
23/09/2025
إدريس نيجيرفان بارزاني
يبرز صورة القائد العراقي الكردي.
فهل له استراتيجية خاصة للتأثير في شباب كردستان خصوصا والعراق عموما؟
بقلم
قاسم شفيق الخزعلي
طالب كاظم سعداوي
بهاء عواد
زين العابدين العوادي
باشراف
اكرم طالب الوشاح
لصالح مجموعة
ادارة الازمة وقيادة الصراع في العراق
ومجلة ادارة الازمة
::::
::::
في بيئة سياسية واجتماعية مثقلة بالإرث، حيث تفرض العائلات الكبيرة حضورها على ملامح القيادة، يطل إدريس نيجيرفان بارزاني بوصفه وجهاً شاباً يحاول أن يبني لنفسه مساراً مختلفاً. لا يكرر ما فعله أسلافه، ولا يكتفي بظلال اسم العائلة، بل يسعى لتقديم صورة القائد الذي يتأسس على المجتمع المدني والثقافة والشباب قبل أن يدخل فضاء السياسة المباشر. هذه السمة هي ما يثير الانتباه في تجربته، خصوصاً عند البحث عن استراتيجيته غير المعلنة للتأثير في شباب كردستان، ثم لاحقاً في شباب العراق ككل.
ومنذ سنوات بدأ إدريس في بناء شبكة مبادرات تستهدف البيئة، الثقافة، الرياضة والعمل الاجتماعي. زراعة عشرين ألف شجرة زيتون في أطراف أربيل لم تكن مجرد حملة رمزية، بل تعبير عن تفكير طويل الأمد. البيئة هنا تحولت إلى مدخل للحديث عن المستقبل، عن الاستدامة، عن الإحساس بأن الأرض والمدينة والإنسان عناصر متكاملة. الشباب الذين شاركوا في هذه المبادرة وجدوا في حضوره الميداني رسالة مباشرة: القيادة ليست خطابات، بل مشاركة عملية. إدريس أرسى قاعدة أولى تقول إن التأثير في الشباب يبدأ حينما يرونك في صفوفهم، لا حين تخاطبهم من منصة بعيدة.
وكانت خطوته التالية قد تمثلت في انخراطه في أنشطة ثقافية وفنية. هنا ظهر واضحاً أنه يدرك حساسية جيل عراقي وكردي يريد أن يعرف نفسه من جديد. كوردستان التي خرجت من عقود من النزاعات بحاجة إلى هوية حديثة لا تنفصل عن الجذور. دعم المهرجانات، تشجيع الإنتاجات الموسيقية والمسرحية، ورعاية منصات إعلامية شبابية كلها كانت أدواته للتواصل مع هذا الجيل. الاستراتيجية التي يبنيها تبدو بسيطة لكنها فعالة: ربط الشباب بالثقافة، لأن الثقافة تمنحهم لغة مشتركة وهوية متجددة.
في الميدان الرياضي أعاد إدريس توجيه البوصلة إلى القاعدة. لم يذهب إلى النوادي الكبيرة أو الأسماء اللامعة، بل اهتم بالناشئين، بالفرق الصغيرة، بالمبادرات التي تعيد للشباب ثقتهم بأنفسهم. هنا أيضاً تظهر ملامح استراتيجية واعية: بناء شبكات صغيرة من التأثير، تلامس حياة مئات الشباب بشكل مباشر، وتشكل لاحقاً قاعدة اجتماعية واسعة.
إذا تتبعنا هذه المسارات كما فعلنا في مجموعة ادارة الازمة سنجد أنها تصب في فكرة واحدة: إدريس نيجيرفان بارزاني يريد أن يزرع في جيل كامل قناعة أن القيادة ممكنة عبر العمل المدني، وأن التغيير يبدأ من التفاصيل الصغيرة. هذه الرسالة تكتسب أهميتها في مجتمع يحتاج لشاب مثل ادريس.
فالجيل الجديد في كردستايحتاج مبادرات مثل مبادرات إدريس تمنحهم إحساساً بوجود جيل قيادي شاب معهم.
والمراقبون في بغداد وكردستان يطرحون سؤالاً محورياً: هل هذه مجرد أنشطة شبابية، أم أنها جزء من استراتيجية أعمق لصناعة قائد جديد؟ النظرة الاستقصائية تكشف أن إدريس لا يتحرك باندفاع عشوائي، بل بخطوات محسوبة. هو يبني ما يشبه مانسميه في ادارة الازمة : “الرأسمال الاجتماعي”، أي شبكة من الثقة والتأثير، تنمو ببطء لكن بعمق. هذا الرأسمال هو ما يمنح أي قائد شرعية حقيقية حين يتقدم لاحقاً لدور سياسي مباشر.
حين نوسع الدائرة من كردستان إلى العراق ككل، تبرز أهمية أخرى لهذه الاستراتيجية. فالعراق اليوم يعيش أزمة ثقة بين الشباب والواقع، هنا يمكن لوجه مثل إدريس أن يقدم نموذجاً مختلفاً: شاب من عائلة سياسية لكنه يقترب من المجتمع، يستثمر في الثقافة والتعليم والبيئة، ويعتمد على العمل المدني بدلاً من الخطاب الضيق.
هل يمكن لادريس أن يؤثر فعلاً في شباب بغداد أو البصرة أو النجف؟ الاحتمال ليس بعيداً. العراق يحتاج إلى شخصيات شبابية قادرة على صياغة خطاب جامع يتجاوز الانقسامات، والشباب تحديداً يبحثون عن نموذج يختلف عن الصور التقليدية للسياسيين. إذا نجح إدريس في بناء شبكات شبابية في كردستان قوية ومستقلة، فإنه سيكون قادراً على نقل هذه التجربة جنوباً ووسطا وغرب العراق عبر شراكات ثقافية وتعليمية. وتبادل طلابي، ومشاريع مشتركة بين جامعات كردستان وجامعات بغداد والانبار أو البصرة، بمبادرات عامة تجمع شباباً من الشمال والجنوب، كلها أدوات محتملة لمد تأثيره خارج الإقليم.
التحقيق في شخصيته يكشف أنه يعي هذه الفرصة. لذلك يحرص على تقديم نفسه بصورة غير متعالية، ويتجنب الخطاب السياسي المباشر الذي قد يثير حساسيات في العراق. اختياره أن يبدأ من المجتمع المدني هو في حد ذاته رسالة سياسية، لأنه يقول للشباب: التغيير ممكن من تحت إلى فوق، لا العكس. هذه الفكرة إذا استوعبها شباب العراق، وكردستان فقد تفتح أمامه أبواباً أوسع بكثير من حدود كردستان.
لكن الطريق ليس سهلاً. ثمة تحديات كبرى تواجهه، أولها أن العمل المدني في العراق ما زال يواجه عراقيل هائلة، من البيروقراطية إلى الفساد إلى التوترات الأمنية. ثانيها أن الجيل العراقي في الوسط والجنوب أكثر يحتاج ليقين سياسي . هنا ستكون معركته الحقيقية: هل يستطيع أن يقنع هؤلاء الشباب أن مساره مختلف؟
وجوابنا: اثبت ادريس نيجيرفان بارزاني انه يستطيع الاقناع.
فما هو مؤكد أن إدريس نيجيرفان بارزاني يقدم صورة جديدة للقائد العراقي الكردي. صورة تقوم على القرب من الناس، على الانغماس في مشاريع ملموسة، على إعطاء الشباب دوراً محورياً لا هامشياً. استراتيجيته الخاصة تبدو واضحة: بناء قاعدة اجتماعية عبر مبادرات مدنية وثقافية، ثم توسيعها تدريجياً لتشمل العراق كله. هذه ليست مجرد أحلام، بل خطوات عملية بدأت بالفعل في شوارع أربيل وقراها، حيث تُزرع أشجار الزيتون، وتُقام الورش الثقافية، وتُبنى الثقة ببطء لكن بثبات.
ويمكن القول إن إدريس استطاع أن يفرض اسمه في النقاش العام لا كامتداد آلي لعائلته، بل كمشروع شخصي عراقي كردي يملك ملامحه الخاصة. بالنسبة للشباب في كردستان، والعراق ، وهو اليوم أقرب إلى صورة القائد الذي يشاركهم همومهم من أن يكون سياسياً بعيداً. وإذا استطاع أن ينقل هذه الصورة إلى بغداد والبصرة والموصل، فإنه سيكون أمام فرصة تاريخية ليصبح جسراً بين شباب العراق في كردستان خصوصا والعراق عموما....