
30/08/2025
أكبر كفالة في تاريخ لبنان: هل خرج رياض سلامة بصفقة سياسية؟
ريما صيرفي
إخلاء سبيل رياض سلامة بكفالة بلغت 20 مليون دولار و5 مليارات ليرة لم يكن مجرد إجراء قضائي. كان مشهداً صادماً، يختصر كل المأساة اللبنانية: مواطنون فقدوا مدخراتهم ويقفون مذلّين أمام شبابيك المصارف، فيما الحاكم السابق للمركزي يخرج من السجن محمولاً على أكياس من الدولارات.
سلامة لم يكن يوماً موظفاً عادياً، بل هو الصندوق الأسود للنظام بأسره. يعرف أسرار التهريب، مسارات تمويل الأحزاب، وأماكن اختباء المليارات. لذلك، فإن أي محاكمة جدّية له كانت ستفتح أبواباً خطيرة على المنظومة كلها، وهو ما يفسّر كيف تحوّل الملف من مسار قضائي إلى صفقة سياسية.
لكن القضية لا تتعلق بشخص سلامة وحده. إنها مسؤولية مثلثة: مسؤوليته المباشرة عن السياسات النقدية والمالية الكارثية، مسؤولية المصارف التي تآمرت معه على المودعين وحمت أرباحها، ومسؤولية الطبقة السياسية التي وفّرت الغطاء ورعت المنظومة حتى لحظة الانهيار. وكان يفترض أن يشكّل توقيفه مدخلاً لكشف هذه الشبكة المتشابكة من الفساد، لا مناسبة لإغلاق الملف بثمن مالي.
الكفالة، وإن كانت الأكبر في تاريخ لبنان، تكشف أكثر مما تخفي: فهي إعلان صريح أن العدالة في هذا البلد تُقاس بالدولار. من يملك يدفع ويخرج، ومن لا يملك يبقى أسيراً للفقر والحاجة.
وليس التوقيت أقل دلالة. لبنان على أبواب استحقاقات كبرى: مفاوضات مع صندوق النقد، إعادة هيكلة المصارف، وصراع سياسي مفتوح. وجود سلامة وراء القضبان كان عائقاً أمام الصفقات، أما خروجه فيفتح الطريق أمام تسويات محبوكة ببرودة أعصاب: صمت طويل مقابل خروج آمن.
هكذا تحوّل ما يفترض أن يكون لحظة محاسبة تاريخية إلى محطة جديدة من مسرحية يعرف اللبنانيون نهايتها: لا عدالة تُنصف المودعين، ولا حقيقة تُكشف للرأي العام. فسلامة اشترى حريته بالدولار، لكن لا أحد يستطيع شراء غضب الناس أو محو شعورهم بالخذلان. والتاريخ سيكتب أنّ الحاكم أفلت، وأن الشعب خُذل، وأن العدالة في لبنان سقطت مرة أخرى تحت أقدام الصفقات.
أكبر كفالة في تاريخ لبنان: هل خرج رياض سلامة بصفقة سياسية؟ https://waradalan.com/54344/