
10/07/2025
- باقية يا زيتونة الدامون –
بعد تسعة عقود ونصف فارقتنا الحاجة آمنة سعيد زيداني (ام حسين) التي تمتد جذورها ضاربة بعمقها في
الدامون. يوم الجمعة 11.4.2025 فارقت الحياة تاركة وراءها ارثاً غنياً الذي انتقل وينتقل من جيل الى جيل
عن طريق قريتها التي هُجّرت منها قسراً الى جانب الاف المُهجرين من قراهم ومدنهم التي لم ولن ينسوها مهما
طال الزمن.
الحاجة ام حسين ولدت في الدامون وعاشت طفولتها البريئة كباقي أطفال القرية, كنا نلعب ونركض بين الازقة
الطرقات وبين الشجر كما تقول وعلى بيادر جمع الغلال ونركب النورج (لوح الدراسة) وعلى عين الدامون
الغنية بمياهها الغزيرة واللذيذة والطيبة المذاق والتي تحولت مياهها الى دموع لفراق أهلها حتى جفت بقدرة
قادر.
واستطردت قائلة: في جيل الطفولة كنا نتشاجر مع بعضنا البعض وبعد وقت قليل تعود الينا براءة ومحبة
الطفولة ونعيد الكرّة مرارا وتكرارا.
برغم كِبَرِ سنها لم تنسَ تلك الايام بكل كبيرة وصغيرة تُحَدثنا من أرشيف عقلها الواعي الذي كان حيّا الى درجة
كبيرة.
قالت: عشت اول شبابي في الدامون, قرابة العقدين من السنين اعرف الدامون جيدا واتصورها واجولها في
عقلي يوميا بحارتها وبيوتها بطرقاتها وبسكانها ولا يمكن ان تمحو من عقلي وقلبي ومخيلة راسي كيف لا وهي
مسقط راسي واجمل أيام عمري عشت فيها. تزوجت فيها وكان عرسي في غاية الفرح وكنت آخر عروس
تتزوج قبل التهجير القسري وقد اكد على ذلك اهلي الدامون منهم من رحل ومنهم من زال على قيد الحياة.
وأضافت بعد التهجير استقرينا في طمرة العامرة مع العشرات من عائلات الدامون وقد استقبلنا اهل هذا البلد
الطيب بكل رحابة صدر وتقاسمنا معهم البيت ورغيف الخبز وشربة الماء وعشنا سوية باحترام متبادل رغم الم
ومرارة التهجير, شكرا لهؤلاء الناس الكرماء والكِرام ولكل من استقبل المهجرين من باقي قرانا ومدننا.
في احدى زياراتي لها قال: سكنا في براكيات التي لا تقينا حر الصيف ولا برد الشتاء لكن الم وحرقة التهجير
اشد بكثير من ذلك. عشنا في مخيم من البراكيات باكتظاظ لاجئون في وطننا قريبون من قريتنا والجدير بالذكر
ان بيت المرحومة وعشرات البيوت تبعد مسافة خمسة وبالأكثر عشرة دقائق عن الدامون. قدام عنيا وبعيد
عليا كما غنى المرحوم فريد الأطرش.
قبل عشر سنوات كانت المرحومة احدى ابطال فيلم من قلب البقاء اخراج وإنتاج الشاعرة دارين طرطور
الريناوية المسكن. كذلك ظهرت في فيلم الدامون, حرب البقاء أيضا من انتاج وإخراج السابقة, وقد عُرض
مرتين ضمن آذار الثقافة الأخير.
في زيارتي للدامون في ليالي العودة السنوية وغيرها وجدتها جالسة تحت ظلال الشجر تحكي عن الدامون وعن
ذكرياتها مع الزفرات والتنهدات والآهات الحارة التي لا تفارق حديثها وقالت لي: تعرف يا خالتي يا احمد انا
مستعدة التنازل عن بيتي الحجر في طمرة مقابل عن ارجع واعيش بقية حياتي في خُص وتحت ظلال هذه
الأشجار واموت وادفن هنا في الدامون استمرت في الحديث عن الماضي مع ذاكرتها القوية رغم عمرها
الطويل. واضافت الدامون كانت عامرة باهلها بلد الخير والبركة والكرم موقعها جميل كانت مركز هام للقرى
المحيطة بها, بمعصرة الزيتون ومطحنة القمح ,بعين مائها بِمدرَسَتيها, بجامعها وكنيستها وتزورها من الحين
للاخر ممرضة وكذلك كانت مركز للحافلة تنقل الركاب من المنطقة الى عكا. استمرت في الحديث
عشنا
سوية مسلمون ومسيحون بسلام وحب كعائلة واحدة وكأن لنا اب واحد وام واحدة عشقنا دين الإنسانية الحقيقي
رحلت الحاجة تاركة ورائها تاريخ بلدها التي كانت تحكيه بمتعة وألم وتركت جذورها ضاربة بعمق في الدامون
والتي تتغذى من تراب هذه الأرض الغالية.
رحم الله الحاجة ام حسن واسكنها فسيح جناته.
احمد ريان - طمرة الدامون