
20/05/2025
حي القصبة في مراكش: بين التاريخ والهوية
في قلب المدينة العتيقة لمراكش، خلف أسوارها الحمراء الشاهقة، يختبئ حي القصبة، أحد أعرق أحياء المغرب وأكثرها رمزية. لا يمكن للزائر أن يتجول في مراكش دون أن تستوقفه القصبة، ليس فقط بمآثرها المعمارية المهيبة، بل أيضاً برائحة التاريخ التي تفوح من أزقتها العتيقة.
تأسيس حي القصبة
يرجع تأسيس حي القصبة إلى أواخر القرن الثاني عشر، في عهد السلطان الموحدي المنصور يعقوب المنصور، الذي قرر بناء مركز سلطوي جديد داخل مراكش ليكون مقراً للحكم والإدارة. كان الهدف من إنشاء القصبة هو احتضان قصر الخلافة، ومنشآت عسكرية، وإدارية، ودينية، مما جعلها نواة السلطة الحقيقية للمدينة والإمبراطورية الموحدية حينها.
وقد شُيّدت القصبة خارج الأسوار الأصلية للمدينة، لكن سرعان ما تم دمجها ضمن تحصينات مراكش، ما جعلها جزءاً أساسياً من المدينة.
القصبة عبر العصور
مر حي القصبة بمراحل مختلفة من الازدهار والانكماش تبعاً للظروف السياسية والدول المتعاقبة. ففي العصر المريني، قلّ الاهتمام بالحي بعض الشيء، لكنه استعاد مكانته في عهد السعديين في القرن السادس عشر، الذين جعلوا منه عاصمة حقيقية لحكمهم. في هذا العهد، بُني قصر البديع، أحد أعظم المعالم المعمارية الإسلامية، كما أُعيد ترميم مسجد القصبة، الذي لا يزال شاهداً على روعة البناء المغربي التقليدي.
وخلال الحكم العلوي، حافظت القصبة على مكانتها باعتبارها رمزا للسلطة، حيث احتضنت مقرات إدارية وقصورا ملكية، وإن خفت وهجها نسبياً بعد نقل العاصمة إلى مدن أخرى كفاس ومكناس.
القصبة اليوم
رغم تغير الزمن، ما زال حي القصبة يحتفظ بروحه، بأزقته الضيقة، ورياضاته التقليدية، وجدرانه المغطاة بألوان الطين الدافئة. كما أصبح اليوم من أهم الوجهات السياحية في المدينة، نظراً لما يحتويه من معالم تاريخية كـ قصر الباهية، وضريح السعديين، وبوابة باب أكناو، أحد أقدم وأجمل الأبواب في سور مراكش.
لكن القصبة ليست مجرد حجارة وآثار، بل هي أيضاً مجتمع حي، حيث يختلط القديم بالجديد، ويستمر سكان الحي في ممارسة حياتهم اليومية، محافظين على تقاليدهم وسط زحف الحداثة.