
05/09/2025
عنوان القصة: "حين نطق الصمت بالحب"
في مساءٍ مثقلٍ بالكدّ، عاد عادل إلى بيته بعد يومٍ طويل في متجره الصغير. كان يحمل على كتفيه همّ العمل وضغوط الحياة التي لا ترحم، وكان صوته الداخلي لا يكف عن التذمّر: "أين الراحة؟ أين السكينة التي وعدتني بها الحياة؟"
فتح الباب بهدوء، فارتسم المشهد أمامه: غرفة المعيشة على غير ترتيب، أطباق الطعام لم تُغسل بعد، والبيت يعلوه صمت ثقيل. تقدّم بخطوات متردّدة حتى بلغ غرفة النوم، فوجد زوجته هالة غافية إلى جوار طفلتهما الصغيرة سارة، تحتضنها وكأنها تحرسها حتى في نومها.
في لحظةٍ من لحظات الغضب، نسي عادل أن يتفكّر في المشهد، فنادى بصوت مرتفع:
ــ "هالة! أما زلت نائمة؟ أأعود من عملي مرهقًا ولا أجد حتى طعامًا يُقدَّم؟ ألهذا تزوجتكِ؟"
فتحت هالة عينيها بتثاقل، لكن التعب المرسوم على ملامحها كان أقوى من الكلمات. حاولت أن تشرح، لكن صوت زوجها لم يترك لها مجالاً:
ــ "أنا أعمل منذ الصباح حتى المساء، وأعود لأجد الفوضى! ما الذي كنتِ تفعلينه منذ الصباح؟"
أطرقت رأسها بصمت، ثم قالت بهدوء عجيب:
ــ "إن كان في قلبك ضيق من وجودي، فاذهب إلى بيت أهلك لتستريح."
تجمّد عادل من ردّها، لكنه قال بسرعة وقد غلبه العناد:
ــ "بل أوصلكِ أنتِ إلى بيت أهلك، فربما تجدين هناك من يسمع شكواك."
نهضت هالة، جمعت ثيابها على عجل، واحتضنت صغيرتها المريضة التي تنام بحرارة مرتفعة. وقفت على الباب وهي تحمل حقيبتها الصغيرة، ملامحها هادئة رغم ثقل قلبها. سار بها عادل في سيارته نحو بيت أهلها، طوال الطريق كان الصمت سيد الموقف.
حين وصل، استقبلتها أمها بترحاب وسألتها عن سبب مجيئها، فابتسمت هالة وقالت:
ــ "زوجي سافر في عمل إلى مدينة أخرى، فقلت أبقى معكم ريثما يعود."
لم تُفصح عن خلافٍ ولا ذكرت شيئًا من غضب زوجها، فقد رأت أن كرامة بيتها أسمى من أن تُعرَض أمام الآخرين.
---
في تلك الليلة، جلس عادل في بيته وحيدًا. شعر بشيء من الارتياح أول الأمر، لكنه حين دخل غرفة النوم، وقع بصره على مقياس الحرارة، وعلى وعاء ماء وبقايا كمادات لا تزال رطبة. اقترب من سرير ابنته، وتذكّر كيف كانت ترتجف أحيانًا من الحمى. عندها انكشفت له الحقيقة: زوجته لم تكن غارقة في الكسل، بل كانت تسهر الليل كله على راحة الطفلة، حتى غلبها النوم في الصباح.
جلس عادل على حافة السرير، وأسند رأسه بين كفّيه، يلوم نفسه ويقول بصوت خافت:
ــ "يا ويحي… ظلمتها بكلماتي، وهي التي سهرت وضحّت."
نهض على عجل، وابتاع من السوق علبة من الكعك الذي تحبه هالة، ثم قصد بيت أهلها.
---
حين فتحت له الباب، نظرت إليه باستغراب، لكنه لم يُمهلها الكلام. مدّ يده بالعلبة وقال بصوت متهدّج:
ــ "سامحيني يا هالة… لقد ظلمتكِ بلساني، ولم أرَ بعيني ما كنتِ تمرّين به. غفلت عن تعبك، وكنتِ طوال الوقت ترعين صغيرتنا."
اقترب منها أكثر، قبّل رأسها بحب وصدق، ثم همس:
ــ "أشكر لكِ أنكِ لم تفضحي ضعفي أمام أهلك، وأشكر لكِ صبرك وصمتك. أنتِ أعظم مما كنت أظن."
ابتسمت هالة ابتسامةً هادئة وقالت:
ــ "كنت أعلم أن ضغوط العمل تُثقل قلبك، فلم أرد أن أزيده همًّا بذكر ما حدث. وكنت واثقة أنك ستعود لتعتذر حين ترى بعينيك الحقيقة."
عندها شعر عادل أن قلبه قد عاد إلى موطنه. أمسك يدها، وأعادها معه إلى البيت، وهناك جلسوا معًا، هو وهي وصغيرتهما، يتقاسمون الكعك، وقد عاد الدفء إلى جدران البيت.
---
✨ العبرة:
الزواج ليس دارًا تُشيَّد بالحجارة، بل هو قلبان يتسعان للصبر والاعتذار والستر. حين يخطئ أحدهما فليعتذر، وحين يشتد الغضب فليصمت الآخر، وحين تثقل الهموم فليكن البيت مأوى لا ساحة صراع.
---
📖 أيها القارئ،
إن كنت زوجًا، فاعلم أن كلمة قاسية قد تهدم قلبًا لطالما صبر عليك.
وإن كنت زوجة، فاعلمي أن صمتك الحكيم وحرصك على ستر بيتك قد يصنعان المعجزات.
وفي النهاية، البيوت التي يحكمها الرفق والاعتذار تُظلَّل بالسكينة مهما هبّت عليها العواصف.
---
#الزواج #الصبر #الحب #الاعتذار #الحكمة