24/09/2025
اللؤلؤ والمرجان في الفوائد الحسان
١٦٨ _ قوله عز وجل " إنما يتذكر أولوا الألباب * الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق * والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون يوم الحساب * والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة "
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في " عدة الصابرين " ص ٢٩
" فجمع لهم مقامات الإسلام والإيمان في هذه الأوصاف :
فوصفهم : بالوفاء بعهده ، الذي عاهدهم عليه ، وذلك يعم أمره ونهيه ، الذي عهده إليهم بينهم وبينه ، وبينهم وبين خلقه.
ثم أخبر عن استمرارهم بالوفاء به ، بأنهم لا يقع منهم نقضه.
ثم وصفهم : بأنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل.
ويدخل في هذا ظاهر الدين وباطنه ، وحق الله وحق خلقه.
فيصلون ما بينهم وبين ربهم : بعبوديته وحده لا شريك له ، والقيام بطاعته ، والإنابة إليه ، والتوكل عليه ، ومحبته ، وخوفه ، ورجائه ، والتوبة إليه ، والإستكانة له ، والخضوع والذلة له ، والإعتراف له بنعمته وشكره عليها ، والإقرار بالخطيئة ، والإستغفار منها.
فهذه هي الوصلة بين الرب والعبد ، وقد أمر الله بهذه الأسباب التي بينه وبين عبده أن توصل.
وأمر أن نصل ما بيننا وبين رسوله صلى الله عليه وسلم : بالإيمان به ، وتصديقه ، وتحكيمه في كل شيئ ، والرضا بحكمه ، والتسليم له ، وتقديم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين صلوات الله وسلامه عليه.
فدخل في ذلك القيام بحق الله وحق رسوله.
وأمر أن نصل ما بيننا وبين الوالدين والأقربين بالبر والصلة ، فإنه أمر ببر الوالدين وصلة الأرحام ، ذلك مما أمر به أن يوصل.
وأمر أن نصل ما بيننا وبين الزوجات ، بالقيام بحقوقهن ، ومعاشرتهن بالمعروف.
وأمر أن نصل ما بيننا وبين الأرقاء ، بأن نطعمهم مما نأكل ، ونكسوهم مما نكتسي ، ولا نكلفهم فوق طاقاتهم.
وأن نصل ما بيننا وبين الجار القريب والبعيد ، بمراعاة حقه ، وحفظه في نفسه وماله وأهله ، بما نحفظ به نفوسنا وأهلينا وأموالنا.
وأن نصل ما بيننا وبين الرفيق في السفر والحضر.
وأن نصل ما بيننا وبين عموم الناس ، بأن نأتي إليهم بما نحب أن يأتوه إلينا.
وأن نصل ما بيننا وبين الحفظة الكرام الكاتبين ، بأن نكرمهم ، ونستحي منهم كما يستحي الرجل من جليسه ، ومن هو معه ممن يجله ويكرمه.
فهذا كله مما أمر الله به أن يوصل.
ثم وصفهم بالحامل لهم على هذه الصلة ، وهو : خشيته وخوف سوء الحساب يوم المآب ، ولا يمكن لأحد قط أن يصل ما أمر الله بوصله إلا بخشيته ، ومتى ترحلت الخشية من القلب انقطعت هذه الوصلة.
ثم جمع لهم سبحانه ذلك كله في أصل واحد ، هو آخيته وقاعدته ، ومداره الذي يدور عليه ، وهو : الصبر.
فقال " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم "
فلم يكتف منهم بمجرد الصبر ، حتى يكون خالصا لوجهه.
ثم ذكر ما يعينهم على الصبر ، وهي : الصلاة.
فقال " وأقاموا الصلاة "
وهذان هما العونان على مصالح الدنيا والآخرة ، وهما : الصبر ، والصلاة.