
24/07/2025
ردٌّ على تعليقٍ حُذِف… ولكن بقي صداه
منذ البداية، كنتُ واضحًا في مقاربتي النقدية: أنا لا أكتب مقالًا واحدًا ليحمل كل شيء، ولا أُلقي الأحكام بالجملة. بل أفصل كل مشهد على حدة، وأقرأ كل أداء بمفرده، وأعطي كل ممثل حقه في لحظته الخاصة.
من يتابع مقالاتي، يدرك أنّني لا أخلط بين المشهد والعمل، ولا بين لحظة إبداعٍ فردي وخلاصة مسلسلٍ بأكمله. ولو جمعت كل ما كتبته في مقالٍ واحد، لما كان مقالًا… بل كتابًا.
كتب أستاذ أقدّر أعماله التي لا تزال حيّة في الذاكرة، تعليقًا انتقد فيه كيف يمكنني أن أُشيد بمشهد طارق تميم، ثم أعود وأنتقد العمل ككل.
والسؤال الذي طرحه ـ وهو محقّ في طرحه ـ كان: كيف أُشيد بمشهد، ثم أعود لأنتقد العمل؟ وكيف أكتب شعرًا عن أداء، ثم أصف المسلسل بأنه يغرق في فوضى؟
الجواب، لمن يقرأ بوعي، بسيط: لأنني لا أُصدر حكمًا مسبقًا، بل أتابع، أُحلّل، وأنتظر حتى تكتمل الحكاية.
أنا لا أكتب نقدًا من الحلقة الأولى، ولا أستعجل الخلاصات. أترك النهاية تقول لي من أين يجب أن أبدأ، وأين عليّ أن أنتهي.
في مقالاتي السابقة، كتبت عن مشهد طارق تميم، عن انكساره أمام صوت المطر، عن لحظة رجولة انهارت بصدقٍ عاطفي، لا بتمثيلٍ مُفتعل. وكتبت عن أداء إيلي متري في مشهد الخيانة، وعن عمار شلق وتكرار حدّته وأسلوبه الصوتي.
لكن تلك المقالات لم تكن قراءةً شاملة للمسلسل، بل وقفات نقديّة حول مشاهد منفردة، لحظات تمثيلية تستحق أن تُروى وتُقرأ وتُدرَّس. وهي لا تتناقض أبدًا مع خلاصة ما توصّلت إليه بعد عرض الحلقة الأخيرة… بل تكمّلها.
خطيئة أخيرة كمسلسل، تابعناه حتى الحلقة ٤٥، وانتظرنا أن تُغلق القصص التي فُتحت منذ البداية. لكنّ الأبواب بقيت مشرّعة على غموضٍ بلا جواب. أسئلة عُلِّقت في الهواء، وشخصيات أساسية ظهرت واختفت في حادث سير، من دون أن تنال حتى لحظة وداع.
يا أستاذ، شخصية نشاهدها على امتداد ٤٣ حلقة، تُقتل في مشهد عبثي لا يتعدّى دقيقتين… أليس هذا استخفافًا؟
ويا صنّاع العمل، راجعوا تعليقات الناس، استمعوا إلى صوت الجمهور لا إلى صدى المجاملات. الحلقة الأخيرة لم تكن ذروة درامية، بل قفلة مرتجلة لا تليق بكل هذا التمهيد.
أما مقال طارق تميم، فهو شيء آخر تمامًا. لم يكن دفاعًا عن العمل، بل احتفاءً بلحظة إنسانية صادقة، عابرة لأي نصّ مكتوب. مشهد يُشبه الحقيقة أكثر من الدراما، قصة رجل لا شخصية ورقية، دمعة سقطت من وجدان المشاهد، لا من حبكة السيناريو.
وهنا يكمن الفارق الجوهري بين نقد مشهدٍ، ونقد عملٍ متكامل. بين لحظة تمثيلية خاطفة تسرق الأنفاس، ومسلسلٍ خاض غابة من الخطايا دون أن يرسم خريطة خروج منها.
الناقد السينمائي شربل الغاوي.