01/05/2024
خطبة مكتوبة حول
المشمرون_إلى_الجنة
الخطبة الاولى
الْحَمْدُ للهِ نَوَّرَ بِالْهِدَايَةِ قُلُوبَ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَدَعَاهَا إِلَى طَاعَتِهِ فَأَقْبَلَتْ مُنْقَادَةً، مُحَقِّقَةً وَحْدَانِيَّةَ اللهِ وَانْفِرَادَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تُبَلِّغُ شَاهِدَهَا الْحُسْنَى وَالزِّيَادَةَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَخْصُوصُ بِالْعُلُوِّ وَالسِّيَادَةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَنْصَارِ الدِّينِ وَأَمْدَادِهِ، وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ إِخْوَةَ الإِيمَانِ، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ وَالإِحْسَانِ، عَلَّ اللهَ أَنْ يَكْتُبَ لَكُمُ النَّجَاةَ مِنَ النِّيرَانِ، وَالْفَوْزَ بِأَعَالِي الْجِنَانِ، كَمَا وَعَدَ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: )لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ( [آل عمران:15-17].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ سِلْعَةُ اللهِ الْغَالِيَةُ، يَطْلُبُهَا ذَوُو النُّفُوسِ الأَبِيَّةِ، وَيَسْعَى إِلْيهَا أُولُو الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ، وَالنَّاسُ مَا بَيْنَ مُشَمِّرٍ لَهَا وَمُعْرِضٍ عَنْهَا، فَطُوبَى لِطَالِبِيهَا الْعَامِلِينَ لَهَا، وَيَا خَسَارَةَ مَنْ نَحَّاهَا وَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَلَقَدْ شَمَّرَ لَهَا الْمُخْلِصُونَ، وَسَعَى لَهَا السَّلَفُ الصَّالِحُونَ.
وَإِلَيْكُمْ هَذِهِ الْقَصَصَ الرَّائِعَةَ، وَالأَخْبَارَ الْعَجِيبَةَ، لأُولَئِكَ الأَقْوَامِ الَّذِينَ شَمَّرُوا عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ؛ طَلَباً لِجَنَّةِ الْكَرِيمِ الْجَوَادِ، عَلَّهَا أَنْ تَبْعَثَ فِي نُفُوسِنَا الْهِمَّةَ؛ ابْتِغَاءً لِكَرَامَةِ اللهِ فِي الْجَنَّةِ، فَهَذِهِ امْرَأَةٌ صَابِرَةٌ مُحْتَسِبَةٌ، قَدْ أَثْقَلَ الْمَرَضُ كَاهِلَهَا، وَهَدَّ الْوَهَنُ عَزْمَهَا، لَمْ تَزَلْ رَفِيقَةَ الأَسْقَامِ، صَاحِبَةَ الآلاَمِ، تُقْدِمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْكِي ضَعْفَ الْحَالِ وَقِلَّةَ الْحِيلَةِ، أَلْقَتْ بِهُمُومِهَا إِلَى بَرٍّ رَحِيمٍ، وَشَكَتْ حَالَهَا إِلَى عَطُوفٍ كَرِيمِ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا» [أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ].
إِنَّ هَذِهِ الصَّابِرَةَ تَعْلَمُ أَنَّهَا تُخَاطِبُ خَيْرَ الْبَرِيَّةِ صلى الله عليه وسلم؛ الَّذِي إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ رَدَّدَتْ أَرْجَاؤُهَا تَرْحِيباً وَتَأْمِيناً، فَلَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَضَاءِ حَاجَتِهِا بِإِذْنِ رَبِّهَا إِلاَّ أَنْ تَقُولَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَنِي، لَكِنَّهُ كَانَ خِيَاراً دُونَ خِيَارٍ أَعْظَمَ، وَمَطْلُوباً دُونَ مَطْلُوبٍ أَسْمَى، تَلاَشَتْ أَمَامَهُ كُلُّ الْهُمُومِ، وَتَنَاسَتْ بِذِكْرِهِ كُلَّ الآلاَمِ، إِنَّهَا الْجَنَّةُ، نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: وَمِنْ قَصَصِ الْمُشَمِّرِينَ لِلْجَنَّاتِ، مَا حَصَلَ مِنَ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِىِّ -رضي الله عنه- حيثُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» [رواه مسلم]
إنِّها الْهِمَّةُ العَالِيةُ, والطُّمُوحُ الكبيرُ! بِمُرافَقَةِ الحبيبِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ! فَلِمَ خصَّ النبيُّ السُّجودَ؟ وما السِّرُّ الأعظَمُ فيه من بين سائِرِ العباداتِ؟ قَالَ: مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: مِثْلَ مَا قَالَ لِي: ثَوْبَانُ[رواه مسلم]
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ، تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَنْبَسَةُ: «فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ»، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ» وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ» [رواه مسلم]
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ قَصَصِ الْمُشَمِّرِينَ، لِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرَضُونَ: مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةً الْمَسْجِدَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ )لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ( [آل عمران:92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: )لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ( وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ»، فَقَسَمَهَا أَبُوطَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
وَيَقُولُ وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَّ يَسْبِقَكَ إِلَى اللهِ أَحَدٌ فَافْعَلْ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ: وَمِنْ أَخْبَارِ الْمُشَمِّرِينَ إِلَى الْجِنَانِ، الْمُتَجَافِينَ عَنْ حَيَاةِ الْغَفْلَةِ وَالْعِصْيَانِ: مَا حَصَلَ مِنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، فَقَدِ اجْتَهَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ اجْتِهَاداً شَدِيداً، فَقِيلَ لَهُ: «لَوْ أَمْسَكْتَ أَوْ رَفَقْتَ بِنَفْسِكِ بَعْضَ الرِّفْقِ»، فَقَالَ: «إِنَّ الْخَيْلَ إِذَا أُرْسِلَتْ فَقَارَبَتْ رَأْسَ مَجْرَاهَا أَخْرَجَتْ جَمِيعَ مَا عِنْدَهَا، وَالَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ»، فَلَمْ يَزَلْ رضي الله عنه عَلَى ذَلِكَ الاجْتِهَادِ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتعَالَى.
وَقِيلَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ y: مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ فَقَالَ: «الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَالْمُصْحَفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا» [أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ]. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ صَامَ يَوْماً، وَأَحْيَا لَيْلَةً، وَأَعْتَقَ رَقَبَةً.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: إِنِّي لَسْتُ أَرْوِي أَسَاطِيرَ، أَوْ أَحْكِي قَصَصاً مِنْ نَسْجِ الْخَيَالِ، وَلَكِنَّهُ وَاقِعُ قَوْمٍ كَانَتِ الدُّنْيَا بَأَيْدِيهِمْ وَلَمْ تَكُنْ فِي قُلُوبِهِمْ، بَاعُوهَا بِجَنَّةِ الرِّضْوَانِ، وَتَأَهَّبُوا لِلِقَاءِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا( [الأحزاب:٢٣ – ٢٤].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَاءِ اللهِ، بِتَوْجِيهِ الْقُلُوبِ لِلدَّارِ الآخِرَةِ، وَالتَّجَافِي عَنِ الأَعْمَالِ الْمُنْكَرَةِ، وَالتَّزَوُّدِ مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ، فَمَصِيرُ هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَى ذَهَابٍ وَزَوَالٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( [البقرة: ٢٨١].
مَعْشَرَ الأَخْيَارِ: إِنَّ أَهْلَ الإِيمَانِ مُتَجَافُونَ عَنِ الاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا، أَخَذَ ذِكْرُ الآخِرَةِ بِمَجَامِعِ قُلُوبِهِمْ، فَتَرَاهُمْ يَسْعَوْنَ إِلَى الْجَنَّةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَبِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُمْكِنَةٍ؛ لأَنَّ الْجَنَّةَ مَحْبُوبَةٌ جَذَّابَةٌ، وَمَعْشُوقَةٌ خَلاَّبَةٌ، تَفَتَّتَتْ فِي حُبِّهَا أَكْبَادٌ، وَأُضْنِيَتْ لأَجْلِهَا أَجْسَادٌ، تَعِبَتْ لِوَصْلِهَا نُفُوسٌ، وَتَطَايَرَتْ مِنْ أَجْلِهَا رُؤُوسٌ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ].
وَهَا هُوَ الْقُرْآنُ يَشْحَذُ الْهِمَمَ، وَيُشَوِّقُ النُّفُوسَ، لِبُلُوغِ كَرَامَةِ اللهِ فِي جَنَّتِهِ، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: )الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ( [الزخرف:69-73].
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. منقول: