
25/07/2025
في زمنٍ تُنفق فيه الملايير على التظاهرات الدولية ويُستعد فيه البلد لتنظيم كأس العالم، يقبع جناح الأمراض العقلية والنفسية بالمستشفى الإقليمي لآسفي في وضعية مزرية لا تليق بدولة تتغنّى بالحق في الصحة وكرامة الإنسان. فقد تحوّلت هذه المنشأة الطبية، نظريًا المخصصة للعلاج، إلى مجرد محطة عبور سريعة نحو الشارع، حيث يُفرَج عن المرضى دون أي رعاية تُذكر أو تقييم طبي معمق، وكأننا أمام خدمة طبية بمبدأ “صرّف وخَلّي الشارع يتكفل بالباقي”.
الظاهرة بلغت مستويات مفزعة، حيث تُنقل حالات عديدة من طرف السلطات المحلية بجماعات إقليم آسفي إلى هذا الجناح، ليُعاد تسريحهم في وقت وجيز دون أن يتلقى أغلبهم أدنى علاج أو احتضان. وهكذا، يُطلق سراح مختلين عقليًا وسط أحياء سكنية، دون إشراف طبي أو ضمانات للسلامة، مما يجعل المواطن البسيط رهينة لمصادفات عبثية قد تنتهي بمأساة.
الجناح الذي كان من المفترض أن يكون حصنًا طبيًا وإنسانيًا، أصبح هو نفسه في حاجة إلى علاج نفسي وضميري. لا أسرّة كافية، لا طاقم مؤهل بالعدد الكافي، لا مواكبة بعد الخروج، ولا حد أدنى من ظروف الاستشفاء الكريمة. إنها فوضى صامتة تُدار تحت يافطة “قضاء الحاجة” بدل “رعاية الإنسان”.
وفي ظل غياب رؤية وطنية واضحة أو مخطط استعجالي لإنقاذ هذا الوضع المخجل، تبقى الأسئلة الكبرى معلّقة في هواء آسفي الثقيل:
• أين هي وزارة الصحة من هذا الجرح المفتوح؟
• أين هي لجان المراقبة والمحاسبة؟
• من يتحمل مسؤولية أرواح المرضى التي تُهدَر، وأرواح المواطنين التي تُهدَّد كل يوم؟
إن آسفي، المنسية إداريًا والمنكوبة تنمويًا، لا تحتمل المزيد من التهاون. وملف المرضى العقليين ليس فقط قضية صحة، بل قضية أمن مجتمعي وكرامة بشرية. لا يُعقل أن يكون الشارع هو الملاذ الأخير لمواطن يعاني مرضًا نفسيًا، ولا أن ننتظر وقوع الكارثة لنشر بلاغ تعزية ومساءلة.
في دولة تحترم نفسها، جناح الأمراض النفسية ليس مخفرًا لتصريف المعاناة، بل مؤسسة تُعيد للمريض اتزانه، وللمجتمع أمنه، وللدولة هيبتها.
وإلى أن يتم الالتفات لهذا الملف الكارثي، سيبقى جناح الطب النفسي بآسفي عنوانًا صارخًا للخذلان والإهمال الممنهج.