
31/08/2025
بقلم الإعلامية هلا الحاج حسن
الإمام الصدر رائد الوحدة في زمن الانقسام
في تاريخ لبنان الحديث، تبرز شخصيات قليلة استطاعت أن تتجاوز حدود الانتماء الطائفي الضيق، وأن ترسم لنفسها مسارًا وحدويًا جامعًا. من بين هذه القامات، يقف الإمام السيد موسى الصدر شامخًا كأحد أبرز رواد الوحدة الوطنية، ليس فقط في لبنان، بل في العالم العربي. لقد كانت مزية التوحيد هي جوهر رسالته، والركيزة الأساسية لكل عمل قام به، سواء على الصعيد الديني أو السياسي أو الاجتماعي.
لم يكن الإمام الصدر مجرد رجل دين يدافع عن حقوق طائفته، بل كان مشروعًا وطنيًا وإنسانيًا. أدرك مبكرًا أن قوة لبنان تكمن في تنوعه، وأن ضعفه يكمن في انقسامه. لذلك، لم تقتصر جهوده على تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بل امتدت لتشمل مد الجسور مع مختلف الطوائف والمذاهب. كان يؤمن بأن الحوار والتفاهم هما السبيل الوحيد لبناء مجتمع عادل ومستقر.
تميز الإمام الصدر بعمق رؤيته التي تجاوزت السطحية الطائفية. كانت علاقته مع المرجعيات المسيحية، مثل البطريرك الماروني آنذاك، استثنائية. كان يزور الكنائس ويشارك في الأعياد المسيحية، ويتبادل الخطابات مع رجال الدين المسيحيين، مؤكدًا على أن الدين لله والوطن للجميع. هذه العلاقة لم تكن مجرد علاقة بروتوكولية، بل كانت انعكاسًا لإيمانه الراسخ بوحدة المصير المشترك.
في خطبه، كان يركز دائمًا على القواسم المشتركة بين الأديان، وعلى القيم الإنسانية التي تجمع الناس، مثل العدالة والحرية والكرامة. اشتهر بقوله: "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه"، وهي عبارة أصبحت شعارًا للوحدة الوطنية. كان يرى أن الانتماء إلى الوطن يسبق أي انتماء آخر، وأن الدفاع عن الوطن هو واجب مقدس على الجميع، بغض النظر عن انتمائهم الديني.
لم تكن دعوته للوحدة مجرد كلام أو شعارات، بل كانت عملًا ميدانيًا. أسس حركة المحرومين، التي كانت تهدف إلى مساعدة الفقراء والمهمشين من جميع الطوائف، دون تمييز. كانت هذه الحركة مثالًا حيًا على أن الوحدة لا تُبنى بالكلام فقط، بل بالأفعال الملموسة التي تلمس حاجات الناس اليومية. كان يرى أن الحرمان هو قاسم مشترك بين جميع اللبنانيين، وأن مكافحته تتطلب تضافر الجهود.
في زمن كان فيه الانقسام الطائفي يتفاقم، كان الإمام الصدر صوتًا للعقل والحكمة. كان يحذر من مخاطر الاقتتال الطائفي، ويدعو إلى حل المشاكل بالحوار. لقد كانت دعوته للوحدة هي بمثابة صمام أمان في مجتمع كان على وشك الانهيار.
إن غياب الإمام الصدر لم ينهِ مسيرته، بل جعل فكره الوحدوي أكثر إلحاحًا. في كل مرة تتعرض فيها الوحدة الوطنية في لبنان للاهتزاز، تعود إلى الأذهان كلمات الإمام الصدر، وإيمانه الراسخ بأن لبنان لا يمكن أن ينهض إلا على أسس من المحبة والاحترام المتبادل بين أبنائه. لقد كان رائدًا في فكره وعمله، وستظل مزية الوحدة التي آمن بها هي الإرث الأعظم الذي تركه للأجيال القادمة.