
06/09/2025
✍ رأفت بالخير 27 أغسطس 2025
✅ موقع طيوب
اختراع الحياة كوسيلة للمقاومة والبقاء عند الزائدي
المجموعة القصصية (أصبع سبابة لحياة مخترعة) للكاتب جمال الزائدي
لا يمكن إنكار بروز أصوات أدبية ليبية مهمة في السنوات التي تلت عام 2011، وما حمله من تغييرات واكتشافات في المجتمع الليبي، في مجالات الشعر والقصة والرواية، حيث أثرت تلك الأحداث وما بعدها في الكثير من بنات وأبناء هذا الوطن بشكل مباشر، ما دفعهم لإعادة التفكير فيها ونقدها والبحث عن أسباب وقوعها وكيفية الخروج منها عبر إنتاجهم الأدبي.
والكاتب جمال الزائدي، ليس استثناءً فقرر أن يقدم رؤيته الأدبية لما حدث ويحدث، عبر مجموعته القصصية “أصبع سبابة لحياة مخترعة”، هذه المجموعة التي كانت إعلانا رسميا عن ميلاد أديب جديد ولكنه صحفي مخضرم وبارع، كيّف تجربته الصحفية لنقد أحداث مر بها المجتمع عبر باكورة أعماله الأدبية فيقول “كان الجميع ينهشون ما غنموه من لحم نيء ويطلقون أصوات حيوانية صاخبة.. في الأثناء.. وفيما يشبه التحول تحت تأثير لعنة، احدودبت قاماتهم المتفاوتة الطول وبدأوا يمشون على أربع بينما لحاهم الطويلة تكنس الأرض كنسا”ص 51 من المجموعة القصصية.
الزائدي، لم يزايد على مثالية المجتمع، ولكنه على العكس، استطاع أن ينبش في الزوايا المعتمة من هذا المجتمع، وانتصر للأدباء الذين يواجهون السلطة السياسية الدكتاتورية تارة وثقافة المجتمع ككل الرافضة لمهنة الأديب المتحرر من كل القيود فيقول”الكتابة في مجتمع لا يقرأ ليست مهنة محترمة.. يظن الناس هنا أن الكاتب شخص يعاني من خلل ما ويعجز عن كسب العيش بطريقة شريفة ومفيدة” ص 78.
يواصل الزائدي، عبر شخوص قصصه القصيرة والمفاجئة في آن واحد، سرد ملامح يومية للحياة في ليبيا، وتواصل ممارسة العادات نفسها، في فترات زمنية مختلفة” النوم واقفا كالحصان في طوابير سرمدية بدأت أمام الجمعية الاستهلاكية مستهل شبابه ولم تنتهي أمام البنوك الوطنية في شيخو خته..ص 116
أو ما جاء في قصة أخرى، “سأحفر بئرا في بيتنا حتى لا نظل تحت رحمة منظومة النهر التي تقطع عنا الماء مرة بسبب خلل كهربائي ومرة بسبب التعديات ومرات كثيرة بسبب مزاج رجال القبائل الطيبين ص 10
وتفتح قصص الزائدي، أبواب نوافذ كانت مهملة، ليلتقطها، ويقدم لنا الإنسان الذي يمكن أن يخطئ، لسبب أو آخر، لكنه يحاول الحفاظ على ما تبقى من صورته من أجل الأخرين،”لم تأتي إلى هنا طلبا لتوبة او غفران تعرف انها لن تناله بحكم مبرم.. إنما جاءت برجاء واحد.. واحد يا الله.. ألا يعلم أولادي في هذه الدنيا وفي الحياة الأخرى أنني كنت مرحاضا يبول فيه السكارى من أجل كسرة خبز يأكلونها..ص 40.
وتخرج من أبطال قصص الزائدي، جمل ، هي أقرب إلى إعلانات التحدي للمجتمع وسلطاته الدينية والسياسية والثقافية،”اقسمت يومها الا أسلم قدمي للفلقة ولا أسلم رأسي لشيخ ما حييت..ص32، و “هنا يرقد كهل من بلاد النفط والكراهية”.ص 92، و”أعنف خيانات الحياة أن تجرد طفولتك من أمانها وزهوها تسلب عطر الأبوة منها.ص 107″.
وتخرج التحذيرات من الزائدي، بشكل مباشر على لسان شخصية في إحدى قصصه، للأطفال الذين لم يعودوا كذلك، ليقرع جرس إنذار من حالة الحرب والفوضى، “الأولاد الذين يتساقطون كالرطب الجني في الجبهات هم اولاد موظفين وسائقي تاكسي وأرامل ومطلقات وبائعات لحم حي.. أما أولادهم فلا نراهم سوى في فيديوات التيك توك وصور الفيس يلتقطونها في اسطنبول او روما او دبي.”ص 54″يا إلهي انهم يظنون الهاوزر والغراد والكلاشنكوف مجرد ألعاب .. من اقنعهم أن الموت لعبة مثل الدومينو والاونو والبلايستشن ؟ ربما هو الفقر ياسادة أعظم فلاسفة الحياة ص55.
ولم ينس الزائدي أن يذكرنا بأن الحب الذي كان عنوانا للأمل دائما، في حكايات وقصص كثيرة، إلا أنه هنا، في سرد الزائدي ليس إلا محطة للانتظار دون جدوى، “لا منطق في حب الفقراء.. لا قوانين عامة.. ولا مواعيد قارة..ولا نهايات متوقعة.. إنه يشبه أكثر فقرهم وعشوائية حياتهم المنقشفة.. كل يوم بيومه…. كل يوم برزقه.. لكن أغلب أيامهم قحط وانتظارات بلا جدوى ص 81.
وعن غربة الأديب والمثقف تحكي لنا قصة أخرى في مجموعة الزائدي، عن هذه الغربة، ومدى تأثيرها في هذا الإنسان الغريب،”كان غريبا في البيت والمقهى والعمل وفي الاماسي الادبية.. غريبا في مأكله ومشربه.. غريبا عن جسده بالأكثر.. بعد ليال من التفكير قرر أنه في الأصل كان طائرا بريا وأنه بسبب لعنة ما تحول إلى إنسان”ص 43.
الإبحار في عوالم قصص الزائدي، رغم مفاجآتها الكثيرة والمثيرة والبعيدة عن التوقع، تجعلنا نعيد التأمل في العديد من القضايا التي طبّعنا معها، وأصبحنا نراها جزءا طبيعيا من مسيرة حياتنا اليومية، لنكتشف معه كيف يجب أن يواصل الإنسان استعمال عقله، وتمييز ما يزيد من قدرته على الحياة لفترة أطول والاستمتاع بها.