
07/08/2025
ماذا يتبقّى من الذّاكرة حين تُطمَرُ وجوهُ الذين رحلوا وحكاياتُهم وآمالُهم وبريقُ عيونِهم تحتَ إسمنت الحاضر؟
هذه حكايةٌ عن الذّاكرة، عن رحلة الأسلاف، عن مزق الذّكرياتِ، عن البياضات التي تغتال الذّاكرة، وعن النّسيج الصّلبِ الذي يخفي هشاشة الصّوتِ والنّظرةِ والملمسِ والرّائحة!
تعيد ناتاشا أباناه رسمَ الخطوط التي سار عليها أسلافُها من الهند إلى المستعمرات البريطانية الجديدة، حيث صاروا عمّالاً بالسّخرة في مزارع القصب، في رحلة محت وجوهَهم وحوّلتهم من أسماء إلى أرقامٍ... هي حكايةٌ تعلّمُنا أنّ الكتابة عن الذّاكرة ليست رتقاً لما انفتق، ولا ترقيعاً لما تمزّق، بل هي محاكاةٌ لرقصة الزّرازير، للأشكال التي ترسمُها الطّيور المهاجرة في السّماء نداءً للشّارد منها... إنّ الذّاكرة جرحٌ نكتبُه لا لنُشفى منه، بل لنجعله حيّاً نابضاً فينا، نكتبُه لكي نستعيد الأسماء والوجوه والذّكرياتِ، ولنهديَ الطّائرَ الشّاردَ ونهتديَ به... هي إذن ليست مجرّد استعادةٍ لحكاية ماضية، بل مساءلةٌ للحاضرِ والمستقبل، مساءلةٌ للذّاكرة المغسولة، الذاكرة التي أريدَ لها أن تكون نظيفةً بيضاءَ، وأن تستسلم لغواية النّسيان!
#قريبا