
26/07/2025
كتبت ندى قوتلي
رئيسة دائرة البرامج المنوعة والتمثيلية.
في بدايات الحرب الأهلية دخلتَ إذاعة لبنان حاملاً قلمك وإبداعك، لتسجّل في استديوهاتها حلقات
" بعدنا طيبين، قولوا الله" مع الكبير جان شمعون، التي نقلت صوراً حيّة ويوميّة للأحداث المخزية حينها، وقد عمل على تسجيلها وإخراجها كبار مهندسي الصوت في الإذاعة.
"بعدنا طيبين، قولوا الله" كان موعد بثّه مقدّساً . على ضوء الشمعة أو القنديل كنّا نتحلق حول جهاز الراديو ونتابع كباراً وصغاراً ما كتبتَه عنّا ولنا ، عن وطننا ولوطننا، بصوتك الذي لا يخلو من سخرية وخروجاً شبه دائم عن المألوف. لبنان كلّه، بيساره ويمينه، بكباره وصغاره، بيروت كلها ، "شرقيّة وغربيّة"، كلنا انتظرناك كلّ مساء حول الشمعة أو القنديل،لتخفف عنّا ولو قليلاً عذابات وقهر حرب اندلعت ، لنستشرف القادم من الأيام ، لنزيح بعض السواد عن مصيرنا بضحكة أو أغنية في برنامجك.
"بعدنا طيبين، قولوا الله" عبارة ما زالت صالحة، بحرقة نرددها … وأغنية " اختلط الحابل بالنابل"،في البرنامج نفسه، هي الأُخرى تحاكي أحوالنا اليوم.
زياد الرحباني وبعد سنوات عديدة، دخل مرةً أخرى استديو ٦ في إذاعة لبنان، والذي يحمل اليوم اسم السيدة فيروز، حاملاً هذه المرّة نوتاته الموسيقية وكلمات أغاني والدته، وفي ذاك الاستديو العريق جرت التدريبات مع الفرقة الموسيقية كاملة،وطبعاً السيدة فيروز، على ما سيقدمونه من روائع عاصي ومنصور وزياد خلال مهرجانات لبنان.
حينها، ولدى رؤيتك مع والدتك ، في ممرات إذاعة لبنان واستديوهاتها، لم تسع الفرحة العاملين والعاملات فيها وأنا منهم.
زياد الرحباني…مع غيابك، سيكتب اللبنانيون والعرب جميعاً عن عبقريتك الموسيقية والمسرحية والإذاعية والتلفزيونية واللقاءات الإعلامية المتوّجة بشخصيتك اللمّاحة والفذّة … سرعة بديهتك وخفّة ظلك ،
أمّا أنا "فلقد"( كما تقول) أيقنت أنّ هناك ضحكة بعينها لن تتكرر على أوجهنا، بأنّ جملة موسيقية فريدة وجديدة لن نتمكن من سماعها بعد اليوم ، بأن كلاماً وعبارات تضجّ ذكاءً وثقافة وخفة ظل لن نصادفها سوى من خلال ما أدمنّا وندمن على سماعه في مسرحياتك الخالدة.
"بعدنا طيبين، قولوا الله" إلى متى سنبقى نرددها يا زياد؟
بكل الأحوال ليس لي إلا أن أقول مع الإعلان الذي لحنتَه لتلفزيون لبنان:
"أباً عن جَد، بحبّك".