
23/06/2025
تحقيق تحت المجهر: الأدلة القاطعة على فبركة وثيقة جزائرية ضد المغرب
توفيق اجانا
في مشهد إعلامي بات متكررًا، عادت الآلة الدعائية الجزائرية إلى ممارسة هوايتها المفضلة: فبركة الوثائق الرسمية وترويج الأكاذيب ضد المملكة المغربية. آخر حلقة في هذه السلسلة تمثّلت في وثيقة مزعومة نُسبت زورًا إلى مكتب الاتصال المغربي بتل أبيب، تدّعي مقتل ضابطين مغربيين في قصف إيراني استهدف قاعدة عسكرية إسرائيلية، وذلك في محاولة يائسة للرد على انتشار أنباء موثقة عن مقتل ضباط جزائريين في إيران.
لكن ما إن يُمعَن النظر في هذه الوثيقة حتى تتكشف علامات التزوير البائنة التي تنسف مصداقيتها من أساسها. هذا التحقيق يرصد، من خلال تحليل دقيق، الأدلة القاطعة التي تثبت زيف الوثيقة، ويكشف خلفيات نشرها وتوظيفها في الحرب الإعلامية المستمرة التي تقودها الجزائر ضد المغرب.
أولًا: أخطاء لغوية فادحة تفضح صانع الوثيقة
الوثيقة المكتوبة بالفرنسية والتي يُفترض أنها صادرة عن بعثة دبلوماسية مغربية تتضمن أخطاء لغوية لا يمكن أن يقع فيها موظف مغربي يتعامل يوميًا بلغة موليير، خاصة في الوثائق الرسمية. من أبرز هذه الأخطاء:
استخدام العبارة “des citoyens à l’étranger” في الفقرة الأولى، وهي غير سليمة نحويًا في سياق الجملة، والصيغة الرسمية المعتمدة هي “des ressortissants marocains à l’étranger”.
إدراج عبارة “formation militaire conjointe avec les forces israéliennes” التي تثير الريبة، إذ أن الدبلوماسية المغربية لا تستعمل مثل هذه العبارات المباشرة في مراسلاتها.
الخلط غير الدقيق بين الألقاب والرتب العسكرية (مثل: Capitaine Mehdi Janour وCommandant Jamal Idrissi)، مما لا يتماشى مع البروتوكول العسكري المغربي الدقيق.
ثانيًا: مخالفات شكلية وإدارية فاضحة
من الناحية الشكلية تحمل الوثيقة مؤشرات صريحة على أنها مزورة: غياب الرقم التسلسلي الرسمي المعتمد في الوثائق المغربية، إذ يظهر رقم غامض مكتوب بخط اليد “N: ARL/25” وهي صيغة لا تُستخدم مطلقًا في المراسلات الرسمية.
طابع الختم لا يطابق الأختام المعتمدة للوثائق الصادرة عن وزارة الشؤون الخارجية أو مكاتبها، إذ يبدو الختم مطبوعًا بطريقة رديئة ويغيب عنه التاريخ المفصل أو توقيع مفوض.
تاريخ الوثيقة (20 يونيو 2025) يتزامن بدقة مع تاريخ نشر خبر مقتل الضباط الجزائريين في إيران، ما يعزز فرضية أنها محاولة ارتجالية وسريعة لصرف الانتباه.
ثالثًا: استحالة السيناريو المزعوم منطقيًا ودبلوماسيًا
من الناحية السياسية يتناقض مضمون الوثيقة بشكل صارخ مع المواقف الرسمية للمملكة المغربية، فبالرغم من استئناف المغرب علاقاته مع إسرائيل فإنه لا يشارك في تدريبات عسكرية مشتركة على أراضيها لما في ذلك من حساسية سيادية ودبلوماسية بالغة.
الإشارة إلى نقل ضابط مغربي إلى مستشفى “رامبام” في حيفا وتلقيه العلاج تحت “مراقبة مشددة” تحمل طابعًا دراميًا لا يتماشى مع لغة المراسلات الرسمية.
غياب أي بلاغ رسمي مغربي أو إسرائيلي يؤكد هذه الادعاءات يعزز فرضية الفبركة والخداع الإعلامي.
رابعًا: الهدف من الوثيقة – التشويش على الفضيحة الجزائرية في إيران
لم يأت توقيت هذه الوثيقة من فراغ، فقد سبقه بأيام قليلة تداول تقارير استخباراتية وإعلامية تؤكد مقتل ضباط جزائريين إلى جانب عناصر من الحرس الثوري الإيراني إثر قصف استهدف منشأة عسكرية في طهران. ومع تصاعد التساؤلات حول طبيعة التنسيق الجزائري-الإيراني، جاء هذا “التسريب” كمحاولة مكشوفة من النظام الجزائري لتحويل الأنظار وتغيير اتجاه الرأي العام.
ختامًا: الفضيحة انقلبت على صانعيها
في خضم صراع دعائي متكرر، تُظهر الجزائر مجددًا اعتمادها على أدوات تقليدية متجاوزة تتمثل في صناعة وثائق مزيفة بلغة ركيكة وتقنية بدائية على أمل اختراق الوعي العام أو تشويش الساحة الإعلامية. غير أن ما تجهله الجهات التي تقف خلف هذه المناورة هو أن الرأي العام المغربي بات أكثر وعيًا ونضجًا وأكثر مطالبة بالمهنية والمصداقية في التعاطي مع الأخبار.
الوثيقة التي أرادت الجزائر أن تستخدمها كسلاح دعائي ضد المغرب تحولت إلى دليل إدانة ضدها. إنها ليست سوى برهان جديد على أن منطق الدولة الجارة لا يزال حبيس عصور “النسخ والقص واللصق” حيث يُمارس الإعلام كأداة حرب نفسية لا تعترف بالحقيقة ولا بالأخلاق ولا حتى بأبجديات التزوير.
وعليه، لم تسقط الوثيقة بفعل تدقيق الخبراء فحسب، بل سقطت من أول نظرة لتؤكد مرة أخرى أن الحقيقة لا تحتاج إلى ختم، أما الأكاذيب فلا تنجو حتى بالختم الملكي
للمتابعة: المقال منشور على ميديا15
تحقيق تحت المجهر: الأدلة القاطعة على فبركة وثيقة جزائرية ضد المغرب ميديا15 تحقيق -