05/07/2023
هل في الميراث ظلم للمرأة؟
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.... ﴾ [النساء: 11]، تأملْ قولَهُ تَعَالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.... ﴾، وما العلة في تفضيل الذكر هنا على الأنثى؟ وهل في ذلك ظلمٌ للمرأة كما يدندن أعداء الإسلامِ، وكما يهرف جهال المسلمين تقليدًا لأعداء الدين؟
وقبل أن نبيِّن ذلك لابد من بيان أمرٍ يغفلُ عنه كثير من الناس، وهو أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 33]، وأنه تعالى لَا رَادَّ لِأَمرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعدِ: 41]، فمن كان مؤمنًا فلا يحل له أن يقدح في دين الله تعالى وشريعته، ومن عاب أحكام الشرعِ وقدح فيها فهو عن الإيمان بمعزلٍ، وهو إلى الكفر يومئذ أقرب منه للإيمان، ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النِّسَاءِ:65]، والله أعلم بما يصلح عباده؛ ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].
وإلى أولئك الذين يظنون أن الإسلام هضم المرأة حقَّها، وانتقص نصيبها، نقول: كانت المرأة في الجاهلية تورث كما يورث المتاع، وتُباع بيع الإماء، وتُوْأَد حيةً لا لشيء إلا لأنها أنثى، فرفع الإسلام مكانتها، وأعلى منزلتها، ورفع قدرها، وشرَّفها أُمًّا، وكرَّمها أُختًا، وحفظها زوجةً، وصانها بنتًا، وجعلها على قدم المساواة مع الرجل في العبادات والقربات؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»[1].
ولها من الأجر والثواب ما للرجال؛ ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124].
أمَّا العلة التي من أجلها جعل الله تعالى ميراث المرأة على النصف من ميراث الرجل؛ ففي الإسلام ينفقُ الرجلُ على المرأة أُمًّا، وأُختًا، وزوجةً، وبنتًا، ولا تكلف المرأة بالنفقة على زوجها ولا على أبيها ولا على أخيها ولا على ابنها، وعند الزواج أوجب الشرع لها مهرًا، ولم يلزمها بشيءٍ تدفعه، فكان مالها موفورًا عليها، فلما أوجبه الشرع على الرجل من النفقات زاده في الميراث عن أخته وليس كل ذكر مفضل على الأنثى في الميراث، فمن مات ورتك أمًّا وأبًا وبنتًا، كان للبنت النصف فرضًا وللأم السدس والباقي للأب، فأخذت البنت أكثر من الأب، ومن مات وترك زوجة وعددًا من الاخوة الأشقاء، فللزوجة الربع فرضًا لعدم الفرع الوارث، والباقي للأخوة تعصيبًا، وقد لا يصل نصيب الأخ عشر التركة إذا كثُر عددُهم.
وصور زيادة الأنثى على الذكر في الميراث كثيرة جدًّا، وأحيانًا ترث المرأة مثل ميراث الرجل، وأحيانًا ترث المرأة ولا يرث الرجل، ولولا أن المقام لا يتسع لسردت تلك الحالات سردًا وبينتها بيانًا تفصيليًّا.
[1] رواه أحمد- حديث رقم: 26195، وأبو داود- كِتَاب الطَّهَارَةِ، بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَجِدُ الْبِلَّةَ فِي مَنَامِهِ، حديث رقم: 236، والترمذي- أَبْوَابُ الطَّهَارَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابٌ فِيمَنْ يَسْتَيْقِظُ فَيَرَى بَلَلًا وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، حديث رقم: 113، بسند صحيح.
مقال لدكتور: سعيد مصطفى دياب
سعيد مصطفى دياب