
20/05/2025
ذاكرة ميدلت الحيّة: عمي هروش أيقونة الزمن الجميل.
رغم الإمكانيات المحدودة التي عرفتها مدينة ميدلت خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، برز اسم عمي هروش كأحد الوجوه الأكثر تألقًا في المشهد الرياضي والثقافي المحلي. لم يكن مجرد حارس مرمى مميز، بل كان نموذجًا فريدًا للموهبة المتعددة، جمع بين الرياضة والفن والعمل التطوعي، وعاصر أجيالًا مختلفة تاركًا أثرًا عميقًا في نفوس من عرفوه.
في ملاعب ترابية لا تحمل من الاحترافية شيئًا سوى صدق العطاء، تألق عمي هروش كحارس مرمى لا يُشق له غبار. كان يتحرك بخفة، يقرأ نوايا المهاجمين، ويقود خط الدفاع بثقة الحارس الذي يعرف أن عليه حماية الشباك مهما كانت الظروف. لم تمنعه قلة التجهيزات ولا بساطة الإمكانيات من التألق، بل زادته تحديًا وإصرارًا.
بعيدًا عن الميادين، كان لعمي هروش وجه آخر لا يقل تألقًا، فقد كان عازف "غيطة" بارعًا، يُحيي الأعراس والمناسبات الشعبية في المدينة، ويملأ الأجواء نغمة وفرحًا. لم يكن الفن عنده مجرد هواية، بل جزء من شخصيته، ومن علاقته الوثيقة بالمجتمع وتراثه.
كما كان سبّاحًا ماهرًا، عرف عنه تدخله أكثر من مرة لإنقاذ أرواح من الغرق في الأنهار أو المسابح، بما يملكه من مهارة وشجاعة فطرية. عمي هروش لم يعرف حدودًا لموهبته، بل جسّد الإنسان الشامل، الذي يعطي دون انتظار، ويتقن ما يفعل بحب.
هو من أولئك الرجال الذين يندر تكرارهم. رجل بألف موهبة، حاضر في الذاكرة الجماعية للمدينة، ومحبوب من الصغار قبل الكبار. لم يسعَ يومًا للظهور أو التقدير، لكن ميدلت تحفظ له جميله، وتدين له بوافر الاحترام والاعتراف.
إن الحديث عن عمي هروش هو حديث عن زمن جميل، عن الصدق في العطاء، وعن الموهبة حين تكون نابعة من القلب. وهو اليوم، وهو على قيد الحياة، يستحق كل كلمة طيبة، وكل التفاتة اعتراف بما قدمه لهذه المدينة التي أحبها وخدمها بصمت.