
05/08/2025
نهجان تجاريان: كيف نجحت بريطانيا في إبرام اتفاق مع الهند بينما تعثّرت أمريكا؟
في شهر تموز 2025، وقّعت الهند والمملكة المتحدة اتفاقية تجارة حرة شاملة بعد ثلاث سنوات من المفاوضات المتقطعة. تمثّل هذه الاتفاقية إنجازًا اقتصاديًا بارزًا للهند وبريطانيا على حدّ سواء، وتعكس قدرة الطرفين على صياغة إطار تعاون تجاري متكافئ قائم على المصالح المشتركة. واللافت أن هذا الإنجاز يأتي في وقت لا تزال فيه مفاوضات الهند مع الولايات المتحدة تراوح مكانها، رغم العلاقات الاقتصادية العميقة بين البلدين.
تمكنت لندن من تصميم اتفاق تجاري يأخذ بالاعتبار الخصائص الهيكلية للاقتصاد الهندي، خاصة دور المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، واعتماد شريحة واسعة من القوى العاملة على الزراعة. الاتفاقية لم تقتصر على تخفيض الرسوم الجمركية، بل منحت الصادرات الهندية إعفاءً جمركيًا شبه كامل (99%)، وشملت بنودًا لتسهيل حركة المهنيين، وتفادي الازدواج الضريبي في أنظمة الضمان الاجتماعي.
كما تلاقى الطرفان على ملفات تخصّ سلاسل التوريد، والطاقة النظيفة، والتقنيات الرقمية، في وقت تسعى فيه بريطانيا لإعادة تشكيل هويتها الاقتصادية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، بينما تدفع الهند باتجاه تحقيق هدفها بأن تصبح اقتصادًا بقيمة 5 تريليون دولار بحلول عام 2027.
على النقيض، لا تزال المفاوضات التجارية بين الهند والولايات المتحدة معلّقة في عدة نقاط خلافية، معظمها ذات طابع هيكلي. من أبرزها:
الدعم الزراعي: تعتبر الولايات المتحدة أن سياسات الحد الأدنى للأسعار (MSP) في الهند تُشوّه الأسواق، في حين ترى فيها الهند آلية استقرار ضرورية لحماية صغار المزارعين.
الاقتصاد الرقمي: ترفض واشنطن فرض ضرائب وطنية على الخدمات الرقمية العابرة للحدود (مثل ضريبة المعادلة)، بينما ترى الهند في هذه الخطوات محاولة لضمان العدالة الضريبية.
المشتريات الحكومية: تختلف الرؤى حول مدى انفتاح السوق الهندية للمشتريات العامة، خاصة مع تمسّك نيودلهي بدورها التنموي في هذه المشتريات.
المفارقة أن حجم التبادل التجاري بين الهند والولايات المتحدة أكبر بكثير من نظيره البريطاني، كما أن الروابط الاستثمارية والتكنولوجية بين نيودلهي ووادي السيليكون عميقة. ومع ذلك، فإن طريقة التفاوض الأمريكية تميل إلى التركيز على المطابقة التنظيمية وفتح الأسواق، دون مرونة كافية تجاه السياق المحلي الهندي.
بالمقابل، تعاملت بريطانيا بواقعية، فصاغت اتفاقًا يُراعي تطلعات الطرفين، دون أن تفرض نماذج جاهزة أو اشتراطات تقليدية.
إن نجاح بريطانيا في إبرام اتفاق شامل مع الهند لا يعود فقط إلى حسن النوايا، بل إلى تبني مقاربة اقتصادية مرنة تراعي الأولويات الهيكلية. فالهند، رغم نموها السريع، لا تزال تُدار بمنظور مزدوج: اقتصاد حديث الطموح من جهة، وبنية اجتماعية واقتصادية بحاجة إلى أدوات حماية من جهة أخرى.
#الهند