
27/07/2025
هبة مشبوهة تضع وزير العدل في مرمى الانتقادات ؟؟
هل ينجو وهبي من شبح الإعفاء هذه المرّة ؟؟
اخترقت مجموعة تسمي نفسها "جبروت" الفضاء الرقمي، لتلقي فيه وثائق وصفَتها بـ"القاطعة"، تكشف معاملة مالية تخص وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي. الوثائق، التي حملت توقيعات رسمية وأرقام حسابات، تتعلق بعقد هبة لعقار فاخر في الرباط.
لكن المفاجأة لم تكن في وجود الهبة، بل في القيمة المصرّح بها: مليون درهم فقط، في حين تشير التقديرات العقارية إلى أن القيمة السوقية للعقار تفوق 11 مليون درهم.
لم يكن السؤال عن صحة الوثائق، بل عن قدرة الدولة على قراءة ما وراء الأرقام، في ظل شعارها المركزي: ربط المسؤولية بالمحاسبة.
و سارع وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي إلى الرد، مؤكدا أن الهبة تمت وفق مقتضيات الشريعة والقانون، واعتبرها تكريما لزوجته عن سنوات "كدّ وسعاية". وأوضح أنه صرّح طوعا بمبلغ مليون درهم، دون نية التهرب أو الإضرار بمصالح الدولة.
لكن هذا التبرير، وإن بدا إنسانيا، يصطدم بصراحة النص القانوني:
حيث تنص مدونة التسجيل والتنبر على ضرورة التصريح بالقيمة الحقيقية للعقار عند توثيق العقد.
ووفق المدونة العامة للضرائب، فإن الإدارة الجبائية تملك صلاحية إعادة التقييم وفرض غرامات على أي تصريح منخفض.
الهبات بين الزوجين تخضع لرسم نسبي يبلغ 1.5 في المائة من القيمة الحقيقية للعقار، إضافة إلى حوالي 1.5% إلى 2% كرسوم التحفيظ ورسوم التسجيل.
بناء على القيمة السوقية المقدرة (11 مليون درهم)، كان من المفترض أن تُؤدى رسوم إجمالية لا تقل عن 350,000 درهم. لكن بالتصريح بمليون درهم فقط، فإن ما تم دفعه لا يتجاوز 30,000 درهم تقريبا.
وباحتساب الفارق والجزاءات الممكنة ( غرامات التهرب)، قد تصل الخسائر التي تكبدتها الخزينة إلى 700,000 درهم أو أكثر، مما يعد إخلالا بمقتضيات الفصل 39 من الدستور الذي ينص على ضرورة تحمّل الجميع للتكاليف العامة بحسب قدرتهم.
و دخل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق، على الخط بتصريح ناري:
"ما قام به وهبي غشّ وتدليس، ويجب أن يُستقيل فورا."
وبالموازاة، تقدّم الحزب الليبرالي المغربي بشكاية رسمية إلى كل من وزارة المالية والمجلس الأعلى للحسابات، مطالبا بفتح تحقيق في "الهبة المخفض قيمتها" ومآلاتها الضريبية.
وارتفعت حرارة النقاش على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبر آلاف المواطنين عن سخطهم، معتبرين أن الوزير، المسؤول عن تطبيق القانون، لا يمكن أن يكون أول من يلتف عليه.
هل يحق للدولة ممارسة الشفعة؟
قانونا، الشفعة لا تمارس في الهبات، وإنما في حالات البيع. لكن إذا أثبتت الإدارة أن الهبة كانت صورية وتخفي بيعا حقيقيا بقيمة أكبر، فإنها تملك الحق في:
إعادة توصيف المعاملة كبيع،
فرض الرسوم والغرامات،
وربما حتى المطالبة بحق الشفعة باسم الدولة، باعتبارها متضررة من فقدان مداخيل ضريبية.
هل يعفي الملك وزير العدل ؟؟
هذه القضية ليست نزاعا جبائيا عاديا بين مواطن و الإدارة الجبائية، بل اختبار لمصداقية الدولة. فهل يمكن لوزير العدل، الحارس الأول على هيبة القانون، أن يقدّم تفسيرا شخصيا في موضوع تنظمه نصوص واضحة في مدونة الضرائب والدستور؟
و ليس في المغرب قانون يجبر الوزير على الاستقالة في حال الاشتباه، لكن الشرعية السياسية تستوجب أن لا تبقى وزارة العدل معلقة في فضاء الريبة و الشك. فهل يعقل أن يطالب صغار التجار والطلبة و ذوي الاحتياجات الخاصة بتأدية الضرائب، بينما تقبل هبة لمسؤول سامٍ دون تفسير قانوني شافي؟
أمام هذه الوثائق، وأمام النصوص التي لا تحتمل التأويل، وأمام الرأي العام الذي فقد ثقته تدريجيا، فإن الاستقالة لم تعد خيارا سياسيا فحسب، بل ضرورة أخلاقية وقانونية للحفاظ على هيبة الدولة المغربية..
الصورة : موقع هيسبريس.