Nabd ElHaya نبض الحياة

Nabd ElHaya نبض الحياة منصة إعلامية وإذاعة شبابية اجتماعية ثقافية منوعة بروح مسيحية، تسعى لإبراز أهمية حماية وتعزيز الحضور المسيحي الأصيل في فلسطين.

Social, cultural youth media and radio platform with Christian ethos, championing Palestine’s authentic Christian presence. الإطار المرجعي

على مدى تاريخها، وعبر شتى الحقب والعصور والأنظمة التي تعاقبت على هذه الأرض المقدسة، نعمت فلسطين وشعبها بأجواء التسامح والعيش المشترك بين مختلف المكونات الاجتماعية والدينية التي تعايشت وتجاورت وتفاعلت في معظم المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وساهمت كل فئات ا

لشعب الفلسطيني ومكوناته في بناء وتطوير شخصيته الوطنية وتراثه الحضاري والإنساني الذي لا زال حاضرا ومؤثرا.
ان المسيحيين في الشرق، والكنيسة الكاثوليكية بمختلف مؤسساتها، والى جانب ومع أبناء شعبهم، قاموا بدور بارز وريادي في إطار مشروع النهضة في المنطقة منذ القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولهم مساهمات كبيرة في الحياة العامة السياسية والثقافية والاقتصادية، وجسدوا انتماءهم للوطن من خلال دورهم في التنمية والتنوير والثقافة والتعليم والنضال من أجل الحرية والاستقلال.
وبالرغم من إن المسيحية متجذرة في عمق التاريخ الفلسطيني، وكانت وما زالت أحد المكونات الأساسية في نسيج المجتمع المحلي، إلا ان هذا الحضور والوجود تراجع بشكل كبير بسبب عدد من العوامل الذاتية والموضوعية، وأصبح مثيرا للقلق ومن شأنه أن يدق ناقوس الخطر لكل الفلسطينيين وليس لفئة منهم فقط.
إن الفلسطينيين المسيحيين ليسوا مجرّد أقلية عددية أو جزء من التعداد السكاني للشعب الفلسطيني، كما أنهم لا ينظرون إلى أنفسهم ولا يُنظر إليهم على هذا النحو، بل هم جزء أصيل من الهوية الوطنية الفلسطينية، انهم أبناء الأرض الاصليون وجزء اصيل من تاريخه ومستقبله، وإن نشوء المسيحية وانتشارها ارتبط بهذه الأرض التي تشهد كل بقعة منها على جانب غني من تاريخ المسيحية التي هي أصلا مشرقية وليست غربية.
لكل ذلك تتأكد مهمة الحفاظ على الوجود المسيحي وازدهاره بوصفها مهمة وطنية وإنسانية من الدرجة الأولى، وبما يتجاوز المعاني التقليدية والتبسيطية كحرية العبادة والحفاظ على الأماكن المقدسة، إلى انخراط واسع للفلسطينيين المسيحيين، في الوطن والمهجر، في مختلف أوجه الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية، ومشاركتهم في صناعة القرار وصياغة المستقبل الفلسطيني، وتشجيع المغتربين على الارتباط بوطنهم والمساهمة في مسيرة بناء المجتمع.

الرؤية
بناء إذاعة تجمع الكل الفلسطيني بروح مسيحية كنسية ملتزمة تجاه الانسان وكل مجالات حياته من خلال مبادئ المواطنة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وصيانة التعددية بكل اشكالها الثقافية والفكرية والسياسية، وتعزيز قيم التسامح والعيش المشترك والأخوة والتعاون والتوعية على الاخلاق من خلال تعليم الكنيسة الكاثوليكية والاعلام الكاثوليكي.

الرسالة
تقديم وإنتاج برامج إعلامية هادفة للتعريف بالدور الذي تلعبه الكنيسة المحلية من خلال بناء وصقل الهوية الوطنية والحفاظ عليها، ودعم ثبات المواطنين في وطنهم، وتعزيز الانتماء، وتشجيع الحوار البنّاء ونشر ثقافة قبول ومعرفة الآخر واحترام حقوقه الطبيعية وحرياته الأساسية وفي مقدمتها حرية الاعتقاد والفكر والرأي والتعبير على خلفية وضوء تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني.

تأمل غبطة الكاردينال بييرباتيستا: الأحد الثالث من زمن المجيء - السنة أ14 كانون الأول 2025 الأحد الثالث من زمن المجيء  - ...
13/12/2025

تأمل غبطة الكاردينال بييرباتيستا: الأحد الثالث من زمن المجيء - السنة أ

14 كانون الأول 2025

الأحد الثالث من زمن المجيء - السنة أ

متّى 11-2:11

أوّل ثمار الملكوت الآتي هي أن يتولد في قلب من ينتظره تساؤل.
ليس جوابًا جاهزًا، ولا يقينًا مطلقًا، بل أسئلة تفتح الطريق ومسالك لنمضي فيها.

ينشأ السؤال في قلب من ينزل إلى الأردن ليعتمد، والذي أمام دعوة يوحنا المعمدان يتساءل: ماذا يجب أن أفعل؟ (لوقا 3:10). وينشأ السؤال أيضًا في قلب يوحنا نفسه، الذي يندهش من الطريقة التي يظهر بها المسيح، مخالفًا كل توقعاته.

أوّل سؤال ارتفع في قلب يوحنا عند المعمودية، حين دهش وقال ليسوع: "أنا مُحتاجٌ أنْ أعتَمِدَ مِنكَ، وأنتَ تأتي إلَيَّ "(متى 3:14)، وأما السؤال الثاني، نجده في إنجيل اليوم (متى 11:2-11)، حين أرسل يوحنا المعمدان، وهو محبوس في السجن، تلاميذه إلى يسوع ليسألوه: هل أنت هو المنتظر، أم ينبغي أن ننتظر شخصًا آخر؟ (متى 3:3).

دعونا نتوقف عند هذا السؤال، ففي زمن المجيء حيث يُطلب منا أن نعد الطريق للرب الذي يأتي، فإن أول خطوة يجب أن نقوم بها هي أن نطرح الأسئلة الصحيحة على أنفسنا.
فالسؤال هو ما يجعل بداية الطريق ممكنة، ويُمهد للتجديد، السؤال وحده لا يكفي لإحداث التغيير، لكنه يمهّد الطريق، وبعد ذلك تأتي خطوات أخرى، وهم: الاختيار، الإرادة، والمثابرة. لكن كل شئ دائمًا يبدأ بسؤال.

يولد سؤال يوحنا من الاختلاف بين ما توقعه وما يراه في يسوع، الذي كان يسمع عنه وهو محبوس في السجن، فلم يكن سؤاله "من أنت؟" مجرد فضول، بل كان يسأل: "هل أنت حقًا المسيح المنتظر، الذي يبدأ الملكوت؟"
لقد بشر يوحنا بمسيح عظيم، يجلب الدينونة والعدل، لكنه يجد نفسه في السجن، ويكتشف أن يسوع يسير بطريقة مختلفة تمامًا عن توقعاته.

يسوع يقابل هذا التساؤل بفهم ورحمة، لا يجيب مباشرة، لا بالإيجاب ولا بالنفي، بل قدّم مسارًا، طريقًا! يجب أن يُسلكها الإنسان ليتمكّن من التعرف عليه وعلى عمل الملكوت في حياتنا، فالطريقة تعتمد على فعلين أساسيين في حياة الإيمان: السمع والرؤية.
فيسوع يجيب رسل يوحنا بأن يبلغوا يوحنا بما يسمعونه ويرونه: "اذْهَبُوا وَأَخْبِرُوا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعُونَ وَتَنْظُرُونَ" (متى 11:4)

إذا توقف الإنسان عند رؤية الأمور فقط، فإنه قد ينصدم، لأن أعمال يسوع ليست أعمالًا كبيرة أو ثورية: فهو لا يدمر الأشرار، ولا يزيل الألم، وفي النهاية سيُدان ويُصلب ظلماً.

فوفق تصور يوحنا المعمدان ليسوع، فإن يسوع يقوم بأفعال غير متوقعة من معلم أو مرسل من الله: يجلس مع الخاطئين، يلاعب الأطفال، يتحدث مع النساء، ليس هذا ما كان الناس يتوقعونه من شخص يمسك بالمعول لتنظيف محرابه ويحرق القش بنار لا تطفأ. (متى 3:12).

وهنا يسوع يتحدث عن هذا الاستغراب في الآية 6: "طوبى لمن لا يعثر في".

ولكي لا نستغرب! علينا أن نسمع أيضًا، وأن لا نكتفي بالرؤية، فيسوع يوجّه يوحنا المعمدان ليتأمل أعماله، وليستمع في الوقت نفسه إلى الكتب المقدسة: "العُمْيُ يُبْصِرُونَ وَالعرجُ يَمْشُونَ وَالبرصُ يُطَهَّرُونَ وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ وَالمَوْتَى يُقَامُونَ وَالمَسَاكِينُ يُبَشَّرونَ "(متى 11:5).
إن الاستماع إلى الكتب المقدسة يمكّننا من فهم أسلوب الله في العمل ومحبة البشر، فالكلمات التي يربطها يسوع بالأعمال هي كلمات النبي إشعياء عن عبد الله المخلص. هكذا يأتي المنتظر، وفيه يظهر الله للبشر.

فهُنا يسوع يدعو يوحنا ليتحرر من تحفظاته وصوره وأفكاره المسبقة، وليرتكن إلى الله بثقة، حينها فقط تُفتح أعيننا وآذاننا لنفهم الله كما هو.
وفي النهاية، يصبح المستجوب هو يوحنا، ليُعيد قراءة ذاته وأعماله، ويترك نفسه أن تُسائل باستمرار.

+بييرباتيستا

نوتردام تتفوّق على متحف اللوفر وتصبح الموقع الأكثر زيارة في باريسباريس - بعد عامٍ واحد على إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردا...
13/12/2025

نوتردام تتفوّق على متحف اللوفر وتصبح الموقع الأكثر زيارة في باريس

باريس - بعد عامٍ واحد على إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام في باريس، تبيّن أنّ ما حدث لم يكن مجرّد ترميمٍ معماري، بل نهضة ثقافية وروحية غير مسبوقة. فمنذ كانون الأول 2024 وحتى كانون الأول 2025، استقبلت الكاتدرائية أكثر من 11 مليون زائر، متجاوزةً متحف اللوفر وبرج إيفل، لتصبح الموقع الأكثر زيارةً في العاصمة الفرنسية.

وبلغ متوسط الزيارات اليومية أكثر من 30 ألف شخص، بدوافع تتراوح بين الحجّ الديني، والفضول الثقافي، والانجذاب إلى هذا المعلم الذي يجسّد قرونًا من تاريخ فرنسا. وقد ساهم قرار الكنيسة بإبقاء الدخول مجانيًا، في هذا الإقبال الكثيف، تأكيدًا على أن الكاتدرائية ليست متحفًا بل بيتًا مفتوحًا للجميع.

وعلى الصعيد الروحي، استعادت نوتردام دورها الحيوي في حياة أبرشية باريس، إذ شهدت عام 2025 وحده أكثر من 1600 احتفال ليتورجي و650 زيارة حج. واحتضنت مناسبات كبرى، منها أول قداس لعشية الميلاد بعد الترميم، وجناز البابا فرنسيس، والاحتفالات المرتبطة بانتخاب البابا لاون الرابع عشر.

هذا التوازن المتجدد بين البعد الديني والجاذبية الثقافية أعاد إلى الكاتدرائية مكانتها كقلبٍ نابض لباريس، ومساحةٍ يلتقي فيها المؤمنون والزوار على اختلاف دوافعهم، ليؤكدوا أن نوتردام عادت رمزًا حيًا في الذاكرة الجماعية، لا مجرّد أثرٍ تاريخي.

المصدر: موقع أبونا

سوريا تستعدّ لعيد الميلاد وسط مناخ سياسيّ جديدسوريا - تتواصل الاستعدادات في مختلف المدن السوريّة لاستقبال عيد ميلاد السي...
13/12/2025

سوريا تستعدّ لعيد الميلاد وسط مناخ سياسيّ جديد

سوريا - تتواصل الاستعدادات في مختلف المدن السوريّة لاستقبال عيد ميلاد السيّد المسيح، في أجواء «إيجابيّة» غير مسبوقة منذ التحوّل السياسي الكبير الذي شهدته البلاد قبل نحو عام.

كانت الفعاليات الميلادية العام الماضي محدودة بسبب تزامنها مع التحوّل السياسي الذي وضع معظم المسيحيّين حينها في موقف المترقّب والمنتظر، لكنّ صلوات زمن المجيء لم تنقطع قط. ورغم الاضطرابات الأمنية المتقطعة طوال هذا العام، برز هذا الموسم ارتفاع ملحوظ في عدد الكنائس والرعايا التي سخّرت إمكاناتها لإحياء عيد الميلاد بأبهى صورة. وشملت الفعاليات افتتاح معارض وبازارات خيرية وكيرمسات، وتزيين الكنائس والأحياء، وإضاءة أشجار الميلاد، وصناعة مغارات تجسّد الميلاد، إضافة إلى إنشاء قرى ميلادية وتنظيم مسيرات وعروض موسيقية لفرق نحاسية وجوقات كنسية.

وشهدت محافظتا طرطوس واللاذقية حضورًا رسميًّا لافتًا في خلال هذه الأنشطة. وقال أثناسيوس فهد، مطران اللاذقية وتوابعها للروم الأرثوذكس، في كلمة ألقاها في أحد الاحتفالات: «نيّتنا كسوريين أن نزيّن بلدنا كما نزيّن شجرة الميلاد، بكل إمكانياتنا ومواهبنا، لتبقى سوريا شامخة وللجميع». وفي ريف دمشق، نظّمت كشافة كنيسة القديس جاورجيوس للروم الملكيين الكاثوليك في جديدة عرطوز احتفالًا كبيرًا تضمّن إضاءة شجرة الميلاد والمغارة وافتتاح معرض خاص بالمناسبة. وميّزت الاحتفال مبادرة مجتمعية غير كنسية تمثلت في توزيع ورود على الحاضرين.

أما في وادي النصارى فاحتفل معظم كنائس المنطقة بزمن الميلاد رغم الجراح الناجمة من بعض الأحداث المأسوية هناك. وفي مدينة محردة بمحافظة حماة، أضيئت شجرة الميلاد في احتفال رسمي قال في خلاله المطران نيقولاوس بعلبكي، راعي أبرشية حماة وتوابعها للروم الأرثوذكس: «فرحتنا اليوم مضاعفة؛ فرحة الميلاد، وفرحة مرور عام على ولادة سوريا الجديدة التي نرجو أن تكون بلد المحبة والتعاون والعمل المشترك».

في حي الدويلعة الدمشقي الذي شهد الصيف الماضي تفجير كنيسة مار إلياس، تُواصِل الكنيسة بالتعاون مع الأهالي تقليدها السنوي بإضاءة أطول شجرة ميلاد في سوريا تحت اسم ( شجرة السلام)، فضلًا عن افتتاح مغارة «طفل السلام» الكبرى في البلاد، وسط حملة واسعة لتزيين الشوارع وصيانتها. كما يواصل الأهالي للعام السادس مبادرة «حلو العيد علينا» عبر جمع تبرعات عينية للعائلات المحدودة الدخل، بمشاركة لافتة من بعض ذوي ضحايا التفجير.

وفي حلب، قدّم الرهبان الفرنسيسكان هذا العام فعاليّة استثنائية عبر إنشاء «القرية الميلادية». وقال الأب بهجت قره قاش، راعي كنيسة اللاتين في المدينة، إن الهدف يتجاوز المظاهر الاحتفالية. وأوضح: «القرية الميلادية تحمل رسالة روحية تعكس إيماننا بتجسّد الله وحضوره بيننا في الطفل يسوع. اجتماعنا حول هذا الحضور يمنح أنشطتنا اليومية معنى جديدًا، فيسوع ليس حاضرا في الكنائس فحسب، بل في تفاصيل حياتنا كافّة».

المصدر: آسي مينا / سهيل لاوند

علم الآثار المسيحية هو دعوة وشكل من أشكال محبة الكنيسة والإنسانيةفي رسالة بابوية جديدة بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس ال...
13/12/2025

علم الآثار المسيحية هو دعوة وشكل من أشكال محبة الكنيسة والإنسانية
في رسالة بابوية جديدة بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المعهد البابوي لعلم الآثار المسيحية، يُبرز البابا لاون الرابع عشر أهمية علم الآثار، مشيرًا إلى أن هذا التخصص الأكاديمي يشهد على تجسد الله.

التنقيب، ولمس الآثار بشكل مباشر، وإعادة اكتشاف حيوية الزمن – مهمّة عالم الآثار المسيحي لا تتوقّف عند المادة فحسب، بل تتجاوزها إلى البعد الإنساني: "فهي لا تدرس القطع الأثريّة فقط، بل أيضًا الأيدي التي صنعتها، والعقول التي ابتكرتها، والقلوب التي أحبّتها".

هذه إحدى سمات علم الآثار المسيحي التي يُسلط البابا لاون الرابع عشر الضوء عليها في رسالته البابوية حول أهمية علم الآثار بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المعهد البابوي لعلم الآثار المسيحية، والمنشورة يوم الخميس 11 كانون الأول 2025.

وفيما يلي النص الكامل للرسالة:

في الذّكرى المئويّة لتأسيس المعهد البابويّ لعِلم الآثار المسيحيّة، أشعر بالواجب والفرح أن أشارككم بعض التأمّلات التي أعتبرها مهمّة لمسيرة الكنيسة في الزّمن الحاضر. أقوم بذلك بقلب شاكر، وأنا مدرك أنّ ذكرى الماضي، عندما يُنيرُها الإيمان وتُطهِّرُها المحبّة، تصير غذاءً للرّجاء.

في سنة 1925 أُعلن عن ”يوبيل السّلام“، وكان يهدف إلى تخفيف الجراح الأليمة التي خلّفتها الحرب العالميّة الأولى. ومن اللافت أن يتزامن الاحتفال بمرور مائة سنة على تأسيس المعهد مع يوبيل جديد، يريد اليوم أيضًا أن يفتح آفاق رجاء للبشريّة المتألمّة بسبب الحروب الكثيرة.

عصرنا، الذي تؤثّر فيه التغيُّرات السّريعة والأزمات الإنسانيّة والانتقالات الثّقافية، يتطلّب، إلى جانب الالتجاء إلى معارف قديمة وحديثة، البحث عن حكمة عميقة قادرة على حفظ ما هو جوهريّ ونقله إلى المستقبل. وفي هذه الإضاءة، أودّ أن أؤكّد بقوّة على أنّ عِلم الآثار هو عنصر لا غنى عنه في تفسير المسيحيّة، ومن ثمّ في التّنشئة في التّعليم المسيحيّ واللاهوت. فعِلم الآثار ليس مجرّد تخصّص، محصور في عدد قليل من الخبراء، بل هو طريق متاح لكلّ الذين يريدون أن يفهموا تجسّد الإيمان في الزّمان والمكان والثّقافات. التّاريخ بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين ركن أساسيّ، إذ إنّنا نسير في رحلة حياتنا في واقع التّاريخ، وهو أيضًا المسرح الذي يتحقّق فيه سرّ الخلاص. ولذلك، كلّ مسيحيّ مدعوٌّ إلى أن يبني حياته على البشرى السّارّة التي تبدأ بتجسّد كلمة الله في التّاريخ (راجع يوحنّا 1، 14).

وكما ذكّرنا البابا فرنسيس المحبوب: "لا يمكن لأحد أن يعرف حقًّا من هو وماذا سيكون غدًا بدون أن يغذيّ الرّابط الذي يربطه بالأجيال التي سبقته. وهذا ينطبق ليس فقط على مجال الأفراد، بل أيضًا على مجال الجماعات الأوسع. في الواقع، دراسة التّاريخ وروايته يساعدان على الحفاظ على شعلة الوعيّ الجماعيّ. وإلّا، فلن تبقى سوى الذّاكرة الشّخصيّة للأحداث المرتبطة بالمصالح الشّخصيّة أو العواطف الفرديّة، بدون ارتباط حقيقيّ بجماعة النّاس وبالجماعة الكنسيّة التي نعيش فيها".

بيت عِلم الآثار

مع الإرادة البابويَّة ”المدافن القديمة“ الصّادرة في 11 كانون الأوّل/ديسمبر 1925، ثبّت البابا بيوس الحادي عشر مشروعًا طموحًا وبعيد النّظر: تأسيس معهد للتعليم العالي، يمنح الدّكتوراه، بالتّنسيق مع لجنة الآثار المقدّسة والأكاديميّة الرّومانيّة البابويّة لعِلم الآثار، هدفه دراسة معالم المسيحيّة القديمة بأقصى درجات الدّقة العلميّة، لإعادة بناء حياة الجماعات الأولى، ولتنشئة "أساتذة في الآثار المسيحيّة للجامعات والإكليريكيات، ومديري حفريات الآثار، وحرّاس المعالم المقدّسة والمتاحف، وغيرهم". ففي رؤية البابا بيوس الحادي عشر، عِلم الآثار أداة ضروريّة لإعادة بناء دقيق للتاريخ، الذي هو "نور الحقيقة وشاهد الأزمنة، إذا ما سُئِل وتمّ النّظر فيه بدقّة" [3]، وهو يدلّ الشّعوب على خصوبة الجذور المسيحيّة وعلى ثمار الخير العام التي يمكن أن تنبع منها، وبذلك يمنح أيضًا مصداقية لعمل البشارة بالإنجيل.

على مدى كلّ هذه السّنوات، تخرَّج من المعهد البابويّ لعِلم الآثار المسيحيّة مئات المتخصّصين في عِلم الآثار المسيحيّة القديمة، والأساتذة أنفسهم، جاؤوا من كلّ أنحاء العالم، ثمّ عادوا إلى بلدانهم فتولّوا مسؤوليّات مهمّة في التّعليم والإرشاد. وشجّع المعهد أبحاثًا في روما وفي كلّ العالم المسيحيّ، ولعب دورًا دوليًّا فعّالًا في تعزيز عِلم الآثار المسيحيّة، سواء بتنظيم المؤتمرات الدّوريّة والمبادرات العلميّة العديدة، أم بالعلاقات الوثيقة والتّبادلات الدّائمة مع الجامعات ومراكز البحث في العالم.

وقد استطاع المعهد، في بعض اللحظات التّاريخيّة، أن يكون راعيًّا للسّلام والحوار الدّينيّ، مثلًا بتنظيم المؤتمر الدّوليّ الثّالث عشر في سبالاتو (Spalato) في أثناء الحرب في يوغوسلافيا السّابقة، وهو خيار صعب أثار اعتراضات واسعة في الوسط الأكاديميّ، أو بمواصلة بعثاته في الخارج في بلدان غير مستقرّة سياسيًّا. ولم يحِد المعهد قط عن أهدافه في التّنشئة في التّعليم العاليّ، وظلّ يمنح الأولويّة للاتّصال المباشر مع المصادر المكتوبة ومع المعالم الأثريّة، وهي الشّواهد المرئيّة الواضحة للجماعات المسيحيّة الأولى، وقام بالزّيارات إلى سراديب الشّهداء وكنائس روما، وكذلك برحلات دراسيّة سنويّة في المناطق الجغرافيّة التي انتشرت فيها المسيحيّة.

عندما اقتضت الضّرورات التّعليميّة والطّلبات من الخارج، ولا سيّما في السّنوات الأخيرة مع ”مبادرة بولونيا“ التي أيّدها الكرسيّ الرّسوليّ بهدف بناء نظام تعليم عالٍ منسجم في أوروبا، قام المعهد بتحديث التخصّصات ومسارات التّنشئة، بدون أن يبتعد قط عن أهداف وروح المؤسّسين. وظلّ يسير على خطى روّاد عِلم الآثار المسيحيّة، وخصّوصًا جيوفاني باتيستا دي روسي، "الباحث الذي لم يعرف الكلل، والذي وضع أُسس هذا التّخصّص العلميّ". وهو الذي اكتشف، في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، أغلبيّة المدافن المسيحيّة المحيطة بأسوار روما، كما درس مزارات الشّهداء الذين استشهدوا في اثناء الاضطهاد، ولا سيّما في زمن داقيوس (Decio) وڤاليريانس (Valeriano) وديوقليسيانس (Diocleziano)، وتتبّع تطوّرها منذ عهد قسطنطين، حيث صارت مقاصد حجّ مزدهرة حتّى مطلع العصور الوسطى.

كان هذا كلّه خدمةً للكنيسة، التي استطاعت أن تعتمد على المعهد في تعزيز المعرفة بالشّهادات المطبوعة في الحجارة للمسيحيّة الأولى، وبالشّهداء الذين لا يزالون حتّى اليوم أمثلة لإيمان متّقد وشجاع. وكانت خدمة المعهد أيضًا عمليّة، إذ شارك في الحفريات، التي شرعت بها إدارة كاتدرائيّة القدّيس بطرس، لقبر الرّسول بطرس تحت مذبح "الاعتراف" (اعتراف بطرس بالإيمان) في البازيليكا في الفاتيكان، ومؤخّرًا في أعمال التّنقيب التي أجراها متحف الفاتيكان قرب بازيليكا القدّيس بولس خارج الأسوار.

عِلم الآثار مدرسة للتجسّد

نحن مدعوّون اليوم إلى أن نسأل أنفسنا: ما مدى قدرة دور عِلم الآثار المسيحيّة على أن يبقى مفيدًا للمجتمع والكنيسة، في عصر الذّكاء الاصطناعيّ والأبحاث في مجرّات الكون اللامتناهية؟

المسيحيّة لم تولد من فكرة، بل من جسد. لم تنشأ من مفهوم تجريدي، بل من أحشاء، ومن جسد تكوَّن فيها، ومن قبر. فالإيمان المسيحيّ، في جوهره الأصيل، هو تاريخ يقوم على أحداث ملموسة، وعلى وجوه، وحركات، وعلى كلمات نُطقت بلغة معيّنة، وفي زمن محدّد، وفي بيئة معيّنة. هذا ما يوضِّحُه عِلم الآثار، ويجعله ملموسًا. فهو يذكّرنا بأنّ الله اختار أن يتكلّم لغة بشريّة، وأن يسير على أرض، وأن يسكن أماكن وبيوتًا ومَجامِع وطرقات.

لا يمكن فهم اللاهوت المسيحيّ فهمًا كاملًا بدون أن ندرك الأماكن والآثار الماديّة التي تشهد لإيمان القرون الأولى. وليس من قبيل الصّدفة أنّ الإنجيليّ يوحنّا افتتح رسالته الأولى بما يشبه تأكيد الخبرة الحسيّة: "ذاك الَّذي سَمِعناه، ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا، ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه، ولَمَسَتْه يَدانا، مِن كَلِمَةِ الحَياة" (1 يوحنّا 1، 1). وعِلم الآثار المسيحيّة، بطريقة ما، هو جواب أمين لهذا الكلام. إنّه يريد أن يلمس لمس اليد، وأن يرى ويسمع الكلمة الذي صار جسدًا. لا لكي يتوقّف عند ما هو مرئيّ، بل لكي يترك نفسه تنقاد إلى السّرّ الكامن فيه.

عندما يهتمّ عِلم الآثار بآثار الإيمان الماديّة، فهو يربّي على لاهوت قائم على الحواس: لاهوت يعرف أن يرى ويلمس ويشمّ ويصغي. وعِلم الآثار المسيحيّة يربّي على هذه الحساسيّة. بالتّنقيب بين الحجارة والأنقاض والأشياء، يعلّمنا أن لا شيء لمسه الإيمان هو شيء لا قيمة له. حتّى قطعة فسيفساء صغيرة، أو نقش منسي، أو خدش على جدار من جدران سراديب الشّهداء، يمكن أن تروي سيرة الإيمان. بهذا المعنى، فإنّ عِلم الآثار هو أيضًا مدرسة تواضع: فهو يعلّمنا ألّا نحتقر ما هو صغير أو ما يبدو ثانويًّا. ويعلّمنا قراءة العلامات، وتفسير صمت الأشياء وألغازها، والحَدْس بما لم يعد مكتوبًا. إنّه عِلم يقف على العتبة، بين التّاريخ والإيمان، وبين المادة والرّوح، وبين القديم والأبدي.

نحن نعيش في زمن سيطر عليه الاستهلاك والاستخدام بدل احترام الأشياء والمحافظة عليها. أمّا عِلم الآثار، فيعلّمنا أنّ حتّى أصغر شهادة تستحق الانتباه، وأنّ لكلّ أثر قيمته، وأنّ لا شيء يجب أن يُطرح جانبًا. بهذا المعنى، فهو مدرسة للاستدامة الثّقافيّة وللبيئة الرّوحيّة. إنّه تربية على احترام المادة والذّاكرة والتّاريخ. فالعالِم الأثري لا يرمي، بل يحتفظ. ولا يستهلك، بل يتأمّل. ولا يدمّر، بل يفسّر. نظره صبور، ودقيق، ومحترم. إنّه نَظَرٌ يعرف كيف يلتقط، في قطعة خزف، أو في عملة متآكلة، أو في نقش متآكل، نفَسَ عصر بكامله، ومعنى إيمان، وصلاة صامتة. وهو نَظَرٌ قادر على أن يعلّم الكثير أيضًا في العمل الرّعويّ والتّعليم المسيحيّ.

من ناحية أخرى، أدوات التّكنولوجيا الحديثة تسمح لنا بأن نستخلص معلومات جديدة من مجالات كانت تُعدّ سابقًا بلا أهمّيّة. وهذا يذكّرنا بأنّ لا شيء عديم الفائدة أو ضائع حقًا. فحتّى ما يبدو هامشيًّا يمكن، في ضوء أسئلة جديدة ومناهج حديثة، أن يكشف لنا معانيَ عميقة. وفي هذا أيضًا، عِلم الآثار هو مدرسة رجاء.

في قواعد التّطبيق للدّستور الرّسولي ”فرح الحقيقة-Veritatis gaudium“ تؤكّد أنّ عِلم الآثار، مع تاريخ الكنيسة ودراسة آباء الكنيسة، يجب أن يكون ضمن مواد التّنشئة اللاهوتيّة الأساسيّة. ليس ذلك إضافة ثانويّة، بل مبدأ تربوي عميق: فمن يدرس اللاهوت ينبغي أن يعرف من أين جاءت الكنيسة، وكيف عاشت، وما هي الأشكال التي اتّخذها الإيمان عبر القرون. فعِلم الآثار لا يكلِّمنا فقط عن الأشياء، بل عن الأشخاص: وعن بيوتهم، وقبورهم، وكنائسهم، وصلواتهم. ويكلِّمنا عن الحياة اليوميّة للمسيحيّين الأوائل، وأماكن عبادتهم، وأسلوب إعلان إيمانهم. ويقول لنا كيف أثَّر الإيمان في الأماكن والمدن والمشاهد الطّبيعيّة والعقليات. ويساعدنا لنفهم كيف تجسّد الوحي في التّاريخ، وكيف وجد الإنجيل كلمات وأشكالًا داخل الثّقافات. فلاهوت يتجاهل عِلم الآثار يوشك أن يصير غير متجسّد، ونظريًّا، وإيديولوجيًّا. أمّا اللاهوت الذي يقبل عِلم الآثار شريكًا فهو لاهوت يصغي إلى جسد الكنيسة، ويتساءل عن جراحها، ويقرأ علاماتها، ويسمح لنفسه بأن تتأثّر بتاريخها.

مهنة عالِم الآثار هي مهنة ”ملموسة“، إلى حد كبير. فعلماء الآثار هم أوّل من يلمس، بعد قرون، مادة مدفونة تحمل طاقة الزّمن. ومهمّة عالِم الآثار المسيحيّ لا تتوقّف عند المادة، بل تتجاوزها إلى البعد الإنسانيّ. فهي لا تدرس القطع الأثريّة فقط، بل أيضًا الأيدي التي صنعتها، والعقول التي ابتكرتها، والقلوب التي أحبّتها. وراء كلّ شيء يوجد إنسان، وروح، وجماعة. ووراء كلّ خراب يوجد حلم إيمان، وليتورجيا، وعلاقة. من هنا، فإنّ عِلم الآثار المسيحيّة هو أيضًا شكل من أشكال المحبّة: إنّه طريقة لجعل صمت التّاريخ يتكلّم، ولإعادة الكرامة إلى من تمّ نسيانهم، ولإظهار قداسة مجهولة لكثير من المؤمنين الذين بنوا الكنيسة.

ذاكرة من أجل البشارة بالإنجيل

منذ بدايات المسيحيّة، كانت للذاكرة مكانة أساسيّة في البشارة بالإنجيل، لا ذكريات عابرة، بل إحياء حيّ لأحداث الخلاص. فالجماعات المسيحيّة الأولى حفظت أيضًا، مع كلام يسوع، الأماكن والأشياء والرّموز الدّالة على حضوره. القبر الفارغ، وبيت بطرس في كفرناحوم، وقبور الشّهداء، وسراديب الشّهداء في روما: كلّها أسهمت في الشّهادة على أنّ الله دخل حقًّا في التّاريخ، وأنّ الإيمان لم يكن فلسفة بل مسيرة ملموسة في جسد العالم.

كتب البابا فرنسيس أنّنا نجد، في مسارات سراديب الشّهداء "علامات كثيرة للحجّ المسيحيّ في البدايات: أفكّر، مثلًا، في النّقوش المهمّة جدًّا في ما يُسمى ”القطع الثّلاث- triclia“ لسرداب القدّيس سباستيانس، و”ذاكرة الرّسل“، حيث كانت تُكرَّم معًا ذخائر الرّسولَين بطرس وبولس. ثمّ نكتشف أيضًا في هذه المسارات أقدم الرّموز والرّسوم المسيحيّة التي تشهد على الرّجاء المسيحيّ. ففي سراديب الشّهداء، كلّ شيء يتكلّم على الرّجاء، كلّ شيء يتكلّم على الحياة بعد الموت، والتّحرير من الأخطار ومن الموت نفسه بعمل الله، الذي يدعونا، في المسيح، الرّاعي الصّالح، إلى أن نشترك في نعيم الفردوس، والمُشار إليه بصور النّباتات اليانعة، والزّهور، والمروج الخضراء، وصور الطّاؤوس والحمام، والخراف في المراعي… كلّ شيء يتكلّم على الرّجاء والحياة!".

هذه هي مهمّة عِلم الآثار المسيحيّة اليوم أيضًا: أن يساعد الكنيسة لتتذكّر أصولها، وتحفظ الذّاكرة الحيّة لبداياتها، وتروي تاريخ خلاصها لا بالكلام فقط، بل أيضًا بالصّور والأشكال والأماكن. ففي زمن يفقد مرارًا جذوره، يصير عِلم الآثار أداة ثمينة للبشارة بالإنجيل ينطلق من حقيقة التّاريخ ليفتح نفسه على الرّجاء المسيحيّ وتجدّد الرّوح.

عِلم الآثار المسيحيّة يجعلنا نرى كيف تمّ قبول الإنجيل وتفسيره وإحياؤه في سياقات ثقافيّة مختلفة. ويُبَيِّنُ لنا كيف كوَّن الإيمان الحياة اليوميّة، والمدينة، والفنّ، والزّمن. ويدعونا إلى أن نواصل مسار الانثقاف هذا، لكي يجد الإنجيل اليوم أيضًا بيتًا جديدًا في قلوب البشر وثقافات العالم المعاصر. فهو بهذا لا ينظر إلى الماضي فقط: بل يتكلّم إلى الحاضر ويوجّه نحو المستقبل. يكلّم المؤمنين الذين يكتشفون من جديد جذور إيمانهم. ويكلّم البعيدين وغير المؤمنين، والذين يبحثون عن معنى الحياة ويجدون، في صمت القبور وجمال الكنائس المسيحيّة الأولى، صدىً للأبديّة. ويكلّم الشّباب الذين يبحثون مرارًا عن الأصالة والواقعيّة. ويكلّم الدّارسين الذين لا يرون الإيمان فكرة تجريديّة، بل واقعًا موثّقًا تاريخيًّا. ويكلّم الحجّاج الذين يجدون في سراديب الشّهداء والمزارات معنى المسيرة ودعوةً إلى الصّلاة من أجل الكنيسة.

في زمن تُدعى الكنيسة فيه إلى أن تفتح نفسها على المنسيّين في أطراف المجتمع، الجغرافيّة والحياتيّة، يمكن لعِلم الآثار أن يكون أداة قويّة للحوار، وأن يُسهم في بناء جسور بين عوالم متباعدة، وبين ثقافات مختلفة، وبين أجيال متنوّعة، وأن يشهد على أنّ الإيمان المسيحيّ لم يكن قطّ واقعًا منغلقًا، بل قوّة ديناميكيّة قادرة على أن تنفذ إلى أعماق تاريخ البشريّة.

نعرف أن نرى ما هو أبعد: الكنيسة بين الزّمن والأبديّة

أهمّيّة رسالة عِلم الآثار تقاس أيضًا بقدرتها على وضع الكنيسة داخل النّزاع بين الزّمن والأبديّة. كلّ اكتشاف، كلّ شظية تُستخرج إلى الضّوء، تقول لنا إنّ المسيحيّة ليست فكرة معلّقة، بل هي جسد عاش، واحتفل، وسكن المكان والزّمان. الإيمان ليس خارج العالم، بل في العالم. وليس ضدّ التّاريخ، بل في داخله.

ومع ذلك، فإنّ عِلم الآثار لا يكتفي بوصف ماديّة الأشياء. فهو يقودنا إلى ما هو أبعد: يجعلنا نلمس قوّة الحياة التي تتجاوز القرون، ولا تنحصر في المادة بل تتجاوزها. وهكذا، مثلًا، في قراءة ”المدافن المسيحيّة“ نرى، ما هو أبعد من الموت، انتظار القيامة، وفي ترتيب الأقبية ندرك، ما هو أبعد من الحساب الهندسيّ، التّوجّه نحو المسيح، وفي آثار العبادة نلمس، ما هو أبعد من الطّقس الليتورجيّ، الشّوق إلى السّرّ.

وبمنظور أكثر منهجيّة، يمكن أن نؤكّد أنّ لعِلم الآثار أهمّيّة خاصّة أيضًا في لاهوت الوَحي. تكلّم الله في الزّمن، بأحداث وأشخاص. تكلّم في تاريخ إسرائيل، وفي أحداث حياة يسوع المسيح، وفي مسيرة الكنيسة. لذا، فالوَحي هو دائمًا حدث تاريخيّ. وإن كان الأمر كذلك، فإنّ فهم الوَحي لا يمكن أن ينفصل عن معرفة كافية بالسّياقات التّاريخيّة والثّقافيّة والماديّة التي تجلّى فيها. ويسهم عِلم الآثار المسيحيّة في هذه المعرفة. فهو يضيء النّصوص بالشّهادات الماديّة، ويستنطق المصادر المكتوبة، ويكملها، ويثير حولها الأسئلة. وفي بعض الحالات، يؤكّد أصالة التّقاليد، وفي أخرى يضعها في سياقها الصّحيح، وفي حالات أخرى يطرح أسئلة جديدة. كلّ هذا له أهمّيّة لاهوتيّة، لأنّ لاهوتًا يريد أن يكون أمينًا للوَحي يجب أن يبقى منفتحًا على تعقيدات التّاريخ.

وعِلم الآثار يُبَيِّنُ أيضًا كيف تبلورت المسيحيّة تدريجًا عبر الزّمن، وواجهت تحدّيات وصراعات وأزمات، وعرفت لحظات إشراق ولحظات ظلمة. وهذا يساعد اللاهوت ليتخلى عن الرّؤى المثاليّة أو المبسَّطة للماضي، ويدخل في حقيقة الواقع: حقيقة مكوَّنة من العظمة والحدود، ومن القداسة والضّعف، ومن الاستمراريّة والانقطاع. وفي هذه الحقيقة الواقعيّة، الملموسة، وأحيانًا المتناقضة، شاء الله أن يكشف لنا عن ذاته.

وأخيرًا، ليس من قبيل الصّدفة أنّ كلّ تعمّق في سرّ الكنيسة يرافقه رجوع إلى الأصول. ليس بدافع الرّغبة في استعادة الماضي، بل بحثًا عن الأصالة. فالكنيسة تستيقظ وتتجدّد عندما تعود لتسأل نفسها عمّا أوجدها، وعمّا يحدّد هويتها في أعماقها. ويمكن لعِلم الآثار المسيحيّة أن يقدّم إسهامًا كبيرًا في هذا المجال. فهو يساعد على التّمييز بين الجوهر والثّانوي، وبين النّواة الأصليّة وترسبات التّاريخ.

ويجب أن ننتبه، ليس الأمر هو عمليّة تقليص لحياة الكنسية وعبادة للماضي. فعِلم الآثار المسيحيّ الحقيقيّ ليس صيانة عقيمة، بل ذاكرة حيّة. إنّه قدرة على أن يجعل الماضي يكلِّم الحاضر، وهو حكمة في تمييز ما أثاره الرّوح القدس في التّاريخ. إنّه أمانة خلاّقة، لا اقتداء آلي. لهذا السّبب، يمكن لعِلم الآثار المسيحيّة أن يقدّم لغة مشتركة، وأساسًا موحّدًا، وذاكرة متصالحة. ويمكنه أن يساعد لنتعرّف إلى تعدّد الخبرات الكنسيّة، وتنوّع أشكالها، والوَحدة في التّنوّع. كما يستطيع أن يصير مكانًا للإصغاء، ومساحة للحوار، وأداة للتّمييز.

قيمة الوَحدة والشّركة الأكاديميّة

عندما أراد البابا بيوس الحادي عشر، في سنة 1925، إنشاء المعهد البابويّ لعِلم الآثار المسيحيّة، قام بذلك بالرّغم من الصّعوبات الاقتصاديّة والأوضاع غير المستقرة التي أعقبت الحرب العالمّية. وقام بذلك بشجاعة وبُعد نظر وثقة بالعِلم والإيمان. واليوم، بعد مرور مائة سنة، هذا العمل يخاطبنا. يسألنا هل نحن أيضًا قادرون على الإيمان بقوّة الدّراسة والتّنشئة والذّاكرة. ويسألنا هل نحن مستعدّون لنستثمر في الثّقافة بالرّغم من الأزمات، ونعزّز المعرفة بالرّغم من اللامبالاة، وندافع عن الجمال حتّى عندما يبدو هامشيًّا. أن نكون أوفياء لروح المؤسّسين يعني ألّا نكتفي بما تمّ القيام به، بل أن ننطلق من جديد. ويعني أن نكوِّن أشخاصًا قادرين على التّفكير والتّساؤل والتّمييز والرّواية. ويعني ألّا ننغلق على أنفسنا في معرفة محصورة في نخبة، بل أن نشاركها وننشرها ونشرك الآخرين فيها.

وفي هذه الذّكرى المئويّة، أودّ أيضًا أن أؤكّد على أهمّيّة الوَحدة والشّركة بين المؤسّسات المختلفة التي تهتمّ بعِلم الآثار. الأكاديميّة الرّومانيّة البابويّة لعِلم الآثار، واللجنة البابويّة للآثار المقدّسة، والأكاديميّة البابويّة لتكريم الشّهداء، والمعهد البابويّ لعِلم الآثار المسيحيّة: لكلٍّ منها خصوصيتها، وتشترك جميعها في رسالة واحدة. ومن الضّروريّ أن تتعاون هذه المؤسّسات، وأن تتواصل بعضها مع بعض وتسند بعضها البعض. وأن تنشئ طاقات منسجمة بينها، وتطوّر مشاريع مشتركة، وتعزّز الشّبكات الدّوليّة.

عِلم الآثار المسيحيّة ليس محصورًا في قلة من النّاس، بل هو مورد للجميع. ويمكنه أن يقدّم مساهمة أصيلة في معرفة البشريّة، واحترام التّنوّع، وتعزيز الثّقافة.

كما أنّ العلاقة مع الشّرق المسيحيّ يمكن أن تجد في عِلم الآثار أرضًا خصبة. فسراديب الشّهداء المشتركة، والكنائس المشتركة، والممارسات الليتورجيّة المتشابهة، وسنسكار الشّهداء المتقارب: كلّ هذا تراث روحيّ وثقافيّ يمكن أن نعمل على تعزيزه معًا.

التّربية على الذّاكرة، والحفاظ على الرّجاء

نحن نعيش في عالم يميل إلى النّسيان، ويسير بسرعة، ويستهلك الصّوّر والكلمات بدون أن يستوعب المعنى. أمّا الكنيسة، فهي مدعوّة إلى تربية الذّاكرة، وعِلم الآثار المسيحيّة هو أحد أسمى أدواتها للقيام بذلك. ليس للهروب إلى الماضي، بل للعيش في الحاضر بوَعي، وبناء المستقبل بجذور راسخة.

من يعرف تاريخه، يعرف من هو. يعرف إلى أين يذهب. ويعرف من هو ابنه، وإلى أيّ رجاء هو مدعوّ. المسيحيّون ليسوا أيتامًا. لهم نسب إيماني، وتقاليد حيّة، ووَحدة وشركة من الشّهود. عِلم الآثار المسيحيّة يجعل هذا النّسب مرئيًا، ويحفظ علاماته، ويفسّرها، ويرويها، وينقلها. بهذا المعنى، هو أيضًا خدمة للرّجاء، لأنّه يُبَيِّن أنّ الإيمان قد اجتاز أوقاتًا صعبة وصمد أمام الاضطهادات والأزمات والتّغيّرات. وعرف أن يجدّد نفسه، ويبتكر، ويترسّخ بين شعوب جديدة، ويزدهر بأشكال جديدة. من يدرس البدايات المسيحيّة يرى أنّ الإنجيل كان دائمًا قوّة تُوَلِّد الحياة، وأنّ الكنيسة كانت تُولَد دائمًا من جديد، وأنّ الرّجاء لم يَغِبْ يومًا.

أتوجّه إلى الأساقفة والمسؤولين عن الثّقافة والتّربية: شجّعوا الشّباب والعلمانيّين والكهنة على دراسة عِلم الآثار، الذي يقدّم آفاقًا تكوينيّة ومهنيّة واسعة داخل المؤسّسات الكنسيّة والمدنيّة، وفي الأوساط الأكاديميّة والاجتماعيّة، وفي ميادين الثّقافة والرّعاية.

أخيرًا، كلامي موجّه إليكم، إخوتي وأخواتي، العلماء والمدرّسين والطّلاب والباحثين والعاملين في التّراث الثّقافي، والمسؤولين الكنسيّين والعلمانيّين: عملكم ثمين. لا تدعوا الصّعوبات تُهبِط عزيمتكم. علِم الآثار المسيحيّة هو خدمة، وهو دعوة، وهو شكل من أشكال المحبّة للكنيسة وللإنسانيّة. استمرّوا في التّنقيب والدّراسة والتّعليم والرّواية. كونوا دؤوبين في البحث، ودقيقين في التّحليل، ومتحمّسين في نقل معارفكم. وفوق كلّ شيء، كونوا أمناء لمعنى التزامكم العميق: اجعلوا كلمة الحياة مرئية، واشهدوا أنّ الله صار جسدًا، وأنّ الخلاص ترك أثره، وأنّ سرّ الله صار تاريخًا يُروَى.

لترافقكم بركة الرّبّ يسوع جميعًا. ولتسندكم وَحدة وشركة الكنيسة. وليلهمكم نور الرّوح القدس، الذي هو ذاكرة حيّة وإبداع لا ينضب. ولتحفظكم مريم العذراء، التي عرفت كيف تتأمّل في كلّ شيء في قلبها، فجمعت الماضي والمستقبل في نظر الإيمان.

المصدر: موقع أبونا

"بطريركية القدس للاتين تعلن تعاونها مع نظام إدارة الموارد البشرية “كيان اتش اركانون الأول 2025 — أعلنت بطريركية القدس لل...
13/12/2025

"بطريركية القدس للاتين تعلن تعاونها مع نظام إدارة الموارد البشرية “كيان اتش ار

كانون الأول 2025 — أعلنت بطريركية القدس للاتين، ضمن الخطة الاستراتيجية للأعوام 2025–2027 وانسجامًا مع التزامها باعتماد نموذج تشغيلي مرن وتقني وفعّال، عن تعاونها الرسمي مع شركة " كيان" للموارد البشرية لإطلاق نظام رقمي شامل لإدارة الموارد البشرية.

وجاء الإعلان خلال الاجتماع الذي عُقد في مقر البطريركية في القدس، بمشاركة المطران وليم شوملي، النائب البطريركي العام، والسيد سامي اليوسف، الوكيل العام للبطريركية، ومديري مختلف دوائر البطريركية.

وقد أدارت الاجتماع الأستاذة روان منصور، مديرة الموارد البشرية، إلى جانب الأستاذ عمر أبو حشيش ممثل نظام كيان، حيث قدّما عرضًا تفصيليًا لميزات النظام الجديد وآلية عمله، موضحين تأثيره المباشر في تبسيط الإجراءات، تعزيز الكفاءة، وتحسين تجربة المستخدم في مختلف الدوائر.

وخلال الاجتماع، أُعلن أن الإطلاق الرسمي للنظام سيكون في كانون الثاني 2026، حيث سيزود موظفي الموارد البشرية والعاملين بتجربة رقمية أكثر إنتاجية، ويُسهم في تعزيز القدرات الإدارية والاستراتيجية للبطريركية عبر:

رقمنة عمليات الموارد البشرية والرواتب.

تقليل الأعمال الورقية والعمليات اليدوية.

تحسين دقة البيانات وضمان الامتثال للسياسات والإجراءات.

توفير بنية تحتية موحّدة تسهّل الوصول إلى المعلومات.

دعم اتخاذ القرارات عبر بيانات دقيقة ومحدّثة.

ويساعد النظام أيضًا في بناء بيئة عمل أكثر شفافية واستجابة ومرتكزة على الأداء، بما ينسجم مع أهداف النمو المؤسسي طويلة المدى للبطريركية، ويعكس التزامها المتواصل بتطوير قدراتها الإدارية من خلال حلول تقنية حديثة.

المصدر: البطريركية اللاتينية القدس

البابا يحتفل بالقداس الإلهي في عيد العذراء مريم سيّدة غوادالوبي"يا أمّنا، نريد أن نكون أبناءك حقاً: قولي لنا كيف نتقدم ف...
13/12/2025

البابا يحتفل بالقداس الإلهي في عيد العذراء مريم سيّدة غوادالوبي

"يا أمّنا، نريد أن نكون أبناءك حقاً: قولي لنا كيف نتقدم في الإيمان عندما تخور القوى وتتزايد الظلال. اجعلينا ندرك أن معكِ، يتحول حتى الشتاء إلى موسم ورود" هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في عظته مترئسًا القداس الإلهي في عيد العذراء مريم سيدة غوادالوبي

بمناسبة عيد العذراء مريم سيدة غوادالوبي ترأس قداسة البابا لاوُن الرابع عاشر القداس الإلهي عصر الجمعة في بازيليك القديس بطرس وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها في القراءة من سفر يشوع بن سيراخ، تُعرض لنا حكمة الإله في وصفٍ شاعري، وهي الصورة التي تجد هويتها الكاملة في المسيح، "حكمة الله"، الذي لمّا حلَّ ملء الزمان، "صار جسداً، مولوداً من امرأة". لقد اعتاد التقليد المسيحي أن يقرأ هذا المقطع بروح مريمية، إذ يذكّر بالمرأة التي أعدّها الله لكي تستقبل المسيح. فمن غير مريم في الواقع يمكنها أن تقول: "فيّ كل نعمة الطريق والحق، وكل رجاء الحياة والفضيلة"؟ لذلك، لم يتردد التقليد المسيحي في الاعتراف بها كـ "أُمّ الحب".

تابع الأب الأقدس يقول في الإنجيل، نسمع كيف عاشت مريم الديناميكية الخاصة لمن تسمح لكلمة الله أن تدخل حياتها وتُحوّلها. فكنار ملتهبة لا يمكن احتواؤها، تدفعنا الكلمة لكي نُعلن فرح العطية التي نلناها. فهي، التي ابتهجت بإعلان الملاك، فهمت أن كمال فرح الله يتحقق في المحبة، فسارعت إلى بيت أليصابات.

أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ كلمات "الممتلئة نعمة" هي حقًّا "أحلى من العسل". يكفي سلامها لكي يجعل الجنين يرتكض في حشا أليصابات، وهي، الممتلئة من الروح القدس، تساءلت: " من أين لي أن تأتيني أم ربي؟". هذا الابتهاج بلغ ذروته في نشيدها، حيث اعترفت مريم بأن سعادتها تأتي من الله الأمين، الذي نظر إلى شعبه وباركه بـ " وميراث أَلَذُ مِن شَهْدِ العَسَل"؛ أي بحضور ابنها.

تابع الأب الأقدس يقول طوال حياتها، حملت مريم هذا الفرح إلى حيث لا يكفي الفرح البشري، وحيث نفد الخمر. هكذا حدث في غوادالوبي. ففي "تيبيياك"، أيقظت في سكان القارة الأمريكية فرح معرفتهم بأنهم محبوبون من الله. وفي ظهوراتها عام ١٥٣١، إذ خاطبت القديس خوان دييغو بلغته الأم، أعلنت أنها "ترغب كثيراً" أن يُقام هناك "بيت صغير مقدّس"، ستمجّد منه الله وتُظهره. وفي خضم الصراعات التي لا تتوقف، والظلم والأوجاع التي تبحث عن راحة، تُعلن العذراء مريم سيدة غوادالوبي جوهر رسالتها: "أفلستُ أنا أمّك هنا؟". إنه الصوت الذي يتردد فيه وعد الأمانة الإلهية، والحضور الذي يعضد عندما تصبح الحياة لا تُحتمل.

أضاف الحبر الأعظم يقول إن الأمومة التي تُعلنها تجعلنا نكتشف أنفسنا كأبناء. فمن يسمع "أنا أمّك" يتذكر أنّه من الصليب، يقابل "هذه أمّك" قول "هذا ابنك". وكأبناء، نتوجه إليها سائلين: "يا أمّنا، ماذا يجب علينا أن نفعل لنكون الأبناء الذين يشتهيهم قلبكِ؟". وهي، الأمينة لرسالتها، ستقول لنا بحنان: "افعلوا ما يأمركم به". نعم يا أمّنا، نريد أن نكون أبناءك حقاً: قولي لنا كيف نتقدم في الإيمان عندما تخور القوى وتتزايد الظلال. اجعلينا ندرك أن معكِ، يتحول حتى الشتاء إلى موسم ورود.

تابع الأب الأقدس يقول وكابن أسألكِ: أيتها الأم، علّمي الأمم التي ترغب في أن تكون بناتكِ أن لا تقسم العالم إلى فصائل لا يمكن مصالحتها، وأن لا تسمح للكراهية بأن تطبع تاريخها ولا للكذب بأن يكتب ذاكرتها. أظهري لها أن السلطة يجب أن تُمارس كخدمة لا كسيادة. أرشدي حكّامها إلى واجبهم في صون كرامة كل إنسان في جميع مراحل حياته. واجعلي من تلك الشعوب، أبناءكِ، أماكن يشعر فيها كل شخص بأنه مرحَّب به.

أضاف الحبر الأعظم يقول رافقي أيتها الأم الشباب، لكي ينالوا من المسيح القوة لاختيار الخير والشجاعة للثبات في الإيمان، حتى إن دفعهم العالم في اتجاه آخر. أريهم أن ابنكِ يسير إلى جانبهم. فلا يغتم قلبهم بشيء، لكي يتمكنوا من أن يقبلوا خطط الله بلا خوف. أبعدي عنهم تهديدات الجريمة والإدمان وخطر حياة بلا معنى. ابحثي أيتها الأم عن الذين ابتعدوا عن الكنيسة المقدسة: لتَصِلهم نظرتكِ حيث لا تصل نظرتنا، اهدمي الجدران التي تفصلنا، وأعيديّهم إلى البيت بقوة حبكِ. أيتها الأم، أتوسّل إليكِ أن تُميلي قلوب الذين يزرعون الشقاق نحو رغبة ابنكِ في أن "يكون الجميع واحدًا"، وأن تردّيهم إلى المحبة التي تجعل الشركة ممكنة، إذ داخل الكنيسة، لا يمكن لأبنائكِ أيتها الأم أن يكونوا منقسمين.

تابع الأب الأقدس يقول قوّي العائلات: فيُربّي الأمهات والآباء، اقتداءً بمثلكِ، بحنان وثبات، لكي يكون كل بيت مدرسة للإيمان. ألهمي، أيتها الأم الذين يُنشِّئون العقول والقلوب لكي ينقلوا الحق بالحلاوة والدقة والوضوح النابع من الإنجيل. شجّعي الذين دعاهم ابنكِ ليتبعوه عن كثب: اعضدي الإكليروس والحياة المكرسة في الأمانة اليومية وجددي حبهم الأول. احفظي حياتهم الداخلية في الصلاة، واحميهم من التجربة، وشجعيهم في التعب، وأغيثي المنهكين.

أضاف الحبر الأعظم يقول أيتها العذراء القديسة، اجعلينا نحفظ الإنجيل في قلوبنا مثلكِ. ساعدينا لكي نفهم أننا، على الرغم من كوننا متلقين أيضًا، نحن لا نملك هذه الرسالة، بل، مثل القديس خوان دييغو، نحن مجرد خدّام لها. اجعلينا نعيش مقتنعين بأنّه حيثما تصل البشرى السارة، يصبح كل شيء جميلاً، ويستعيد كل شيء صحته، ويتجدد كل شيء. إنَّ الذين يسترشدون بكِ لا يخطئون؛ أعينينا لكي لا نُدنس بخطايانا وبؤسنا قداسة الكنيسة التي هي أمّ، مثلكِ.

وخلص البابا لاوُن الرابع عشر إلى القول يا أمّ "الإله الحقّ الذي به نحيا"، تعالي لمعونة خليفة بطرس، لكي أُثبّت على الطريق الوحيد الذي يقود إلى ثمرة بطنكِ المباركة، جميع الذين أوكِلوا إليّ. ذكّري ابنكِ هذا، "الذي أوكل إليه المسيح مفاتيح ملكوت السماوات لخير الجميع"، أن هذه المفاتيح هي لـ "حل وربط وفداء كل بؤس بشري" واجعلينا، إذ نثق بحمايتكِ، نتقدم متّحدين أكثر فأكثر، مع يسوع وفيما بيننا، نحو المسكن الأبدي الذي أعدّه لنا والذي تنتظريننا فيه. آمين.

المصدر: الفاتيكان نيوز

Address

الطيبة/الشارع الرئيسي
Ramallah

Telephone

+970566304907

Website

http://www.nabd10.ps/

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when Nabd ElHaya نبض الحياة posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to Nabd ElHaya نبض الحياة:

Share