمت الهجريّ إلى دعوة المجتمع الدّوليّ، بما في ذلك الولايات المتّحدة وإسرائيل إلى حماية الدّروز. كما وأثارت تصريحاته لصحيفة أمريكيّة جدلاً واسعًا بعد أن أشار إلى أن إسرائيل “ليست العدو”، معتبرًا أنّ الأولويّة يجب أن تكون لمعالجة الأزمة السّوريّة بعيدًا عن الشّعارات التّقليديّة الّتي لم تخدم الشّعب. لقد شكّلت عائلة الهجري عبر قرنين من الزمن، عمودًا فقريًّا في بنية القيادة الرّوحيّة للطّائفة الدّرزيّة في سوريا. ومن الشّيخ إبراهيم الهجريّ المؤسّس، إلى حفيده الشّيخ أحمد المجدّد وحتّى يومنا هذا، تتابعت قيادات هذه الأسرة على حماية القيم والمعتقدات، وترسيخ الحياة الدّينيّة، والدّفاع عن الكرامة والحقوق، في وجه الاستعمار والاضطهاد والفساد.

لم تكن مشيخة العقل في إرث آل الهجريّ مجرّد منصب دينيّ، بل كانت عهدًا أخلاقيًّا والتزامًا عمليًّا بمسؤوليّة الدّين والمجتمع. فبذلوا أعمارهم في سبيل التّوحيد، وزرعوا قيم الصّلاح في الأرض، وتحوّلوا من مجرّد رجال دين إلى رموز وطنيّة وروحيّة كبرى.

وهكذا، فإنّ آل الهجريّ لا يُذكَرون فقط في تاريخ الطّائفة، بل في تاريخ سوريا والمنطقة كلّها، من خلال قيادات صنعت الوعي، وواجهت الظّلم، وعبّدت الطّريق أمام أجيالٍ جديدةٍ من أبناء الجبل للسّير على خطى القِيم والحقّ.

المصادر:
“عائلة الهجريّ في التّاريخ” – مقال الشّيخ المرحوم حاتم قاسم حلبي من العدد الستّين لمجلة “العمامة” 2004
موسوعة التّوحيد الدّرزيّة – سميح ناطور.

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

من العدد 169 لمجلة "العمامة"- نساء رائدات: روان ومنار هشام زيدان حلبي – شقيقتان توأمان من نورِ أَضاءَتا قمم العلم في عال...
24/10/2025

من العدد 169 لمجلة "العمامة"- نساء رائدات: روان ومنار هشام زيدان حلبي – شقيقتان توأمان من نورِ أَضاءَتا قمم العلم

في عالم يحتاج دائمًا إلى القدوة والإلهام وفي زمن تتسابق فيه الأمم نحو التقدّم العلميّ، تبرز نماذج حيّة وملهمة من نساء طائفتنا المعروفيّة، يؤكّدن أنّ المرأة الدّرزيّة لا تكتفي بالحفاظ على جذورها الرّوحيّة، بل تمتدّ منها لترتقي نحو آفاق الإبداع والتّميّز. ومن بين هذه النماذج المشرقة، تتألّق الدّكتورة روان حلبي والدّكتورة منار حلبي، ابنتا دالية الكرمل. شقيقتان جمعتا بين نقاء الإيمان، وشغف البحث العلميّ، والتزام العطاء المجتمعيّ.

الدّكتورة روان والدّكتورة منار ليستا مجرّد شقيقتيْن توأمين جمعهما الدّمّ، بل رفيقتان في الحلم والطّموح جسّدتا معًا صورة الأمل وقدّمتا للجيل الجديد قصّة تلخّص أنّ قمم العلم لا تُضاء إلّا بنور المثابرة واليقين وأنّ المرأة في مجتمعنا ليست استثناءً، بل امتدادًا طبيعيًّا لإرثٍ يُعّلي من شأن التّعليم، ويُبارك السّعي في طلب العلم والعمل.

وُلدت الّدكتورة روان والدّكتورة منار ونشأتا في بيت يتنفّس القِيم، ويزرع في أبنائه الإيمان بأهميّة التّعلّم كطريق للارتقاء والتّقدّم، ليس فقط الفرديّ بل الجماعيّ حيث لم تكن البيئة حاضنة للعلم فحسب، بل أيضًا للعمل التّطوعيّ وخدمة الإنسان. ومن هنا، بدأت مسيرتهما في منظمة نجمة داوود الحمراء، إذ عملتا كمسعفتيْن متطوعتيْن مقدّمتيْن الرّعاية ومُدرّبتين على الإنقاذ، في أصعب اللّحظات وأدقّها. وقد أدركتا منذ نعومة أظفارهما أنّ العلم ليس نقيضًا للقيم، بل وسيلة لترجمتها. وأن المرأة، حين تسير على أرض ثابتة من الأخلاق، تستطيع أن تبلغ السّماء علمًا وخلقًا.

أنهت الدكتورة روان تعليمها للقب الأول البكالوريوس في الهندسة الكيميائية، وللقب الثاني الماجستير في هندسة المواد، أحد أفرع العلوم الدّقيقة الّتي تتطلّب صبرًا معرفيًا وشغفًا خالصًا بالتّفاصيل. حصلت على البكالوريوس والماجستير من معهد التّخنيون، وكان بحثها في مرحلة الماجستير يتمحور حول فصل الماء وإنتاج الهيدروجين، وهو من الاتّجاهات العلميّة الواعدة في مجال الطّاقة النّظيفة.

لم يكن الإنجاز أكاديميًّا فقط، فقد نُشرت أبحاثها في مجلّات علميّة مرموقة، وشاركت كمؤلِفة رئيسيّة، وهو ما يُعتبر إنجازًا لافتًا في عمر مبكِّر نسبيًا في هذا المجال. أما أطروحتها للّقب الثّالث الدّكتوراه، فكانت في مجال الهندسة الكيميائية في واحد من أكثر مجالات البحث العلمي تعقيدًا: دراسة تأثير العيوب النقطية على عمليّة التّلبيد السّريع لأكسيد المغنيسيوم (MgO) من أجل فهم مراحل هذه العملية بشكل أفضل. وتُعدّ التّقنيّة الّتي بحثتها ثوريّة في مجال تصنيع مواد السّيراميك باستخدام المجالات الكهربائيّة، وتُسهم في تقليل استهلاك الطّاقة وتحسين جودة التّصنيع. وبدعم من مؤسّسة بازي الدّاعمة للبحوث العمليّة المتقدّمة ووزارة الطّاقة، قدّمت روان أبحاثها في مؤتمرات علميّة دوليّة في أوروبا والولايات المتّحدة، ورفعت اسمها واسم الّطائفة عاليًا، بكل ثقة وتواضع.

من جهتها، سلكت الدّكتورة منار حلبي دربًا موازيًا في الهندسة الكيميائية، وخصّصت بحثها في مجال التّحفيز غير المتجانس، وبالتّحديد في تطوير محفزات فعّالة لإعادة تشكيل غاز الميثان باستخدام ثاني أكسيد الكربون، بهدف إنتاج غاز التخليق الذي له استعمالات واسعة في مجال الصناعة وكذلك تخفيف الأثر البيئي، وقد ركّزت منار في أبحاثها على التّحكّم في التّفاعل بين المعدن والدّعامة، من خلال بنى نانويّة هرميّة، تُسهم في تحسين أداء المحفّزات الصّناعيّة. هذا البحث حظي بإشادة المجتمع العلمي، كونه يفتح آفاقًا جديدة في مجال الطّاقة المستدامة.

إلى جانب بحثها العلميّ، كانت الدّكتورة منار حاضرةً في الحقل الأكاديميّ، كما شقيقتها الدّكتورة روان، كمساعدة تدريس في معهد الهندسة التّطبيقيّة التّخنيون، حيث عملت عن قرب مع طلاب المرحلة الجامعيّة، وقدّمت لهم من علمها وخبرتها وتوجيهها. كما شاركت في مؤتمرات دوليّة وألقت محاضرات باسم التّخنيون، حاملةً إرثها الثّقافي بكلّ فخر واعتزاز.

ورغم اختلاف التّخصّصات، إلّا أنّ هناك خيطًا ذهبيًا يجمع بين الشّقيقتين، الإيمان العميق بأنّ المرأة تستطيع أن تُحدث فرقًا، ليس فقط في بيئتها، بل في العالم بأسره، إذا ما نشأت على القِيم، وسُلّحت بالعلم، ودُعمت بالثّقة، فالدّكتورة روان والدّكتورة منار لم تبرزا فقط في عوالم البحث العلمي، بل مثّلتا نموذجًا لمَن يحسن التوفيق بين العقل والروح، وبين التقدّم المهنيّ والحفاظ على الهويّة.

إن إنجازات روان ومنار لا تعكس فقط تميزًا علميًا، بل تحمل في طياتها بدون أدنى شكّ بُعدًا روحيًّا وإنسانيًّا عميقًا حيث نقف هنا ليس فقط لنُحيي إنجازات الدكتورتين روان ومنار حلبي، بل لنقول لكل فتاة ولكل أم وكل مربٍ إن هذا هو ثمار الاستثمار في القيم، في التّربيّة، وفي الثّقة. ففي زمنٍ تتبدّل فيه المعايير، تبقى القدوة الصّامتة، المتفانيّة، والمشرقة، هي الصّوت الأعلى. فلنرفع القبعة احترامًا للدّكتورتين روان ومنار حلبي ولنجعل من انجازاتهما صفحة مشرقة في سجلّ فتيات ونساء مجتمعنا الرّائدات.

**زاوية من إعداد السيّدة سهام ناطور (عيسمي).

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

بسم الله الرحمن الرحيم﴿إِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون﴾غيّب الموت عنّا هذا الأسبوع أحد وجهاء الطائفة الدرزية في البلاد ا...
23/10/2025

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون﴾
غيّب الموت عنّا هذا الأسبوع أحد وجهاء الطائفة الدرزية في البلاد البارزين سعادة القاضي متقاعد أبا زايد فارس فلاح، الذي كان من رجالات المجتمع والقضاء والإصلاح الذين تركوا بصماتٍ مضيئة في مجال عمله وفي خدمة المجتمع وفي مجالات عديدة أخرى.
كان الفقيد مثالاً في النزاهة والتقوى، إذ سخّر علمه وخبرته لخدمة الناس ونصرة الحق، فكان قاضياً عادلاً، وصاحب نظرة ثاقبة وإنساناً رؤوفاً بقلبٍ كبير، لم يتوان للحظة في عمل الخير ودعم المشاريع المجتمعية الهامة، وقد ربطته علاقات وثيقة بكافة أطياف المجتمع في البلاد.
وقد جمعته علاقة وطيدة مع مؤسس ومحرر مجلة "العمامة" وصاحب دار "أسيا" للنشر المرحوم الشيخ سميح ناطور، علاقةٌ اتسمت بالاحترام المتبادل والتقدير العميق، حيث أصدر الشيخ سميح كتابين حول سيرة حياة ومسيرة القاضي فارس فلاح الذي كان نموذجًا يُحتذى به في العمل والعطاء الإنساني.
أسرة مجلة "العمامة" تتقدم بأحرّ التعازي والمواساة إلى عائلة فلاح الكريمة، سائلين الله تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنّاته، وأن يُلهم ذويه الصبر والسلوان. رحمه الله وطيب ثراه وأسكنه واسع جناته.

فيما يلي مقتطفات من مقدمة كتاب "القاضي فارس حمود فلاح - الثروة الحقيقية: الأعمال، الأصدقاء والذكرى" الذي صدر عام 2017:

"القاضي أبو زايد فارس فلاح، هو علم من أعلام المجتمع في البلاد، وشخصية مرموقة مقبولة في جميع الأوساط، وهو ما زال رائدا، يقود مسيرة من العمل والعطاء والمشاركة، منذ أكثر من خمسين عاما، يتبوأ فيها مركز الصدارة والقيادة والزعامة، سواء كان يشغل منصبا أو لا يشغل، فمكانته محفوظة مرفوعة في كل الأماكن، وفي جميع الأوساط. وقد انطلق من قرية صغيرة في الجليل الأعلى، لكنه رفع اسم هذه القرية، وجعلها منبعا للعلم والتحصيل والتألق، حيث بنى إمبراطورية لامعة برّاقة من الشباب والبنات المتعلمين المثقفين، وأعطى بذلك درسا ونموذجا وقدوة، في ارتياد العلم، وفي التطلع إلى أعلى، وفي الوصول إلى المراتب والمراكز. وهو يضم في داخل بيته، خمسة ألقاب دكتوراه، وهذا إنجاز لا يوجد له مثيل حتى الآن في مجتمعنا، مما يجعلنا نعتز ونفتخر بوجوده، وبأعماله، وبشخصيته، وبمناقبه، حيث تجد له تقديرا واحتراما في الجليل، والكرمل، والمثلث، والنقب، والضفة الغربية، وكذلك في الأردن. وفي نفس الوقت، يُعتبر شخصية فذة لامعة في أوساط أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، وسوريا، ولبنان، والأردن.
وقد جعل وظيفة القاضي، الذي يبعث الرهبة والخوف والوجل، في نفوس الناس، جعلها وظيفة مبجّلة محترمة، تبعث في النفوس الثقة والاطمئنان، بأن الحق والعدل هو رائدها. ومن هذا المنطلق، توجّهت إليه منظمات كثيرة، طالبة أن يترأسها وأن يقودها، لأن الأوساط الداعمة لهذه المؤسسات، تعرف مدى تقدير الجماهير في البلاد لشخصيته، وأن أي موضوع يوكل بتنفيذه، يُنفّذ على أحسن وجه.
وقد أصدر عام 2005 كتابه "دواليب الحياة"، الذي شمل عددًا من مشاريع حياته الضخمة. وقد لمست كمخرج وناشر للكتاب، مدى التقدير والاحترام، الذي يكنّه الناس، على مختلف المستويات، لشخصية القاضي أبي زايد، وقد توجه إلى الكثيرون، مشيرين إلى إعجابهم وتقديرهم واحترامهم لشخصيته، وذكر الكثيرون منهم، القصص والأحداث التي رفعت من مكانته، وغمرتني اقتراحات أصدقاء القاضي أبي زايد ومعارفه، الذين أعربوا عن اقتراحاتهم بأن تُجمع معلومات من المعارف والأصدقاء، لتكون نواة لكتاب جديد، يتحدث عن شخصية أبي زايد وأعماله ومناقبه، من خلال الذين تعاملوا معه. وعندما بدأت بعرض الفكرة على بعض معارفه، قوبلت بالاستحسان والتشجيع، والاستعداد للمساهمة والكتابة، في ذكر أعمال ونشاطات القاضي أبي زايد. وكان بإمكاننا أن نصدر عشرات المجلدات، لو فسحنا المجال للجميع، أن يكتبوا كل ما كانوا يودون كتابته، لكننا اختصرنا على عدد من المقربين، الذين يمثلون كافة قطاعات المجتمع والشرائح، التي تعامل معها القاضي أبو زايد، وتعاملت معه، واحترمها واحترمته.
لا شك أن سيرة وأعمال أبي زايد، هي مرآة للمجتمع في بلادنا في الخمسين سنة الأخيرة. وهذه الأعمال، وهذه السيرة، تثبت أن مجتمعنا على مختلف طوائفه، زاخر بالعطاء، والإحسان، والتقدير، والاحترام، والديمقراطية، والمساواة، والتطلع إلى التألق، وإلى إحلال السلام في منطقتنا. وكلنا أمل، أن يكون هذا الكتاب، قدوة ونموذجا للشبيبة العربية الصاعدة، التي يمكن أن تتعلم من جهود، ومثابرة، واستقامة، وإخلاص أبي زايد، كيفية الوصول إلى القمة، والبقاء فيها مدة طويلة.
والله ولي التوفيق
سميح ناطور
دالية الكرمل 2017"

من العدد 169 لمجلة العمامة: نبذة عن تاريخ الدّروز في سوريايعيش الدّروز في سوريا منذ بدء دعوة التّوحيد في مستهلّ القرن ال...
20/10/2025

من العدد 169 لمجلة العمامة: نبذة عن تاريخ الدّروز في سوريا

يعيش الدّروز في سوريا منذ بدء دعوة التّوحيد في مستهلّ القرن الحادي عشر ميلادي، فقد كانت سوريا، وخاصّة مناطق حلب، غوطة دمشق، وسفوح جبل الشّيخ، من المراكز الفاعلة والنّشطة للدّعوة، وانتشرت فيها التّجمّعات التّوحيديّة بقوّة، لا سيّما في شماليّ سوريا، حيث ازدهر الوجود الدّرزيّ في منطقة أنطاكية وبلغ درجة كبيرة من التّنظيم والصّلابة .إلّا أنّ هذا الازدهار لم يدم، إذ واجه الموحّدون في أنطاكية حملة شرسة عُرفت بـ”محنة أنطاكية”، الّتي استمرّت عدّة سنوات، وتعرّض فيها الدّروز للملاحقة والقتل والتّشريد، ممّا أدّى إلى تفكّك هذا التّجمع القويّ. كما تزامنت هذه الأحداث مع إغلاق باب الدّعوة، ما تسبّب في تراجع انتشار الطّائفة في مختلف المناطق السّوريّة وغيرها. ففي حلب، انحسر عدد الموحّدين بشكل كبير، واقتصر وجودهم على جبل السّمّاق حيث لا تزال هناك حتّى اليوم 13 قرية درزيّة قائمة. كما بقيت بعض القرى الدّرزيّة في غوطة دمشق، وعلى السّفوح الشّرقيّة لجبل الشّيخ، وكذلك في مدخل وادي التّيم من الجهة السّوريّة. وفي تلك الفترة، لم يكن جبل الدّروز مأهولًا بعد بالسّكّان الدّروز. وقد بدأ الاستيطان الدّرزيّ المكثّف في جبل الدّروز في أوائل القرن الثّامن عشر، بعد معركة عين دارا عام 1711 الّتي وقعت بين الفريقيْن القيسيّ واليمنيّ من الدّروز في لبنان. انتصر القيسيّون في هذه المعركة، وهُزم اليمنيّون بقيادة ما تبقى من آل معن، واضطرّوا للنّزوح إلى جبل حوران، حيث عمّروا الخرائب، وبنوا قرى جديدة، وشكّلوا نواة لتجمّع درزيّ قويّ في المنطقة.

مع مرور الوقت، أصبح جبل الدّروز في سوريا ملاذًا لكلّ درزيّ مظلوم أو مُطارَد، فاستقرّ فيه أناس من ذوي الشّجاعة والاجتهاد، عمّروا أرضه، وحوّلوه إلى قوّة اقتصاديّة وعسكريّة لها شأنها في الإمبراطوريّة العثمانيّة والمنطقة. وقد حاولت الدّولة العثمانيّة حينها فرض التّجنيد الإجباريّ على الدّروز وتجريدهم من سلاحهم، إلّا أنّهم قاوموا هذه المحاولات بشجاعة وإصرار، مماّ أكسبهم وحدة داخليّة وقوّة تماسك فريدة. ومن أبرز المحطّات التّاريخيّة في هذا السّياق، مقاومة الدّروز للغزو المصريّ بقيادة إبراهيم باشا، الّذي احتلّ بلاد الشّام حتّى حدود الأناضول، دون أن يتمكّن من إخضاع جبل الدّروز، إلّا بعد أن قطع عنهم مياه الشّرب، ما اضطرّهم إلى التّفاوض والتّوصّل إلى اتّفاق معه. وفي تلك الحقبة، تولّت أسرة آل حمدان إدارة شؤون الجبل، فكانوا أول من قاد موجة النّزوح الدّرزيّ من لبنان إلى جبل العرب، وعملوا على تنظيم حياة السّكّان وتحويلهم إلى طائفة موحدة ذات نظام اجتماعيّ متماسك. لكن في منتصف القرن التّاسع عشر، بدأت سلطة آل حمدان تضعف، وانتقلت القيادة تدريجيًّا إلى آل الأطرش، بقيادة إسماعيل الأطرش، الّذي قاد جيشًا ولعب دورًا بارزًا في نصرة دروز لبنان خلال أحداث عام 1860، ما عزّز مكانته كزعيم سياسيّ كبير، ووطّد حكم آل الأطرش في الجبل، إذ وُجد في كلّ قرية زعيم من هذه العائلة له الولاية على شؤونها، ويملك ربع أراضيها. وفي عام 1889، ظهرت حركة شعبيّة تمثّلت في تمرّد بعض العائلات الصغيرة على هيمنة آل الأطرش، وقد تمّ تسوية الخلاف، لكنهّا عادت للظّهور عام 1947 بصورة جديدة، وبنفس الحدّة، وانتهت بمصالحة عامّة.

شهدت منطقة جبل الدّروز حروبًا متكرّرة ضد السّلطنة العثمانيّة، بقيادة آل الأطرش، وحقّق الدّروز فيها انتصارات مهمّة، إلى أن جاءت الحرب العالميّة الأولى، حيث وقف الدّروز إلى جانب الأمير فيصل بن الحسين، وساهموا في دخول قوّاته إلى دمشق. غير أن القوى العظمى لم تعترف بحكم فيصل، وفرضت الانتداب الفرنسيّ على سوريا ولبنان.

سعى الفرنسيّون إلى استمالة الدّروز، فأنشأوا دويْلة جبل الدّروز ضمن مشروع تقسيم سوريا إلى كيانات طائفيّة، وشكّلت حكومة محليّة، وانتُخب مجلس نيابّي برئاسة سليم الأطرش، واعتمدت السّويداء عاصمة للدّولة وحُدّد العلم وعُين أصحاب المناصب الماليّة والعدليّة والثّقافيّة وغيرها، إلّا أنّ هذا المشروع كان هشًّا، وقوبل برفض وطنيّ واسع، لا سيّما من قِبل عطوفة سلطان باشا الأطرش، الّذي قاد مع رفاقه الثّورة السوريّة الكبرى عام 1925. ألهبت هذه الثّورة مشاعر الجماهير العربيّة، وأحيت رغبة التّحرّر من الاستعمار، وبرز فيها الدّروز كقوّة وطنيّة شجاعة رائدة. لكنّ الثّورة لم تلقَ الدّعم الكافي من باقي القوى الوطنيّة، بل إن بعض الزّعامات العربيّة تعاونت مع الانتداب الفرنسيّ، ما أدّى إلى ضعف الثّورة وانكفاء قادتها إلى المنفى، حيث نُفي سلطان باشا الأطرش ورفاقه إلى الصّحراء السّعودية، وبقوا هناك عشر سنوات، عانوا فيها من قسوة العيش، في حين تنعّم الآخرون بمواقع السّلطة، حتّى تمّ التوّصل إلى مصالحة عامّة عام 1936، فعاد القادة المنفيوّن إلى ديارهم، ليعيدوا إعمار ما دمرته القاذفات الفرنسيّة.

آثر عطوفة سلطان باشا الأطرش بعد عودته الابتعاد عن السّياسة، بعد ما خاب أمله من بعض مواقف الزّعامات الأخرى. إلّا أن دوره برز مجدّدًا عام 1954، حين شنّ الدّيكتاتور أديب الشّيشكلي حملة عنيفة على الجبل، طارد فيها الدروز، ودمّر بيوتهم، فخرج سلطان من البلاد حقنًا للدّماء. إلّا أن الجيش السّوري تمرّد على الشّيشكلي وأطاح بحكمه، ففرّ إلى البرازيل، وهناك لحقه أحد المتضرّرين من بطشه، وهو المواطن الدّرزي نواف غزالة، الّذي واجهه وقضى عليه. وفي عهد الوحدة بين سوريا ومصر، نال الدّروز تقديرًا واحترامًا، وكان لاستقبال عطوفة سلطان باشا الأطرش للرّئيس جمال عبد النّاصر في السّويداء أثر بالغ، إذ قُوبل الرّئيس المصريّ بحفاوة كبيرة من قبل سكّان الجبل. وبعد الانفصال بين الدّولتيْن، حافظ الدّروز على كيانهم ودورهم المؤثّر في الحياة السّياسيّة، وإنْ بشكل محدود، وقد حرصوا على التّمسك بقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم.

ويبلغ عدد الموحّدين الدّروز في سوريا اليوم حوالي 700 ألف نسمة، يتوزّعون بشكل أساسيّ في جبل الدّروز (الّسويداء)، وفي مناطق من حلب، وغوطة دمشق، وسفوح جبل الشّيخ.

المصدر: موسوعة التّوحيد الدّرزيّة، 2011

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

من العدد 169 لمجلة العمامة: مع الأولياء الصّالحين.. المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز أبوذياب. بقلم الأستاذ الشّيخ غسّان يوسف...
16/10/2025

من العدد 169 لمجلة العمامة: مع الأولياء الصّالحين.. المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز أبوذياب. بقلم الأستاذ الشّيخ غسّان يوسف أبوذياب.

شيخ همّام سادق ديَّان
وتذلّ عند حضوره الفرسانُ
وسلاحُه سدقُ النَّوايا والتّقى
ومسدّد قد صانه الرّحمن
يحمي الحقيقةَ بالنّباهة والوفا
وفصاحةٍ يحلو بها البرهان
رحماتُ ربِّي غيثُها متواصلٌ
تترى عليه ما جَرَتْ غُدرانُ

وُلد الشّيخ أبو سعيد فايز أبو ذياب في الجاهليّة سنة 1924. توجّه إلى الدّين وله من العمر خمس وثلاثون سنة. رُبي يتيم، وقامت والدته خانوم خدّاج(كفرمتى) بتربيته ورعايته، وكان لها الفضل الكبير في ذلك. وقد فقد والده وله من العمر أربع سنوات، وكذلك فقد أخاه “سعيد” وهو في مقتبل الشّباب. توفّاه المولى سنة 2009 م رحمة الله عليه.
كان في مطلع شبابه يتعاطى بالشّأن العامّ السّياسي، وبعد توجّههه إلى الدّين أضحى يتعاطى بالشّأن الدّيني- السّياسي، وحاز على ثقة أهل الدّين ومشايخ عصره، حيث كانوا يكلّفونه بحلّ المشكلات الصّعبة، مطمئنّين لسدق نواياه، وإخلاص مسعاه وتقواه. تميّز بالجرأة الأدبيّة الدّينيّة، والشَّخصيّة الاجتماعيَّة القويَّة، والأسلوب المقنع المرن، حيث نال ثقة مشايخ البلاد، وبات من أصحاب المشورة لديهم، يعتدّ برأيه.

وجهان مشرقان التقيا في وقت واحد، فتآلفا وتصافيا، وأفاضا من خيراتهما وعلمهما وأفضلا، المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز أبو ذياب رحمه الله وابن عمّه سماحة الشّيخ الجليل أبو علي سليمان أبو ذياب حفظه الله تعالى. إذ كان هذان الشّيخان الجليلان متعاضديْن ومتعاونَيْن لنصرة الحقّ وإشادة منارة الدّين بما وهبهما الله تعالى من مواهب متنوّعة.

محطّات نفيسة من حياته:

– وقع خلاف بالرّأي بين سيّدنا الشّيخ أبي يوسف أمين طريف، ومشايخ بقعاتا بسبب “مشكلة الهويّة”، فتكلّف المرحوم الشَّيخ أبو سعيد من قِبل مشايخ البلاد لحلّ هذه المشكلة، وتوفّق في ذلك وجمع الآراء المتباعدة تحت سقف السَّلام والوفاق، فأُعْجِبَ سيِّدنا الشَّيخ أبو يوسف أمين بإخلاصه وذكائه وشجاعته، وأجلسه بجانبه، وطلب من الاستماع إليه قائلًا له: ” إيّاك أن تقول إنّك مقصر، الاجتماعات فقيرة بدونك. إيَّاك أن تقول مقصِّر، أوصيك بأهلنا في لبنان”.
– بعد مجزرة صاليما أرصون سنة 1975 عُقد اجتماع في خلوات القطالب بحضور مشايخ البلاد من حاصبيا إلى المتين، وسماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين محمد أبي شقرا، وفوّض جميع الشّيوخ الحاضرين، المرحوم الشّيخ أبي سعيد وكلّفوه أن يتكلّم باسمهم لحلّ هذه المشكلة الكبيرة، وكذلك الزّعيمان الأمير مجيد أرسلان ووليد بك جنبلاط كلّفاه أن يتكلم باسمهما. فانطلق المرحوم الشّيخ أبو سعيد فايز على بركة الله وبدعاء المشايخ الأفاضل لمقابلة القيادة السّوريّة وفي صحبته المحامي فريد أبو شقرا، وكان في استقبال الشّيخ أبو سعيد كبار الضّباط السّوريين.

بدأ الكلام الشّيخ أبو سعيد قائلًا: إني أرحّب بالمشنقة والإعدام، وسجن المزة. ولي الشّرف أن أستشهد في سبيل العرض والدّين. هؤلاء الجماعة أخسّ وأجبن وأنذل أن يتصرّفوا معنا لولا ما تكونون حامين لهم. وإذا كنتم أنتم وغيركم تريدون التّخلّص من الطّائفة الدّرزية فإني أشهد أمام الله سبحانه وتعالى أمشي أمام الشّباب وبيدي هذه العصا وأدوّخكم وأدوّخ كلّ من ينصركم. فأجابه الضّابط السّوري وليد حمدون: لكم ماض وحاضر يشهد لكم، وما يقدر أحد يزايدكم عليه.

الشّيخ أبو سعيد: نحن نحبّ الإنصاف حتّى مع الأعداء. اِجلسوا أنتم على حياد كي لا يُهرق دم عربيّ، ونحن نعمل جولة معهم، إذا انتصروا يجرون فينا كما أجروا في صاليما وأرصون، وإذا انتصرنا نعلّمهم ونعلّم العالم شرف القتال، ونعلّمهم كيف تكون المحافظة على العرض والأرض، وكيف المحافظة على الأطفال العزّل. نحن قوم ما تعوّدنا نتهجر، وهذه الضّياع الّتي حصلت فيها المجازر يجب أن تعود أهاليها وتتأمّن حمايتهم ومعيشتهم. رفع وليد حمدون يده وأقسم باسم حافظ الأسد بأنّه على استعداد لتنفيذ طلبات الهيئة الرّوحية بكاملها.

– من كلامه النّفيس عندما كلّفته الهيئة الرّوحية أن يتكلّم باسمها في إحدى المحطّات التّاريخية والأزمات الصّعبة الّتي مرّت بها، ممّا اضطرّها الأمر إلى اتّخاذ موقف صارم يترجم عن صورة الطّائفة الدّرزية الحضاريّة الرّاقية:” …كلّنا يدٌ واحدة في سبيل الكرامة، ودفاعًا عن العرض والأرض، وبعون الله تعالى نرفض التّعدّي منّا على أحد، وقلنا وسنبقى نقول الّذي يتعدّى علينا الله لا يوفّقه، والله سبحانه خصمه، ونحن خصمه، والّذي سيتخاذل عندما يصير علينا تعدٍّ، الله خصمه، ونحن خصمه، والّذي يخاف أن يموت من يد الخصم، سيموت من يد أمّه وأبيه، لأنّنا ما تعوّدنا نُنجِب جبناء وأنذالًا لا يغارون على عرضهم وأرضهم…”.

رحم الله الشّيخ أبو سعيد الّذي سطّر في حياته سطور العزّة والكرامة، والإخلاص والدّيانة، وما ذكرناه في هذا الكتاب يبقى غيضًا من فيض.

أقيم للمرحوم الشّيخ الجليل مزار في ضيعته الجاهليّة تقصده النّاس للتّبرّك، وتلاوة كتاب الله العزيز.

--------
جميع مقالات العدد 169 لمجلة العمامة في موقع المجلة في التعليق الاول.

Address

Daliyat Al-Karmil

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when العمامة posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to العمامة:

Share

Category