
15/07/2025
العنوان: "العفريت ... جاثوم أغاثا"
..انطفأت الأنوار، ولم يعد "كريم" يرى شيئًا سوى العتمة تتراقص على أطراف الجدران، تتمايل كظلال أرواح هائمة...
وفي تلك اللحظة التي ظنّ فيها أنه وحده، كان هناك من يراقبه.
جلس على الأريكة، أدار جهاز الموسيقى، واختار بعض الأقراص الكلاسيكية الهادئة، محاولًا تهدئة أعصابه، وكأن النوتات تستطيع أن تبعد عنه ما لم يفهمه بعد.
فتح زجاجة نبيذ معتّقة، استنشق عبير الشموع المعطّرة التي تركتها زوجته "ليانا" قبل مغادرتها، ثم أغمض عينيه وغرق في غفوة خفيفة، لم يدم طمأنينتها سوى دقائق.
كان هناك شيء ما يضغط على صدره.
في البداية، ظنّ أن "ليانا" قد عادت، وأنها تضع يدها عليه كعادتها حين توقظه برفق... لكنه عندما فتح عينيه، اختنق قلبه من الرعب.
كانت هناك... عجوز بشعة، بأنف معقوف كالخطاف، ووجه تغزوه التجاعيد كأنها ندوب قرون مضت.
كانت جالسة على صدره.
لم يكن قادرًا على الحركة، يديه وقدميه كأنها شُلت، ولسانه لا يستجيب.
كانت عيناها صفراوان، يحيط بهما شعيرات دموية تتخلل القزحية الرمادية، وفمها ينبض بلعاب أصفر يسيل من بين ثلاثة أسنان متعفنة.
قالت بصوت خشن كخدش مسمار على زجاج:
> "أنت بخير... وسأبقى هنا، معك... ومع زوجتك، إن رغبت."
كانت كأنها تمزح... لكنها لم تكن كذلك.
حاول "كريم" أن يُقنع نفسه بأنه كابوس، أن ذلك مجرد حلم ثقيل، ولكنها لعقت شفتيها ثم اقتربت منه، تمسّد على خده بأصابع تشبه مخالب الطيور النافقة.
أغلق عينيه بقوة، وعندما فتحهما... ما زالت هناك، أكثر قربًا، أكثر رعبًا.
جمع قواه أخيرًا، وصرخ... لكنها صرخت أيضًا، صرخة احتجاج كأنما أزعجها من حلمها، فرفع ذراعه وصفعها بكل ما أوتي، لكنه شعر كأنه ضرب كيسًا مملوءًا بالعظام المبللة.
اختفت.
لكنه حين نظر إلى طرف الغرفة، وجدها واقفة بظهرها المحني، تطفئ الشموع الواحدة تلو الأخرى بأصابعها المبتلة، وهي تبتسم له ابتسامة تفتح أبواب الجحيم.
صرخ، وركض إلى سيارته، انطلق بها بأقصى سرعة، ولم يلتفت خلفه.
لكنه شعر بها في السيارة، كانت تمرر أصابعها بين خصلات شعره، كأنها تلعب به.
وصل إلى منزل صديقه أمين بولارد، طرق الباب بجنون، فتح أمين وهو في ثيابه المنزلية، وعلى وجهه علامات الصدمة:
> "كريم؟ ما الذي جرى لك؟"
دخل كريم مرتبكًا، يتصبب عرقًا، جلس على الأرض وهو يلهث، ثم قال:
> "أمين... أعتقد أنني جلبت... شيئًا معي من ذلك المنزل القديم."
روى له القصة كاملة: عن مارسيلا، وعن أغاثا، وعن الضحك، وعن العجوز التي زارته، وعن الأصابع التي مرّت على رأسه وهو يقود السيارة.
قال أمين وهو يحاول التماسك:
> "يبدو أنك... دعوت شبحًا للعيش معك. وأظنها قبلت."
حدّق كريم فيه بذهول:
> "شبح؟ هذا... هذا الشيء شيطاني! كيف أتخلّص منها؟"
أجاب أمين بعصبية:
> "لا أعلم... قل لها فقط أن تغادر!"
صرخ كريم:
> "وكأنها طفلة ستسمع كلامي! هل تملك نسخة من الكتاب المقدس؟"
ابتسم أمين بسخرية مرتبكة:
> "ما الذي تفكر فيه يا رجل؟"
كرّر كريم:
> "هل معك الكتاب؟"
قال أمين وهو ينهض بتردّد:
> "أجل، لم أفتحه من قبل... لكن معي نسخة."
أحضر الكتاب، وانتزعه كريم بشدة وهو يتمتم:
> "أدعو الله أن يجدي هذا نفعًا..."
ركب سيارته، وعاد إلى منزله، وفي قلبه عاصفة لا تهدأ.
في تلك الليلة، جلس في صالة بيته، وضع الكتاب المقدّس بجانبه، وأخذ يتابع التلفاز محاولًا التشاغل.
ثم... رآها.
أغاثا، واقفة في الزاوية، لكن هذه المرة... كانت خائفة.
قال بصوت ثابت:
> "ما بك؟ اقتربي إن شئت."
قالت بصوت مرتجف:
> "ألقِ بالكتاب بعيدًا... وسأقترب."
قال لها:
> "هل أنتِ أغاثا؟"
همست وهي تحدق بالكتاب بنظرة فزع:
> "نعم... لا أحبّه... أرجوك، تخلّص منه."
تقدّم كريم نحوها ببطء، حاملاً الكتاب، وقال:
> "أتعلمين؟ لا أريدك هنا... أخرجي من بيتي."
ابتسمت أغاثا ابتسامة حزينة:
> "أنت تمزح... أعلم أنك تحبني."
قال بصوت حاد:
> "بسم الله، أطلب منك أن تتركي هذا البيت فورًا!"
صرخت، وبدأت تتلاشى، وهي تتمتم:
> "أنت تحبني... ستندم..."
واختفت.
في اليوم التالي، وضع كريم نسخًا من الكتاب المقدس في كل غرفة من غرف منزله.
لم تعد أغاثا تظهر بعدها، لكن... ظلالها ظلت في أحلامه.
كلما أغمض عينيه، وجدها في ركن من الذاكرة، تنظر إليه، تهمس له، تبتسم له بوجهها المجعّد، كأنما بقيت قطعة منها بداخله.
وبحسب علماء النفس، فإن حالة "كريم" تُعرف علميًّا باسم: "متلازمة العجوز الجاثمة"، وهي تجربة واقعية يشعر فيها المصاب بأنه عاجز عن الحركة، يُهاجمه كيان شرير عند النوم أو الاستيقاظ المفاجئ، ويُطلق عليها شعبيًّا اسم "الجاثوم".
لكن كريم، حتى اليوم، لا يعتقد أنها مجرد متلازمة.
بل زيارة... قبل أن تختار أغاثا بيتًا جديدًا.
---
🕯️ رسالة إلى القارئ:
> هناك من لا يغادرون... بل ينتظرون فقط من يدعوهم.
وإن استقرّوا في بيتك، فاعلم أنك لن تعود وحدك أبدًا.
لا تعبث بالمنازل القديمة، فبعض الأرواح لا تنام... بل تستيقظ حين تُنكرها.
---
🕸️ هاشتاغات للنشر:
#العفريت2