21/12/2025
✍ يونس شعبان الفنادي
حين طلبت مني الصحفية والشاعرة فتحية الجديدي أن أكتب مقدمة لمجموعة مقالاتها التي استنطقت فيها بعض الأماكن التونسية ذات زيارة خاصة .. اخترتُ أن أعنون مقدمتي القصيرة (الصحفية المسافرة دائماً) وهي تحية وتهنئة لهذه الصحفية المثابرة .. فألف ألف مبروك صدور (همس الأمكنة) ومزيداً من العطاء والتالق.
الصحفية المسافرة دائماً
===============
ولدت النصوص السُباعية للكاتبة فتحية الجديدي من رحم رحلة سفر خاصة غايتها المعلنة قضاء إجازة سنوية بين ربوع بلد شقيق، ولكن طبيعة مهنتها كصحفية متخصصة أبت أن تخلع عليها رداء الصحافة ولو لفترة قصيرة للاستراحة والاستجمام، وهذا ما يؤكد على إيمانها بالمهنة والتصاقها بحياتها اليومية وليست كممارسة وظيفية فحسب.
ولقد جاءت عناوين هذه النصوص متسلسلة كالتالي (عرض "مكرم" السخي) و(قارب الاحلام) و(تجربة "سيدي بوزيد") و(كارمن) و(شارع العوينة) و("نوردو .. وأكوا فيفا" وجانا الهوى) و(السفية "عزيزة") وهي عناوين متنوعة تتميز بالبساطة والوضوح وتعبر عن مضمونها بلغة سردية تتسم بالسلاسة والوصف الظاهري العابر الذي لا يغوص بعيداً في تفاصيل الحدث بل ينقله بنَفَسٍ قصيرِ ومفرداتِ لغةٍ رشيقةٍ. أما مضمون متونها فلم يكن مبرمجاً أو مخططاً له بل جاء عفوياً يرصد أحداثٍ استوطنت ذاكرة الكاتبة وهيمنت فيها الشخصيات والوقائع والأمكنة التي زارتها جسدياً وتنقلت وسطها متأملةً عبر كيانها الفكري والعاطفي الوجداني.
إنَّ الصحافة الحقيقية الصادقة لا تغادر الصحفي حتى في خصوصيات حياته لأن فكره وعقله وعواطفه التحمت بها وانصهرت في كيانه الإنساني فصارت تتلبس ذاته الإنسانية ولصيقة بها في كل وقت ومكان، لتمنحه الكثير من الجماليات مثلما تضع أمامه مواجهة العديد من المتاعب والتحديات، وهو ما أراه يتجسد في هذه الكتابة التلقائية التي أكدت أن فتحية الجديدي لا يمكن أن تكون في جميع الظروف والأماكن إلاَّ صحفية عاشقة لمهنتها، ولا يمكن أن يظل قلمها صامتاً ولا فكرها وانتماؤها المهني غائباً عن التقاط المشاهد والأحداث التي تمر بشريط حياتها اليومية، كما أن فتحية الجديدي بهذه الكتابة المختلفة عن زوايا الرأي والشعر والتحقيقات واللقاءات الصحفية تعيد إلى أذهاننا موضوع الكتابة عن السفريات والرحلات والمشاهدات أثناء الزيارات المميزة وهو ما يطلق عليه (أدب الرحلات) وقد أشركتنا معها في أحداث نصوصها السبعة الملتقطة من عين الأمكنة التي هيمنت عليها وهي تضج بالمرح والحبور والتأمل لتداعياتها. فمزيداً من التوفيق والعطاء ودام القلم سيالاً .. والصحافة مهنة وهوية فتحية الجديدي المسافرة دائماً إلى عوالم الألق رغم مكابدات الحياة ومنغصاتها وتحدياتها التي تنهزم وتتوارى أمام حرف يكتبه فكر الصحفية المثابرة ويخطه قلمها الرشيق وينبض به قلبها البهي.
25 يوليو 2024م