04/08/2025
عاشوراء :: تحولت كـ اسفين في جسد الامة
على مدى اربعة عشر قرنا وما تزال الامة تدفع ثمن واقعة كربلاء، لا بوصفها حدثا تاريخيا فاصلا، بل كجرح نازف، استثمر دينيا وسياسيا في اتجاهات خطرة، اسهمت في تفتيت الهوية الجامعة للمسلمين، وتحويل الخلاف السياسي، الى شرخ طائفي دائم.
اولا: كربلاء... صراع على السلطة لا ثورة على الظلم
خلافا للرواية الدارجة التي تضفي على واقعة كربلاء صفة "الثورة على الظلم" فان الوقائع التاريخية تكشف ان خروج الحسسين سنة 60 هجرية لم يكن خروجا دعويا او اصلاحيا، بقدر ماكان مطالبة صريحة بأحقية الخلافة في وجه يزيد بن معاوية، الذي حكم بعد والده معاوية بن ابي سفيان.
الحسين لم يخررج لانه كان مضطهدا او محاصرا، بل خرج بدافع سياسي، يرفض ان تنتقل السلطة الى البيت الاموي، بعد أن كانت في البيت الهاشمي زمن النبي، دون مشروع اصلاحي واضح المعالم، بل اعتمد على وعود أهل الكوفة بالبيعة والنصرة.
فهل يعقل ان يعطى هذا القرار السياسي الفردي، قداسة دينية مطلقة وان يجعل عنوانا للحق والكرامة، بينما هو في جوهره نزاع على الخلافة .
ثانيا: خروج طوعي رغم التحذيرات
لم يكن الحسين ملاحقا في المدينة، ولا مهددا في مكة، بل مكرما ومحفوظا، كونه من ال بيت النبي. ورغم تحذير الصحابة والمقربين – منهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، واخوه محمد بن الحنفية- أصر الحسين على الذهاب الى الكوفة، استجابة للرسائل من زعامات قبلية كانت غير قادرة على الوفاء بوعودها.
وحين قتل مبعوثه مسلم بن عقيل، وانقلب أهل الكوفة عليه، كان لا يزال امام الحسين خيار العودة، لكنه رفض في قرار خاطيء، قاد الى مأساة كربلاء.
ثالثا: من واقعة محدودة الى انقسام دائم
ما وقع في كربلاء من حيث القتلى وحجم المواجهة، لم يكن حدثا ضخما عسكريا، اذ لم تتجاوز اعداد القتلى من طرف الحسين أكثر من سبعين رجلا. لكنها تحولت في الوجدان الشعبي – مع مرور الزمن- الى اسطورة دينية ملحمية، بل الى حجر زاوية في بنية العقيدة الشيعية، ومنها الى قضية ثأر تاريخي مفتوح ضد من يصورون على أنهم" أعداء آل البيت" في انقسام ميتافيزيقي لا عقلاني.
وقد تسببت هذه الواقعة في:
· مقتل ملايين الابرياء في حروب طائفية على امتداد التاريخ.
· نشوء اديان شيعية محملة بالخرافات والطقوس الغير اسلامية.
· تشويه الهوية الاسلامية الجامعة الى هويات مذهبية مغلقة.
رابعا: عاشوراء... تجارة طائفية لا استذكار نقي
في السياق المعاصر، لم تعد عاشوراء مناسبة دينية صامتة، بل تحولت الى موسم للتجييش المذهبي والتحريض السياسي. وما يبث على المنابر لا يحيي "قضية انسانية" بل ينفخ في رماد الانقسام ويعيد انتاج مشاعر الكراهية والحقد الموروث:
· تستغل الواقعة لكسب التعاطف والشرعية السياسية.
· تقدم المظلومية كمنظومة دينية قائمة بذاتها.
· وتستبدل قيم الاسلام الكبرى - التوحيد، والعمل، والاصلاح، والاخلاق- بثقافة البكاء واللطم والتطبير.
خامسا : حين تصبح المأساة عقيدة
لم يقدم الحسين باعتباره صحابيا جليلا او سبطا للنبي بل باعتباره " الشهيد المؤسس" لدين مستقل، بل ان الموقف من الحسين -كما يروج- هو ما يحدد ايمان الفرد او كفره، ولاءه او عداوته، وهكذا تختزل العقيدة الاسلامية كلها في موقف من حادثة وقعت سنة 61 هجرية.
في المقابل ينسى القرآن، وتنسى سيرة النبي، وتنسى اركان الدين الاساسية، ليحل محلها دين قائم على الطقوس والدموع والشعارات.
خلاصة القول
ان الواقعة التي قتل فيها الحسين مأساوية، نتيجة لخيارات سياسية خاطئة. ولو لم يذهب الحسين الى كربلاء، لما انقسمت الامة بهذا الشكل العميق، ولربما تجاوزت خلافها المبكر دون الانشطار العقائدي.
أما اليوم ، فقد تحولت عاشوراء الى لعنة سياسية مقدسة، تستخدم لتبرير القتل والدمار والتمزيق، لا مناسبة للتأمل أو الاصلاح
هي حدث تاريخي وقع، لكن الكارثة الحقيقية بدأت بعده، حين قرر البعض أن يجعلوا من دم الحسين وقودا دائما للصراع، بدلا من ان يجعلوه عبرة لنبذ التمرد الفردي، وفهم الواقع، وتقديم مصلحة الامة...... منقول بتصرف