رحلة إلى عالم الحكايات

رحلة إلى عالم الحكايات قصص جميلة ورائعة مكتوبة و مسموعة
(3)

عنوان القصة: "حين نطق الصمت بالحب"في مساءٍ مثقلٍ بالكدّ، عاد عادل إلى بيته بعد يومٍ طويل في متجره الصغير. كان يحمل على ك...
05/09/2025

عنوان القصة: "حين نطق الصمت بالحب"

في مساءٍ مثقلٍ بالكدّ، عاد عادل إلى بيته بعد يومٍ طويل في متجره الصغير. كان يحمل على كتفيه همّ العمل وضغوط الحياة التي لا ترحم، وكان صوته الداخلي لا يكف عن التذمّر: "أين الراحة؟ أين السكينة التي وعدتني بها الحياة؟"

فتح الباب بهدوء، فارتسم المشهد أمامه: غرفة المعيشة على غير ترتيب، أطباق الطعام لم تُغسل بعد، والبيت يعلوه صمت ثقيل. تقدّم بخطوات متردّدة حتى بلغ غرفة النوم، فوجد زوجته هالة غافية إلى جوار طفلتهما الصغيرة سارة، تحتضنها وكأنها تحرسها حتى في نومها.

في لحظةٍ من لحظات الغضب، نسي عادل أن يتفكّر في المشهد، فنادى بصوت مرتفع:
ــ "هالة! أما زلت نائمة؟ أأعود من عملي مرهقًا ولا أجد حتى طعامًا يُقدَّم؟ ألهذا تزوجتكِ؟"

فتحت هالة عينيها بتثاقل، لكن التعب المرسوم على ملامحها كان أقوى من الكلمات. حاولت أن تشرح، لكن صوت زوجها لم يترك لها مجالاً:
ــ "أنا أعمل منذ الصباح حتى المساء، وأعود لأجد الفوضى! ما الذي كنتِ تفعلينه منذ الصباح؟"

أطرقت رأسها بصمت، ثم قالت بهدوء عجيب:
ــ "إن كان في قلبك ضيق من وجودي، فاذهب إلى بيت أهلك لتستريح."

تجمّد عادل من ردّها، لكنه قال بسرعة وقد غلبه العناد:
ــ "بل أوصلكِ أنتِ إلى بيت أهلك، فربما تجدين هناك من يسمع شكواك."

نهضت هالة، جمعت ثيابها على عجل، واحتضنت صغيرتها المريضة التي تنام بحرارة مرتفعة. وقفت على الباب وهي تحمل حقيبتها الصغيرة، ملامحها هادئة رغم ثقل قلبها. سار بها عادل في سيارته نحو بيت أهلها، طوال الطريق كان الصمت سيد الموقف.

حين وصل، استقبلتها أمها بترحاب وسألتها عن سبب مجيئها، فابتسمت هالة وقالت:
ــ "زوجي سافر في عمل إلى مدينة أخرى، فقلت أبقى معكم ريثما يعود."

لم تُفصح عن خلافٍ ولا ذكرت شيئًا من غضب زوجها، فقد رأت أن كرامة بيتها أسمى من أن تُعرَض أمام الآخرين.

---

في تلك الليلة، جلس عادل في بيته وحيدًا. شعر بشيء من الارتياح أول الأمر، لكنه حين دخل غرفة النوم، وقع بصره على مقياس الحرارة، وعلى وعاء ماء وبقايا كمادات لا تزال رطبة. اقترب من سرير ابنته، وتذكّر كيف كانت ترتجف أحيانًا من الحمى. عندها انكشفت له الحقيقة: زوجته لم تكن غارقة في الكسل، بل كانت تسهر الليل كله على راحة الطفلة، حتى غلبها النوم في الصباح.

جلس عادل على حافة السرير، وأسند رأسه بين كفّيه، يلوم نفسه ويقول بصوت خافت:
ــ "يا ويحي… ظلمتها بكلماتي، وهي التي سهرت وضحّت."

نهض على عجل، وابتاع من السوق علبة من الكعك الذي تحبه هالة، ثم قصد بيت أهلها.

---

حين فتحت له الباب، نظرت إليه باستغراب، لكنه لم يُمهلها الكلام. مدّ يده بالعلبة وقال بصوت متهدّج:
ــ "سامحيني يا هالة… لقد ظلمتكِ بلساني، ولم أرَ بعيني ما كنتِ تمرّين به. غفلت عن تعبك، وكنتِ طوال الوقت ترعين صغيرتنا."

اقترب منها أكثر، قبّل رأسها بحب وصدق، ثم همس:
ــ "أشكر لكِ أنكِ لم تفضحي ضعفي أمام أهلك، وأشكر لكِ صبرك وصمتك. أنتِ أعظم مما كنت أظن."

ابتسمت هالة ابتسامةً هادئة وقالت:
ــ "كنت أعلم أن ضغوط العمل تُثقل قلبك، فلم أرد أن أزيده همًّا بذكر ما حدث. وكنت واثقة أنك ستعود لتعتذر حين ترى بعينيك الحقيقة."

عندها شعر عادل أن قلبه قد عاد إلى موطنه. أمسك يدها، وأعادها معه إلى البيت، وهناك جلسوا معًا، هو وهي وصغيرتهما، يتقاسمون الكعك، وقد عاد الدفء إلى جدران البيت.

---

✨ العبرة:

الزواج ليس دارًا تُشيَّد بالحجارة، بل هو قلبان يتسعان للصبر والاعتذار والستر. حين يخطئ أحدهما فليعتذر، وحين يشتد الغضب فليصمت الآخر، وحين تثقل الهموم فليكن البيت مأوى لا ساحة صراع.

---

📖 أيها القارئ،
إن كنت زوجًا، فاعلم أن كلمة قاسية قد تهدم قلبًا لطالما صبر عليك.
وإن كنت زوجة، فاعلمي أن صمتك الحكيم وحرصك على ستر بيتك قد يصنعان المعجزات.
وفي النهاية، البيوت التي يحكمها الرفق والاعتذار تُظلَّل بالسكينة مهما هبّت عليها العواصف.

---

#الزواج #الصبر #الحب #الاعتذار #الحكمة

عنوان القصة: "امتحان الصدق"في مملكةٍ بعيدة، كان الملك إلياس قد بلغ من العمر عتياً، ولم يبقَ له من الورثة سوى ابن واحد، ا...
05/09/2025

عنوان القصة: "امتحان الصدق"

في مملكةٍ بعيدة، كان الملك إلياس قد بلغ من العمر عتياً، ولم يبقَ له من الورثة سوى ابن واحد، الأمير آسر. كان الأمير محبوبًا من أهل المملكة لدماثة خلقه وحكمته المبكرة، لكن والده كان يخشى أن يضل الطريق إذا لم يجد امرأة صالحة تعينه على الحكم وتكون سندًا له في شدائد الزمان.

ذات مساء، جلس الملك مع ابنه في قاعة العرش المهيبة، حيث السجاد الأحمر يمتد حتى الأعمدة الذهبية. قال الملك وهو يحدّق في ابنه:
– "يا بني، لقد حان الوقت لتختار زوجة تعينك على أمور الحكم، ولكن اعلم أن حسن الوجه لا يدوم، وأن المال قد يزول، وإنما يبقى صلاح النفس وصدقها."
أجاب الأمير باحترام:
– "صدقت يا أبي، ولكني لا أعلم كيف أختبر صدق الناس، فالكل يدّعي الطيبة والوفاء."

ابتسم الملك بخبرة السنين وقال:
– "سأدبّر لك أمرًا يكشف لك خبايا القلوب."

---

في صباح اليوم التالي، أمر الملك المنادين أن يعلنوا في الأسواق والساحات أن الأمير آسر سيختار زوجته من بين فتيات المملكة، وأن كل فتاة راغبة عليها أن تحضر إلى قصر الملك بعد ثلاثة أيام.

انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم. راحت الأمهات تجهزن بناتهن بالحرير والذهب، وانشغلت البيوت بالخياطة والتزيين. كان الكل يطمع أن تكون ابنته أميرة على العرش.

في أحد الأحياء البعيدة عن القصر، عاشت فتاة بسيطة تُدعى ليان مع والدتها الأرملة. لم يكن في بيتها ذهب ولا حرير، لكنها عُرفت بين جيرانها بالصدق وعفة اللسان. وحين سمعت بالخبر، قالت لأمها:
– "أمي، أيعقل أن يختار الأمير فتاة مثلي؟"
أجابتها الأم بحنان:
– "يا بنيتي، الفضل ليس في الزينة، بل في صفاء القلب، اذهبي وجربي، فما كتب لكِ لن يمنعه أحد."

---

حلّ اليوم المنتظر، واصطفت الفتيات في ساحة القصر.
وقف الملك وإلى جواره الأمير آسر، وأمر الجنود أن يوزعوا على كل فتاة صندوقًا صغيرًا من الخشب.
رفع الملك صوته قائلاً:
– "في هذه الصناديق أمانة. على كل واحدة منكن أن تحتفظ بها شهرًا كاملًا، ثم تعود بها إليّ كما هي. عندها سأعلن من تستحق أن تكون زوجة لابني."

فتحت الفتيات الصناديق على عجل، فوجدن داخلها حُليًّا ثمينة وأحجارًا كريمة صغيرة. ارتفعت الهمسات بينهن:
– "ما معنى ذلك؟"
– "أيمكن أن يكون هذا هو الاختبار؟"

---

في تلك الليلة، اجتمعت الفتيات مع أمهاتهن وبدأن في التفكير. بعضهن خطر لهن أن يستبدلن الحلي بحلي مزيف، حتى إذا طُلب منهن إرجاعها احتفظن بالأصلية. وبعضهن بعن الجواهر خفية ليشترين بها زينة جديدة، وقلن في أنفسهن: "لن يكتشف الملك أمرنا."

أما ليان، فقد وضعت الصندوق في صدر بيتها وأقفلته، وكانت كل ليلة تفتحه لتتفقد محتواه، ثم تعيده كما هو، وهي تتمتم:
– "إنها أمانة، ولن أخونها مهما كان."

---

مرّ الشهر، وعاد الجمع إلى القصر. وقف الملك في بهو العرش، وأمر الفتيات أن يقدمن صناديقهن واحدًا تلو الآخر.
جاءت الأولى، وقد امتلأ صندوقها بالجواهر اللامعة، لكنها لم تكن نفس التي أعطيت لها. تفحصها الملك بصمت ثم أشار لها بالانصراف.
جاءت الثانية، وقد زادت على ما في الصندوق حُليًّا أخرى لتوهم الملك بكرمها. نظر إليها الملك ببرود ثم صرفها.

واحدة تلو الأخرى تقدمن، وكلما فتش الملك صندوقًا لاحظ التلاعب فيه، حتى لم يبق إلا فتاة واحدة.

كانت ليان تتقدم بخطوات بطيئة، تحمل صندوقها كما هو. وضعت الصندوق بين يدي الملك وقالت:
– "مولاي، هذا ما عهدتني عليه. لم أغيّر ولم أزد ولم أنقص. هو كما كان يوم استلمته."

فتح الملك الصندوق، فإذا هو نفسه، لم يتغير فيه شيء. عندها نهض الملك واقفًا، وضرب بعصاه على الأرض وقال بصوت عالٍ:
– "أيتها الحاضرات، إنما كان هذا امتحانًا للصدق. فقد وزعت عليكم جواهر حقيقية، وأردت أن أرى من تحفظ الأمانة كما هي. كل واحدة منكن خانت الأمانة إلا هذه الفتاة."

التفت إلى ابنه آسر وقال:
– "هذه هي من تستحق أن تكون زوجتك، لأنها لم تغرك بحلي ولا بكذب، بل جاءت بصدقها كما عهدتها."

اقترب الأمير من ليان، ونظر في عينيها وقال:
– "لقد اخترتكِ، لا لأنك أجملهن، بل لأنك أصادقهن، ومن يملك الصدق يملك قلبي."

---

العبرة من القصة:

الأمانة امتحان يكشف حقيقة النفوس، والصدق طريق يرفع صاحبه فوق كل تزيين وخداع. قد يغريك البريق الكاذب للحظة، لكن الحق وحده هو الذي يبقى.

عنوان القصة: "الكوب الثاني لا يبرد"في طرف قرية وادعة تحيطها الحقول الخضراء من كل جانب، كان يقبع بيت صغير متواضع من الطين...
05/09/2025

عنوان القصة: "الكوب الثاني لا يبرد"

في طرف قرية وادعة تحيطها الحقول الخضراء من كل جانب، كان يقبع بيت صغير متواضع من الطين، تعلوه نوافذ خشبية أكل الدهر على حوافها، لكنها بقيت صامدة كصاحبة البيت.
في ذلك البيت كانت تعيش رُقيّة، امرأة تجاوزت الستين، لكن ملامحها ما زالت تحمل مسحة من الجمال القديم، وعينيها تشعان بنور غريب، خليط من الصبر والرجاء.

كانت عادة رُقيّة التي يعرفها أهل القرية جميعًا، أنها كل صباح، مع طلوع الشمس، تجلس أمام بيتها الصغير، تُشعل موقدها الحجري، تغلي الماء، وتصب الشاي في كوبين.
واحد لها، وآخر فارغ تضعه بجانبها.

يمر الناس في طريقهم إلى الحقول أو السوق، فيرونها في ذات المشهد كل يوم. يبتسم بعضهم، ويهز آخرون رؤوسهم، ويهمس بعضهم ساخرًا:
– "أما آن لتلك العجوز أن تفيق من وهمها؟"

لكنها لم تلتفت قط. وإذا جاءها صبي أو فتاة يسألها بدافع الفضول:
– "أما زلتِ تنتظرينه يا خالة رُقيّة؟"
كانت تبتسم ابتسامة هادئة وترد:
– "الذي ينتظر من قلبه… لا يعرف الملل."

كان زوجها مصطفى شابًا قويًا، يوم ودّعها قبل أكثر من ثلاثين عامًا. خرج من القرية متجهًا إلى المدينة الكبرى، يبحث عن عمل يدرّ عليه رزقًا يقيهما شظف العيش. قال لها يومها، وهو يودّعها على باب الدار:
– "عام واحد، وأعود إليك. سنبني بيتًا أكبر، وسأشتري لك معطفًا صوفيًا يقيك برد الشتاء."

هزّت رأسها ودموعها تنساب، ثم همست:
– "عام فقط يا مصطفى، لا تجعلني أشتاق أكثر."
فربت على كتفها مبتسمًا:
– "عام واحد، وأعود."

لكن العام انقضى، ثم عام آخر، ثم عقد كامل… ولم يعد.
قال بعضهم إنه مات في المدينة، وقال آخرون إنه نسيها وتزوّج، وراحوا يروّجون الأقاويل هنا وهناك. غير أنها لم تصدّق شيئًا، وكانت ترد على كل من يحدثها:
– "لو مات مصطفى لشعرت به في قلبي. روحي كانت سترتجف وتخبرني. هو حي… وسيعود."

مرت الأعوام ثقيلة. مات أبناؤها الذين لم ترزقهم يومًا، فقد كانت عاقرًا، وتحوّل بيتها إلى صمت طويل. تغير وجه القرية، كبر الصغار وصاروا رجالًا، رحل بعض الأصدقاء، وبُنيت بيوت جديدة.
لكن هي وحدها لم يتغيّر منها شيء: نفس العادة، نفس الكوبين، نفس الانتظار.

كانت ليالي الشتاء قاسية، تجلس قرب الموقد، تكلّم صورة مصطفى التي احتفظت بها في صندوق خشبي قديم. تقول له:
– "لقد وعدتني بمعطف صوفي يا مصطفى. الشتاء برده ينهش عظامي، لكن وعدك يكفيني."

وفي ليالي الصيف، تخرج إلى الفناء، تحدّث النجوم:
– "أيتها النجوم، أنتنّ أدرى بالطرقات من البشر. إن لمحتهنّ في سفره، قولوا له إن رُقيّة لا تزال تنتظر."

وفي صباح شتوي قارس، بعد أكثر من ثلاثين عامًا، كانت رُقيّة تغلي الماء وتُعد الشاي. البخار يتصاعد، والريح الباردة تصفع وجهها المتغضّن.
وبينما تضع الكوب الثاني كعادتها، رأت من بعيد رجلاً عجوزًا يترنّح في سيره، يحمل حقيبة قديمة بالية. كان يمشي بخطوات متعثرة، يلهث كمن قطع مسافات طويلة.

اقترب منها حتى كادت لا تصدّق عينيها. كان شعره قد شاب، وملامحه تغيرت كثيرًا، لكن عينيه… نعم، عينيه كانتا هما نفس العينين.
قال بصوت متهدّج:
– "رُقيّة… سامحيني… لقد عدت."

تجمدت مكانها، وكأن الزمن توقف. ظلت تحدّق فيه لحظات كأنها تقيس بين الوهم والحقيقة. ثم فجأة انهارت دموعها، وارتمت على صدره تبكي:
– "مصطفى… عدت حقًا؟ أم أنني أحلم؟"
فأمسك بيديها المرتعشتين وقال:
– "لا حلم بعد الآن، جئت إليك، بعد أن أعاد الله إليّ ذاكرتي."

اجتمع أهل القرية حولهما بدهشة، حتى الأطفال تركوا لعبهم ليشهدوا المشهد. وبعد أيام، انكشف سر الغياب الطويل.
لقد تعرّض مصطفى لحادث خطير في المدينة، أفقده الذاكرة. ظل سنوات طويلة في مستشفى بعيد، لا يعرف اسمه ولا أصله. وحين بدأت ذاكرته تعود شيئًا فشيئًا، لم يذكر سوى اسم واحد: "رُقيّة".

ومع أول يوم استعاد فيه وعيه كاملًا، حمل حقيبته القديمة، وقطع مئات الكيلومترات حتى عاد إليها.

ومنذ ذلك اليوم، لم يعد الكوب الثاني فارغًا. صار الناس يرونهما كل صباح، جالسين أمام البيت، يحتسيان الشاي معًا.
كان الأطفال يتهامسون:
– "لقد عاد الكوب لصاحبه."
وكان الكبار يبتسمون في صمت، وكأنهم يتعلمون درسًا جديدًا في الوفاء والصبر.

---

📖 إلى القارئ:

قد يطول الانتظار حتى يظن الناس أنه وهم، لكن الله لا يضيع قلبًا صادقًا. الوفاء ليس كلمات تُقال، بل هو عمر يُعاش بصدق.
فإذا أحببت، فكن صادقًا، وإذا وعدت، فَفِ بوعدك، وإذا انتظرت، فانتظر من القلب، فإن الله لا يخيب قلبًا انتظر بصدق.

---

🌿





العنوان: صيحة المظلومفي سوقٍ قديمٍ من أسواق مدينةٍ عامرة، حيث تختلط أصوات الباعة بنداءات الصيادين، وحيث يُعرض على الأعين...
05/09/2025

العنوان: صيحة المظلوم

في سوقٍ قديمٍ من أسواق مدينةٍ عامرة، حيث تختلط أصوات الباعة بنداءات الصيادين، وحيث يُعرض على الأعين كل ما جادت به الأرض والبحر، كان هناك رجل يُدعى بشير بن مالك، من بيتٍ عُرف بالجاه والسطوة. كان بشير فاحش الثراء، قويّ البنية، لا يردّ له الناس طلبًا خوفًا من بطشه، فقد كان سريع الغضب، شديد البأس، لا يرحم ضعيفًا ولا يُنصف مسكينًا.

وفي ذات صباحٍ، بينما كان بشير يتجول في السوق ممتطيًا جواده، لفت نظره صيّاد فقير يُدعى عمران، قد جلس على الأرض يمدّ يده على حصيرٍ مهترئ، وفوقه سمكة كبيرة يلمع قشرها تحت أشعة الشمس. كانت السمكة غنيمة يومه وقوت أطفاله، فراح ينادي:

من يشتري رزق الله لهذا اليوم؟

اقترب بشير ونظر إلى السمكة بإعجاب، ثم قال بنبرة آمرة:

هاتها إليّ أيها الرجل.

رفع عمران رأسه فرأى رجلاً جبارًا في هيئته، لكنه تجرأ وقال بصوتٍ متهدّج:

يا سيدي، هذه رزقي ورزق صغاري، إن بعتها لك جاعوا. فاعذرني، لن أقدر أن أعطيك إياها.

تجهم وجه بشير، وضاقت عيناه، وضرب الأرض بعصاه وقال:

أتجرؤ أن تردّ طلبي؟! أعطني السمكة وإلا ندمت.

فقال عمران بثبات:

والله ما لي غيرها، ولا أبيع قوت أطفالي بتهديدٍ ولا وعيد.

عندها لم يتمالك بشير نفسه، فاندفع وضربه بيده، وانتزع السمكة غصبًا، ورحل وهو يضحك باستهزاء:

انظروا! من يمنعني من أخذ ما أريد؟

---

مضى بشير بالسمكة بين يديه، لكنها لم تهدأ في قبضته، فإذا بها تتحرك وتفتح فاها وتعضّ على إبهامه عضةً موجعة. صرخ بشير وسقطت السمكة، لكنه وجد الدم يتفجر من أصبعه، والألم يتضاعف مع كل لحظة.

عاد مسرعًا إلى بيته وهو يتألم، وأرسل في طلب الطبيب. جاء الطبيب وقلب يده، ثم قال:

إن لم نقطعه الآن، سرى الداء إلى يدك كلها.

فقال بشير وهو يصرخ:

اقطعوه، ولا تبقوه!

فقُطع إصبعه، لكن الألم لم يهدأ، بل انتقل إلى كفّه، فاستُدعي الطبيب من جديد، فقال:

لا دواء إلا أن تُقطع يدك من الرسغ.

فقطعوا يده، وظن أنه قد نجا، غير أن الداء سار إلى ذراعه، فاضطروا إلى قطع يده من الكتف. عندها جلس بشير يبكي لأول مرة في حياته، لا على يده فقط، بل على عجزه وذلّه الذي لم يذقه من قبل.

---

اجتمع حوله بعض عقلاء قومه، فقالوا له:

يا بشير، ما أصابك لم يكن إلا بسبب ظلمك. أتعلم من أين بدأ البلاء؟ بدأ يوم اغتصبت سمكة من رجل مسكين. فاذهب إليه واطلب رضاه قبل أن يبلغ البلاء جسدك كله.

لم يجد بشير مفرًا، فخرج إلى السوق يبحث عن عمران، حتى وجده جالسًا في مكانه، بثوبه البالي، يبيع ما رزقه الله. اقترب منه مترنحًا، ثم خرّ عند قدميه باكيًا وقال:

يا عمران، بحق الله، سامحني فقد ظلمتك.

نظر عمران إليه بدهشة وقال:

ومن أنت حتى أسامحك؟

رفع بشير رداؤه، فأراه كتفه المقطوع ودموعه تنهمر وقال:

أنا من أخذ السمكة منك ظلمًا، وهذه يدي تشهد عليّ.

ارتجفت عينا عمران بالدموع، فأمسكه من ذراعه وقال:

سامحتك يا أخي، والله لا أحمل في قلبي عليك شيئًا بعد اليوم.

لكن بشير لم يهدأ، وقال وهو يتوسل:

بالله عليك، أخبرني، هل دعوت عليّ حين أخذتها منك؟

تنهد عمران وقال:

نعم، رفعت يدي إلى السماء وقلت: "اللهم، إنه تقوّى عليّ بقوته على ضعفي، وأخذ مني ما رزقتني ظلمًا، فأرني فيه قدرتك."

حين سمع بشير هذه الكلمات، وقع على الأرض مغشيًا عليه من شدة الرعب. ثم أفاق وهو يتمتم:

لقد أجاب الله دعاءك سريعًا…

ومنذ ذلك اليوم صار بشير مثالًا للضعف بعد القوة، يسير في الطرقات مستندًا إلى عصا، وينادي:

أيها الناس، من رآني فلا يظلم أحدًا، فإن دعوة المظلوم لا تُردّ.

---

العبرة:

الظلم نار تحرق صاحبها قبل غيره، وإن بدا في لحظة أنّه قوة، فإنه لا يلبث أن يصير هلاكًا. فاحذر أن تُسقط دمعة مظلوم، فإنها عند الله سهمٌ لا يخطئ.

---

رسالة إلى القارئ:

أيها القارئ الكريم، قد تظنّ أنّ قوةً في يدك تمنحك الحق لتبطش، أو أن مالك يشفع لك لتغتصب ما ليس لك، لكن تذكّر أن المظلوم لا سند له إلا الله، وأن الله لا يخذل عباده المستضعفين. فاجعل حياتك نورًا وعدلاً، فإنّ ما يرفعك عند الله وعند الناس هو إنصافك لا سطوتك.

---

#العدل

‏ ‏ ‏‏_______________(  الحلقة 9 )___________‏‏                            فطيرة الدم‏‏_ ماذا تفعلين هنا؟ وبأي وجه تأتين...
05/09/2025




‏_______________( الحلقة 9 )___________


‏ فطيرة الدم

‏_ ماذا تفعلين هنا؟ وبأي وجه تأتين بعد كل ما اقترفتِ؟
‏ قالها عواد بوجه عابس.
‏هاجر ببسمة وبنبرة متوددة:
‏_ هكذا يكون استقبال الضيوف يا عواد؟ هل هذا ما تعلمته من معلمنا؟
‏قال عواد:
‏_ المعلم لو علم بقدومك سوف يطردك شر طردة.
‏هاجر وهي ترفع الحقيبة المعلقة على كتفها عالياً: لقد أتيت فقط لأعتذر وأعيد له كتابه الذي استعرتُه منه.
‏عواد يمد يده بعبوس:
‏_ ناوليني الكتاب وأنا سأسلمه إياه.
‏مدّت هاجر كفها وصافحت يد عواد الممدودة، ثم نفخت في وجهه قائلة:
‏_ لِما لا تترك له هذا القرار؟ ... تَنَحّى جانباً أريد أن أقابله.
‏تغيرت ملامح عواد من التجهّم للضياع، وقال بكلمات متقطعة:
‏_ تفضلي، الطريق من هنا.
‏دخلت هاجر إلى وسط المنزل بخطوات متباهية، وقالت بانتشاء:
‏_ شكراً يا عواد على حسن الاستقبال، كنت أعرف أنك مشتاق لي.
‏سار عواد خلفها، وحينما وصّلت غرفة المعيشة قالت له:
‏_ اتصل بالمعلم وأبلغه بقدومي، فأنا أعرف أنه لا يحب المفاجآت، وبينما تقوم بذلك سأعرج الى غرفتي السابقة، اشتقت لها.
‏عواد بهدوء وبرود :
‏_ حاضر.
‏توجهت هاجر لغرفتها السابقة في الطابق السفلي، فتحته، لكن حينما ألقَت نظرها بداخلها أصابها شعور بالضيق لا تعرف سببه أو مصدره.
‏فأغلقت الباب ولم تدخل، وخلال عودتها لغرفة المعيشة مرت بجانب غرفة أخرى كانت مجاورة لها، فوَقفت أمامها تتأمل بابها وتقول:
‏_ التلميذ المدلل، هل كنت حقاً تظن أنك أفضل مني؟
‏أكملت هاجر سيرها، وحينما وصلت عند عواد قال لها:
‏_ قد أخبرت المعلم بقدومك وهو في انتظارك في غرفته بالأعلى.
‏هاجر بسعادة مصطنعة:
‏_ شكراً يا عواد،
‏_ تفضل، هذا الطريق.
‏صعد الاثنان السلالم المؤدية لغرفة معلمهم، وحينما وقفا أمام الباب طرقته هاجر، ففتح لها المعلم، وما أن التقت عيناهما، قالت ببسمة وهي تشد على حقيبتها حملتها على كتفها:
‏_ كيف حالك يا معلمي؟
‏لم يُجِب المعلم عليها، وجه نظره المتجهّم لعواد الواقف خلفها وقال:
‏_ تعرف أنك ستدفع ثمن ما فعلته.
‏عواد بوجه مشتعل:
‏_ نعم، نعم أعرف.
‏هاجر ونظرتها الحادة منصبة على معلمها:
‏_ شكراً يا عواد، هل يمكن أن تتركنا وحدنا الآن؟ عواد: بكل سرور، لكن قبلها لدي سؤال.
‏ هاجر تحيّد بنظرها عن معلمها، موجهة أذنها تجاه عواد الواقف خلفها
‏_ تفضل.
‏عواد مشيراً لياقتها العالية وشعرها المربوط كذيل الفرس:
‏_ هذا اللبس والمنظر الغريب، هل أعجبك؟ لا أعرف، تبدين كأحد مصاصي الدماء.
‏هاجر ببسمة:
‏_ سأعتبر ذلك إطراء.
‏قاطعهم المعلم بنبرة متداخلة وقال:
‏_ هل انتهينا؟
‏قال عواد:
‏_ حسنًا، أنا راحل.
‏سار عواد مبتعداً ونزل للطابق السفلي.
‏وجه المعلم كلامه بعدها لهاجر وقال:
‏_ لا يمكنِك البقاء هنا.
‏هاجر بشيء من التغنّج:
‏_ أريد الحديث معك فقط، ألا أستحق فرصة لحديث أخير؟
‏_ ماذا تريدين؟
‏ هاجر تسير خلفه إلى وسط الغرفة:
‏_ هل ما زلت غاضباً مني؟
‏قال المعلم دون أن يلتفت نحوها:
‏_ حاولي أن تفهميني، كي أغضب منك يجب أن أكن لك مشاعر من الأساس، وهذا لم يحدث ولن يحدث، أنت كنت مجرد تلميذة لا أكثر ولا أقل،
‏_ مازلتُ أُسَاءُك حتى وإن لم تعترفي بي.
‏قال المعلم:
‏_ هل هذا هو الموضوع الذي أتيتِ من أجله؟ تقدّمت هاجر ووقفت أمام معلمها، وأخرجت من حقيبتها الكتاب الأحمر الذي سرقته منه، مدّته له قائلة:
‏_ أتيت لأشكرك على إنقاذ حياتي، ولأعيد لك هذا.
‏المعلم بلا اكتراث:
‏_ ضعيه مكانه حيث كان.
‏نَفَذت هاجر ما طلب المعلم، ثم أخرجت شيئاً آخر من حقيبتها، لفافة قماشية ومدّتها له قائلة:
‏_ أتمنى أن تقبل مني هذه الهدية البسيطة.
‏_ ما هذه؟
‏_ افتحها وستعرف.
‏أخذ المعلم اللفافة وفتحها ليجد الفطيرة،
‏_ فطيرتك المفضلة، زعتر بالليمون
‏_ هل هذه مزحة؟
‏_ لا أبداً يا معلمي، أنا هنا لأودّعك، لن تراني مجدداً بعد اليوم لأني سأرحل.
‏_ ترحلين إلى أين؟
‏هاجر ببسمة وبنبرة مُسْتَهْزِئَة:
‏_ سؤالك دليل اهتمام
‏_ فرافقتك السلامة إذًا، ولا تنسي أن تغلق الباب خلفك.
‏_ ليس قبل أن أتشارك لقمة أخيرة
‏_ هل تظنين أنني سأتناول شيء من صنع يدكِ؟ هاجر بخليط من الحزن والإحباط المصطنع:
‏_ أنا لست بهذا السوء الذي تظنه، هل تعتقد حقاً أنني وضعت شيئاً بداخلها قد يلحق بك الضرر؟
‏_ نعم.
‏_ لهذا الحد تظنني جاحدة؟ لقد أنقذت حياتي وأنا هنا أحاول أن أُعَبّر عن امتناني لك، وكل ما تفعله هو التجريح بي،كنت اعتقدت أننا سنحصل على حوار مثمر، لكن يبدو أنني كنت مخطئة.
‏قال المعلم:
‏_ مازلتِ لا تعرفين الفرق بين الحوار والجِدال، وعلى أي حال أنا أمنح الثقة مرة واحدة فقط، ولن أثق بكِ مجدداً بعد ما حدث، لقد أثبتِ لي شيئاً اليوم، أن النحاس لن يصبح ذهباً مهما سُقل
‏هاجر رافعة الفطيرة بيدها:
‏_ سأقتطع منها قبلك إذ كان ذلك سيُريح بالك.
‏_ لا داعي، اتركيها هنا وارحلي.
‏هاجر ببسمة وهي تقرّبها من فم معلمها:
‏_ ليس قبل أن تعطيني رأيك بها.
‏تردد المعلم في البداية، ولكن بسبب ما أخذ قطعة من الفطيرة، بينما كانت هاجر تراقبه بوجه باسم وهو يمضغ تلك اللقمة ويبتلعها،
‏_ كيف وجدتها؟ لا بأس بها،
‏_ هل ارتحت الآن؟
‏_ ليس بعد.
‏_ ماذا تقصدين؟
‏في تلك اللحظة أحس المعلم بتصلّب في جسده وجفاف في ريقه، تبعهما شعور بطعنات تشقّ أمعاءه، اختلّ توازنه، تَرَنَّح وسقط على وجهه، أعراض تقليدية لسحر مأكول.
‏هاجر وهي تسير باتجاه رف الكتب فوق فراشه، وتبدأ بالتقاطها واحداً تلو الآخر وتضعها في حقيبتها قائلة:
‏_ لا تسيء فهمي أو تستاء يا معلمي، لكن وقتك قد انتهى منذ زمن طويل، وحان الوقت أن يتولى المهمة من هو أقدر وأشجع منك، لقد قدّمت لك خدمة بتخليص نفسك من نفسك، أنت روح مُرهقة وتحتاج للراحة.
‏كان المعلم وقتها يتقلب على الأرض من شدة الألم، ولم يقوى حتى على الصراخ والاستنجاد بعواد، ولم يُمكّنه جسده سوى من زحف ببطء خطوات خلف هاجر التي صارت نحو باب الخروج وفتحته قائلة:
‏_ لا تلم عواد فقد كان تحت تأثير طلاسمي.
‏رفع المعلم يده محاولاً الإمساك بطرف ثوبها قبل الرحيل، لكنه لم يستطع.
‏بقيت هاجر تتأمل معلمها يُصارع الألم ببسمة، قبل خروجها قالت له:
‏_ المنقذ الوحيد لك هو أن تستخدِم الطلاسم التي أقسمت ألا تعود إليها، أعرف أنك الآن أصبحت فخوراً بي كما وعدتك سابقاً، وداعاً يا معلمي.
‏خرجت هاجر من الغرفة تاركة معلمها يحتضر، وخلال نزولها للطابق السفلي لمحت عواد يقف عند الباب ساهياً من تأثير طلاسمها عليه، وحينما مرت بجانبه وقفت تتأمله ببسمة وقالت:
‏_ لا تقلق، سيزول الأثر مع غروب الشمس، ووقتها سيكون المعلم راحل عن هذه الدنيا، فيمكنك البدء بإجراءات دفنه.
‏خرجت هاجر من المنزل لتجد بدر يقف بانتظارها، ويفتح لها الباب وهو يقول:
‏_ هل انتهينا؟
‏هاجر وهي تمد له الحقيبة المحملة بالكتب ببسمة وهي تركب في المقعد الخلفي:
‏_ انتهينا من الماضي وسننطلق للمستقبل.
‏وضع بدر الحقيبة في صندوق السيارة، ثم ركب في مقعده وقال:
‏_ ملامح وجهك تشير أن الزيارة كانت ناجحة وموفقة.
‏وضعت هاجر ساقاً على ساق، ألقَت نظرها الأخيرة على منزل معلمها وقالت:
‏_ بكل المقاييس، هل تعرف ما هو أهم جزء من أي طبق؟
‏_ ماذا؟
‏_ الطعم ... هيا، دعنا نغادر المنزل.
‏انطلق الاثنان مبتعدين عن المكان.

‏مضى أسبوع على تلك الواقعة، قضته هاجر في دراسة تلك الكتب التي أخذتها من معلمها، نسخ وتدوين كل شيء يُثير اهتمامها فيه، وتوقفت عن الذهاب للمنزل الذي اشترته لاستقبال الحالات، وأخبرت بدر بأنها ستدخل في عزلة، ومرّت بعدم زيارتها حتى تتصل هي به أو أن يكون هناك أمر مهم أو ملح.
‏كانت تريد أن تقضي خلوة مطولة مع تلك الكتب كي تستفيد منها قدر الإمكان، وفي أحد الأيام وقبل منتصف الليل تلقت هاجر اتصالاً من بدر، كانت وقتها مستلقية على سريرها في غرفتها مع قطتها السوداء بعدما أخذت حماماً دافئاً طويلاً، وربطت شعرها بشريط أحمر كذيل الحصان، والكتب الخمسة التي غنمتها من معلمها موزعة أمامها على السرير، تتصفحها باهتمام وتدوّن في كراسة جانبية بعض المعلومات، رفعت هاتفها وأجابت:
‏_ هل أزعجتك في هذا الوقت؟ ألم أخبرك بأنني في عزلة؟
‏_ أعرف، لكن وددت الاتصال بكِ لأمر أعتقد أنكِ ترغبين في سماعه.
‏_ اختصر فأنا مشغولة وليس لي مزاج للحديث.
‏_ يمكنني الاتصال في وقت لاحق لو رغبتِ.
‏_ هات ما عندك وكف عن اللف والدوران، هل جلبت لي مصيبة جديدة؟
‏_ بالعكس، لدي أخبار جميلة ومبشّرة بدأت تتهافت منذ أن عدنا من زيارة بيت معلمك.
‏_ أخبار ماذا؟
‏_ الخلاصة هي أن جميع مشاكلك مع الشرطة قد حُلّت بالكامل، وأنتِ من هذا اليوم حرّة طليقة ولستِ مطاردة.
‏هاجر والقط الأسود يقفز من فوق السرير ويخرج خارج الغرفة:
‏_ كيف حدث ذلك؟
‏_ قضيتك مع الممرضة انتهت بتنازلها عن حقها الخاص، والحق العام أسقط لتراجع النيابة عن المطالبة به، وصدر حكم غيابي بذلك، وبالنسبة لوضاح، تقدّم شخص اعترف بأنه قاتل وستتم محاكمته.
‏صمتت هاجر لشعورها بالصدمة ممّا سمعت
‏_ هل مازلت على الخيط؟
‏_ نعم، نعم أخبار جميلة.
‏_ لِما أشعر بأنكِ لستِ سعيدة بسماعه؟
‏_ لا أبداً لكني كنت مُرهقة اليوم، أخبار جميلة بالفعل، مرّ بي غداً صباحاً كي نُعيد ترتيب تحركاتنا بناءً عليها.
‏_ حاضر، تصبحين على خير.
‏أغلق بدر الخط تاركاً هاجر تتفكر فيما سمعت لثوان، وبينما هي كذلك سمعت مواء القطة السوداء يأتي من خارج الغرفة، هاجر بتذمر:
‏_ لن أخرج لك.
‏أجابها صوته من خارج الغرفة قائلاً:
‏_ أنا من سآتي إليك.
‏اعتدلت هاجر في جلستها متأهبة، بينما دخل عليها الرجل الأنيق وهو يشّد ربطة عنق حمراء، وجلس على الأريكة الجلدية قائلاً وهو يشير إليها بإصبعه:
‏_ أعجبتني ربطة شعرك الحمراء، تليق بك.
‏هاجر بشيء من الحدّة:
‏_ ماذا تريد؟
‏ الرجل الأنيق بابتسامة:
‏_ماذا أريد؟ هل سؤالك هذا غداء أم استهبال؟
‏_ لقد نفّذت ما طُلِبَ مني، وكل واحد منا حصل على ما يريد.
‏قال الرجل الأنيق:
‏_ في الحقيقة أنا لم أكن أريد شيئاً منكِ، وأنتِ لم تنفذي الجزء الخاص بكِ من الاتفاق.
‏_ معلمي مات، ماذا تريد غير ذلك؟
‏_ معلمك حيّ يُرزق.
‏هاجر وهي مصدومة :
‏_ مستحيل، السمّ المأكول الذي ذوّبتُه له في الفطيرة لا يمكن أن ينجو منه أحد
‏_ لكنه نجا.
‏_ سأحاول مرة أخرى، لا تقلق.
‏_ لا، لقد عَقَدتُ معه اتفاقاً جديداً.
‏_ اتفاقاً من أي نوع؟
‏ حرّك الرجل الأنيق سبابته لتختفي الكتب الخمسة من أمام هاجر.
‏هاجر صارخة:
‏_ لا، لا تفعل.
‏_ الكتب عادت لمكانها عند صاحبها، وكذلك الخواتم في خزّينتك لحقت بها، أنتِ لا تستحقينها.
‏هاجر بسخط:
‏_ ليس من حقك أن تفعل ذلك، لقد كان بيننا اتفاق.
‏_ بل هي التي ليست من حقك، والاتفاق يستوجب طرفين، ومعلمك أوْفى بالاتفاق.
‏هاجر بتحكم:
‏_ منذ متى تقوم الشياطين بِإعادة المسروقات؟
‏_ لنتحدث عن الأهم وهو مصيرك بعدما أخفقتي في مهمتك، وسأحكم عليكِ ....
‏هاجر مُقاطعة كلامه صارخة في وجهه:
‏ لا، لا يحق لك التراجع عن عهدك معي.
‏وما أن أنهت عباراتها حتى وجدت نفسها وقد ارتفعت بسرعة خاطفة نحو السقف لترتطم به بقوة، ويلتصق جسدها به، وذراعاها وساقاها ممدودة على جانبيه، وشعرها الأسود الطويل مُنْسَدِل للأسفل بعدما انْفَكّ الرباط الأحمر عنه وسقط على الأرض.
‏نهض الرجل الأنيق من مكانه، وتغيّرت ملامح وجهه لشيء مخيف، وتحدث معها بصوت غليظ ونبرة مرتفعة ومهَدِّدة قائلاً:
‏_ منذ اليوم وصاعداً يُحَرَّم عليكِ التعامل مع الأسياد من الشياطين العلوية، ، وسيَكون محصوراً فقط على السفلى منها،ولن تُمكّني من استخدام التعاويد المتقدمة وبهذا لن ترتقي ولن تتجاوزي كونك ساحرة متواضعة ومشعوذة وضيعه.
‏ هاجر وأنفسها تضيق بسبب ضغط قوي و ألم بصدر:
‏_ هل ستقسينِ من علومك؟
‏قال الرجل الأنيق:
‏_ علومنا ليست لسفهاء أمثالك، معلمك حتى وإن كان عنيداً إلا أن التعامل مع عناده أهون بكثير من التعامل مع غباءِك، إذا رغبتِ بممارسة الدجل فهذا شأنك، لكن سحر الاستعانة لن يكون مُتاحاً لكِ، وهذا هو الحكم النهائي عليكِ.
‏هاجر صارخة فيه:
‏_ سأقتل معلمي لو فعلت ذلك.
‏_ لا شأن لي بما ستفعلينه به أو بنفسك.
‏اقتَرَبَ الرجل الأنيق من هاجر المعلقة في السقف، ورفع يده وانتزع شعرة من رأسها، ثم انطلقت سحابة دخانية سوداء واختفى.
‏هاجر صارخة بجنون:
‏_ سأقتله وأنت ستلحق به.
‏سقطت هاجر على السرير لتنهض وتحدق أمامها بوجه حانق وأنفس متسارعة، وعينين تتفجر غيلاً وحقداً.
‏في صباح اليوم التالي، حَضَرَ بدر على الموعد، فقادته الخادمة لغرفة الطعام ليجد هاجر بانتظاره وهي تتناول إفطارها على الطاولة الكبيرة التي امتلأت بكميات وأصناف من الأطعمة كافية لعشرة أشخاص، دخل عليها وجلس بجانبها بصمت،
‏ هاجر وهي تقضم قطعة من الخبز سألت أمامها:
‏_ تناول شيئاً؟
‏_ لا شكراً لقد تناولت إفطاري.
‏هاجر ضاربة بقبضتها على سطح الطاولة صارخة فيه: _ تناول شيئاً.
‏مدّ بدر يده بارتباك، والتقط بيضة مسلوقة ووضعها في فمه دون أن يقشرها وبدأ بمضغها.
‏عادت هاجر للصمت وصمتت لثواني ثم قالت:
‏_ أحضر لي جثة.
‏بدر مُبتلعاً البيضة الممضوغة :
‏_ جثة؟
‏هاجر مُلتفتة إليه بوجه متجهّم:
‏_ هل يجب أن أكرر كلامي؟
‏_لا لا، فهمتك، من تريدين أن أحضر؟
‏ هاجر مُعيدَة نظرها للأمام، قاطعة قطعة خبز:
‏_ لا يهمني من، أحتاج جثة فقط، ويُفضّل ألا يكون لها أهل يسألون عنها.
‏_ هل يمكنني السؤال لأي غرض؟
‏_ أريد تنفيذ تعويذة محرّمة،
‏_ وهل هناك تعويذة محلّلة؟
‏_ هذه التعويذة محرّمة حتى على أهل الحرام أنفسهم،
‏_ ومتى تريدينها؟
‏هاجر مُلتفتة إليه:
‏_ في أسرع وقت ممكن، لكن انتبه لشيء مهم، بعدما أنتهي منها أريد أن تُدَبّر أمر دفنها في مقبرة للمسلمين دون أن يُصلّى عليها.
‏_ قد يكون ذلك صعباً بعض الشيء، فالجثة يتم استلامها وتسليمها بشكل رسمي، ولا يمكن ذلك إلا بدفع مبالغ كبيرة من الرشاوى، وهذا أيضاً غير مضمون.
‏_ المال ليس مشكلة، فقط دَبّر الأمر.
‏_ سأحاول، لكن امهلني بضعة أيام.
‏_ لا تتجاوز أسبوع.
‏_ حاضر.
‏خرج بدر وغاب لبضعة أيام، قضتها هاجر في مراجعة بعض الكتب التي اقتنتها مؤخراً من بعض المصادر المشبوهة، وفي صباح أحد الأيام وبينما كانت تقرأ في تلك الكتب رأت هاتفها مُظهِراً رقم بدر على الشاشة، فتحت الخط وأجابت قائلة بعدما أنصتت لكلامه:
‏_ جيد، أنا بالانتظار.
‏لم يمضِ الكثير حتى وصل بدر حاملاً معه لفافة كبيرة على كتفه، دخل بها إلى وسط المنزل بعدما فتح له هاجر الباب وقالت:
‏_ خذها للمطبخ، لقد أرسلت الخادمة في مشوار سيستغرق منها ساعتين على الأقل، وهذا وقت كافٍ للانتهاء.
‏بدر سائراً نحو المطبخ:
‏_ تنتَهين من ماذا بالضبط؟
‏هاجر وهي تتابع:
‏_ سأحكي لك خلال قيامي بالعملية.
‏وضع بدر اللفافة أرضاً وفتحها كاشفاً عن جثة عارية لرجل توفّي حديثاً.
‏هاجر وهي تتأمل الجثة:
‏_ هل نَسَّقتُ دفنها في المقبرة بدون مشاكل؟
‏_ لا تعرفين كم من الأموال صرفت كي أجد الأشخاص الذين يمكنهم الموافقة على المشاركة في هذا الأمر،
‏_ لكنك وجدتِ أليس كذلك ؟
‏_ نعم، موظفين في الإسعاف وشرطيين يمتهنان التجارة بالأعضاء، وهم من تواصلت معهم، حَمَلُوا هذه الجثة المشوهة صباح اليوم، وجدوها على قارعة الطريق، أعتقد أنها تعود للمتسوّل، لقد أصدروا له شهادة وفاة واستخرجوا أمر الدفن.
‏_ يبدو أنك حقاً صرفت الكثير من الأموال.
‏_ المهم الآن أن يتم دفنه بسرعة قبل أن تثار الشكوك حول الشرطيين وطاقم الإسعاف المتعاونين معنا، فهم ينتظرون مني إعادة الجثة لهم بأسرع وقت ليأخذوها للمقبرة، قد نبهوا عليّ ألا أتأخر لأنهم يتعرضون مؤخراً للمراقبة وتحقيقات مفاجئة بسبب ما يقومون به.
‏_ جيد، لنبدأ إذن.
‏أحضرت هاجر حقيبة جلدية كانت مستقرّة في أحد زوايا المطبخ، ووضعتها بجانب الجثة، ثم جثت بالقرب منها وبدأت تفريغ محتوياتها.
‏أخرجت منها مجموعة من الأدوات التي لفتت انتباه بدر، وأثارت استغرابه، فقد كان من ضمنها كماشة حديدية وعدد من المشاريط وبكرات خيوط قطنية، بالإضافة للحقيبة الصغيرة التي استخدمتها سابقاً لوَشْم يدها بالنجمة الخماسية.
‏أخرجت كذلك زوجين من القفازات الطبية وبعض أوراق البردي، ووعاء كحل وآخر من الرصاص، وحينما انتهت من صفها جميعاً على الأرض، لَبِسَت القفازات وبدأت بالعمل المُستَهَلّ بِوَشْم يد الجثة بالنجمة الخماسية.
‏ شاهد بدر ما يحدث بخليط من العجب والاستغراب وقال:
‏_ لِما وشمتِها بالنجمة الخماسية؟


‏_________________________________

‏يتبع في الحلقة 10 ستجدها هنا 👇

‏لقراءة الحلقة 8 ستجدها هنا 👇



العنوان: "ثوب الملك المزيف"في قديم الزمان، كان هناك ملك في مدينة عظيمة، يُعرف بترفِه وحبّه للمظاهر. لم يكن يهتم برعيته، ...
04/09/2025

العنوان: "ثوب الملك المزيف"

في قديم الزمان، كان هناك ملك في مدينة عظيمة، يُعرف بترفِه وحبّه للمظاهر. لم يكن يهتم برعيته، بل كان كل ما يشغله أن يبدو أجمل من سائر الملوك، وأن يرتدي أفخر الثياب المرصعة بالجواهر.

وذات يوم جاء إلى القصر رجلان غريبان ادّعيا أنهما من أمهر النسّاجين، وقالا للملك:
ـ أيها الملك العظيم، نحن قادران على أن نصنع لك ثوبًا لا مثيل له في الدنيا. ليس فقط جميلاً، بل له خاصية عجيبة: لا يراه إلا العاقل الحكيم، أما الأحمق والجاهل فإنه يظهر له فارغًا.

انبهر الملك بالفكرة، وظن أنها وسيلة ليختبر بها وزراءه ورعيته، فمن يزعم أنه لا يرى الثوب فهو غبي أو خائن. فأمر لهما بالذهب والحرير، وجلسا في قاعة كبيرة يتظاهران بالنسج على أنوال فارغة، بينما في الحقيقة لم ينسجا شيئًا.

مرّ الوزير الأول، فرأى الأنوال خالية، لكنه خاف أن يقول الحقيقة فيُتهم بالحمق، فقال:
ـ يا مولاي، ما أبهى هذا الثوب! إنه آية في الجمال.

جاء الوزير الثاني، فرأى ما رأى، لكنه أيضًا ادّعى الإعجاب خوفًا من غضب الملك. وهكذا تناقل الخبر حتى صار جميع أهل القصر يثنون على الثوب العجيب، وكلهم يعلمون في قلوبهم أنه لا وجود له.

أخيرًا جاء يوم الموكب العظيم. ارتدى الملك "الثوب" الموهوم، وخرج إلى الشوارع مزهوًّا بنفسه. الناس مصطفّون على جانبي الطريق، وكلٌّ منهم يتهامس:
ـ إنه عارٍ!
لكن أحدًا لم يجرؤ على الكلام، خوفًا من أن يُتهم بالحمق أو العقوق.

حتى صرخ طفل صغير من وسط الجمع، بصوت صافٍ بريء:
ـ أيها الناس، الملك عارٍ! لا يرتدي شيئًا!

ساد صمت رهيب، ثم تعالت الضحكات، وتردّد الصوت في الأرجاء:
ـ الملك عارٍ! الملك عارٍ!

احمر وجه الملك خجلًا، وأدرك متأخرًا أنه خُدع، وأن حبه للمظاهر جعله أضحوكة بين رعيته.

---

العبرة:

الحق يظل حقًا مهما غطّته الأكاذيب، والصوت الصادق قد يحرج ألف متملّق. من يركض وراء المظاهر يُفضَح في النهاية، أما الصدق والبساطة فهي التي تبقى.

---

رسالة إلى القارئ:

لا تنخدع بالمظاهر، ولا تصدّق كل ما يُقال لمجرد أن الجميع يردّدونه. فالعين الصافية والقلب الصادق أصدق من ألف لسانٍ منافق.

---

#حكمة #الصدق #عبرة #أدب

العنوان: خيانة تفضحها المقابرفي قرية صغيرة تحفّها الغابات من جانب، وتجاورها المدينة من جانب آخر، عاش شاب يُدعى مروان، وك...
04/09/2025

العنوان: خيانة تفضحها المقابر

في قرية صغيرة تحفّها الغابات من جانب، وتجاورها المدينة من جانب آخر، عاش شاب يُدعى مروان، وكان حطّابًا مجتهدًا، يخرج كل صباح إلى أعماق الغابة يحمل فأسه، فيجمع الحطب ويعود به إلى السوق ليبيعه، ثم يعود إلى بيته متعبًا لكنه راضٍ بما قسم الله له.

تزوج مروان من فتاة تُدعى ليلى، كانت جميلة الوجه، رقيقة الصوت، لكن قلبها لم يكن نقيًّا كما بدا ظاهرها. فما أن يمضي مروان إلى عمله حتى كانت تذهب خلسة إلى دكان قصّاب في السوق يُدعى شاهر، تتبادل معه النظرات والحديث، وتغذّي في نفسها نارًا من الخيانة والشهوة.

وذات يوم، قال لها شاهر في دكانه وقد خلا بها:
ـ يا ليلى، إلى متى يظل زوجك عقبة بيننا؟ ألا ترغبين أن نصبح معًا دون خوف ولا ريبة؟
أطرقت رأسها ثم رفعت عينيها بخبث قائلة:
ـ وكيف السبيل إلى ذلك؟
اقترب منها شاهر وهمس:
ـ هناك خطة تخلصنا منه نهائيًا.

ارتجف قلبها لحظة، لكنها ابتسمت في النهاية وأومأت بالموافقة.

بداية الخديعة

عادت ليلى إلى بيتها وقد رسمت على وجهها قناع المريضة. تمددت على فراشها، ووضعت يدها على صدرها، وراحت تتأوه وتشهق كأنها في الرمق الأخير. دخل مروان فزِعًا، فأسرع إليها:
ـ ما بالكِ يا ليلى؟ ما هذا الضعف الذي حل بك؟
أجابت بصوت متقطّع:
ـ آه يا مروان، إنني أحتضر، لا دواء ينفعني... لكن سمعت عن امرأة حكيمة تقيم قرب السوق، لها باب أحمر مميز، هي وحدها تستطيع إنقاذي.
قال مروان بلهفة:
ـ دليني على مكانها، سأذهب إليها حالًا.

فانطلق مسرعًا، حتى وقف أمام الباب الأحمر. طرقه، فخرجت إليه امرأة عجوز متنكّرة، كانت في الحقيقة شاهر نفسه وقد تقنّع بثوب نسائي ونقاب.

قال بصوت مرتجف مصطنع:
ـ ماذا تريد يا ولدي؟
قال مروان:
ـ زوجتي تموت، أرجوكِ أن تجيئي معي وتنقذيها.
هزّ العجوز رأسها:
ـ حسنًا، سأوافيك، دعني أحضر حقيبتي.

دخل شاهر إلى البيت مع مروان، وجلس عند ليلى يتظاهر بالفحص. تمتم بكلمات وهمية ثم قال:
ـ آه... ما كنت أخشاه قد وقع. هذه المرأة ستموت عند الفجر لا محالة.
شهق مروان باكيًا:
ـ لا، أرجوكِ، ابحثي عن علاج!
صمت شاهر قليلًا ثم قال:
ـ هناك علاج واحد، لكنه عسير.
ـ ما هو؟ أقسم أنني سأفعله.
ـ عليك أن تأتيها بقلب رجل يهودي ميت لتوّه، فإن أكلت منه شُفيت فورًا.

تردد مروان، ثم صرخت ليلى فجأة متأوهة:
ـ آه يا مروان، أنقذني! قلبي يحترق... افعل أي شيء.
انهار مروان أمام توسلاتها وقال:
ـ حسنًا، سأذهب الليلة.

المقبرة والفتاة

في المساء، حمل مروان فانوسه وتوجه إلى مقبرة اليهود. جلس طويلًا حتى جاءت جنازة لفتاة من بيتٍ عظيم الشأن، دفنوها وانصرفوا. اقترب مروان، وبقلبٍ يرتجف شرع يحفر القبر حتى بلغ التابوت. فتح الغطاء فإذا به أمام وجهٍ كالبدر، فتاة شابة في ثوبٍ فاخر، جمالها يثير الدهشة كأنها لم تمت.

جثا مروان على ركبتيه، ودمعت عيناه:
ـ يا إلهي، كيف أقتل جمالًا كهذا؟ كيف أقطع قلبًا لم يزل غضًّا؟
رفع خنجره مرتجفًا، ثم سقط الخنجر من يده وهو يصرخ:
ـ لا أستطيع!

وفجأة، فتحت الفتاة عينيها وأخذت تسعل. ارتد مروان مذعورًا. قالت بصوت ضعيف:
ـ من أنت؟ أجئت لتعتدي عليّ؟
غض بصره وقال:
ـ معاذ الله! بل جئت مضطرًا.

قصّ عليها قصته كاملة. نظرت إليه مليًّا ثم قالت:
ـ أصدقك.
تعجب مروان:
ـ حقًا تصدقينني؟
قالت:
ـ نعم، فأنا أملك موهبة تمييز الصادق من الكاذب، وهذه الموهبة جرّت عليّ البلاء.

ثم أردفت:
ـ اسمي راحيل، ابنة زعيم اليهود في المدينة. حاول وزير أبي أن يغدر به، ولما علمت بخطته سقاني سمًّا أدخلني في غيبوبة تشبه الموت، فأُودعت القبر حيّة. ولولاك لهلكت.

وقف مروان مذهولًا، فقالت:
ـ اعلم أن زوجتك وذلك القصاب يخدعانك، ويتآمران على قتلك.

انكشاف الخيانة

في تلك الأثناء، كان شاهر يتعقب مروان حتى وصل المقبرة، فسأل عن هوية المدفونة فعلم أنها ابنة الزعيم. فمضى مسرعًا يخبر الزعيم أن رجلًا دنّس قبر ابنته. ثار الزعيم، وأمر الشرطة بالذهاب معه.

وصلوا المقبرة فإذا بهم يفاجؤون براحيل تخرج حيّة مع مروان. تهلّل وجه أبيها، وضمّها باكيًا. قصّت عليه المؤامرة، فقبضت الشرطة على الوزير الخائن.

أما مروان، فقد شكرته راحيل أمام أبيها وقالت:
ـ هذا الشاب أنقذ حياتي، فلا بد أن يُكرَّم.
عانقه الزعيم وأكرمه أعظم إكرام.

العقاب والنهاية

عاد مروان إلى بيته، فوجد بابه مخلوعًا والقصاب مع ليلى في حال الخيانة. حمل سيفه وهجم عليهما. جرى شاهر فطعنه مروان فسقط يتألم، أما ليلى فقد صرخت صراخًا هستيريًا حتى أغشي عليها.

لم يقتل مروان أحدًا، بل سلّمهما للشرطة، حيث حُوكما بتهمة الخيانة والتآمر.

وبعد أيام، عرض الزعيم على مروان أن يتزوج ابنته راحيل بعد أن أسلمت وحسن إسلامها، فوافق مروان. عاش معها حياة طيبة، رزقهما الله البنين والبنات، وكانا مثالًا للوفاء والصدق.

---

العبرة:

الخيانة لا تنتهي أبدًا بخير، فمهما تجمّلت الأقنعة واشتد مكر الماكرين، فإن الله يكشف سترهم ويفضحهم على رؤوس الأشهاد. أمّا الصدق والإخلاص، فهما طريق النجاة والعزّة والكرامة.

---

رسالة إلى القارئ:

أيها القارئ الكريم، هذه القصة تذكرك أن من خان مرةً خان ألف مرة، فلا تُؤتمن النفس الضعيفة ولا تُسلَّم الأمانة إلا إلى من يخاف الله حقًا.

---

#حكمة #خيانة #وفاء #عبرة #أدب

Address

Tangier
90040

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when رحلة إلى عالم الحكايات posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Share

Category