
11/03/2025
يُطلعنا زميلنا أنس على أبرز التغيرات التي حدثت في مدينة السويداء، تلك المحافظة الواقعة في أقصى الجنوب السوري:
"من اللحظة الأولى لدخول المدينة، ترى بوضوح سنوات من الأزمات الاقتصادية المتتالية التي أثرت في جميع ما تقع عليه العين: ثياب رثة لا تقي الصقيع الجاف، وأفواه فقدت كثيراً من أسنانها، وباعة متجولون يفترشون الأرصفة بصناديق تحوي بضاعة رخيصة ورديئة الجودة، كعلامة على ندرة فرص العمل. قالت فتاة تقيم في المدينة إن الفقر تفاقم منذ انهيار النظام، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن نسبة كبيرة من السكان كانت تعتمد اعتمادا كبيراً على الرواتب الحكومية، خاصة المتقاعدين والموظفين الذين فُصلوا تعسفا. البطالة منتشرة على نطاق واسع، وكثير من الناس لا يدرون ماذا يفعلون.
كان تدفق الأموال من الاقتصادات غير المشروعة يساهم بطريقة أو بأخرى في النشاط الاقتصادي، لكن هذا النشاط تباطأ بعد سقوط النظام. وأكد شاب ثلاثيني أنه أصبح من النادر رؤية تجار المخدرات المسلحين يتبضعون وهم مرتدين الملابس الفاخرة، أو أثناء قيادتهم السيارات الفارهة في المدينة.
ويجمع الكثيرون على أن أسعار السلع قد انخفضت فعلا، واتخمت الطرقات ومحطات الوقود بما كانت سلعاً نادرة مثل المازوت والغاز والبنزين، غير أن قلة من السكان تستطيع الشراء كما في السابق. ولا ترى سوى عدد قليل من الناس يشترون من الباعة المتجولين، فالمتاجر خالية من الزبائن أيضاً.
وما زاد المشهد قتامة هو منظر الأراضي القاحلة في هذا الوقت من العام، فقالت امرأة اقتربت من التسعين من عمرها بأنها لم تشهد شتاء أشد جفافا طيلة حياتها، ولذا راح المزارعون يجورون في تقليم أغصان أشجار الفاكهة في محاولة لإبقائها على قيد الحياة بسبب شح الأمطار.
وأكثر ما يؤلم هو فقدان الغطاء النباتي، إذ اختفت أغلب الأشجار من الأرصفة، وتحولت مساحات شاسعة من غابات السنديان إلى ما يشبه الصحراء، وراح تجار الأخشاب يقتلعون جذوع الأشجار التي قطعت في السنوات السابقة، مستغلين انشغال بعض الفصائل واللجان الأهلية بحماية المرافق العامة من النهب.
في غياب مؤسسات الدولة لا تمتلك أية جهة في السويداء الشرعية الكافية لفرض القانون، ما يعيق استتباب الأمن والعدالة. ورغم انخفاض الاغتيالات والخطف والتهريب مقارنة بالسنوات الماضية، تحولت المدينة ليلا إلى مدينة أشباح. ولا يزال التنقل بين القرى، خاصة باتجاه دمشق، مهمة محفوفة بالمخاطر.
تعكس هذه الفوضى الحالة العامة من نقص الثقة والغموض والارتجال في سوريا. فلا يكفي الإدارة الجديدة أنها كانت حجر اساسي في إسقاط النظام. بل إن الثقة تتطلب بذل المزيد من الجهود، أحدها هو إشراك جاد وعادل في عمليات صنع القرار."