30/10/2025
تنعى مدينة الموصل أحد أبرز علمائها ورموزها الدينية، الشيخ الجليل عبدالوهاب بن عزيز بن وهب الشمّاع، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد عمرٍ حافلٍ بالعطاء والتعليم والإصلاح.
كرّس الشيخ الشمّاع حياته لخدمة الدين والعلم، فكان معلماً ومربياً فاضلاً، جمع بين الحكمة والتواضع، وترك أثراً طيباً في نفوس طلابه ومحبيه وأهل مدينته.
وُلد الشيخ في محلة شهر سوق العريقة، في نحو سنة 1352هـ / 1934م، في بيتٍ عرف بالالتزام والخلق، فشبَّ محباً للعلم، متعلقاً بالمساجد وأهلها. وكانت بدايته العملية في مهنة الخياطة، غير أنّ شغفه بالعلم ورغبته في خدمة الدين حملتاه إلى تركها والتفرغ لطريق العلم والدعوة.
تلقّى الشيخ علومه على ثلةٍ من علماء الموصل المشهورين، أمثال الشيخ عمر النعمة، والشيخ عبد الله الحسو، والشيخ عبد الله الأرْبيلي، والشيخ عثمان الجبوري، والشيخ محمد علي العدواني، حتى إذا نضج علمه وأُجيز من بعضهم، أضحى من وجوه العلم في الموصل، وعُرف بين أهلها بالفقه والرزانة وحسن الخلق.
لم يكن الشيخ خطيباً عادياً، بل كان داعيةً مُلهماً قريباً من الناس، يطوف القرى والنواحي في بداياته، يبصّر الناس بدينهم ويوقظ فيهم الإيمان والهمة. ثم تولّى الخطابة في عدد من مساجد الموصل، ومن أشهرها جامع النبي يونس، وبقي مناراً للحق ووجهاً مشرقاً للدين في تلك البقاع المباركة.
ولم يقف عطاؤه عند المنبر، بل اضطلع بأدوار إدارية وعلمية، فكان رئيساً لفرع رابطة علماء العراق في الموصل، ثم تولى رئاسة المجلس العلمي في مديرية أوقاف نينوى، يسعى لإحياء دور العلماء وتفعيل رسالة المساجد والإصلاح بين الناس.
ترك الشيخ آثاراً علمية، منها كتابه "الإسلام يدعو إلى العمل والاحتراف وينهى عن التسول والانحراف"، ورسالة "الرحلات الإيمانية"، إضافة إلى دروس وخطب ومحاضرات انتفع بها من حضرها، وبقي صداها في نفوس تلاميذه ورواد مساجده.
ومن عرف الشيخ لمس فيه تواضع العلماء، ورفق الدعاة، وحكمة أهل التجربة، فقد جمع بين صلابة الحق ولين الجانب، وكان سمته وتواضعه يعكسان جمال التربية الإيمانية وصدق الالتزام.
رحل الشيخ عن الدنيا بعد عمرٍ مديد بلغ نحو اثنين وتسعين عاماً، قضاه في خدمة العلم والدعوة، ففقدت الموصل برحيله أحد رجالاتها الصالحين ودعاتها الصادقين.
رحم الله الشيخ عبد الوهاب الشمّاع رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجعل ما قدم في موازين حسناته، وكتب له القبول في الأرض والسماء، وخلف على الأمة من يعوّضها أمثاله ,