
10/10/2025
للكاتب أوصاف خاصّة بمن يتدخّل في شؤون الثّقافة ويحاول الإطاحة بها. فهؤلاء متعدّدو الأشكال والأوصاف، منهم الماكر والشرس كالذّئب ومنهم المحتال كالثّعلب والذي يبخّ السمّ كالحيّة، والزواحف التي تتسلّل من تحت الأسطح والثقوب المختلفة. وقد ترك أبي شقرا الأوصاف لمخيّلة القارىء من دون تعدادها، باستثناء الأسد، فاستفاض بالكلام عليه عندما يكون جائعًا كبعض الجهات التي تنقضّ على المثقّف لتلتهم جماله وترمي عظامه للشّمس الحارقة ومناقير الجوارح. وهذه الأوصاف إن دلّت على شيء فتدلّ على غزارة التجاذبات التي يعيش وسطها الأديب وعلى شراستها، كما هي الحال مع صاحب الكتاب.
تتصارع الثّقافة بين الذين يشدّونها إلى الأسفل "كالفساد الذي يعطّل المجرى"، والسياسة التي حين تدخل إلى صحن الدّار "تخطو على الزهرات فتذبل، وعلى الّلوحة فتجفل، وعلى القصيدة فتعرق، وينفلت شيء من القدر من المجّانيّة…"، والمسترسلين في مسارهم إلى حيث النّور المنشود، كالأدباء المبدعين المتنوّرين الذين يؤلمهم قهر الآخرين لهم وطعناتهم، لكنّهم يواصلون مسارهم إلى الهدف الذي ينشدونه، "إلى الذروة التي تلي الوادي، وهي في آخر المطاف، آخر الربيع، ملوّنة وجالسة في مكانها الرحب".
إنّ ساحة التجاذبات موجودة في كلّ الأنحاء، في الذات، في المكان الخاصّ، في العامّ والأوسع من العامّ، في الميدان الأزرق، في الجمال أوّلًا وأخيرًا. فالساحة تعجّ بالتجاذبات بدءًا من ذات الكاتب مرورًا بالأمكنة المختلفة، من الصالونات الأدبيّة، ومن خطابات السياسيّين ومدّعي الثقافة، ومن وسائل الإعلام، وصولًا إلى المدى الأوسع، إلى الفضاء الرحب، حيث يحلّق الجمال بعيدًا من أنياب مَن "يلتهم الجَمال ويرمي العظام". فالجمال لدى أبي شقرا "قبل كلّ شيء"، والكلمة لديه "في البدء هي الجمال عينه وهي والجمال معًا في رفقة متلازمة، رفقة الكائن والكائن"، والمهمّة واضحة لديه: "ندعس على المسامير والشفرات والجمرات الملتمعة ونحن في فيض حرّ وكثيف، لأنّ تلك هي المهمّة".
مي ضاهر يعقوب، "أزمة الأديب في مقالات شوقي أبي شقرا"، دار النهار، بيروت، ٢٠٢٥، ص ٢٧-٢٨.