
24/06/2025
إيران في استراتيجيا "السلام" واقتسام النفوذ
ساسين عساف
العدوان على الدول التي كان لإيران فيها نفوذ سياسي وعسكري/أمني مهّد للعدوان عليها بهدف السيطرة الأميركية/الإسرائيلية على كامل الإقليم الشرق أوسطي ما أدخله في أزمات يصعب التكهّن بكيفية إخراجه منها. يبقى الأشدّ إحتمالاً تطبيق "إستراتيجيا السلام بالقوّة" (أي بالإخضاع) واقتسام مناطق النفوذ بين مثلّث الدول الطرفية المرتبطة بالمركزيّة الأميركية.
ما آل إليه الوضع في غزّة (حماس) وفي لبنان (حزب الله) وفي اليمن (الحوثيون أو أنصار الله) وإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد كانت له ارتدادات سلبية على دور إيران الإقليمي.
وعلى الرغم من إنحسار هذا الدور تبقى إيران، في الإعتبار الأميركي/الإسرائيلي، العائق الرئيس أمام تشكيل نظام شرق/أوسطي آخر قائم على "سلام إقليمي"، وضعه ترامب في صلب برنامج حكمه، تديره إسرائيل "بالتعاون" مع تركيا والسعودية.
لماذا العدوان على إيران؟
إيران شكّلت قوّة إقليمية مستقلّة ومدّت نفوذها إلى غير دولة من دول الإقليم وراحت عبر سياسات الدعم بأشكاله كافة إلى حدّ إعتبارها إحدى القوى الأساسية المناهضة للمشروع الأميركي/الإسرائيلي الساعي إلى بسط سيطرته على منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر إيران جزءاً من جغرافيّتها.
منذ إحتلال العراق في العام 2003 وإسقاط نظام الرئيس صدّام حسين سعت إيران إلى تعزيز علاقتها بالحكم الجديد الذي ضمّ شخصيات شيعية بارزة (إبراهيم الجعفري، أحمد الجلبي، عدنان المالكي..) وبعد انسحاب جيش الإحتلال تمكّنت إيران من تحويل العراق إلى بوّابة نفاذ إلى المتوسّط عبر سوريا ولبنان. نفوذها في جنوب العراق (معظم مواطنيه من الشيعة) وضعها على حدود السعودية والكويت ما جعلها شديدة التأثير في الخليج العربي.
ما بين عامي 2009 و2011 دعمت إيران الحوثيين في اليمن (أنصار الله) بهدف التحكّم بخطوط الملاحة النفطية عبر مضيق باب المندب من جهة والتحكّم بأمن الخليج من جهة أخرى. التوازن الإقليمي في منطقة الخليج إختل لمصلحتها فلا بحث في مستقبل اليمن بدونها.
منذ بداية الحرب على سوريا في العام 2011 رسمت إيران خطة عملها على أساس أن أيّ عمل عسكري ضدّ سوريا هو مقدّمة لعمل عسكري ضدّها فراحت تدعم الجيش العربي السوري في مواجهات الداخل والخارج ودفعت دم خبرائها ومستشاريها وديبلوماسييها في دمشق وعلى الجبهات حتى بدا للمعنيين والمراقبين أنّ حكم سوريا أصبح بيد إيران!
ومنذ السابع من تشرين الأوّل في العام 2023 تهيّأ للكثيرين أنّ إيران هي التي أوعزت لحركة حماس باقتحامها المفاجئ للأرض المحتلّة رغبة منها في تعطيل ما كان يروّج له حينها من مسار تطبيعي بين السعودية وإسرائيل!
وفي الثامن من الشهر نفسه والعام نفسه ثمّة من يعتقد بأنّ إيران هي التي "أمرت" حزب الله ببدء ما أسماه "حرب الإسناد"!
هذا، وبعد نجاح الثورة في تونس وإسقاط نظام الرئيس زين الدين بن علي في 14آذار 2011 وخصوصاً بعد نجاح الثورة في مصر وإسقاط نظام الرئيس حسني مبارك وتنحّيه في 11 شباط 2011 إعتقدت إيران بأنّ ذلك سيؤدّي إلى إقامة "شرق أوسط إسلامي" (هذا الإعتقاد عبّر عنه الرئيس أحمدي نجاد بقوله: العالم اليوم يشهد صحوة إسلامية ضدّ الإستبداد تشمل مصر وتونس اللتين تؤسّس أحداثهما لشرق أوسط جديد لا مكان فيه – وهذا هو الأهم – للولايات المتّحدة وإسرائيل.")
ما سمّي ب "الربيع العربي" الذي تلاحقت "ثوراته" إنتهى بازدياد مؤشرات النفوذ الإيراني خصوصاً في سوريا ولبنان، وبخاصة في اليمن والبحرين والكويت حتى بات حكّام الخليج يعتقدون أنّ إيران تشكّل تهديداً مباشراً لأمنهم القومي وأنّها تحاول أن تجعل الخليج العربي مدى حيوياً لها يسعفها في تعظيم دورها الإقليمي والدولي.
في ضوء ما تقدّم من أسباب موجبة لشنّ الحرب على إيران، بات واضحاً أنّ الإستراتيجية الإيرانية كانت تشكّل النقيض للإستراتيجيا الأميركية/الإسرائيلية في المنطقة إذ أثبتت نجاحها في إبراز دورها وإفشال أي مسعى أميركي/إسرائيلي لفرض "سلمهما" بالقوّة وتشكيل شرق أوسط لا مكان فيه لإيران نووية ولديها أسلحة دمار شامل فضلاً عن عقيدة دينية/سياسية صلبة.
مثلّث القوّة هذا قد تتمكّن أميركا وإسرائيل من إضعاف أحد ضلوعه ولكنّهما لن يتمكّنا من القضاء لا على التفوّق الإيراني في المجال العلمي ولا على صلابة العقيدة..
لذلك قد تفشل أميركا ومن يعمل معها لتشكيل شرق أوسط جديد أو آخر أو مختلف أو بدون إيران أو إيران مفكّكة وخاضعة، عنوانه "سلام القوّة" أو "القوّة أوّلاً ثمّ السلام."
فالمنطلق تكوين اقتناع تفرضها تجربة الحروب الأميركية/الإسرائيلية في هذه المنطقة بأنّ السيادات الوطنية المحمية بالقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية غير قابلة للتنازل وانّ هذه الحماية غير كافية ما لم تستند إلى القوّة الذاتيّة..
هذا هو شأن إيران مع دعوتها إلى التفاوض حول "السلام الإقليمي"!!
هذا الواقع يفرض طرح الأسئلة الآتية:
هل بات الطريق ممهّداً لقيام تعاون إقليمي أقلّه بين الدول العربية وإيران بعد العدوان عليها؟ هل ضاقت أو اتّسعت مساحة التلاقي بين الطرفين على المصالح المشتركة؟
هل استقرّ أمن الخليج بدءاً باستقرار اليمن؟
هل استتبّ الوضع في العراق واستعاد وحدة شعبه وأرضه وحكمه وسيادته الوطنية وحرية قراره؟
هل تحرّرت سوريا من توزيعها مناطق نفوذ واحتلال؟
هل توقّفت الحرب على لبنان وحرّر أرضه؟
ويبقى الأهمّ الأهمّ هل انتهت حرب التدمير على غزّة وحرب الإبادة والتهجير على الشعب الفلسطيني؟
الأجوبة عن هذه الأسئلة متوافرة وهي طبعاً تأتي بالنفي..
لهذا نفهم أنّ الشرق الأوسط الموعود بعنوان "القوّة ثمّ السلام ثمّ التطبيع" في الخطّة الأميركية/الإسرائيلية هو قائم على تثبيت الوقائع التي انطلقت منها هذه الأسئلة..
هذا الفهم يختصر جوهر الخطّة وآليات تنفيذها: إعتماد القوّة للسيطرة على مناطق يمكن لها أن تبقي قوّة أميركا القوّة العظمى الوحيدة في هذا العالم.
إيران بحكم موقعها الجيوبوليتيكي هي من أهمّ المناطق المرشّحة للسيطرة، ومنها العبور إلى جوار الصين والإتّحاد الروسي.