
10/09/2025
الكرة الذهبية.. هل آن الأوان لإنصاف المدافعين؟
في عالم كرة القدم، تسير الأمور وفق تقاليد راسخة. المهاجم يسجل، وصانع اللعب يمرر، والمدافع يقطع الكرات. وعندما يأتي وقت توزيع الجوائز الفردية، تقع الأنظار عادة على الأهداف والأرقام الخيالية، وكأن اللعبة تُلعب في نصف ملعب واحد فقط. هذه النظرة الجزئية تجاه الأداء الفردي تجعل من الصعب على لاعبي المراكز الدفاعية أن يحظوا بالاعتراف الذي يستحقونه.
أشرف حكيمي، نجم المنتخب المغربي ونادي باريس سان جيرمان، يمثل خروجًا جذريًا عن هذه القاعدة. فهو ليس مجرد ظهير أيمن دفاعي تقليدي؛ إنه لاعب هجومي ودفاعي في آن واحد. قدراته في التمرير، الاختراق، والمبادرة الهجومية جعلته ظاهرة فريدة في كرة القدم الحديثة، إذ أن مساهماته الهجومية تتفوق في بعض الأحيان على أرقام بعض المهاجمين الكبار.
إذا كان معيار الكرة الذهبية هو التأثير الفعلي على نتائج الفريق، فإن حكيمي يعد من أبرز المرشحين دون منازع. لكن التاريخ لا يعمل لصالح المدافعين. آخر مدافع فاز بالجائزة كان الإيطالي فابيو كانافارو في 2006، بعد تتويجه بكأس العالم، ومنذ ذلك الحين ظل المدافعون مجرد حاضرين في قوائم الترشيح دون أن يصلوا إلى القمة.
في موسم 2024–2025 وقع حكيمي على تألق كبير مع ناديه في مختلف المنافسات : 11 هدفًا و16 تمريرة حاسمة في مختلف البطولات، وأكثر من مرة كانت لمسات حكيمي حاسمة في ربع النهائي ونصف النهائي والنهائي لدوري أبطال أوروبا. كل هدف وصناعة حاسمة له لم يكن مجرد رقم على ورقة الإحصاءات، بل لحظة قلبت موازين المباريات ودفعت فريقه لتحقيق إنجازات تاريخية.
الأرقام وحدها لا تكفي، لكن في حالة حكيمي، الأرقام تعكس قدراته الاستثنائية في جميع جوانب اللعبة. الجمع بين الصلابة الدفاعية والإبداع الهجومي يجعل منه لاعبًا متكاملًا، قادرًا على قلب موازين المباريات. إنه يجمع بين القدرة على الدفاع بكفاءة والقدرة على خلق فرص تهديفية حقيقية، وهو ما يميزه عن أي ظهير آخر في أوروبا والعالم.
هذا الواقع يطرح السؤال: هل سيكون العالم الكروي هذا العام مستعدًا للخروج عن المألوف والتصويت لمن يستحق فعلاً، بغض النظر عن مركزه في الملعب؟
حكيمي لم يثبت نفسه فقط من خلال الأداء الفردي، بل حظي بدعم كبير من شخصيات بارزة في عالم كرة القدم. لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان، وصفه بأنه "أفضل ظهير شاهده"، وهو اعتراف صريح بقيمته الفنية والتكتيكية. كذلك، هاري كين، مهاجم بايرن ميونخ، ألمح في موقف نادر إلى أن حكيمي أحد لاعبي باريس سان جيرمان الذين يستحقون الكرة الذهبية، مما يعكس مدى احترام زملائه المنافسين له على المستوى الدولي.
لا يمكن لأي لاعب أن ينافس على الكرة الذهبية بجدية دون أن يكون مدعومًا بسجل جماعي حافل بالإنجازات. وفي موسم 2024–2025، لم يكتفِ باريس سان جيرمان بتوفير هذا الدعم لحكيمي، بل صمم له منصة ذهبية. الفريق حقق ثلاثية تاريخية غير مسبوقة في تاريخ النادي: الدوري الفرنسي، كأس فرنسا، ودوري أبطال أوروبا، ليصبح هذا الإنجاز جزءًا لا يتجزأ من ملف ترشيحه للجائزة. هذه الإنجازات تمنحه قوة إضافية أمام المصوتين الذين يميلون دائمًا إلى اللاعبين الذين يحققون الألقاب الكبرى.
فوز حكيمي بالكرة الذهبية سيكون له بعد رمزي هائل. لن يكون مجرد اعتراف بقدراته الفردية، بل انتصارًا للمدافعين الذين طالما وُضعوا في الظل. سيكون اعترافًا بالكرة الحديثة، حيث يمكن لأي مركز أن يصنع الفارق الكبير. كما أنه سيكون إنجازًا تاريخيًا للمغرب والعالم العربي وأفريقيا، إذ سيكون أول لاعب من هذه الرقعة الجغرافية يرفع الكرة الذهبية، مما يرسخ صورته كلاعب عالمي بمعنى الكلمة.
أشرف حكيمي يستحق الكرة الذهبية عن جدارة: الأداء الفردي، التأثير الجماعي، الإنجازات التاريخية، والدعم الدولي كل ذلك يجعله مرشحًا لا يُستهان به. ومع ذلك، يظل السؤال الحقيقي مرتبطًا بالتقاليد التاريخية التي تمنح الأفضلية عادة للمهاجمين. فهل يمتلك المصوتون الشجاعة لتغيير هذا الواقع؟
مهما كانت النتيجة، فقد أظهر حكيمي بالفعل أنه لاعب استثنائي، وأعاد تعريف مركز الظهير الأيمن، مؤكدًا أن التأثير الحقيقي على الملعب لا يُقاس بعدد الأهداف فقط، بل بالجهد الكامل الذي يبذله اللاعب في كل ركن من أركان الملعب. إذا كانت الكرة الذهبية حقًا لجائزة "أفضل لاعب في العالم"، فإن أشرف حكيمي قد حان الوقت ليحصل عليها.