06/09/2025
مغرب سرعة التيجيفي في جهات و التراجع التنموي في أخرى
أن يسير المغرب بسرعتين على مستوى التنمية، أمر يمكن تقبّله، مناطق متقدمة بخطى ثابتة وأخرى متأخرة نسبياً حسب الوضع الجغرافي و الاقتصادي لكل مكان. لكن ما لا يستسيغه العقل هو أن نجد جهات تتحرك بسرعة "تيجيفي" تنموياً، فيما أخرى لا تكتفي بالتوقف بل تتراجع إلى الخلف. هذا التفاوت يطرح تساؤلات جوهرية حول عدالة توزيع المشاريع وفعالية السياسات العمومية في تقليص الفوارق المجالية.
ملعب مولاي عبد الله، الذي جرى تشييده في ظرف قياسي وإعادة افتتاحه بحضور مؤثرين من داخل المغرب وخارجه، مثال بارز على صورة المغرب الساعي إلى التميز والتسويق الدولي. غير أن هذا الحضور الانتقائي غاب عنه وجه "المغرب العميق"، حيث لم يُستدعَ مؤثرون محليون أو ممثلون عن المناطق المنسية، وكأن الإنجاز لا يعنيهم. والحال أن منشأة بهذا الحجم والمكانة تعد ملكاً لجميع المغاربة، وكان من الأجدر أن يعكس حفل الافتتاح وحدة الجغرافيا الوطنية لا انتقائية الأضواء.
في المقابل، يبقى "المغرب الآخر" عالقاً في دائرة الإهمال. مشاريع رياضية بميزانيات ضخمة، بعضها يناهز 2,1 مليار سنتيم، توقفت فجأة في جماعة أفورار بإقليم أزيلال. ما بُني لم يكتمل، وما أُنجز جزئياً تحول إلى فضاءات مفتوحة أمام التخريب،( ملعب القرب بدوار ايت اعزى على سبيل المثال) ، باستثناء ملعب كرة القدم الكبير الذي يتم استغلاله رغم افتقاده للمعايير المطلوبة. هذا المشهد يختصر التناقض الصارخ بين مغرب المرافق اللامعة ومغرب البنيات المهجورة.
وليس بعيداً عن أفورار، تقدم جماعة بين الويدان مثالاً آخر على الانتكاسة التنموية. المنطقة التي كانت تُعرف بثرائها السياحي وجمال سدها التاريخي الذي يحتضن 1,5 مليار متر مكعب من المياه، فقدت بريقها تدريجياً. اختفاء مؤسسات ومرافق و حركة بشرية كانت تشكل رافعة محلية، من نشاط المكتب الوطني للكهرباء إلى مقر الدرك الملكي والبريد بنك والسوق الأسبوعي. تراجع بشكل مقلق، يترك الجماعة أمام واقع هش يفتقد إلى مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية الأكثر فاعلة.
و السبب في هذا التناقض لا يعود فقط إلى ضعف الإمكانيات أو صعوبة التضاريس، بل يرتبط أساساً بعدم كفاءة بعض المسؤولين المحليين والجهويين الذين يمسكون بملفات التنمية. فبدل أن يكونوا أمناء على المصلحة العامة، ينشغلون بالبحث عن الاستفادة الشخصية من المشاريع، مستغلين غياب آليات الرقابة الصارمة، وواقع الإفلات من العقاب، وغياب الحس بالمسؤولية والضمير المهني. وبالتالي تتحول مشاريع يفترض أن تكون جسراً نحو المستقبل إلى بؤر للهدر والفساد والتراجع.
إن استمرار هذا التفاوت بين مناطق تحصد ثمار التنمية وأخرى تنزلق إلى الخلف، يضع الدولة أمام تحدي العدالة المجالية. فالتنمية لا تُقاس فقط بعدد الملاعب الكبرى أو المشاريع الموجهة للتسويق الخارجي، بل أيضاً بقدرتها على منح المواطن في أعالي الجبال أو على هامش المدن فرصة متكافئة في العيش الكريم.
المغرب في حاجة اليوم إلى رؤية شمولية وإرادة صادقة تقطع مع منطق الازدواجية والانتقائية، وتضع حداً لمسؤولين يعتبرون التنمية ريعاً شخصياً بدل أن تكون خدمة عمومية. فالمغرب لا يحتمل أن يبقى بلداً بسرعتين أو أكثر، بل يستحق أن يمضي بجرأة في اتجاه واحد: إلى الأمام.