
20/07/2025
نيجيرفان بارزاني المخطط الاستراتيجي عراقياً وكوردياً
بقلم:
طالب كاظم سعداوي
:::
:::
في المشهد السياسي العراقي ، قلّما يظهر قائد يتمتع بالهدوء والرؤية طويلة المدى. نيجيرفان بارزاني لم يفرض نفسه من خلال الخطاب العالي أو المغامرات السياسية، بل بنى موقعه عبر تراكم متوازن بين الواقعية الكوردية والبراغماتية العراقية. لم يقدم نفسه زعيماً محلياً يسعى لعزل الإقليم، بل قائد دولة يعمل على إعادة تعريف العلاقة بين كردستان والعراق بما يضمن الاستقرار والتنمية للطرفين.
منذ تسلمه أدواراً تنفيذية، حتى رئاسة الاقليم، اختار نيجيرفان بارزاني أن لا تكون بغداد خصماً لأربيل. ورسم لنفسه خطاً وسطاً، لا يفرّط بحقوق الكورد، ولا ينجرف خلف الدعوات المتسرعة. يدرك أن مشروع كردستان لا يمكن أن ينجح في عزلة عن العراق، تماماً كما أن مشروع الدولة العراقية لا يستقيم بدون الإقليم.
منهج بارزاني قائم على بناء التوازن، لا على إعلان المواقف. حين يتحدث عن الدستور، لا يستخدمه كشعار، بل كأرضية تفاهم. ينتقد تقصير بغداد دون أن يقطع الحوار، ويطالب بحقوق الإقليم دون أن يضعها على طاولة المقايضة. موقفه الدائم أن الفيدرالية ليست تنازلاً، بل صيغة حضارية لتنظيم العلاقة بين المكونات، وأن عدم احترامها يشكل خطراً على الكيان العراقي ككل، لا على الكورد وحدهم.
فهو عراقي كوردي في وقت واحد .
لقد نجح بارزاني في تقديم الإقليم كجزء من الحل، لا كمصدر للأزمات. عزز صورة كردستان كمنطقة مستقرة سياسياً وأمنياً، منفتحة اقتصادياً، ملتزمة بالتعدد والتعايش. هذا النموذج، برغم التحديات، جعله مرجعاً داخلياً وخارجياً في الملفات الحساسة. لا يطلق الوعود الكبيرة، لكنه يراكم الإنجازات الصغيرة. لا يواجه بغداد بالصوت العالي، بل بالموقف الثابت واللغة المحسوبة.
الملفت في مسيرته أنه لم يعزل الهوية الكوردية عن الهوية العراقية، بل قدّم تصوراً متكاملاً لهوية مزدوجة: كوردية في الانتماء، عراقية في المشروع. هذه المعادلة الصعبة في بلد مليء بالهويات الفرعية، تتطلب قيادة تمتلك من الصبر والخبرة والهدوء أكثر مما تمتلك من الحماسة والخطابة. نيجيرفان بارزاني يتقن هذا النوع من القيادة.
لم يكن اللاعب الوحيد في الساحة، لكنه كان الأوضح في موقعه. اذ عمل على بناء قنوات خلفية للحوار، وترميم العلاقات مع بغداد، والانفتاح على الجوار العربي والإقليمي. وهو لا يسعى إلى التصعيد، بل إلى استثمار التهدئة. لا يراهن على الأزمات، بل على فرص الاستقرار.
السياسة عند نيجيرفان بارزاني ليست مجالاً للمواقف المجانية، بل أداة لصنع توازنات واقعية تحفظ الحقوق وتدفع نحو الشراكة. لم يدّعِ امتلاك حلول سحرية، لكنه يراهن على الوقت والتراكم والبراغماتية. في بيئة مضطربة، قد تبدو هذه المقاربة بطيئة، لكنها الأكثر استدامة. لهذا، يبقى رقماً صعباً في المعادلة السياسية، ليس لأنه يفرض نفسه، بل لأنه يعرف متى وأين وكيف يتحرك.
القيادة الحقيقية لا تقاس بشدة التصريحات، بل بقدرة القائد على الحفاظ على وحدة المسار رغم تباين الاتجاهات. نيجيرفان بارزاني فهم العراق بكل اوضاعه، ورفض أن يكون طرفاً في معادلة صفرية بين المركز والإقليم. صنع من نفسه جسراً، لا سداً. وهذه ميزة لا يمكن تجاهلها في زمن السياسات المتقلبة.