21/12/2024
"قطاع سيارات الأجرة في المغرب: ضرورة الإصلاح لمواكبة التنمية الجهوية المندمجة"
يعد قطاع سيارات الأجرة في المغرب من الركائز الأساسية في منظومة النقل وخاصة المحلية، حيث يساهم بشكل كبير في تسهيل التنقل اليومي للمواطنين وتوفير فرص عمل لآلاف السائقين المهنيين. ورغم أهمية هذا القطاع، فإنه يواجه تحديات هيكلية ومالية كبيرة تعيق تطوره وتؤثر على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين. ومن بين هذه التحديات، نجد الفساد المستشري في بعض أبعاده، واحتكار بعض النقابيين للقيادة، بالإضافة إلى بطء تنفيذ الإصلاحات التي كانت قد أُعلنت سابقًا.
في إطار تعزيز التنمية الجهوية المندمجة، أشار جلالة الملك محمد السادس في رسالته السامية إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية حول الجهوية المتقدمة إلى أن تطوير منظومة النقل والتنقل لتحقيق التنمية الجهوية المندمجة هو أمر حتمي. ومن المؤكد أن هذا القطاع سيعرف تطورًا بوتيرة متسارعة خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يعكس رؤية الدولة الطموحة لتعزيز دور قطاع النقل في تحقيق التنمية المستدامة في مختلف جهات المملكة. من خلال هذه الرسالة، يبرز جلالة الملك التحديات الكبرى التي تواجه المغرب في الألفية الثالثة، حيث أصبح تطوير منظومة النقل مكونًا أساسيًا في استراتيجية الدولة لتحقيق التنمية الترابية المندمجة. وإذا كان النقل أداة حيوية في تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، فإنه يجب أن يتواكب مع تطلعات المغاربة في العيش الكريم والتنقل بسهولة داخل وخارج المدن. هذه النقطة تكتسب أهمية خاصة فيما يتعلق بقطاع سيارات الأجرة، الذي يتطلب إصلاحًا جذريًا لتحسين ظروف عمل السائقين المهنيين المزاولين ورفع مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين.
إحدى القضايا الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على قطاع سيارات الأجرة هي ظاهرة الفساد التي تساهم في تدهور وضع السائقين وتهميش حقوقهم. العديد من "معلمي الشكارة"، الذين يسيطرون على أساطيل سيارات الأجرة، يفرضون شروطًا غير قانونية ويستغلون السائقين الذين يعملون لديهم. يشمل هذا الاستغلال فرض رسوم باهظة تُعرف بـ "الروسيطة"، ما يؤدي إلى تدهور دخلهم وإحباطهم المهني. ومن هنا، نرى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لتقليص هذه الممارسات ومنع استغلال السائقين تحت أي مسمى.
إلى جانب الفساد في الاستغلال البشع لبعض معلمي الشكارة، يبرز أيضًا الفساد النقابي الذي يعوق التغيير والتطوير داخل القطاع. النقابات، التي من المفترض أن تكون جزءًا مهمًا في الدفاع عن حقوق السائقين المهنيين، في كثير من الأحيان لا تدافع عن الطبقة العاملة في القطاع. على العكس، نجد أن مطالبهم تتوافق أكثر مع مصالح "معلمي الشكارة" وأرباب سيارات الأجرة، وهو ما يثير تساؤلات حول دوافعهم الحقيقية. النقابيون الذين يزعمون أنهم يمثلون السائقين يتصرفون في كثير من الأحيان كممثلين لمصالح من يتصدرون القطاع، ما يؤدي إلى تضارب في المواقف وتفويت الفرص على السائقين للحصول على حقوقهم المشروعة. ومع ذلك، لا يمكننا تعميم الفساد على جميع النقابيين، فبعضهم لا يزال يسعى لإصلاح القطاع وتقديم حلول حقيقية للمشاكل التي يواجهها السائقون. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من النقابات في قطاع سيارات الأجرة أصبحت مغلقة في يد عدد قليل من القادة النقابيين الذين يسعون إلى الحفاظ على مناصبهم على حساب مصالح القواعد. هؤلاء النقابيون يبررون وجودهم بحجة "عدم وجود بديل" و"عدم الغنى عنهم"، في حين أن الواقع يشير إلى أن القائد الحقيقي هو من يسعى لإعداد قادة آخرين لقيادة المرحلة المقبلة، بدلاً من التمسك بالمناصب. إن بقاء هؤلاء النقابيين في الكراسي وعدم تفعيل آليات القيادة الجماعية يعوق الإصلاح الحقيقي داخل القطاع ويزيد من تعميق المشاكل التي يعاني منها السائقون.
على الرغم من وجود العديد من المذكرات الوزارية التي تهدف إلى إصلاح القطاع، إلا أن بطء تنفيذ هذه الإصلاحات يمثل عائقًا كبيرًا أمام تحسين الوضع. ففي فبراير 2021، تم توقيع محضر اتفاق بين الخماسية ووزارة الداخلية، نتج عنه إصدار المذكرة الوزارية 444، التي اعتبرت خارطة طريق لتنظيم العمل في القطاع وتكريس مهنيته وتحسين ظروف السائقين. تلت هذه المذكرة عدة مذكرات أخرى تهدف إلى تنظيم القطاع ابرزها: 336, 262 و 455، لكن تنفيذها يعاني من التأخير والتعثر في العديد من المدن وخاصة الكبرى، مما يعزز مشاعر الإحباط في صفوف السائقين ويزيد من حالة التهميش التي يعانون منها. لذا، يجب تحفيز جميع الأطراف المعنية على تسريع تنفيذ الإصلاحات وإجراءات الرقابة لضمان تحقيق الفوائد المأمولة للسائقين والمواطنين على حد سواء.
في ضوء التحديات الكبرى التي تواجه قطاع سيارات الأجرة، فإن الإصلاح الشامل لهذا القطاع يتطلب تعاونًا بين جميع الجهات المعنية: الدولة، النقابات، الجماعات الترابية، وأصحاب المصالح الخاصة. إن التطور الذي شهدته المملكة في قطاعات أخرى مثل السياحة والبنية التحتية يجب أن ينعكس على قطاع النقل أيضًا. يجب أن يتم دعم هذا القطاع بشروط قانونية عادلة، مع مراعاة حقوق السائقين وحمايتهم من الاستغلال، وتوفير بيئة عمل مستقرة وآمنة لهم.
إصلاح قطاع سيارات الأجرة في المغرب هو ضرورة حتمية لتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة في مختلف جهات المملكة. يتطلب هذا الإصلاح التنسيق الفعّال مع تنفيذ سريع وفعّال للمذكرات الوزارية المتعلقة بالقطاع. إن تطوير هذا القطاع يجب أن يرتكز على الشفافية، مكافحة الفساد، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد. فكما أكد جلالة الملك في رسالته السامية، فإن تطوير قطاع النقل سيكون له دور كبير في تحقيق التنمية الجهوية المندمجة وتحقيق العدالة الاجتماعية في المملكة.
كيبورد: مراد مجاهد