روايات ميام

روايات ميام أكتب لأن الكلمات تُضمّد ما لا يُقال...
ولأن بعض الحكايات لا تُفهم إلا حين تُروى
روايات وقصص بقلم ميام

رواية: قتلوا ربيعي (ربيع اليمان)بقلم: ميامالفصل40................................توجهت إيلين وهي تحمل صغيرها إلى غرفة أخ...
07/10/2025

رواية: قتلوا ربيعي (ربيع اليمان)
بقلم: ميام
الفصل40................................
توجهت إيلين وهي تحمل صغيرها إلى غرفة أختها التي لم تعد تبرحها إلا مرغمة وتمضي معظم وقتها نائمة. لم تعد حيلة المرض تنطلي على من في البيت وأدركوا بأن هناك خطبًا ما بها، وإيلين تحاول التبرير قدر ما تستطيع ولا تدري إلى متى.
دخلت الغرفة وجدتها ممددة على سريرها وتحدق بالسقف بشرود، ولكن ما هالها خصلات شعرها المتناثرة في المكان والمقص ملقى على الأرض بجانبها. هرعت نحوها ووضعت صغيرها على السرير وهي تتساءل بعدم تصديق:
- ماذا فعلتِ بشعركِ أيتها المجنونة؟!
- قصصته لأنه لمسه.. لا أريد شيئًا يذكرني به.
- هل جننتِ يا هيلين؟ ما الذي أصابكِ؟ ما الذي فعله بكِ يمان؟
- فعل الكثير.. أهانني.. جرحني.. أذلني.. وأيضًا.. لا أدري.. لا أذكر له شيئًا جيدًا.. فهو بمحض كلمة جيدة تهرب من بين شفتيه تخبرني بأنه يكبت بداخله الكثير من المشاعر تجاهي.. لكن لماذا يصر على تعذيبي وتعذيب نفسه؟!.. لماذا يذهب للموت برجليه من أجل بهار التي ماتت منذ سنوات؟! لماذا يريد تدمير كل شيء من أجل الانتقام؟!
دمعت عينا إيلين حزنًا على حال توأمها التي تراها للمرة الأولى بهذا الحال. مسحت على وجنتها وقالت: إن لم ينتقم لها لن يتوقف عن رؤية طيفها ولن يستطيع إكمال حياته. هيلين، براق أخبرني بأنه يخشى أنَّ يمان كان يفكر بالانتحار عقب الانتقام لبهار، ولكنه لم يعد كذلك. بات الآن لديه أسباب يعيش من أجلها مثل ابنته وأنتِ كذلك.
احتدت نظرات هيلين وقالت بغضب: بعد أن بات لديه أسباب للعيش ذهب للموت؟!
تنهدت إيلين بقلة حيلة وقالت: تفهمي موقفه يا هيلين.. لستُ معه في موضوع الانتقام، ولكن عندما أضع نفسي مكانه .. لا قدر الله لو تأذى براق.. لن أبقي من فعلها على قيد الحياة.. لن أسمح بأن يتأذى أحبتي وأكمل حياتي وكأن شيئًا لم يكن.. هذا صعب على أي إنسان خاصة إن كان القانون لا يساعدك في أخذ حقك.. اخرجي من هذه الحالة أرجوك وبدلًا من الدخول في اكتئاب ابدئي بالدعاء كي يعود سالمًا.. هيا يا حبيبتي.. انهضي واغتسلي ودعيني أرتب قصة شعرك الذي دمرته بفعلتك الشنيعة هذه.. عندما يعود يمان سأخبره بما فعلته كي يعاقبكِ.
تجعدت ملامح هيلين وقالت بتهكم: لا ينقصه ذرائع ليعاقبني.. لكن هذه المرة أنا التي ستعاقبه.. سأفقده صوابه.
ضحكت إيلين قائلة: أكثر من هذا؟! أرجوكِ لا.. إنه مجنون بما يكفي.
صفعت هيلين أختها على ذراعها قائلة بانزعاج: لا تقولي عنه مجنون.
ردت عليها إيلين بصفعة أقوى وأخرجت لسانها قائلة: بل هو كذلك وأنت مجنونة مثله.. هيا انهضي واغتسلي فرائحتك نتنة. سأنظف الفوضى التي أحدثتها ريثما تنتهين.
خرجت هيلين بعد فترة من الحمام وكانت إيلين قد نظفت الغرفة حيث نظرت لها قائلة: تعالي لأعدل قصة شعركِ قدر الإمكان.
اقترب هيلين من ملابس الصلاة خاصتها والتي كانت قد أحضرتها لها إيلين من قبل وقالت: أريد أن أصلي أولًا.
ابتسمت إيلين وحملت طفلها قائلة: حسنًا، سأعود بعد قليل ريثما تنتهين.
خرجت إيلين وهي تدعو لها بالهداية؛ فهي أختها وتوأمها التي تتمنى لها الخير في الدنيا والآخرة، ولا تتوقف عن نصحها أبدًا لأن ذلك نابع من حبها لها.
على الجانب الآخر كانت خطة يمان تسير على ما يرام فقد ساعده شركاؤه الجدد بالدعوة لتنظيم حفل كبير يحضره أكبر رجال عائلات المافيا حول العالم في إحدى الجزر الخاصة. بات هناك اتفاق ضمني بين أكبر عائلات المافيا على التخلص من هذه المنظمة بأسرها وقد أتتهم الفرصة على طبق من ذهب عندما عرض عليهم يمان ذلك، لذا اتفقوا على خطة يمان وشرعوا ببناء خططهم الخاصة لمرحلة ما بعد الانتهاء من هذه العائلة والتي تأكدوا من أنها لا تهم يمان في شيء؛ فهو لا يريد الاستيلاء على عملهم، بل يريد الخروج منه وقطع علاقته بهذا العالم المظلم تمامًا.
أتى أحد رجال يمان قائلًا: سيدي، الرجال أخبروني بأن السيد براق يسأل عنك ويصر على طلبه بأن تتصل به ليطمئن عليك.
اكتفى يمان بإيماءة من رأسه وبعد قليل رن هاتف براق برقم خاص، ليسارع بالرد متلهفًّا.
- ماذا تريد؟
- قل مرحبًا يا رجل، كيف حالك؟
- جيد، لماذا أردت التحدث معي؟
- لأطمئن عليك، ألا تعلم مدى القلق الذي نشعر به عليك؟!
- لا شيء يدعو للقلق.. كل شيء يسير على ما يرام.
- إلى أين وصلت؟
- اقتربت كثيرًا .. أحضر لحفل الختام.
- هل سيستغرق الأمروقتًا طويلًا؟
- الحفل سيكون يوم السبت القادم..
- احرص على أن تعود سالمًا لأن هناك من يتوعد لك بالعقاب إن عدت بخدش واحد.
قالها براق بخبث، فضيق يمان عينيه متسائلًا بضيق ممزوج بالمكر: ومن هذا الذي يجرؤ على توعدي بشيء كهذا؟
كانت هيلين قد نزلت مع إيلين بعد رتبت قصة شعرها الذي بات يصل طوله لأسفل أذنيها وتفاجأت بأن براق يتحدث مع يمان وإيلين ترجمت لها الحوار وما أن أخبرتها بما قاله براق وابتسمت لها حتى غضبت هيلين وأسرعت نحو براق لتخطف الهاتف من يده، ثم صرخت بيمان بالإنجليزية ومن ثم أكملت حديثها بالروسية لشدة غضبها وصراخها وهي تقول: أيها الوغد! ألم تشبع من الانتقام بعد؟ ألن تعود؟ هل تنوي الموت أم ماذا؟ هل تعلم ماذا؟ عليك أن تعود كي أنتقم منك على كل ما فعلته بي.. سأقتلك أيها الوغد.. وقبلها سأعذبك كثيرًا.. هذا البيت الذي حبستنا فيه سأجعلك تكرهه لأنني سأحبسك هنا وأربطك بجذع شجرة في الخارج عاريًا حتى تتجمد وتموت من شدة البرد.
على الجانب الآخر كان يمان قد تفاجأ بسماع صوتها الغاضب وسرعان ما شعر بالحنين والشوق رغم حديثها الغاضب وتهديدها الواهي له. هذه القطة المشاكسة لا تتوقف عن التكشير عن أنيابها وإظهار مخاليها رغم أنها لا تجيد استعمالها، فكيف لهذه القطة أن تهدد أسدًا؟!
قطع سيل كلماتها الغاضبة وتهديداتها ضحكته الصاخبة، فاشتعلت غضبًا فوق غضبها وتساءلت إن كان يهزأ بها، لتسمعه يقول بالروسية: اشتقت إليك يا صغيرتي.
وكأن لهذه الجملة مفعول السحر فقد سكنت تمامًا وتلاشى غضبها واستياؤها وتلاطمت الأمواج في بحور عينيها، ثم حاولت استجماع صوتها الذي اختفى فجأة وتساءلت بصوت متحشرج يظهر بأنها على وشك البكاء: متى ستعود؟
ابتسم على تحولها المفاجئ وأجابها بهدوء: بعد أسبوع أو عشرة أيام كأقصى حد.
انسابت دموعها وخرجت شهقة صغيرة من بين شفتيها وهي ترى طول المدة الإضافية التي يتحدث عنها وقد زاد الأمر سوءًا عندما قال: هيلين، سامحيني.. على كل شيء.. لم أقصد سوى إبعادكِ عني لعلي أهرب من تأثيركِ بي.. يكفي أن تعلمي بأن دموعك تؤلمني حقًا، لذا لا تبكي...
وضعت قبضتها فوق موضع قلبها الذي يعتصر ألمًا بسبب كلماته التي تبدو كوداع بالنسبة لها، ثم قالت: لن أسامحك حتى تأتي وتعتذر لي وجهًا لوجه وأعاقبك على كل الأذى الذي سببته لي، هل سمعت؟.. إن أردت أن أسامحك فعليك أن تعود.. عد أرجوك يا يمان.
أغمض عينيه محاولًا التحلي بالصبر والقوة، فهو حقًا ليس واثقًا من عودته وإن كان سيتمكن من الخروج من تلك الجزيرة دون أن يلقى حتفه أو يغدر به أحد ما.
بعد لحظات من الصمت الذي تخلله شهقاتها تنهد قائلًا: سأحاول.. أنا أبذل ما بوسعي يا هيلين لأعود.. هلا دعوتم لي فقط؟.. أنا بحاجة ماسة لدعائكم.
مسحت هيلين دموعها وأجابت بصوت حنون متأثر: جميعنا ندعوا من أجلك.
أشارت إيلين لبهار وأخبرتها بأن والدها على الهاتف، فاقتربت من هيلين التي ابتسمت لها وقالت مخاطبة يمان: أحدهم اشتاق إليك كثيرًا ويريد التحدث معك.
لم تتح له فرصة الرد، بل مررت الهاتف لبهار التي هتفت مستهلة كلامها بكلمة "بابا" تلاها العديد من كلمات الحب والشوق والمطالبة بالعودة لتراه وتلعب معه.
ازداد ألم يمان وخوفه من عدم عودته لهم، ولكنه بدأ طريقًا لا رجعة فيه وعليه أن يكمل للنهاية كي يعيش هو والبقية مرتاحين وبأمان.
بعد انتهاء المكالمة نظر براق لإيلين وهيلين قائلًا بعتاب: ألم يكن كافيًا أن تتحدث معه هيلين وجعلتما بهار تكلمه أيضًا؟! ألا تتخيلان مدى الألم الذي يشعر به الآن؟
قال كلماته وخرج من البيت دون الاستماع لهما، لتقول إيلين بحزن: قلت لنفسي بأنه سيشتاق لابنته كما تشتاق هي له؛ فهي لا تتوقف عن السؤال عنه، لذا فكرت بأنها فرصة ليتحدثا معًا.
ربتت هيلين على كتف أختها قائلة: لا عليكِ.. اذهبي لزوجكِ................................
خرجت إيلين تبحث عن زوجها الحبيب الذي لا تطيق أن يشعر حتى بالاستياء منها حتى وجدته في اسطبل الخيول يطعم الحصان. اقتربت منه وعانقته من الخلف قائلة: أعلم بأنك خائف على يمان، ولكن جميعنا خائفين عليه صدقني.. بهار لا تتوقف عن السؤال عنه وبالتأكيد هو اشتاق إليها، لذا فكرت بأن أجعلهما يتحدثان معًا.. أنت تعلم بأن يمان لا يظهر مشاعره وربما حتى لا يفهمها، لذا يحتاج إلى دفعة صغيرة. ربما نحن الكبار نتفهم أو قد نتأقلم مع شخصيته وتفكيره، ولكن هذه طفلة يا براق.. بعد أن عرفت بأنه والدها اختفى بغتة ولم يتصل بها حتى.. لو رأيتها وهي تقفز وتتحدث بسعادة عما قاله لها وبشأن عودته لغيرت رأيك.
استدار براق بهدوء وأمسك بيديها، ثم جذبها قليلًا وحاصرها بين ذراعيه قائلًا: أعلم كل هذا يا روحي وأعلم ماذا كنتِ تقصدين، ولكنه رجل مقبل على أمر خطير وفكرة بأنه قد يموت ولن يعود لعائلته التي تحبه هي الشيء الوحيد الذي قد يؤلمه. يمان لم يكن ليكترث للموت أو الحياة لو لم يكن لديه بهار أو هيلين. هما السبب الوحيد الذي يجعله يرغب بالعودة من هذا الانتقام حيًا، والآن تحدث معهما وواجه خوف الابتعاد عنهما، والأسوأ من ذلك أنه شعر بحبهما وافتقادهما له وهو خير من يعلم ماذا يعني الفقد، هل فهمت قصدي يا حبيبتي؟
أومأت له برأسها وضمت نفسها إليه أكثر واضعة رأسها على صدره ليشدد هو الآخر من ضمه لها وكلاهما يرجو الله أن يعود هذا العنيد سالمًا بعد تحقيق انتقامه الذي طال انتظاره...........................
مضت أيام وفي ليلة الجمعة بينما كان يمان يتجهز للسفر هو ورجاله أتى أحدهم يسأله: سيدي ماذا نفعل مع مارتن؟
أجاب يمان ببرود وهو يتفقد أسلحته: أما زال حيًا بعد كل ما حدث؟
أومأ له الرجل إيجابًا وعقب قائلًا: وضعه سيء للغاية، ولكنه لا زال حيًا.
نظر له يمان وتساءل قائلًا: هل جوعتم الكلاب جيدًا كما أخبرتكم؟
رد الآخر: نعم سيدي، لم تأكل منذ ثلاثة أيام كما أمرت.
صمت يمان قليلًا، ثم قال بهدوء: أطلق عليه النار، ولكن لا تقتله.. فلينزف ببطء حتى الموت وأدخل الكلاب له.. أريده أن يشعر بها وهي تنهش لحمه دون أن يكون قادرًا على إبعادها عنه، وبعد انتهاء كل شيء أحرقوا ما تبقى منه حتى لا يبقى منه إلا الرماد، وادفنوه في مكان ما كي لا يلوث الأرض برماده النجس.
ازدرد الرجل ريقه وأومأ له بالطاعة، ثم هم بالانصراف، ليوقفه قول يمان: قم بتسجيل كل شيء بالصوت والصورة بشكل كامل، هل فهمت؟
بهت وجه الرجل للحظات، ثم قال: أمرك سيدي........................
قسم يمان رجاله لمجموعات وراجع خطته معهم بالإضافة لخطة احتياطية أطلع عليها المجموعة المكلفة بها فقط.
كانت الخطة تقضي أن يذهب هو وبعض رجاله إلى الجزيرة كضيف مثل البقية، ومجموعة أخرى من رجاله سيصلون بطريقة مختلفة بصفتهم من العاملين القائمين على تنظيم الحفل وخدمة الضيوف، وآخرين سينضمون لمجموعة رجال الأمن الذين يؤمنون الضيوف والمكان على الجزيرة، وكل ذلك بالاستعانة بشركائه الجدد الذين سيسهلون مرور رجاله. القسم الآخر من الخطة الذي تكلف به شركاؤه هؤلاء هو تصفية من تبقى من هذه العائلة ممن لن يحضروا الحفل؛ فقد تم تحديد مكان كل منهم وتم تعيين أشخاص لقتلهم في نفس الوقت تزامنًا مع بدء تنفيذ الخطة في الحفل.
مع ساعات صباح الجمعة الأولى انطلق في طائرته الخاصة وهو بكامل أناقته وفي يده هاتفه يراقب من خلاله ما يحدث مع مارتن خطوة بخطوة بوجه بارد خالٍ من أي تعابير تذكر رغم وحشية ما يجري.
بعد ساعات حطت طائرته في المكان المخصص للهبوط على الجزيرة واستقبله "ماركوس" أحد أكبر رجال المافيا الذين تعاون معهم. تحدثا قليلًا عن سير الأمور بشكل جيد دون الدخول بتفاصيل فقط كانا حذرين بانتقاء كلماتهما حتى لا يفهم أحدهم ما يجري، ومن يسمعهم يظن بأنهم يتحدثون عن ترتيبات الحفل وصفقات العمل لا أكثر.
بقي الضيوف يتوافدون تباعًا عدا عن الذين سيحضرون في اليوم التالي لحضور الحفل مباشرة لضيق وقتهم.
تواصُل يمان مع رجاله لم يتعدى نظرات العيون فقد كان حريصًا ألا يتحدث مطلقًا وألا يعلم أحد بخطته الخاصة وهو في وكر الذئاب هذا. كل من ينفذ مهمته يرسل إشارة ليمان أثناء مروره بقربه بإيماءة معينة تخبره بأنه نفذ مهمته فقد سبق واتفقوا جميعًا على إيماءات تفيد بمعنى التنفيذ أو الخطر أو وجود عائق ما وغيرها من الأمور الأساسية.
التحضير للحفل يجري على قدم وساق والضيوف يحاولون الاستمتاع بأجواء الجزيرة واستغلال هذا اللقاء الكبير في عقد صفقات والحصول على تسهيلات وخدمات مقابل أخرى؛ فكل شيء يأتي بالمصالح والمنفعة المتبادلة، في حين كان آخرين يراقبون كل شيء والطمع والمكر يتراقص في عيونهم كنسور تنتظر موت فريستها لتأكلها.
كل ذلك يراقبه يمان ويفهم كل منهم بماذا يفكر وماذا يخطط، ويعلم بأنه سيكون جزءًا من مخططاتهم الماكرة رغم أنه أعلن بأنه لا يريد شيئًا من هذه الفريسة التي ينتظرون موتها، ورغم ذلك لا يأمنهم، لذا وجب عليه أن يتغدى بهم قبل أن يكون عشاءهم.
مضت الليلة بصخب من بعض الضيوف الذين أمضوا وقتهم باللهو والشرب مع النساء المخصصات لإمتاع الضيوف هناك في حين كان يمان في غرفته يحاول النوم، ولكن عقله الذي يعيد الخطط مرارًا وتكرارًا ويضع الاحتمالات حتى البعيدة منها حرم عينيه النوم.
أتى اليوم الموعود ومع ظهر يوم السبت حطت الطائرة الخاصة بالفريسة على الجزيرة، وكان باستقبالهم ماركوس ويمان؛ فهو يعمل تحت إمرتهم ومن واجبه استقبالهم.
كان الحضور يضم ستة أشخاص من ضمنهم الذي أمر بقتل بهار، عدا عن الحرس الخاصين بهم، والنساء المرافقات لهم. شعر يمان ببعض الراحة لأنه لبى الدعوة وسينتقم منه بنفسه ورغم النيران التي يشعر بها إلا أنه كالعادة ذو وجه جليدي لا يظهر أية مشاعر مطلقًا.
مضى اليوم في أحاديث متبادلة بين جميع الحضور سواء عن العمل والصفقات المشبوهة خاصتهم أو عن لهوهم وفسادهم ومن ثم ذهب الجميع ليرتاح ويستعد للحفل الذي سيقام مساء.
في المساء بينما كان يمان يقف أمام المرآة ينظر لانعكاسه بعد أن بدل ثيابه وبات مستعدًا طرق أحد رجاله باب غرفته ودخل بعد سماع الإذن.
- هل كل شيء جاهز؟
- أجل، ستصلهم الرسائل في الوقت ذاته خلال الحفل.
- جيد، ماذا عن بقية الأمور؟
- كل شيء جاهز بانتظار إشارتك.
أومأ له يمان بهدوء واقترب ليمر من جانبه، لكنه توقف للحظة وهمس بأذنه قائلًا: لا أريد لأحد أن يغادر الجزيرة حيًا مهما كلفنا الأمر.
أومأ له رجله في حين تابع يمان السير للخارج وتبعه الآخر.
كانت الموسيقى تطغى على بقية الأصوات والضيوف غارقون في الملذات من خمر ومخدرات ونساء. دخل يمان بأناقته المعهودة ووسامته وجاذبيته الطاغية رغم برود ملامحه التي تضفي عليه الغموض المثير للبعض والمخيف للبعض الآخر.
اقترب من الرجل الذي أمر بقتل بهار وكان معه فتاتين وتبادلا الحديث بشأن صفقة قريبة في حين بدأت إحداهن تقترب من يمان وتمرر يدها على ذراعه صعودًا إلى كتفه وعندما همت بلمس وجهه أمسك بيدها بقوة جعلتها تتألم، ثم دفعها للخلف بعيدًا عنه قائلًا: إن أردتِ الموت فكرري فعلتكِ هذه.
شعرت الفتاة بالخوف وتراجعت لمقعدها في حين ضحك ذلك الرجل وقال: لا أصدق.. أما زلت مخلصًا لزوجتك الميتة بعد كل هذه السنوات؟!.. عندما سمعت عن الأمر لم أصدق، ولكن الأخبار التي كانت تصلني تؤكد لي ذلك والآن بتُّ واثقًا.
شعر يمان برغبة ملحة في فصل رأسه عن جسده ليوقف هذه الضحكة الساخرة من حبه لبهار وإخلاصه لها. أحكم قبضته يحاول التحكم بغضبه كي لا تذهب خطته أدراج الرياح وأنقذه تدخل أحد الرجال الذي أتى لينادي ذلك البغيض من أجل مقابلة شخص ما وبالفعل ذهب معه متجاهلًا يمان الذي لا زال على وقفته ولم يتزحزح قيد أنملة.
شرع بالتقاط أنفاسه بهدوء، ثم رفع معصمه ونظر لساعته ودق عليها بسبابته، ففهم رجله الأمر وهمس لمن هو على اتصال بهم قائلًا: الآن.
بعد لحظات بدأت هواتف الحضور بإصادر صوت إشعارات وصول رسائل متتالية، ولم تكن سوى صور ومقاطع تسجيل صوتية أو فيديو لجميع الحضور حيث كل منهم يتآمر على الآخر أو يعترف فيه بأنه كان سبب كارثة ما لشخص من الحضور، وبعد أن كان كل شخص لديه أمر يقض مضجعه أو نقطة ضعف يخفيها وانكشفت أو تم استغلالها فقد علم الآن من فعل ذلك به. تصاعدت الأصوات الغاضبة وارتفعت الأسلحة في وجوه بعضهم البعض ويمان انسحب تدريجيًا للخلف تاركًا المجال لهم ليأكلوا بعضهم البعض.
مع تصاعد التوتر القائم هرع جميع الحراس في الخارج ليدافع كل منهم عن رئيسه في حين خرج يمان مع رجله من قاعة الاحتفال وأعطى أمره الثاني بإغلاق الأبواب التي وضعوا عليها أقفالًا من الخارج مستغلين انشغال الجميع، وتزامن ذلك مع انطلاق رشاشات المياه المخصصة لحريق من السقف لتغرق الضيوف مستغربين حدوث ذلك في ظل عدم اندلاع إنذار الحريق، ولكنهم تنبهوا إلى أنها ليست مياه، بل بنزين.
سادت حالة من الهرج والمرج وتوجهوا نحو الأبواب ليخرجوا في حين أشعل رجال يمان الحريق في المكان بأكمله، وما أن فتحوا الأبواب حتى وجدوا النيران أمامهم تلتهم من كان في الخارج بعد أن تمت تصفيتهم فقد عمل رجال يمان على قتل كل شخص خارج قاعة الاحتفال مع بدء وقت التنفيذ وتشغيل أجهزة تشويش الاتصالات.
وقف يمان في الخارج يشاهد هذا القصر المهيب يحترق ومن فيه يصرخون، ومن في الخارج باتوا جثثًا على الأرض.
مضى بعض الوقت وخفتت الأصوات تدريجيًا، فأمرهم بإطفاء الحريق ليدخل ويتأكد من موت الجميع بنفسه وبالفعل بعد مدة دخل ينظر إلى الجثث المتفحمة الموزعة في أنحاء القصر حتى وجد مبتغاه عندما رأى غريمه وقد التصق سلاحه الذهبي المحفور عليه اسمه بيده المتفحمة.
انحنى يمان بقربه وقال: لم يكن كافيًا.. كنت أرغب بتعذيبك أكثر من ذلك، ولكن لم أشأ المجازفة برسم خطة منفصلة من أجلك.. لدي عائلة أعود من أجلها.. لو لم أقتلكم جميعًا لغدر بي من تظاهروا بأنهم يساندونني وكنا معًا في جهنم الآن.. لكنني دائمًا أسبق الجميع بخطوات وليس بخطوة وحسب.. هل أعجبك ذكائي هذه المرة أيضًا؟
رمقه يمان باشمئزاز وخرج يهتف قائلًا: لنغادر ولا تتركوا أثرًا لنا.
بالفعل كانوا قد تخلصوا من جميع تسجيلات المراقبة وكل ما يمكن أن يدل على مجيئهم إلى هذا المكان وغادروا بالقوارب خاصتهم التي وصلت لتأخذهم.
كان يمان يقف مستندًا بيديه على السور الحديدي للقارب، فشعر بطيف بهار بقربه، ولكنه لم يلتفت، بل أغمض عينيه لأنه يعلم جيدًا ما النظرات التي سترمقه بها الآن ولن يتحمل رؤية الخذلان والحزن في عينيها.
همس بألم وغيظ وهو يغمض عينيه مخاطبًا بهار: لم يكن فيهم أحد بريء.
أتاه صوتها الحزين: كانوا نحو مئة شخص.. هل تدرك ماذا فعلت؟
التفت لها وقال بقوة: أجل، خلصت العالم من بعض الشياطين الذين يتاجرون بالسلاح والبشر والمخدرات والأعضاء.. أنقذت الكثير من الناس من الموت بسببهم.. ربما قتلت نحو مئة، ولكنني أنقذت الآلاف.. ماذا؟!.. هل ستدافعين عن هؤلاء المجرمين القتلة؟!.. ولا تقولي قانون فالقانون لا يسعه الوصول إليهم.
انسابت دموعها وابتسمت بحزن؛ فهي تعلم هذه الحقيقة جيدًا فرق قلبه لها وقال: سامحيني.. أردت الانتقام لكِ ممن حرمني منكِ.. أردت فعل أكثر من ذلك، ولكنني اخترت أكثر ما يضمن عودتي سالمًا لابنتنا.
رفعت عينيها وابتسمت له معقبة: ولهيلين.
أوما لها نافيًا وبدا بأنه يشعر بالخجل منها، فأردفت قائلة: أنا سعيدة من أجلكما صدقني.. أتمنى أن أراك سعيدًا في حياتك يا حبيبي.
دمعت عيناه وقال بصراحة معبرًا عما في داخله والذي يدرك بأنها ستفهم ما يشعر به أكثر منه: بهار.. أنا لا أشعر تجاهها كما كنت أشعر تجاهكِ.. هي تحرك شيئًا بداخلي، ولكن ليس بنفس الطريقة.. عندما أفكر بالأمر لا أستطيع تخيل مستقبلًا يجمعني بامرأة أخرى سواكِ.. ووعدي لكِ بأنني ملككِ، وبأن هذا الحضن سيكون دومًا لكِ يجعلني أشعر بأنني أخونكِ.. لا أريد خيانتكِ، ولكن رغمًا عني أنجذب لها.. حاولت الهرب كثيرًا من هذه المشاعر دون جدوى.. أحيانًا أفكر بألا أعود.. هل عليّ الابتعاد حقًا؟
هزت رأسها نافية بسرعة وقالت وهي تمسح دموعها: لا، لا يا روحي.. ابنتنا بحاجتك.. وهيلين أيضًا.. وكذلك براق والبقية.. الجميع بانتظار عودتك.. صدقني سأكون سعيدة عندما تكوّن عائلة وتعيش بسعادة؛ فالحب أن تتمنى سعادة من تحب وسعادتك مع هيلين وبهار الصغيرة.. إنها ابنتنا، لذا سيبقى جزء مني معك فاعتني بها، وكن لها الأب الصالح الرائع الذي لم نحظَ به قط.. ربما تكون حياتي قد انتهت، ولكنني واثقة من أن حبنا لن ينتهي أبدًا.
هز رأسه نافيًا وقال مؤكدًا كلامها: أبدًا.. ستبقين في قلبي وقطعة من روحي للأبد.. لن أحب أحدًا مثلكِ، ولن أشعر بكل ما شعرته معكِ مع أحد آخر.. أنت الحب الأول الذي لا يضاهيه شيء ولا يستبدل بشيء أبدًا .. كل ما عشته معكِ كان مميزًا وخاصًا جدًا.. حياتنا معًا لم تكن سوى أيامًا معدودة، ولكنها كانت أجمل حياتي وستبقى ذكراها في قلبي وعقلي حتى أموت وآتي إليكِ.
ابتسمت من بين دموعها قائلة: وكانت أجمل أيام حياتي كذلك.. سأنتظرك يا زوجي الحبيب، ولكن بعد سنوات طويلة.. أحبك يمان.
ابتعدت عنه قليلًا، فهتف بذعر: هل هذا وداع؟ ألن أراكِ مجددًا؟
أومأت له بالإيجاب، فهز رأسه رافضًا وقال: لا، لا يمكنني العيش من دونك يا بهار .. أرجوكِ لا تتركيني وحدي..
ردت بهار قائلة: لن تكون وحدك يا روحي فالجميع سيكون معك.
هز رأسه نافيًا مؤكدًا رفضه لكلامها: لا أحد مثلكِ ولا يهمني أحد سواكِ.. إن شئتِ لن أعود ولن أرى هيلين مجددًا فقط ابقي معي.
مدت يدها نحو وجنته، فأغمض عينيه لأنه يعلم بأنه لن يشعر بها مما زاده ألمًا، فابتسمت بحزن على حاله قائلة: لا يمكنك العيش مع طيف زوجتكِ الميتة للأبد.. لقد حاولت إرشادك للصواب، والآن بات هناك من يتولى هذه المهمة.. بت تعلم الحقيقة وتعلم بأن هناك من يحبك ويهتم لأمرك سواي.. أنت لم تعد وحيدًا كما كنت تظن.. هناك العديد من الأشخاص يحبونك، ويقلقون عليك، وينتظرون عودتك.. وكما قلت لك من قبل.. سأكون دومًا معك حتى لو لم تراني.. لذا احرص على أن تكون سعيدًا في حياتك لأن ذلك سيجعلني سعيدة، اتفقنا؟
بكى يمان، فانهمرت دموعها هي الأخرى ورغم ذلك لا زالت تبتسم، لكنه هز رأسه نافيًا، فكيف له أن يكون سعيدًا ببعدها عنه؟! هل يعقل أن يشعر بالسعادة مع هيلين؟ نعم لديه مشاعر تجاهها، ولكن لا شيء يشبه ما كان يشعره تجاه بهار، فما الذي يعنيه هذا؟!
سمع صوتها تهتف بإصرار: عدني بذلك يمان.. عدني أن تعيش حياتك بسعادة.. عدني أن تكون أسرة وتحيا سعيدًا في حياتك.. حقق حلمك في أسرة سعيدة ومستقرة.
قال يمان بألم من بين دموعه: حلمي هذا كان معكِ أنتِ.
ردت بحزن وهي تحاول التماسك: وأنا لم أستطع تحقيقه، فحققه من أجلي ومن أجل ابنتنا مع هيلين.. هذه وصيتي لك.
اقتربت منه وقبلته بحب قبلة الوداع الأخيرة والغريب بأنه شعر بلمساتها واستطاع معانقتها وشم رائحتها التي اشتاق إليها، ثم همست له قائلة: أحبك يمان .. أحبك جدًا.
اختفت من أمامه ولم يعد بين يديه سوى الفراغ، ففتح عينيه ليجد بأنه كان نائمًا على كرسي في ذلك القارب، فدمعت عيناه وهمس وهو ينظر للبحر قائلًا: وداعًا يا حبيبتي.. وداعًا يا ربيع عمري.
مضى بعض الوقت وهو شارد في زرقة المياه وعقله يضج بالكثير وإذا بصوت طائرة مروحية يقطع ذلك السكون، ويبدأ إطلاق نار كثيف منها، ولم تسعفهم أسلحتهم الخفيفة بالدفاع عن أنفسهم؛ فذلك السلاح الثقيل أحدث أضرارًا كبيرة بقواربهم وسيتسبب بغرقها لا محالة، وفوق كل هذا رأى يمان الطائرة تقترب ومن بداخلها يحمل قاذف صاروخي يصوبه نحوه ليعلم بأنها النهاية، فأغمض عينيه استعدادًا للرحيل والذهاب إلى ربيع عمره.

رواية: قتلوا ربيعي (ربيع اليمان)بقلم: ميامالفصل39................................خرجت من المستشفى لا تدري أين تذهب فالحي...
31/08/2025

رواية: قتلوا ربيعي (ربيع اليمان)
بقلم: ميام
الفصل39................................
خرجت من المستشفى لا تدري أين تذهب فالحياة بأسرها باتت سوداء أمامها ولا ترى خلاصًا لها سوى الموت. انطلقت بسيارتها حتى وصلت ذلك الجرف الصخري المطل على البحر، فتوقفت هناك وانهارت بالبكاء.
تارة تضرب المقود بيديها وتارة أخرى تضرب على صدرها فوق موضع قلبها من شدة الألم والحزن الذي تشعر به. خرجت من السيارة واقتربت من حافة الجرف وتدافعت ذكرياتها مع يمان أمام عينيها، فابتسمت رغم الدموع التي تنهمر على وجنتيها وقالت: أحبك.. أحبك جدًا.. رغم كل شيء ورغم كل ما حدث..
أغمضت عينيها ورفعت ذراعيها تنوي رمي جسدها عن الجرف غافلة عمن يراقبها إلا أنها تراجعت في اللحظة الأخيرة وهمست قائلة: لا.. لا يسعني تركك يمان.. لن أدعهم يحققون مرادهم ويفرقوا بيننا.. لن أموت وأنت تظن بي السوء بسببهم.
مسحت دموع واختفت نظرات الانكسار والحزن من عينيها ليحل محلها لمعة التحدي رغم التعب والشحوب البادي على وجهها. عادت نحو السيارة وقبل أن تغلق بابها عليها وجدت يدًا تقبض عليه تمنع إغلاقه. رفعت بهار رأسها واستهجنت من تصرف ذلك الغريب الذي كان برفقته أربعة آخرين يحيطون بسيارتها والمكان لمنع تطفل أحد.
- من أنت؟ ابتعد عن الباب؟
- كنتِ تنوين الانتحار؟ لماذا لم تكملي وتريحينا؟
- ماذا؟
- يجب أن تموتي، لذا كان من الأفضل لكِ أن تكملي ما بدأته بنفسك بدلًا من أن نجبركِ عليه.
- ما الذي تهذي به يا هذا؟ ابتعد ودعني وشأني.
- هذا لن يحدث أبدًا.
جذب الباب بقوة حتى أفلتت يدها، ثم أشار لرفيقه بالتقدم الذي أخرج حقنة وما أن رأت هي ذلك حاولت الهرب من الباب الآخر، فجذبها من ساقها ومن ثم ذراعها وثبتها على الكرسي مكانها، ليقول الآخر: جيد أن جسدها مليء بالكدمات كي لا تترك مقاومتها أثر.
صرخت وبكت وتوسلت دون جدوى حتى ثبتها من يحمل الحقنة من فكها وحقنها بها خلف أذنها، فصرخت بقوة من شدة الألم والذعر حتى شعرت بتمزق حنجرتها. بدأت تردد اسم يمان لعله يأتي وينقذها كعادته، ولكنه لم يأتِ هذه المرة.
بدأت تفقد سيطرتها على جسدها الذي زحف الشلل لأطرافه حتى لسانها الذي توقف حتى عن ترديد اسم محبوبها، ولم يبقَ سوى دموعها التي تنهمر دون توقف.
ابتسم الأول وترك يديها أخيرًا وشرع يمرر يديه اللتين يغطيهما بقفازات جلدية على جسدها بوقاحة تامة وقال: تبدين أجمل وأنت هادئة.. لحسن حظك أنكِ أننا لا نترك أثرًا لنا وفي الوقت ذاته أنكِ خارجة من عملية إجهاض.. لولا ذلك لما تركتك.
اعتصر نهدها بقبضته، فخرج منها أنين متألم مع دموعها وهي لا حول لها ولا قوة؛ فهناك من يستبيح جسدها ويلمس مفاتنها وهي لا تقوى حتى على الاعتراض بلسانها.
اقترب منه الذي حقنها وقال بحنق: توقف عما تفعله.. هيا لننهي الأمر ونغادر.
هتف الآخر ببرود: انتظر.. ألا يكفي بأنه لا يسعني الاستمتاع بها؟! ألا ترى مدى جمالها؟!
استمر بما يفعله وهي تبكي وتئن؛ فهذا كل ما تستطيع فعله في هذه اللحظة وفي داخلها تدعو الله أن يرسل لها يمان لينقذها من أيدي هؤلاء الوحوش.
ازداد النزيف بين ساقيها، فأبعد يده قائلًا: هذا مقزز.. لو كان الأمر بيدي لانتظرت لبضعة أيام حتى أستمتع بجمالكِ قبل قتلك.. ولكن.. ليس لي نصيب.
جذبها من شعرها وألقاها خارج السيارة، فهتف أحدهم بغضب: على رسلك.. لا نريد ترك أثر.. ما خطبك؟
أجاب الآخر ببرود: ساعدني بحملها قبل أن أجرها من شعرها حتى الجرف.
اتسعت عينا بهار بهلع وهي تراهما يتحدثان عن كيفية قتلها كما لو أنها محض جماد وليست إنسانة ذات روح وقلب ومشاعر.
حملها الأول من يديها والآخر من ساقيها ومشيا حتى الجرف، ثم شرعا بأرجحتها مع العد حتى ألقيا بها وتأكدوا من سقوطها في الماء.
سقطت بهار في الماء وبقيت تنازع لالتقاط أنفاسها حتى خرجت روحها إلى بارئها، وكل ما تمنته في لحظاتها الأخيرة لو أنها ترى يمان وتخبره بأنها لم تخنه أبدًا.
كان يمان يغمض عينيه يستمع لما يقوله ذلك المقيد بصوت مرتجف وقد علم بأنه هو من حقنها بالمخدر ويتخيل كل ما مرت به محبوبته من ألم وحزن وفوق ذلك خوف ورعب بسبب هؤلاء الأوغاد الذين لم يقتلوها وحسب، بل عذبوها وتحرشوا بها وأذاقوها الرعب حتى آخر أنفاسها.
فتح يمان عينيه اللتين باتتا كالجمر المشتعل وقال بهدوء مرعب: من الذي كان يتحرش بها؟
أشار الرجل لقائدهم الصامت، ليرد الآخر بوقاحة وقوة يحاول التظاهر بها: أنا فعلت.. هل ستقتلني؟.. تفضل.. لست خائفًا منك.
حدق به يمان بنظرات مليئة بالوعيد والحقد أدخلت الرعب لقلبه وقال: ستخاف.. وتصرخ كالنساء.. ولن أدعك تموت قبل أن تتوسل لي ولا قبل أن أشعر بالراحة.
نظر يمان لأحد رجاله وأشار لعائلات الرجال قائلًا: خذوهم للداخل وجهزوا لي حفلًا يليق بهذا الوغد.
سارع الرجال لتنفيذ أوامره في حين شعر البقية بخوف وتساءلوا عن مصير عائلاتهم بعد أن وعدهم بتركهم، ولكنه قاطع كلامهم قائلًا: ستخرجون.. لا تقلقوا.. لكن بعد الحساب.. أنتم لا شيء عليكم.. لكن أنت..
أشار لمن حقنها وقال: ستخرج وتعود لبيتك مع عائلتك، ولكن مشلولًا جزاء الحقنة التي شلت جسدها.. أما أنت..
مشى خطوتين حتى توقف أمام المتعجرف الذي يأبى الاعتراف بالخوف أو الهزيمة رغم أن عينيه تقولان الكثير، وابتسم بشر قائلًا: سترى الكثير والكثير معي.. سأريك كل أصناف العذاب.. وسأداويك وأعذبك من جديد.. وسأستمر على هذا الحال حتى تموت.. هل تؤمن بالله؟
بات تنفسه عالي وصدره يعلو ويهبط ورد على سؤال يمان الأخير بحنق: كلا، لا أؤمن بإله ولا غيره.. أنا..
قاطعه يمان بسرعة قائلًا: جيد.. حتى لا تدعوه أن يأخذ روحك ويريحك مني.. لأن لدي مخطط جميل وطويل جدًا من أجلك.
هم يمان بالذهاب، فزحف الرجل الذي توعده بالشلل يرجوه أن يعفو عنه، فركله يمان بقوة وقال: أنا لا أعفو ولا أصفح.. والجزاء من جنس العمل.. كن شاكرًا أنني سأجعلك قعيدًا من خلال عملية جراحية وليس بالتعذيب على يدي.. بعد ذلك ستغادر مع عائلتك.
غادر يمان وقد خلف وراءه من يشعر ببعض الراحة، وآخر يبكي من سوء عاقبته، وهناك من ينهار داخليًا بسبب ما هو مقدم عليه من مصير أسود خاصة بعد أن رأى كل ما يخص فنون التعذيب يتم إدخاله للغرفة أمام عينيه وأشياء لم يسبق له حتى رؤيتها، ولكنه سيجربها لا محالة.
بعد دقائق أتى بعض الرجال فكوا وثاق الرجلين اللذين لم يشاركا في قتل بهار واقتادوهما للخارج حيث وجد كل منهما عائلته في سيارة، وتم زج كل منهما في واحدة استعدادًا للمغادرة.
كان يمان يقف في غرفة وحده مقابل الجدار ويضرب قبضة يده به وجسده يهتز من شدة الانفعال وهو يتخيل بهار التي كانت تنتظره لينقذها في الوقت الذي كان فيه غاضبًا منها ويبحث عن الرجل الذي كان له علاقة بها قبل زواجهما. غاضب من نفسه وبشدة وصدره يكاد يطبق على قلبه من شدة الألم حتى أنه لا يقوى على التنفس. إحساس بشع ومؤلم للغاية لا يمكن وصفه.
فتح عينيه عندما شعر بها وإذا بها تقف بحانبه تبكي بصمت ليبكي هو الآخر ويهمس لها قائلًا: خذلتكِ.. ظلمتكِ.. تعذبتِ كثيرًا يا حبيبتي وأنا غافل عن كل ما أصابك.
هزت رأسها نافية وقالت: ليس ذنبك.. لقد انتهى أجلي وحسب.
ضم شفتيه وأغمض عينيه بندم وخجل، ثم قال: سامحيني.. على كل شيء.. أرجوكِ سامحيني يا حبيبتي.
اقتربت منه وابتسمت من بين دموعها قائلة: إن كان على الضرب وسقوط الجنين فقد سامحتك عندما أدركت أنه لا يسعني العيش من غيرك، وبأن حبي لك أكبر من غضبي منك.. عدا عن هذا لا يوجد شيء لأسامحك عليه يا حبيبي.. كنت سأعود إليك وأواجهك من جديد حتى تسمعني وتفهم كل شيء.. لكنهم.. لم يسمحوا لي.
قالت جملتها الأخيرة بألم وحرقة، فمد يده يحاول لمس طيفها قائلًا: بهاري.. حبيبتي الجميلة.. لن يهنأ أحد تسبب ببعدك عني يا روحي..
هزت رأسها برفض وهي تبكي إلا أنه أردف قائلًا: لن يعيشوا.. والمنظمة التي كنت أجمع الأدلة كي أخرج منها بسلام سأبيدها عن بكرة أبيها.. قتلوكِ خشية أن أتركهم ويتأثر عملهم.. أنا الآن سأنهي أمرهم.
هتفت باسمه بخوف ورفض لما يقوله إلا أنه أشار برأسه نافيًا وعيناه تشتعل بالغضب وكأن حممًا بركانية على وشك الانفجار منهما لتبيد كل من يقف أمامه. كيف لا وهناك من قتل محبوبته وعذبها وحرمه منها وحرمها منه ومن السعادة التي كانت ستعيشها معه.
تم اقتياد من حقن بهار إلى غرفة أخرى بعد حضور الطاقم الطبي الذي سيجري له العملية وسط صراخه وتوسلاته، ولكن قضي الأمر.
أما الآخر الذي شارك بالقتل، فأمر يمان بضربه وكسر ساقيه بطريقة لا تجعله يمشي بشكل طبيعي من جديد ومن ثم تركه يغادر مع عائلته.
حان دور المتعجرف الذي بدأ يفقد هدوءه ويحاول المقاومة، لكن دون جدوى فقد قاموا بربطه بكرسي خاص أشبه بالسرير حيث كان جسده ممدد عليه، وهناك أماكن خاصة لتقييد يديه ورجليه ومن الوسط وحتى الرأس بحيث يتم تثبيت جسده بالكامل.
دخل يمان وقد شمر عن ساعديه وتساءل ببرود وتهكم: ألم تشعر بالخوف بعد؟ جيد.. فأنا أريدك أن تكون قويًا كي تحتمل لأطول فترة ممكنة.. لا تمت بسرعة.. لنبدأ بإحماء بسيط.
لاح شبح ابتسامة خبيثة على شفتيه وقام بوصل بعض الأسلاك به وضغط على جهاز بجانبه، فشرع الآخر بالصراخ وجسده يرتجف نتيحة التيار الكهربائي الذي ضرب جسده بلا رحمة. بعد بضع مرات توقف يمان وقال: لا تفقد وعيك الآن.. هذا محض ترحيب فقط.
وقف يمان بجانب طاولة مليئة بالأدوات الحادة المختلفة والتقط إحداها بعد تفكير وهو يقول: لنأخذ الأمور بالتدريج.
أمسك بخنصره ونزع الظفر من اللحم بقوة جعلت الآخر يصرخ بقوة مما جعل يمان يبتسم باستمتاع وهو يكرر الأمر مع بقية أصابع يديه وحتى قدميه. صفعه يمان على وجهه وقال: لا تفقد الوعي.. سأبدأ بتقطيع أصابعك الآن وأريد أن يصل صراخك عنان السماء.. سأقطع جسدك بأكمله، ولكن قطع صغيرة للغاية فأنا لست متعجلًا.. سأخلع أسنانك وأقطع لسانك وأقتلع عينيك.. وسأخلصك مما بين ساقيك.. وفي النهاية عندما أشعر بأنك ستموت سأشق صدرك دون تخدير وأخرج أعضاءك.. لن أبقي شيئًا.. ومن ثم أطعم لحمك للكلاب التي ستكون قد اعتادت على طعم لحمك الذي سأذيقها إياه بالتدريج.. وأول ما ستتذوقه هو أصابعك التي سأطعمها إياها أمامك.. كيف سيكون شعورك يا ترى وأنت تراها تأكل قطعًا من جسدك؟.. اليدين اللتين لمست بهما زوجتي، وعيناك اللتين نظرتا لها، وقدميك اللتين مشيت بهما لقتلها.. لسانك الذي خاطبها.. عقلك لا يمكنه تخيل ما سأفعله بك.
حدق به يمان بشر ووعيد وصرخ بأحد رجاله ليحضر الكلاب دون أن يحيد بنظره عن ذلك المقيد المذعور. شرع يمان بتقطيع أصابعه إلى أجزاء صغيرة وجمعها في طبق والآخر يصرخ حتى شعر بأن حنجرته تنزف دمًا، ولكن لم يعد هناك رحمة ولا خلاص فاليوم هو يوم الحساب.
بعد مدة تخلص يمان من كل أصابع ذلك الوغد ورفع الطبق أمام عينيه ليريه أصابعه المقطعة لأجزاء صغيرة، ثم وضعها أمام الكلاب التي شرعت بتناولها لينهار الآخر بالبكاء من هذا المشهد وقد بدأ يستسلم للظلام الذي يزحف نحوه.
توقف يمان وأدرك بأن هذا كافٍ لليوم وأمر رجاله بتضميد جراحه وإيقاف النزيف، ثم غادر.
بعد تلك الليلة كان يمان يعمل نهارًا على خطته لإنهاء تلك المنظمة بأسرها، ولم يترك أحدًا يمكنه الاعتماد عليه دون أن يحادثه حتى أنه دفع الكثير من الأموال لقاء الحصول على كل من يستطيع مساعدته في القضاء عليهم، بل واستعان بأعدائهم، ولكي يكسب ثقتهم أخبرهم بأنهم قاموا بخيانته وقتلوا زوجته، والانتقام أمر مشروع في هذا العالم الذي يعاقب الخيانة بأبشع الأشكال. هؤلاء الذين ينتقمون من كل من يتجرأ على إيذاء آخر من عالمهم أو ما يملكه حتى لو مسَّ كلبهم بسوء سيشعلون حربًا لأجله، ليس من أجل الكلب، بل من أجل تفكير الغير بالاعتداء على ما يخصهم وجعله عبرة لكل من تسول نفسه المساس بشيء له.
بالكاد يتذوق طعم النوم في تلك الغرفة الباردة الموحشة ضمن هذا المبنى في قلب الغابة. يمضي وقته بالاتصالات، والتخطيط، والتفكير، ويعد الكثير من الخطط على أمل أن تكون نهايتها سلامته ليعود لعائلته. لقد اشتاق إليهم كثيرًا، لابنته وأخيه والجميع وخاصة صاحبة العيون الزرقاء الجميلة والتي تكون آخر ما يره قبل نومه، ولكنها دومًا ما تحمل نظرات الحزن والغضب كما رآها في المرة الأخيرة عندما ودعها قبل مغادرته. لم يرَ بهار طوال هذه الفترة، ربما لأنه أطفأ ضميره ولا يريد أي إزعاج منها لما يقوم به؛ فلقد عاد لحالته السابقة قبلها ببساطة من أجل الانتقام لها ورغم ذلك يحارب شياطينه كي لا يريق الدماء قدر المستطاع التي لو انصاع لها لما ترك أحدًا يغادر هذا المكان على قيد الحياة. لقد كان في داخله رغبة بقتلهم جميعًا مع عائلاتهم ودفنهم هنا في الغابة، ولكنه لم يشأ أن يصبح أسوأ من ذي قبل ويقتل أبرياء لا ذنب لهم. لن يعود لأهله كوحش ملطخ بدماء الأبرياء؛ فهو يريد إغلاق هذا الباب للأبد.
استيقظ ليلًا من نومه وعلم بأنه لن يتمكن من العودة للنوم، فنهض ليسلي نفسه بالشيء الوحيد الذي يفرغ به غضبه ومقته ويتلذذ بعذابه.
دخل تلك الغرفة التي يقبع به ذلك المقيد الذي لم يعد له ملامح من كثرة التعذيب الذي يطاله يوميًا. استنفر رجاله فور رؤيتهم له يدخل المكان ويسألهم عن حال ذلك الوغد في حين أن الآخر استيقظ من نومه وارتعد جسده ما أن سمع صوت يمان وقد علم بأنه أتى من أجل جولة جديدة.
اقترب يمان بخطواته المتمهلة منه وكأنه يلعب بأنفاسه التي باتت تتثاقل تدريجيًا مع اقترابه منه وصدره يعلو ويهبط بشكل ملحوظ مما جعل يمان يبتسم بزهو خاصة عندما رأى دموعه تنساب رغمًا عنه.
وقف يمان بجانب الكرسي المقيد به وتأفف باشمئزاز قائلًا: ما هذه الرائحة النتنة؟ ألم تأخذوه للحمام؟
رد رجله قائلًا: لا سيدي، بعد آخر جولة تعذيب تغوط في ملابسه وفقد الوعي من شدة الألم، لذا تركناه على حاله.
امتعض وجه يمان وقال: نظفوه ونظفوا الكرسي جيدًا .. لا أريد أثرًا لهذه الرائحة الكريهة.. وقيدوه عاريًا .. بسرعة .. لا أريد أي تأخير.
خرج يمان مشمئزًا من الرائحة وانتظر لبعض الوقت حتى أتاه رجله يخبره بأن كل شيء قد تم حتى أنهم رشوا بعض المعطرات في الجو لعلمهم بأن زعيمهم يكره القذارة ويحب النظافة والترتيب في كل الأمور حتى في التعذيب.
دخل يمان وهو يبتسم بخبث عند رؤيته لذلك المقيد وجسده العاري يرتعد بقوة، ثم همهم قائلًا: هذا أفضل.. في المرة القادمة اطلب منهم دخول الحمام.. لست طفلًا لتفعلها على نفسك.. عيب.. أنت رجل كبير.. هل تصدق أنني أستمر بنسيان اسمك.. آه تذكرت.. مارتن الوغد.. أفكر لك باسم أنثوي فقد خطرت لي فكرة فظيعة للغاية.. أفكر بتحويلك إلى أنثى.. سأحضر لك فريق طبي تجميلي من أعلى طراز ليقوموا بتحويلك لامرأة جميلة للغاية.. هل تعلم لماذا؟!
انحنى يمان نحوه وهمس له قائلًا: كما ترى رجالي يمكثون لفترة طويلة في مكان موحش دون امرأة.. لذا فكرت بأن أحولك لامرأة وأجعلك ترفه عنهم.. فما زال لدي وقت حتى أنفذ خطتي بالقضاء على المنظمة كما تعلم.. وهؤلاء لن يحتملوا البقاء بعيدين عن النساء كل هذه المدة.. ما رأيك؟!.. هل توافق على مساعدتنا؟
صرخ مارتن من بين دموعه: لا.. أرجوك لا .. توقف عما تفعله بي.. سأفعل أي شيء من أجلك.. يمكنني الذهاب لقتل الرجل الذي أمرني بقتل زوجتك.. لكن لا تفعل شيئًا كهذا بي.. أتوسل إليك.
قلب يمان شفتيه وقال: لست بحاجة لعرضك هذا فأنا يمكنني قتله متى شئت وبكل سهولة، لكنني لا أود قتله وحده، بل تدمير المنطمة بأكملها التي من أجلها فكروا بقتل زوجتي كي لا أبتعد عنهم. لا تقلق لن أفعل ذلك الآن.. سأتسلى بتعذيبك أكثر بعد.. والليلة سنجرب الحرق، ما رأيك؟ لا تقلق لن أجعل حروقك عميقة حتى يتمكن أطباء التجميل من علاجها.. لا أريد لرجالي الاشمئزاز من جمال المرأة التي ستكون بين أيديهم.. فمن المفترض أن ترفه عنهم.
تأكد مارتن من أنه يتحدث بجدية ولا يهدد وحسب، فشرع يصرخ ويتوسل دون جدوى ويمان شرع بكي جلده بقضيب حديدي ذو رأس مدبب بعد أن قام بتسخينه في نار معدة خصيصًا لهذا الغرض ولم يتركه حتى فقد مارتن الوعي من شدة الألم.
رمى يمان القضيب من يده ونظر له بتهكم قائلًا: ظننته أقوى من ذلك وسيتحمل أكثر.
هتف وهو في طريقه للخروج قائلًا: عالجوا حروقه.
وقف يمان في الخارج يتأمل سكون المكان من حوله، فاقترب منه المسؤول عن مجموعة الرجال الذين معه وتساءل بهدوء: سيد يمان، هل حقًا ستحوله لامرأة؟
رفع يمان زاوية شفتيه بسخرية دون النظر إليه وأجاب قائلًا: لم أحسم قراري بعد..
ثم التفت لرجله وأردف بابتسامة ماكرة: إن كان يعجبك سأحوله من أجلك.
اتسعت عينا الآخر باستهجان وتقزز، فهز يمان رأسه مبتسمًا على ردة فعله، ثم قال: الأمر سيستغرق وقتًا ولا أدري كم سيحتمل، وأخشى إن حولته لامرأة أن يعجبه الأمر.. ماذا لو كان ممن يعجبه الجنسين؟!
حمحم الآخر وقال: أنا فقط تساءلت لأنه سيكون من الصعب الحصول على فريق طبي في هذا المكان، وهذا يحتاج لكثير من المعدات وغيرها لتهيئة المكان للعمليات الكثيرة.
هز يمان رأسه مؤكدًا وقال: أجل، وهو لا يستحق كل هذا الجهد والمال. أريد دفعه للجنون فقط عندما يرى أنني أتحدث بجدية. حاول التحدث عبر الهاتف أمامه وتظهر له بأنك تبحث عن الأطباء والمعدات وما إلى ذلك.
أومأ له الآخر قائلًا: أمرك سيد يمان.
جعد يمان وجهه قبل انصراف الآخر مظهرًا رغبته بقول شيء آخر، ولكنه متردد، فتوقف رجله وتساءل قائلًا: أهناك أمر آخر؟
أخذ يمان نفسًا عميقًا وقال بحيرة: لا أدري، أفكر بشيء لأزيد عذابه بما أنني ربما لن أحوله لامرأة.
عقد رجله حاجبيه وتساءل بفضول وحيرة: ما هو؟
أغمض يمان عينيه وقال: الأمر ليس أخلاقيًا وكنت أعاقب من يفعله بالموت، لكن من يعلم على كم امرأة اعتدى هذا اللقيط؟! أريده أن يجرب هذا الشعور قبل أن يموت.
ازدادت حيرة الرجل وتساءل قائلًا: هل عدت لفكرة تحويله؟
نظر له يمان وتأفف بضيق قائلًا: قلت لك لا.. لأنه لا يستحق.. ألم تفهم قصدي بعد؟
رمقه الآخر بقلة حيلة وحيرة حقيقية، فامتعضت ملامح يمان من غبائه وقال موضحًا: اسأل الرجال الجدد الذين أحضرناهم إن كان أحدهم يفضل الرجال.. هل فهمت ما أقصده؟!
هتف الآخر باستدراك: آه.. فهمت.. فهمت.. تريدهم أن..
اشمأزت ملامح يمان وقاطعه بسرعة قائلًا: لا تكمل فمجرد ذكر الأمر مقزز للغاية.. اسأل ودعهم يذيقونه الويل.. أود سماع صراخه من غرفتي، هل فهمت؟
أومأ له رجله بطاعة وانصرف من أمامه بينما كان يمان يشعر بالضيق من نفسه، ولكنه همس لنفسه قائلًا: يستحق ذلك.. يجب أن يجرب ما كان يفعله بغيره.
بهذه الكلمات كان يحاول إطفاء بصيص النور بداخله، وصوت ضميره الذي يستنكر عليه فعلته هذه، ولكن هيهات؛ فالنار المشتعلة في صدره تحرق كل ما يقابلها من ذرات الشعور بالذنب وهمس الضمير بمجرد أن تعود صورة جثة بهار أمامه...........................................

يمكن الفصل ثقيل ومليان تعذيب لكن يمان بفرغ وجع سنين في شخص حرمه من حياته وسعادته

يمان رغم كل اللي بعمله إلا أنه في تغيير عن قبل ما يتعرف ببهار

صار عنده مشاعر وضمير وهاد اللي بحاول أوصله لكم، لكن رغم هيك مش قادر يسامح أو يوقف انتقامه

لا أبرر أفعال يمان لأنه أصلًا اللي قرأ من البداية (رواية إيلين) عارف إنه غير سوي نفسيًا وعنده عقد ومشاكل كثير لكن بدأ يتغير

Address

فلسطين
Tulkarm

Website

https://t.me/mayam_novels

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when روايات ميام posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Share