20/12/2025
#رأي ماجد كيالي :
--في انطلاقتها الـ38 : انتهت "حماس" إلى حيث وصلت "فتح"
لم تتعود الفصائل الفلسطينية على مراجعة خياراتها وخطاباتها وأشكال عملها، كأنها منزهة عن الخطأ، أو كأن تجربتها خارج النقد والمساءلة، علما إننا إزاء حركة وطنية لها من العمر ستة عقود، بكل ما فيها من معاناة وتضحيات وبطولات واخفاقات وتراجعات.
هذا ينطبق على حركة "حماس"، في ذكرى انطلاقتها الـ 38، إذ كرست الذكرى للتأكيد على ما تسميه ثوابتها ومبادئها وفرادتها، دون التطرق إلى حيثيات تجربتها، وخطاباتها، فيما يتعلق بالسلطة، أو المنظمة، وفيما يتعلق بخياراتها في المقاومة والسياسة، وصولا إلى تحالفاتها الإقليمية.
حتى في البيان الذي أصدرته في تلك المناسبة تجاهلت "حماس" مسؤوليتها عن عملية "طوفان الأقصى" (أواخر 2023)، الذي وجدته #إسرائيل كفرصة سانحة لها، للبطش بالشعب الفلسطيني، بشن حرب إبادة جماعية وحشية ضده، مازالت مستمرة، ما تسبب بنكبة جديدة لفلسطينيي #غزة، ربما تكون أقسى من النكبات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، نتيجة إقامة إسرائيل على أرضه.
لم تناقش تصريحات خليل #الحية، وخالد #مشعل ، وموسى أبو مرزوق، وغيرهم من قياديي "حماس"، خيار "الطوفان" سوى في إطار الافتخار، في تناس للتداعيات المهولة التي نجمت عنه، وضمنها تدمير قطاع غزة، وتشريد الفلسطينيين من بيوتهم، وجعلهم تحت رحمة إسرائيل والمساعدات الدولية.
أيضا، تلك التصريحات لم تناقش مبررات عملية "الطوفان"، وضمنها تبييض السجون، ووقف انتهاكات إسرائيل للمسجد الأقصى، ورفع الحصار عن قطاع #غزة، وصولا إلى دحر الاحتلال، إذ تضاعف عدد الأسرى، وباتت الانتهاكات في الأقصى بمثابة طقس يومي للمتطرفين الإسرائيليين اليهود، في حين أحاق بقطاع غزة الدمار، بعد الحصار، أما إسرائيل فباتت قوة مهيمنة على الفلسطينيين من النهر إلى البحر، أكثر من أية فترة مضت، بل إنها باتت قوة مهيمنة في المشرق العربي كله.
مشكلة "حماس"، في كل ما تقدم، إنها منفصمة عن الواقع في إدراكاتها السياسية، المحملة بأوهام وحدة الساحات، وتدخل الملائكة، ومشاركة العالمين العربي والإسلامي، والحديث عن توازن الردع، وزلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل، التي هي أوهن من خيوط العنكبوت، في حين لم يثبت سوى عكس كل ذلك، بثمن باهظ، علما إن "حماس" لم تستخدم كل تلك الشعارات، أو الادعاءات، لأغراض التعبئة، ورفع المعنويات، إذ استخدمتها كمنطلقات أسست عليها خيارها في عملية "الطوفان".
هكذا لا جديد في انكار قيادة "حماس" للواقع المتشكل في ، والمشرق العربي، إذ على مدار أكثر من عامين ظلت تروج لمقولات، تغطي خيارها الخاطئ والمضر، من مثل أنه لا يوجد للشعب الفلسطيني ما يخسره، وإن إسرائيل لم تحقق أهدافها في تلك الحرب، وإن خسائرنا (كفلسطينيين) تكتيكية في حين إن خسائر إسرائيل استراتيجية، وإن "حماس" لم تخسر سوى 20 بالمئة من قوتها.
المغالطة الأكبر تكمن في الترويج لمقولة أن عودة الاهتمام الدولي بقضية #فلسطين، وهو أساسا في الدول الغربية حيث المجتمع المدني وقيم الديمقراطية الليبرالية، أتى نتيجة "الطوفان"، في حين إنه أتى لإدانة إسرائيل، ضد حرب الإبادة الوحشية التي شنتها ضد الفلسطينيين، ودفاعا عن قيم الحرية في مواجهة إسرائيل العنصرية، التي حاولت مصادرة حرية الرأي في المجتمعات الغربية بتصوير أي إدانة لسياساتها العدوانية والعنصرية كنوع من اللاسامية، ضد اليهود.
بيد إن الأكثر انكشافا في خطابات قيادة "حماس" اليوم إنها باتت تتحدث بلغة مناقضة لما نشأت عليه، لفرض ذاتها كقيادة للفلسطينيين، وضمنها التمسك بالمقاومة، ورفض التسوية، ونبذ فكرة دولة في الضفة والقطاع، فإذا بها اليوم تتحدث عن هدنة طويلة الأمد، والاستعداد للتخلي عن السلطة، والانخراط في المنظمة، والقبول ببرنامج الدولة الفلسطينية.
الأخطر من كل ذلك يبرز في مسألتين: الأولى، أن قيادة "حماس" وصلت حد تقديم نفسها كطرف يساهم بحفظ الاستقرار، وضمان امن المستوطنات، مقابل الاحتفاظ بسلاحها الفردي، الذي يعني الحفاظ على مكانتها كسلطة. والثانية، إنها تطلب من الولايات المتحدة اعتبارها كطرف مفاوض، بل إنها تطالبها بالضغط على إسرائيل، في تناس للتاريخ، ولطبيعة الإدارة الأمريكية، بعلاقتها بإسرائيل، وتجاهل أن إسرائيل ما كانت لتفعل ما قامت به، إلى هذه الدرجة، لولا الدعم السياسي والمالي والعسكري والاستخباراتي من الولايات المتحدة الأمريكية.
والسؤال الآن، على ماذا تأسس الانقسام الفلسطيني، الدامي والمدمر والمكلف، منذ العام 2007؟ ولماذا لم تدرك "حماس" مبكرا استحالة الجمع بين المقاومة والسلطة؟ ولماذا حكمت غزة بطريقة أحادية وإقصائية، حتى إزاء أقرب حلفائها من الفصائل؟ ولماذا باتت اليوم مع هدنة طويلة مع إسرائيل، مع وقف المقاومة، ومع المنظمة، التي ذهبت إلى التسوية بحسب رأيها، ومع الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، وهي الأمور التي وطنت نفسها على معارضتها؟
وأخيرا، ثمة السؤال الأساسي، لماذا كان يجب أن تنتهي "حماس" متأخرة، وبكل تلك الأكلاف البشرية والمادية والمعنوية الباهظة، وبعد تلك النكبة المهولة، إلى حيث كانت "فتح" قد وصلت قبلها بثلاثين عاما؟
(مقالة للكاتب الكيالي الاسبوعية، السبت 20 ديسمبر/كانون أول 2025 في النهار اللبنانية )