09/11/2025
الدولة الوطنية في خطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني: معركة الوعي قبل معركة القرار
في لقاءٍ جمعه الليلة البارحة بأطر ووجهاء مقاطعة أظهر في مدينة انبيكت لحواش، ألقى فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خطابًا وطنيًا شاملاً، يمكن وصفه بأنه من أقوى المرافعات السياسية في وجه القبلية والجهوية والفئوية والعنصرية منذ تأسيس الدولة الموريتانية الحديثة.
القبيلة والجهة خارج مفهوم الدولة
قال الرئيس بوضوح لا يحتمل التأويل:
> “لن يكون هناك أي تساهل بعد اليوم مع أي استخدام للقبيلة أو الجهة أو الشريحة في استخدامات منافية لمبادئ الدولة الوطنية.”
بهذا التصريح الصريح، يعلن محمد ولد الشيخ الغزواني نهاية مرحلةٍ من التساهل مع الممارسات التي طالما قيدت الدولة الموريتانية في قوالب الانتماءات الضيقة، ويؤكد أن رموز الدولة وموظفيها ملزمون بالولاء المطلق للوطن، بعيدًا عن كل الاصطفافات القبلية أو الجهوية.
لقد ذهب أبعد من التحذير، إلى تحريم المشاركة في الفعاليات ذات الطابع القبلي أو الجهوي، وهو موقف ذو بعد رمزي قوي، يُعيد رسم الحدود بين الدولة كمؤسسة جامعة، وبين المجتمع كتنوّع مشروع ولكن مضبوط بمفهوم المواطنة.
منهج الإصلاح الهادئ
ولم يكتف الرئيس بالنبرة التحذيرية، بل أوضح أن منهجه في التعاطي مع الشأن العام يقوم على التدرج والصبر، وأن الإصلاح لا بد أن يتم دون إقصاء أو ضرر، إلا عندما يتجاوز البعض حدود القانون والمصلحة العامة، حينها — كما قال — «لن يكون التسامح ممكنًا».
هذا الخطاب يكشف فلسفة غزواني في الحكم: الإصلاح من الداخل، بالوعي أولًا ثم بالقرار. فهو لا يخوض معركة شكلية ضد القبلية، بل يسعى إلى تجفيف منابعها من خلال تغيير الثقافة السياسية والاجتماعية، وجعل الانتماء الوطني هو الرابط الأعلى والوحيد.
دعوة للنخب لتحمل المسؤولية
في جانب آخر من حديثه، دعا الرئيس النخب السياسية والمجتمعية والشبابية إلى التوعية بمخاطر القبلية والجهوية، وإبراز آثارها السلبية على وحدة الوطن ومستقبله.
وهذه الدعوة تمثل تحويلًا للخطاب الوطني من مسؤولية الدولة وحدها إلى مسؤولية جماعية، تشارك فيها النخب في ترسيخ القيم الجامعة.
الرسالة الأعمق: دولة المواطنة
أكد الرئيس أن “الطموح لتقدم بلدنا وازدهاره لن يتم إلا ببناء دولة المواطنة التي تقضي على الفوارق والتمييز”، وأنه لا مكان في الدولة الوطنية “لتراتبية قبلية أو فئوية أو شرائحية”.
إنه بذلك يرسم خريطة طريق لموريتانيا الجديدة، دولةٌ تُقاس فيها القيمة بالمساهمة لا بالانتماء، ويُكرَّم فيها المواطن بجهده لا بأصله.
خطاب الرئيس في انبيكت لحواش ليس مجرد موقف عابر، بل هو وثيقة سياسية ووطنية تحدد ملامح المشروع الغزواني في عمقه الأخلاقي والاجتماعي.
فهو لا يحارب القبلية كشعار، بل يسعى إلى تحرير الدولة من رهاناتها، وإعادة توجيه البوصلة نحو وطنٍ واحد، وعدالةٍ واحدة، ومواطنةٍ متساوية.
إنها معركة الوعي أولًا، ومعركة القرار لاحقًا.
ومتى ما نجحت الدولة في هذا التحول، فإن موريتانيا ستدخل عهدها الجمهوري الثالث فعليًا: عهد الدولة الجامعة، لا دولة المجموعات.
العمدة المساعد
Moctar Bah Aidelha