26/01/2022
:
بينما أنا أبكي فوق صدر أمي ، كان والدي قد أحس بأن مكروها قد وقع في بيته فلم ينم طوال الليل من ذلك التفكير الذي أرهقه وكاد أن يصاب بالجنون من شدة ضيق الصدر .
وفي صباح اليوم التالي خرج والدي يطلب إذناً في المغادرة ليطمئن على أسرته ، فوافق قائده ، ولكن لم يك يعلم أنها مكيدة . قد أعدت له من قبل أن يغادر .
غادر أبي ذلك المعسكر متجها إلى بيتنا . وصل أبي ليجد طفله نائما يرتجف من البرد فوق أحضان أمه . ولكن حراس الحاكم كانوا يراقبون قدوم أبي في ذلك اليوم . انقضوا عليه كأنما أسد يطارد فرسيته واتهموه بقتل والدتي على ملأ الناس أجمع .
فصدق الناس ، فلم يك بيدي أبي دليل ، فالجميع شاهدهُ يخرج من البيت وأمي مقتولة في الداخل . قاموا بتحويله إلى السجن ، وتمت محاكمته في اليوم التالي وعلى الفور بالإعدام . لم ينتظروا قليلا ولو بضعة أيام حتى اقوم بتوديعه وتقبيل رأسه ويداه وقدماه . فقدت والدتي ووالدي في أقل من ثلاثة أيامٍ . ولكن حلفت أن انتقم وأقتص من الحاكم الشرير . فقد يتمنا أطفالا و قتل ابوينا ابرياءً ونام مسرورا مرتاحا.
تجولت في شوراع المدينة وأصبحت مشردا مشرذما أسرق و أنهب لأحصل على قوت يومي وأطعم شقيقتي الصغيرة التي تركاها والدي امانة في عهدتي . وهكذا حتى كبرت فتزوجت برجل مغترب وعاشت حياتها برفقته سعيدة .
تكلم الولد : وأنت يا عم ما الذي فعلته بعد أن تزوجت شقيقتك ؟
قال المسن : أترى يا بني تلك النافذة المضاءة .
قال الولد : بلى أني أراها .
قال المسن : في كل يوم أتي لأراقب ذلك الحاكم الفاسد الذي حول دنياي لجحيم ، لعلي اظفر به فأرديه أرضا ، وأريح العالم من شرور هذه الناس .
فقال الولد : يا عم ألا تخاف على نفسك أن تقع في مهلكة ؟
قال المسن : أيوجد أكثر من هذه المهلكة التي أنا بها ؟
فقال الولد : ما رأيك يا عم أن نضع خطة لنوقع بذلك الشرير .
قال المسن : وأي خطة تلك ؟
قال الولد : دعنا نذهب للبيت ، تستدفئ وتستحم وتبدل ملابسك ، وتزيل تعب تلك السنين . فإن والدي رجل حكيم وسيبدي رأيه ويدلنا إلى طريق الصواب .
دمعت عينا المسن لشدة ما لقي من جبر الخاطر .
فأصر عليه الولد فذهب .
أيقظا والديه وقال لوالدتي قومي بإعداد الطعام فضيف متعب ، وجلس مع والده يحدثه في الأمر .
فقال والد الطفل: فلتسرتح اليلة ولنبحث عن حلٍ غداً .
وفي صباح الليلة الباردة تلك ، اجتمعوا إلى المائدة ، وتناولوا الإفطار وتحدثوا عن تلك المكيدة التي سيوقعون بها الحاكم .
قام والد الطفل بدعوة الحاكم إلى بيته على شرف هطول أمطار الخير بغزارة على بلادهم .
فبلادهم منذ وفاة والد الرجل المسن ووالدته والقحط يزاد سوء سنة بعد سنة .
الا في تلك السنة فكأنها سنة خيرٍ على البلاد وكأنها سنة تخلص الحاكم من كل شر هو قائم عليه .
وفعلا ، قد لبى الحاكم الدعوة ، فدخل إلى الوليمة ولم يتعرف الى ذلك الرجل المسن .
فقدم له الرجل الحكيم خمرا على أنه شراب العنب .
فأعجب الحاكم بذالك الشراب وبقي يشرب منه إلى أن لم يعد يرى أبعد من أنفه .
كان الرجل الحكيم قد جمع أهل القرية في الخارج يريهم أن حاكمهم رجل فاسد و يفعل الذنوب والمعاصي .
وعندما رأوهُ أهل البلدة ، انزعجوا كثيرا وطالبوه بإعدامه على الفور ولكن نتيحة سكره جعله يعترف عن ما اقترفت يداه من معاصي ، فعقله ليس معه .
فاستبيح دماءه على معصية في وسط تلك البلدة على مرأ من الناس . وقتل على معصية ومات كافراً .
ولكن ما ذنب ذلك الرجل المسن الذي نرى من أمثاله الكثيرون ملقون في الشوارع بسبب أولئك أصحاب الطبقة البرجوازية ، اللذين لا ينظرون إلى شوارع المدينة إلا لنظافتها فينسون قذارة أعينهم بالنظر إلى اولئك المشردين .
ما ذنب أطفال المخيمات والملاجئ أن يناموا ويستفيقوا وجسمهم يرتعش ويرتجف من برد دفئ السلاطيين .
أوليس هم عباد الله ؟ فالله غني عن المتسلطين اللذين يعلمون بحال الناس ولكن لا ينظرون .