روايات ميام

روايات ميام أكتب لأن الكلمات تُضمّد ما لا يُقال...
ولأن بعض الحكايات لا تُفهم إلا حين تُروى
روايات وقصص بقلم ميام

رواية: قتلوا ربيعي (ربيع اليمان)بقلم: ميامالفصل37................................لم يبتعد يمان عن بهار ولو لدقيقة واحدة،...
01/08/2025

رواية: قتلوا ربيعي (ربيع اليمان)
بقلم: ميام
الفصل37................................
لم يبتعد يمان عن بهار ولو لدقيقة واحدة، ووعدها بأن تمطي الحصان معه صباح الغد، وبأن يلهوا معًا طوال اليوم. اكتفت جانسو بالمراقبة وفي داخلها صراع كبير فمن ناحية تريد التخلص من سيطرته التي يفرضها على حياتها وحياة ابنتها ومن ناحية أخرى ترى سعادة الطفلة بوجوده في حياتها؛ فلطالما شعرت بالنقص من هذه الناحية، وتدرك بأنها لم تستطع تعويضها عن هذا الأمر رغم كل ما فعلته من أجلها.
هيلين تراقبه عن كثب وتشعر بالنار تشتعل في صدرها. تود الحديث معه، ولكن لا تدري كيف تبدأ وماذا تقول.
مع تأخر الوقت وذهاب الجميع إلى غرفهم اختفى صوت الصغيرة أخيرًا لتعلم بأنها نامت وعند هذا الحد لم تعد تستطيع التحكم بنفسها أكثر ولم يعد بوسعها تفسير كمية المشاعر المتضاربة بداخلها من غضب، وخوف، وقلق على هذا المعتوه الذي وقعت في حبه.
خرجت من غرفتها ووقفت أمام غرفة بهار حيث رفعت يدها لتطرق الباب، ولكنها ترددت وبقيت يدها معلقة في الهواء وهي تقبضها بقوة. أخفضت رأسها بحنق من نفسها ولم تعد تدري ما هذه التصرفات التي تقوم بها، وكيف تصرف هذه الحيرة التي تعتريها حتى تفاجأت به يفتح الباب ويقف أمامها مباشرة.
رفعت رأسها تنظر إليه فقابلت نظراته الباردة تسألها عما تريده مما جعل حلقها يجف؛ فهي حقًا لا تعلم ماذا تريد منه وكيف ستفسر تصرفها هذا.
قاطع ذراعيه أسفل صدره وهو يرمقها بتسلية ويعلم جيدًا ما بها، ثم تساءل ببرود: هل سأنتظر كثيرًا؟ ماذا تريدين؟
هذا ما كانت تسأله لنفسها ولا تجد إجابة، فكيف عساها تجيبه؟! ازداد توترها ومع صمتها بتلك النظرات رفع حاجبه وهو يطالع انفعالاتها مما جعلها تشتمه بالروسية وتعود لغرفتها مسرعة.
ابتسم على فعلتها ولن ينكر بأنه يستمتع بما يسببه لها من ارتباك بعد أن كانت تتظاهر بالقوة والثقة وتتقن التمثيل أمام الجميع إلا أنها لم يعد بوسعها ذلك أمامه.
شعر برغبة الذهاب خلفها وضمها بين ذراعيه، ولكنه أوقف نفسه. لا يريد أن يمنحها ولا حتى أن يمنح نفسه أي أمل؛ فهو لا يعلم إن كان سيعود حيًا؛ لذا يريد أن يمضي اليوم مع ابنته ليودعها ويبقى لها ذكرى جميلة أما هذه الفاتنة التي جعلت قلبه يدق من جديد فلا يريد أن يظلمها معه كما فعل مع بهار. لقد تعلم درسه بألا يدخل أحدًا لحياته قبل أن يخرج من هذا الظلام الذي يحيط به كما أنه لن يتخلى عن انتقامه لبهار مهما حدث.
جلست على سريرها تقضم أظافرها بأسنانها بغيظ شديد منه ومن نفسها، ولم تشعر بدموعها التي بدأت تنهمر على وجنتيها رغمًا عنها حتى انفجرت باكية الأمر الذي دفعها لتتمدد على سريرها وتكتم صوتها بوسادتها مما جعل ذلك الذي يراقبها من خلال هاتفه يتألم على حالها خاصة بعد أن بدأت بالسعال بقوة.
أغمض عينيه وهو يشعر بالغيظ منها لكونه مجبر على الاعتناء بها؛ فهي لم تتناول عشاءها ولم تأخذ دواءها حتى الآن.
توجه إلى المطبخ وأعد شطيرة وكوبًا من العصير وعاد بعد دقائق حيث تفاجأت به يقتحم غرفتها دون أن يطرق الباب حتى. فما أن رفعت رأسها عن الوسادة تفاجأت به يقف أمامها يقول وهو يضع ما في يده على الطاولة الجانبية للسرير: كلي هذا وخذي دواءكِ.
رمقته بحدة وغيظ قائلة: ليس من شأنك .. اخرج من هنا.
ابتسم بتهكم وأمسك بوجنتها بين أصابعه قائلًا: نفذي ما أقوله بهدوء كي لا أعاقبكِ يا صغيرة .. التعامل مع طفلة واحدة أمر مرهق للغاية، فما بالك باثنتين؟!
أبعدت يده بعنق قائلة: لست طفلة يا هذا!
دفع وجنتها بأطراف أصابعه بقوة طفيفة قائلًا: كلي طعامك واهتمي بصحتك إذًا ولا تنتظري أن يهتم بك أحد.
انسابت دموعها مجددًا وهي تقول بحرقة وألم: لم يحدث وأن انتظرت مساعدة أو اهتمامًا من أحد .. لطالما كنت أعالج نفسي بنفسي وأداوي جروحي بيدي.
عند هذه الجملة جلس بجانبها على السرير وبدأ بترتيب خصلات شعرها الثائرة بلطف وهو يتساءل قائلًا: ما الذي تخفينه داخل قلبك؟ ما هو الجرح الذي لم يشفى بداخلك بعد؟! لا تكذبي فأنا واثق من أن هناك أمرًا ما.
أجهشت بالبكاء بحدة أكبر مما جعله يتأكد من أن هناك سرًا ثقيلًا يعتمل في داخلها وترفض البوح به. جذبها لصدره وكأنها كانت تنتظر ذلك فقد أحاطت جذعه بذراعيه تكمل نوبة بكائها الهستيرية وهو يتعجب من حالتها وعقله يكاد ينفجر من الاحتمالات التي وضعها سببًا لحالتها هذه.
ربت على رأسها قائلًا: أخبريني ما الأمر .. إن كان بوسعي التخفيف عنكِ ومساعدتكِ سأفعل يا هيلين .. من الذي آذاكِ وجرحكِ؟ .. تكلمي.
رفعت هيلين رأسها ليبدأ بمسح دموعها وهو يطالعها بقلق واهتمام واضح لتهمس له قائلة: أنا خائفة.
رمقها بتساؤل لتردف قائلة: سمعت اتصالك .. لم أفهم ما كنت تقوله .. ولكن .. سمعتك تتحدث عن رجل اسمه "جاكوب".
ضيق يمان عينيه فعلى ما يبدو أنها تعرف هذا الشخص وهذا ليس مستبعدًا فقد عمل لصالح عائلتها لسنوات طويلة. حثها بإيماءة من رأسه لتكمل، فأردفت بجمل غير مترابطة: لا تبحث عنه .. لا تذهب أرجوك .. إنه خطير للغاية.
احتدت نظراته وتساءل بنبرة لا تقبل النقاش: ماذا فعل بك؟
ابتعدت عنه وتجمدت الدموع في محجريها وعندما طال صمتها أمسك بذراعيها بقوة مكررًا سؤاله، فأخفضت رأسها وانهمرت دموعها من جديد مما جعله يشعر بأنه على وشك أن يفقد صوابه. أمسك بذقنها ليرفع رأسها إليه متسائلًا: هل آذاكِ؟ ماذا فعل بكِ؟ هل .. اغتصبكِ؟
هزت رأسها بسرعة قائلة: لا .. لا .. أنا لا زلت عذراء.
لا تدري لمَ أخبرته بذلك وهي التي ترسم لنفسها صورة الفتاة اللعوب أمام الجميع، ولا ينكر بأن اعترافها صدمه حقًا؛ فهو لم يتوقع أن تكون عذراء مطلقًا، ولكن هذا الاعتراف كان بمثابة المهدئ له مما جعله يخفف قبضتيه عن ذراعيه ويرفع إحدى يديه لوجنتها ويتساءل بهدوء: كيف آذاكِ إذًا؟ أخبريني يا هيلين وأنا سآخذ حقكِ منه .. لا تخافي منه فهو لن يتمكن من فعل شيء لنا.
أمسكت بيده التي على وجنتها وضمتها بين كفيها كأنها تستمد منه القوة والشجاعة لتبوح بالسر الذي يقض مضجعها بعد أن ظن الجميع بأنها تجاوزته.
عندما كانت هيلين في السادسة عشر من عمرها وبينما هي عائدة من مدرستها كالعادة توقفت سيارة بقربها وخرج منها شخصين دفعاها للداخل ووضعا منديلًا على وجهها غابت بعده عن الوعي.
أمضت أيامًا في غرفة مظلمة وهي بين الوعي واليقظة تشعر بالخوف والذعر ولا تقوى على الحراك. كان يدخل أحدهم وهو يغطي وجهه يوميًا يضع لها وجبة الطعام ويرغمها على أخذ حقنة في ذراعها وحالتها تزداد سوءًا بشكل تدريجي.
حاولت الهرب كثيرًا حتى تجرأت على طعن أحدهم، ولكن أمسكوا بها من جديد وقد تبخرت كل آمالها بالنجاة من ذلك المكان عندما قيدوها بسلاسل من حديد.
انتظرت طويلًا أن يأتي أحد لإنقاذها، ولكن دون جدوى وبعد أن باتت تكره دخول أحدهم ليعطيها الحقنة باتت تطلبها بنفسها بعد انتهاء قدرتها على التحمل من شدة الألم الذي يجتاح جسدها.
في أحد الأيام بعد أن أخذت الحقنة وكانت في حالة من الانتشاء وعدم الوعي رأت رجلين يدخلان غرفتها لتسمع أحدهما يقول: باتت جاهزة .. تطلب الحقنة بنفسها فور ظهور الأعراض عليها.
سمعت الآخر يرد قائلًا: جيد .. باتت مدمنة إذًا.
عاد الأول ليهتف متسائلًا: ماذا نفعل بها الآن؟
همهم الآخر وهو يعبث بولاعة السجائر المميزة خاصته بتفكير، ثم قال: ألقوها غدًا أمام بيتها.
غادر كلاهما ولم تستطع تمييز وجهه؛ فرؤيتها ضبابية للغاية وسرعان ما أغلقت عينيها مستسلمة للظلام. استفاقت لاحقًا على لمسات تجوب جسدها بوقاحة، فشرعت تبكي وتحاول دفع ذلك الشخص عنها رغم وهنها وضعفها، ليقول الرجل: لولا منعه لنا من لمسك لما تركتك يا فتاة .. يا لكِ من فاتنة!
شرعت تبكي وتصرخ ليبتعد عنها وهي تراه يزداد وقاحة وعنفًا، ويحاول تجريدها من ملابسها حتى أتى زميله -الذي تناوب معه على حراستها في هذا المكان- وانتزعه من فوقها وهو ينهره قائلًا: هل جننت؟ أتريده أن يقتلك؟ لقد فعل بها هذا كي لا يزوجوها بغيره، فكيف تتجرأ على لمسها؟! لن يترك لك جثة حتى كي تدفن أيها الأحمق.
شعر الآخر بالذعر وخرج مسرعًا من غرفتها ليتبعه الآخر ويغلق الباب على تلك التي تنتحب مذعورة.
انتهت من سرد أسوأ ذكرياتها عليه لترفع رأسها إليه قائلة: كان هو .. جاكوب .. جعلني مدمنة .. أخبرتهم بأنه هو، ولكن لم يصدقني أحد بعد أن قلت بأنني لم أرَ وجهه إلا أنني تذكرت ولاعته التي يبقيها دومًا في يده .. لم أكن أعلم بأنهم ينوون بيعي لأحد رجال المافيا من أجل مصالحهم .. لذا عندما علمت أمي أخذتني وسافرنا وقطعت علاقتها بأهلها تمامًا .. بقيت أتعالج من الإدمان لفترة طويلة إلى أن بدأت أعود للحياة تدريجيًا وقد عاهدت نفسي بألا أكون ضعيفة أبدًا .. رغم ذلك جاكوب لم يتركني وشأني .. لمحته عدة مرات في أماكن مختلفة ورغم ذلك لست واثقة .. ربما تهيؤات .. ولكنه سبق وتوعدني بأن يلاحقني .. ربما تقول بأنني أهذي مثلهم وربما أكون مخطئة بشأن ملاحقته لي، ولكن هذا لا ينفي بأنه رجل خطير للغاية.
بقي يستمع لها بهدوء يكتم غضبه والنيران التي تشتعل بداخله بسبب كل الأذى والألم الذي عاشته منذ نعومة أظفارها، وفي داخله يتوعد لهذا الجاكوب بألوان من العذاب، وما أن انتهت وطالعته بنظراتها الخائفة مسح على وجنتها وابتسم لها قائلًا: هل تخافين عليَّ يا صغيرة؟
رمقته بحنق طفولي لذيذ وابتعدت عنه لظنها بأنه لا يصدقها وربما يراها تبالغ بخوفها، فوضع يدها على وجنتها يدير رأسها إليه وقد قرأ ما يدور في عقلها، ثم قال بجدية: إن كان هو رجل خطير فأنا الخطر بذاته .. وإن كان رجلًا شريرًا ماكرًا فأنا الشيطان بعينه .. أنا أعمل لهذه اللحظة منذ سنوات، ولن أقوم بخطوة غير محسوبة فاطمئني .. تناولي طعامك وخذي دواءكِ.
هم بالنهوض فأمسكت بيده وهتفت باسمه برجاء، ثم هزت رأسها برفض قائلة: لا تذهب .. لا أريدك أن تتأذى.
ابتسم ومسح الدموع التي كانت تهدد بالهطول من زرقاوتيها بيده، ثم انحنى نحوها وطبع قبلة دافئة على جبينها جعلت القشعريرة تسري في جسدها وقال: هذا لن يحدث .. خططت لكل شيء ولكل خطة خطط احتياطية .. ليس بوسع أحد العبث معي.
رمقها بثقة وغرور وقد غمزها بنهاية جملته لعله يخفف من توترها وخوفها وكان له ما أراد فحتى غروره وبروده بات يعجبها، وطريقته التي ختم بها حديثه أجبرتها على رسم ابتسامة صغيرة على شفتيها الجميلتين.
رغم رغبته بالبقاء معها، بل وسجنها بين ضلوعه كي لا تبتعد عنه مطلقًا إلا أنه مجبر على الابتعاد الآن على أمل أن تمنحه الحياة فرصة أخرى لكي يحيا كإنسان طبيعي، فهل سيحظى بفرصة كهذه؟! أم أنه يكتب نهايته بيده؟!..................................
استيقظ على صوت بهار التي أيقظته فور أن فتحت عينيها كي يأخذها إلى اسطبل الخيول كما وعدها. كان يمان يحاول استيعاب حماسها الشديد وهي بالكاد استيقظت، فأجلى صوته قائلًا: حسنًا سنذهب، ولكن لدينا ما نقوم به أولًا يا جميلتي.
قطبت بهار جبينها وبدا عليها الاستياء، فابتسم وهو يرى مدى التشابه بينها وبين أمها، فأمسك بوجنتها المكتنزة وابتسم قائلًا: أولًا سنغتسل ونبدل ملابسنا ونتناول فطورنا، ثم نركب الخيل حتى تشعرين بالملل وتقولين اكتفيت، موافقة؟
هتفت بهار بسعادة ورمت نفسها بين ذراعيه تطوق عنقه بذراعيها الصغيرين، فضمها بدوره بحب وأغمض عينيه مستمتعًا بالمشاعر التي تغدقه بها هذه الصغيرة والتي يجربها لأول مرة، ليدرك بأن هذا ما تعنيه مشاعر الأبوة.
استعان بجانسو لمساعدته في استحمامها وتبديل ثيابها وتمنى لو أن يعود لها ويتعلم فعل كل شيء من أجلها وألا يكون هذا آخر يوم يراها فيه.
أشار لجانسو بالخروج بعد الانتهاء ونظر لبهار الصغيرة وأمسك بيديها وهو يركع على ركبتيه أمامها وقال: حبيبتي، أريدك أن تتذكري ما سأقوله لكِ جيدًا، اتفقنا؟
أومأت له إيجابًا وقد فتحت عينيها لتركز فيما سيقوله وإذا به يقبل يديها ويقول: أنا لم أكن أعلم بأن لدي فتاة جميلة مثلك، وكنت سعيدًا للغاية عندما عرفت بأنك ابنتي. تأكدي من أنني أحبكِ جدًا. أنتِ أكثر شخص أحبه في العالم بأسره، ومن أجلك يمكنني فعل أي شيء. يمكنني أن أضحي بحياتي من أجل أن تعيشي بسعادة وأمان. تذكري هذا جيدًا يا بهاري.
ابتسمت الصغيرة وطوقت عنقه بذراعيها قائلة بحب: وأنا أيضًا أحبك جدًا.
نهض وأمسك بيدها يأخذها للأسفل حيث اجتمع الجميع حول مائدة الفطور، فجلس واضعًا الصغيرة على ساقيه كالعادة وشرعوا بتناول الفطور وكل منهم غارق في أفكاره ومخاوفه حتى قطع ذلك الصمت صوت الصغيرة وهي تشير لأحد الأطباق قائلة: أريد بعض الجبن بابا.
وقعت الشوكة من يد يمان وهو يستشعر إحساسًا غريبًا يجتاح قلبه على إثر كلمتها هذه في حين توجهت أنظار الجميع نحوهما وعندما طال صمته وجموده تنبهت الصغيرة لما قالته بعفوية ونظرت له متسائلة: هل أزعجك أنني ناديتك بابا؟ ألم تقل بأنك أبي؟
بدأت الدموع تلمع في عينيه متأثرًا وقال بصوت متحشرج من فرط مشاعره: كيف لي أن أنزعج؟! بالطبع يمكنك مناداتي بأبي يا حبيبتي .. وأنا سعيد للغاية بسماعها منكِ.
هتفت الصغيرة بسعادة وهي تنظر لجانسو قائلة: هل رأيتِ؟ لقد أصبح لي بابا مثل البقية.
طبعت قبلة على وجنة يمان الذي تضخم قلبه بين ضلوعه وبات على وشك الانفجار من فرط ما يشعر به ويفكر به، فضمها بقوة بين ذراعيه محاولًا ألا تنساب دموعه، فلاحظ براق ذلك وربت على ذراع أخيه وعلم ما يدور في ذهنه؛ فهو يخشى فراق طفلته بعد أن بدأت تعوضه عن كل ما فقده في حياته.
أمضى يمان اليوم مع بهار خاصة وعائلته عامة، والجميع يشعر بأنه يودعهم، لذا لم تكن الأجواء سعيدة مطلقًا.
بعد يوم طويل من اللعب واللهو نامت الصغيرة بين أحضان والدها الذي بقيت متمسكة به طوال اليوم الأمر الذي أزعج جانسو وتمنت بداخلها ألا يعود يمان فقط كي تتخلص من سيطرته على ابنتها وتحكمه بحياتهما، وقد عزمت على أن تبتعد بها وتسافر فور أن تخرج من هذا المكان؛ فهي ليست مستعدة لتدخل براق بحياة ابنتها من بعده بحجة أنها ابنة أخيه حتى أنه أغاظها قول يمان بأنه يريدها أن تكون إيلين، فهل يريد لابنته أن تكون متدينة ومحجبة أو بمعنى أصح بمنطقها "رجعية ومتخلفة"؟! هذا ما لن تسمح به أبدًا ولن تترك ابنتها تتأثر بهم مطلقًا.
اغتسل يمان وبدل ثيابه وخرج بهدوء من غرفة بهار ورمق باب غرفة هيلين نظرة مطولة كأنه يودعها، ثم نزل الدرج مسرعًا ليجد براق بانتظاره.
- هل ستذهب الآن؟
- أجل.
- كم أود الذهاب معك!
- مكانك هنا يا براق .. اعتنِ بالجميع وخاصة .. بهار.
- لا تكمل يا أخي .. أنا واثق من عودتك.
- عند انتهاء كل شيء سيأتي أحدهم ويخبركم بأنكم أصبحتم بأمان.
- يمان! توقف من فضلك.
- أعلم بأنني أخبرتك بالتفاصيل، ولكن للتأكيد ...
- ليس هذا قصدي .. قلت لك أنا واثق من عودتك .. بإذن الله ستنهي كل شيء وتعود .. لن أقول لك سوى أن تخلص النية لوجه الله .. نية التوبة وترك الأعمال المشبوهة هذه .. من أجل نفسك وابنتك .. ومن أجلنا جميعًا .. ولنيتك بأنك لا تريد إيذاء أحد بعد اليوم .. أعلم بأنك تريد ترك هذا العمل بسبب وعدك لبهار، ولكن هذا ما كان في نيتها هي أيضًا.
- أعلم كل هذا وعملت لسنوات كي أخرج من هذا العمل بشكل آمن، ولكنني لا أضمن النهاية يا براق .. نعم فكرت وخططت وعملت، ولكن التنفيذ على أرض الواقع ... ربما يكون هناك مفاجآت غير محسوبة.
- ليس بالنسبة للشيطان يمان .. لديك من المكر والخبث والدهاء ما يجعلك قادرًا على نسفهم جميعًا .. لذا أنا واثق من عودتك وقد حققت غايتك .. فقط توكل على الله.
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي يمان، فسارع براق بضمه بقوة وهو يجاهد للحفاظ على ثباته الظاهري أمام أخيه في حين أن قلبه يرتعد خوفًا من احتمال خسارته.
خرج يمان من البيت تحت أنظار أخيه المودعة والقلقة داعيًا الله له بالحفظ والسلامة، ليتفاجأ براق بمن يمر من جانبه بسرعة البرق وإذا بها هيلين التي اندفعت بكل سرعتها نحو يمان الذي بات في حديقة المنزل، وباغتته بضربة من قبضتها على ظهره، فالتفت رافعًا يده ينوي ضرب هذا الشخص الذي تجرأ على هذه الفعلة الحمقاء إلا أن نظراته الحادة اختفت وأنزل يده تدريجيًا وهو يرى الأمواج المتلاطمة في زرقاوتيها، لتقول ببكاء: قلت لك لا تذهب .. لمَ أنت عنيد للغاية؟! .. دعك من الانتقام من أجل زوجتك فقد رحلت وانتهى الأمر .. أم أنك تود اللحاق بها؟! .. فكر بابنتك على الأقل؛ فهي تحتاج إليك.
عندما رأت صمته وجموده أمسكت بقميصه وهزته قليلًا قائلة بنبرة باكية راجية: أرجوك لا تذهب .. من فضلك يمان.
لم يحتمل أكثر من ذلك، فجذبها بقوة كادت أن تحطم عظامها ليضمهاويستنشق رائحتها ويطمئن نفسه قبل أن يطمئنها بأن هذا ليس الفراق وليست النهاية.
أجهشت هيلين بالبكاء بين ذراعيه وهي تردد رجاءها حتى سمعته يقول: اهدئي .. لا شيء يدعو للخوف .. سأعود صدقيني .. سيسير كل شيء على ما يرام وأعود إليكم.
براق يراقب من بعيد باستغراب من هذا المشهد الذي أمامه، فهل يعقل بأن يمان قلبه تحرك من أجل هيلين؟! كيف ومتى حدث ذلك؟!
فرق يمان العناق مجبرًا لتنظر إليه هيلين من بين دموعها وتقول برجاء: عدني بأنك ستعود .. أنت رجل يفي بوعده، أليس كذلك؟
أومأ لها برأسه إيجابًا، فعقبت قائلة وهي تمسك بياقته: عدني إذًا .. هيا.
مسح على رأسها بيده بحنان وقال: سأعود، أعدك بذلك يا صغيرتي، وأريدك أن تعديني بالمقابل أن تهتمي بصحتك وتأخذي أدويتك، اتفقنا؟
هزت رأسها موافقة وهي تحكم قبضتيها على قميصه، فأمسك بيديها وأبعدهما عنه، ثم ابتعد عنها مسرعًا كأنه يهرب منها.
أجهشت بالبكاء وهي تراه يغادر المنزل بسيارته، فاقترب منها براق متسائلًا بهدوء: هل تحبينه؟
مسحت دموعها بسرعة وقالت بضيق دون أن تنظر إليه: للأسف يبدو كذلك.
ابتسم براق رغمًا عنه من إجابتها وتساءل باستنكار: للأسف؟!
التفتت له لتقول بحدة: ماذا؟ هل تحسبني سعيدة بإعجابي برجل مغرور، ومختل، وعنيد مثل أخيك؟! الذي يستمر بإنكار مشاعره تجاهي وفاء لزوجته الميتة؟! يجرحني بكلماته وتصرفاته فقط كي يبعدني عنه؟! أهذه تصرفات طبيعية؟!
أخذ براق نفسًا عميقًا وقال: يمان ليس رجلًا عاديًا يا هيلين .. نعم، لديه اضطرابات نفسية وعاش حياة قاسية وتحمّل الكثير .. إن كنت حقًا تحبينه فعليك أن تتعلمي كيف تتعاملي معه .. كما فعلت بهار .. كان معها رجلًا آخر .. عاشق .. حنون .. سند وأمان .. كان لها كل شيء.
انسابت دموعها من جديد وقالت بقهر: لم يحدث وأن منحني فرصة حتى، ولا أدري إن كان سيفعل عندما يعود.
ابتسم براق وقال مطمئنًا: سيفعل .. عندما يعود ويكون قد حل كل شيء سيبدأ بمحاولاته لعيش الحياة التي حرم منها .. الآن ما علينا سوى أن ندعو الله أن يعيده لنا سالمًا.
أومأت له هيلين إيجابًا وهي تمسح دموعها، ثم أردف قائلًا: هيا ادخلي فالجو بات باردًا.
سارت بخطواتها نحو البيت في حين رفع براق رأسه للسماء وقال: يا رب .. ما لنا سواك.

لَمَّا رَآنِي فِي هَوَاهُ مُتَيَّماًعَرَفَ الحَبيبُ مَقَامَهُ فَتَدَلَّلافَلكَ الدَّلالُ وَأنْتَ بَدرٌ كامِلٌوَيَحِقُّ ل...
31/07/2025

لَمَّا رَآنِي فِي هَوَاهُ مُتَيَّماً
عَرَفَ الحَبيبُ مَقَامَهُ فَتَدَلَّلا
فَلكَ الدَّلالُ وَأنْتَ بَدرٌ كامِلٌ
وَيَحِقُّ لِلمَحبوبِ أنْ يَتَدَلَّلا

لا تُهدر وقتك على من لا يسأل ، ولا تُرهق روحك بمحاولة البقاء في قلبٍ لا يسعك ... كم من الأيادي امتدت لتأخذ لا لتعطى ؟وكم...
26/07/2025

لا تُهدر وقتك على من لا يسأل ، ولا تُرهق روحك بمحاولة البقاء في قلبٍ لا يسعك ... كم من الأيادي امتدت لتأخذ لا لتعطى ؟وكم من القلوب اقتربت لتؤذي لا لتؤنس....

رواية: قتلوا ربيعي (ربيع اليمان)بقلم: ميامالفصل 36............................................علا صوت رنين هاتفها ليقطع ...
22/07/2025

رواية: قتلوا ربيعي (ربيع اليمان)
بقلم: ميام
الفصل 36............................................
علا صوت رنين هاتفها ليقطع شرودها مكالمة من أختها فقد نسيت أن تطمئنها عليها بعد ذلك الكم من الرسائل والمكالمات.
- مرحبًا إيلين.
- وأخيرًا قمتِ بالرد يا هيلين .. ألا تعلمين كم قلقت عليكِ؟! .. كلام يمان بأنكِ بخير لم يشعرني بالطمأنينة لأنكِ لم تردي.
- كنت نائمة ومتعبة.
- ما الذي أصابكِ؟
- نزلة برد .. حرارة وسعال .. ليس شيئًا خطيرًا.
- هل أنتِ أفضل الآن؟
- أجل، اطمئني. آخذ الأدوية وأتناول الطعام.
- جيد، اهتمي بنفسكِ ريثما نصل غدًا، هل تريدين أن أحضر لكِ شيئًا معي؟
- بعض الحلويات والمقرمشات والوجبات الخفيفة، بل الكثير منها.
- حسنًا لكِ ذلك.
- إيلين، ما المشكلة التي قال عنها يمان وجعلته يدعو الجميع إلى هذا البيت الغريب؟
- لا أعلم يا هيلين، لكن الأمر يبدو خطيرًا. لم يخبر براق بأي تفاصيل وقال بأنه سيخبرنا بكل شيء في الوقت المناسب.
- فهمت.
- ابقي هادئة ولا تعانديه هيلين، أرجوكِ.
- رغم أنني أستمتع بذلك، ولكن لا طاقة لي بهذا الآن، عدا عن أنه حقًا مختل ويهدد بالقتل والتعذيب والعقاب.
- يا الله! هيلين أرجوكِ .. هذا الرجل القتل بالنسبة له كشرب الماء .. لولا حبه لبهار والتزامه بوصيتها لما توقف عن القتل .. والأشد ذعرًا بأنه لا يترك دليلًا يدينه.
- حسنًا، لن أغيظه فهو حقًا يبدو مخيفًا في بعض الأحيان.
- انتبهي لنفسكِ عزيزتي.
انتهت المكالمة وتنهدت هيلين بتعب. وضعت يدها على عنقها مكان قبلاته الدافئة التي جعلتها تشعر بأحاسيس لم تستشعرها من قبل، ولكنها سرعان ما تذكرت كلماته السامة لها فانسابت دموعها وهمست بحيرة وألم: ماذا أفعل معه؟ هل سيسعني حقًا الانتقام منه؟! إنه ماكر ويعلم بحيلي .. أم علي الابتعاد وحسب قبل أن أتورط أكثر بهذه المشاعر السخيفة؟!
تمددت على سريرها وهي تقول بتهكم: تركت كل رجال العالم لأعجب بهذا المختل المجنون .. يا لذوقي البائس! أنا حقًا مجنونة.
تأففت وأغمضت عينيها تنشد النوم علها تريح رأسها من التفكير في حين كان الآخر يراقبها عبر هاتفه ويستمع لكل ما تقوله من خلال كاميرات نظام المراقبة الموجودة في كل مكان في هذا البيت وهو يبتسم.
نهض وهم بالذهاب إليها يرغب بأخذها في حضنه إلا أنه توقف عندما تذكر كلامه لبهار حينما كانا في بيت الأحلام خاصتهما ...
"ابتسمت بهار بحزن قائلة: هل ستصدقني إن قلت لك أنني لم أشعر بالدفء في حياتي إلا بين ذراعيك؟!
ضمها إليه بقوة وقبل رأسها قائلًا: هذا مكانك أنتِ وحدكِ الذي ستبقين فيه للأبد .. ولم يمنح الدفء لأحد سواكِ، فاستمتعي به."
أغمض عينيه بغضب من نفسه وهو يستشعر بأنه بدأ يخون بهار بسبب هيلين، ولا يدري ما حقيقة انجذابه لها؛ فهو يصر على أنه لم ولن يعشق سوى بهار التي لم يحرك قلبه سواها، ولكن ماذا عن هيلين؟! هل هو محض إعجاب بجمالها والتشابه الذي بينها وبين بهار أم شعوره بالضعف والحاجة أمام رغباته، ولكن هذا لم يحدث من قبل إلا مع هذه الفتاة التي تدك حصونه ببراعة..............................
في صباح اليوم التالي وصل براق والبقية إلى المطار ووجدوا عدد من رجال يمان وسياراتهم بانتظارهم. نظرت إيلين لبراق بتوجس فاحتضن كتفيها بذراعه وضمها إليه قائلًا: اهدئي، سيكون كل شيء على ما يرام.
في وقت سابق كانوا قد استغربوا قدوم جانسو وطفلتها تخبرهم بأنها سترافقهم إلى غازي عنتاب بناء على أوامر يمان الغير قابلة للجدال، ورغم استغرابهم من الأمر إلا أنهم يعلمون تعلق يمان ببهار الصغيرة الأمر الذي بات واضحًا للجميع، وتساءلوا إن كان هذا سبب خوفه عليها فهو لا يترك أي شيء للاحتمالات.
انطلقت السيارات إلى وجهتها وبعد وقت طويل توقفت السيارات أمام البيت ليخرج الجميع يتأمل المكان من حوله الذي يبدو كحصن مع كل أولئك الرجال المسلحين، وأنظمة المراقبة، والأسوار وحتى الأسلاك الشائكة مما جعل الرعب يزحف لقلوبهم أكثر وهم يشعرون أن هناك حربًا على وشك الاندلاع.
استقبلهم يمان بهدوء، ولكن الوحيدة التي حظيت بابتسامته واهتمامه هي بهار الصغيرة التي جثا على عقبيه وهو يفتح ذراعيه لها بعد أن انطلقت نحوه مسرعة فور رؤيتها له. أغمض عينيه يسحب رائحتها العبقة إلى داخل صدره؛ فهي قطعة من حبيبة قلبه حتى لو جهل الجميع ذلك. هي ابنته التي لا يجرؤ على التصريح بهويتها الحقيقية خوفًا عليها، ولكنه سيفعل عما قريب. سيحقق أمنية والدتها وسينجو بعائلته الكبيرة هذه مهما كلفه الثمن.
خرجت هيلين تضع كمامة، فهرعت نحوها إيلين بعد أن أعطت طفلها لأبيه إلا أنها توقفت بإشارة من هيلين التي قالت: لا تقتربي إيلين .. من أجل طفلك.
توقفت إيلين باستياء فقد كانت تود معانقتها دون الاكتراث لنفسها، ولكن صحة طفلها لها الأولوية. اقتربت والدتهما وكلتاهما تسأل هيلين عن حالها وهي تخبرهم بأنها تحسنت كثيرًا بفعل الأدوية.
بينما كان يمان يتحدث مع بهار ويستمع لأحاديثها الطفولية باهتمام لم يخفَ عليه نظرات جانسو الغاضبة وشعورها بالضيق، فهتف للصغيرة كي تدخل وتتفقد ألعابها الجديدة في غرفتها بعد أن وصفها لها، ثم وقف أمام جانسو وقال بهدوء: أعلم كل ما يجول في ذهنك، ولكن ما أريده هو حماية الجميع من خطر قريب. إنها محض أيام قليلة فتحلي بالصبر.
هتفت من بين أسنانها قائلة: هل تعلم كم كذبت كي أستطيع أخذ إجازة، ولولا تدخلك لما حصلت عليها ... وظيفتي على المحك بسببك ... كنا بخير قبل أن تظهر في حياتنا، ولكنه خطئي لأنني أحضرتها لحفل الزفاف ذاك و...
احتدت نظراته وهمس لها بفحيح مرعب: انتبهي لكلامك يا امرأة ... كوني تجاهلت فعلتك هذه لا يعني بأنكِ لم تخطئي في حقي وحق بهار وبأنك لا تستحقين العقاب، هل فهمتِ؟ ... رغم سوء ما فعلته، ولكنني أيضًا ممتن لذلك ... وهذا ما جعلني أصمت حتى الآن ... بهار ابنتي شئتِ أم أبيتِ وستبقى بقربي ... إن شئتِ البقاء معنا فأنا أرحب بذلك، ولكن ... إن حاولت الوقوف بيننا سأنسفك نسفًا حتى لا يبقى منكِ ذرة واحدة، هل فهمتِ؟
شحب وجه جانسو وارتعش جسدها، ثم أومأت له بسرعة إيجابًا وتبعت ابنتها للداخل.
لاحظ براق حدة أخيه مع جانسو رغم أنه لم يسمع ما دار بينهما من حديث، فاقترب منه وهو يحمل صغيره متسائلًا بمرح: هل اشتقت لابنة جانسو وابني لا؟ هذا ليس عدلًا يا أخي.
سحب يمان نفسًا عميقًا وأخذ الصغير من بين يدي أخيه مبتسمًا له، ثم قبل وجنته المكتنزة وقال: يشبهك كثيرًا، ولكنه أجمل منك ربما أخذ شيئًا من وسامتي.
ضحك براق وقال: والله إن كان أوسم مني فهذا بسبب جينات أمه فأنا أوسم منك.
رمقه يمان بازدراء واستدار ليدخل البيت، فتبعه براق بسرعة وهمس له بجدية: أريد معرفة كل ما يجري هنا. الجميع خائفون.
تنهد يمان وقال: ارتاحوا الآن وسنتحدث لاحقًا. لا تقلق، سأخبركم بكل شيء. الأمر لا يتعلق بي وحدي، لذا يجب أن تعلموا ما يجري.
شعر براق بالخوف ووقع نظره على إيلين التي تراقبه لترى إن كان يمان سيخبره بشيء أم لا، فرسم ابتسامة على شفتيه لطمأنتها إلا أنه لم يخفَ عليها بأنها مصطنعة، فرمقته بنظرات تعني بأنه لم يستطع خداعها، فابتسم بصدق هذه المرة على شمسه التي تفهمه دون كلام.
توجه الجميع إلى غرفهم وبقيت هيلين تراقب يمان بنظراتها فبعد أن نام الصغير بين ذراعيه أخذه براق ليضعه في سريره، ثم ذهب يمان لغرفة بهار كي يلهو معها. كم كانت ترغب بإيجاد حجة لفتح ذلك الباب الذي تسمع من خلفه ضحكات الصغيرة وبين الحين والآخر تنطلق ضحكته الرجولية.
لم تستطع النوم رغم أنها تشعر بالنعاس بسبب الدواء ولا تعلم صدقًا ما الذي يزعجها؟! .. أليس من الأفضل أن يبتعد عنها؟! أليست هذه رغبتها عقب ما فعله بها؟! أم أنها تود قربه كي تضعف أمامه من جديد وتذل نفسها أمامه؟! ما هذا الألم والشتات الذي تشعر به بسبب هذا الرجل؟! منذ متى استطاع رجل هز شعرة بها أو زعزعة حجر واحد من حصونها المنيعة؟! عقب ما عاشته لم تسمح لرجل بالاقتراب منها، بل كانت تلهو معهم وتجعلهم يتعذبون برغبتهم بها كي تتلذذ برؤية ضعفهم تجاهها، ولكن هذا الرجل مختلف في كل شيء. حتى ذلك الكره الذي في داخلها للرجال لا تشعر به تجاهه ولا تدري لماذا؟!
سمعت صوت باب غرفة بهار وأدركت بأنه خرج من غرفتها التي اختارها لتكون بجانب غرفة هيلين. وقفت بانتباه لترى إن كان سيدخل لغرفتها ليطمئن عليها، ولكنه لم يفعل. لم تكن تعلم بأنه يراقبها من خلال هاتفه ويرى لهفتها الواضحة وانتظارها له....................................
وضعت رأسها على صدر براق وتساءلت بقلق:
- ألم يخبرك بشيء؟
- كلا يا روحي .. قال بأنه سيقول ما لديه أمام الجميع بعد تناول الطعام معًا.
- أشعر بالخوف يا براق .. ماذا لو تورط بأمر ما بسبب عمله المشبوه؟! .. هل سيعود للقتل من جديد؟
- اهدئي يا حبيبتي .. إن شاء الله سيكون كل شيء بخير .. لا داعي للتفكير في أمور كهذه فهو سيخبرنا كل شيء بنفسه في المساء.
- وكأن يمان صادق في كلامه يا براق؟! هذا الداهية يكذب بسهولة كما لو أنه يشرب الماء.
- كفاكِ عبوسًا ستظهر لك تجاعيد يا شمسي.
- تجاعيد؟! وماذا لو امتلأ وجهي بالتجاعيد؟! ألن أعجبك سيد براق وستبحث عمن هي أصغر وأجمل؟!
- وهل هناك من هو أجمل منكِ يا شمسي؟! حتى لو بات شعرك أبيضًا وملأت التجاعيد وجهكِ ستبقين أجمل امرأة رأتها عيناي.
ضيقت إيلين عينيها بشك رغم سعادتها الداخلية وثقتها بحبه لها، فهتف متسائلًا باستنكار: هل تشكين بكلامي؟
قلبت شفتيها بدلال وابتعدت بنظرها عنه، ثم شهقت فجأة عندما وجدت نفسها أسفله ويقيد يديها فوق رأسها بقبضة يده ويبتسم لها بشر قائلًا: يجب أن أثبت لكِ صدقي فكما تعلمين لا أحب أن تشكي بكلامي مطلقًا.
ابتسمت قائلة وهي تراه يدفن رأسه في عنقها: براق! تعقل فنحن لسنا في بيتنا.. من فضلك.. براق!
أسكتها بشفتيه كي لا تتفوه بأي كلمات معترضة حتى لو كان اعتراضًا واهيًا عازمًا على أخذها في جولة عشق جديدة إلى العالم الخاص بهما..........................................
مع حلول المساء بدأ الجميع يخرجون من غرفهم واحدًا تلو الآخر وما أن رأى يمان أخاه قال بانزعاج: قلت لكم ارتاحوا، ولكن هذا كثير.
ابتسم براق بمرح قائلًا: ماذا نفعل؟! فنحن لم ننم منذ اتصالك ليلة أمس.
رمقه يمان بضيق وقال: هيا .. الطعام جاهز .. لا أدري إن كان غداء أم عشاء.
ابتسمت إيلين وهي ترى تذمره الذي يبدو أحياًنا طفوليًا كتذمر براق.
نزلت هيلين برفقة أمها وكلتاهما تتبادلان الحديث أما بهار فتركت يد جانسو وهرعت نحو يمان الذي فتح لها ذراعيه كالعادة وحملها حتى أجلسها على ساقية بعد أن احتل مقعده حول المائدة. نهرتها جانسو طالبة منها الجلوس في مقعدها بجانبها، ولكن نظرة يمان الحادة لها الذي قال بنبرة باردة تخالف نظراته: دعيها تجلس حيث تشاء.
ضمت جانسو شفتيها بحنق ولم تتمالك نفسها أكثر وهي ترى نفسها تفقد سيطرتها على ابنتها تدريجيًا، لتقول بحنق: لم يبقَ سوى أن تفسدها بدلالك لها .. لم تعد تطيعني لأنها تعلم بأنك ستنفذ لها كل ما تريده رغم اعتراضي.
رمقها بغيظ وقال بهدوء حذر ونظراته مليئة بالتحدي والتحذير معًا: وليكن، يحق لها أن تتدلل. إن لم تتدلل على والدها كي يحقق لها ما تشاء، فعلى من ستفعل؟!
صدم الجميع من جملته حتى جانسو التي لم تتوقع أن يعلن عن هوية بهار بهذه البساطة وبهذا التوقيت، ولكنها لا تعلم بأنه وصل لنهاية المطاف ويجب أن يعلم الجميع بأنها ابنته؛ فهو لا يعلم إن كان سيخرج حيًا من هذه المعركة، لذا يجب أن يتركها برعاية أخيه.
وجه الجميع أنظارهم ليمان في حين حاول براق تلطيف الأجواء وابتسم قائلًا: أخي! نحن نعلم كم تحب بهار وتعتبرها ابنة لك، ولكن أمها لها طريقتها وأسلوبها في تربية ابنتها وهي محقة بأن كثرة الدلال يفسد الطفل.
نظر في عيون الجميع حتى توقف عند أخيه وقال بقوة: بهار ابنتي وابنة بهار .. جانسو أنجبتها عن طريق بويضات بهار المجمدة دون علمي واكتشفت الأمر مؤخرًا.
ازداد ذهول الجميع ونظروا لجانسو التي بدأت تبكي بصمت وجسدها يرتعش خوفًا من فقدان ابنتها والتي على ما يبدو سيحرمها منها بعد تصريحه هذا. قبل أن يتفوه أحدهم بأي كلمة نظرت بهار ليمان قائلة: يمان! هل أنا ابنتك؟ أمي قالت أن أبي ذهب إلى السماء، كيف ذلك؟ وما معنى الأشياء الأخرى التي قلتها؟ لم أفهم.
رمق براق أخاه بعتاب، ثم قال وهو يمسح على شعرها: حبيبتي .. يمان وجانسو سيتحدثان معكِ لاحقًا .. ما رأيك بالذهاب مع الخالة عائشة لمشاهدة الحصان؟
نهضت عائشة بسرعة من مكانها وأخذت بهار للخارج وحينئذ هتفت جانسو بحنق من بين دموعها: كيف أمكنك قول هذا أمامها ببساطة؟! هذه طفلة ويجب أن يتم تمهيد شيء كهذا لها، كما أنها ابنتي فأنا التي حملتها في بطني وخضت آلام الولادة، وأنا التي اعتنيت بها وربيتها. لا يمكنك أن تسلبها مني يا يمان. لن أسمح لك بذلك، هل فهمت؟
احتدت نظرات يمان وهتف بغضب: أوقفي هذه الترهات يا امرأة .. قلت لك أكثر من مرة بأنني لن أبعدها عنكِ فأنا لن أفعل ما يحزن ابنتي .. افهمي ذلك أيتها الحمقاء وتوقفي عن النحيب. لقد أخبرت الجميع كي يعلموا بأنها ابنتي ويعتنوا بها في حال أصابني مكروه.
شهقت أم عائشة ووضعت يدها على صدرها قائلة: حماك الله يا بني، لمَ تقول ذلك؟
تنهد يمان بتعب قائلًا: أقول هذا لأنني لا أعلم إن كنت سأنجو مما نحن مقبلين عليه. جمعي لكم هنا هو لحمايتكم عندما تسوء الأمور.
هيلين وأمها لم تكونا تفهمان ما يجري من حديث بينهم، لذا كانت هيلين تلجأ لوكز أختها المصدومة لتنطق قائلة بأن بهار ابنته. اتسعت عيناها وشعرت بالألم يغزو قلبها ولا تدري ما السبب، ومع جملة أم عائشة والخوف الذي بدا عليها سألت أم إيلين ابنتها بقلق عما قاله، لتهمس لها قائلة: أخبر الجميع أنها ابنته خوفًا من أن يصيبه مكروه.
انقبض قلب هيلين أكثر وهي تستمع لبراق يسأله ويبدو على يمان التعب والإرهاق لتتمنى لحظتها لو أنها تجيد هذه اللغة كأختها كي تفهم ما يدور من حديث الآن بدلًا من هذا العذاب.
- ما هذا الذي تقوله يمان؟
- اهدأ .. سأخبركم بكل شيء، ولكن أريدكم أن تطمئنوا وتتأكدوا من أنكم في أمان هنا .. لن يصيبكم مكروه ولن أسمح بذلك أبدًا.
أسند ظهره على الكرسي بتعب، ثم نظر لأخيه الذي يطالعه بخوف وقلق وقال: لسنوات وأنا أستعد لتحقيق أمنية بهار .. كانت تريدني أن أترك العمل المشبوه بأكمله ونبتعد لنعيش حياتنا بسعادة .. سنوات وأنا أجمع بالأدلة التي ستحميني عندما أقرر الانسحاب من هذا العمل .. عدا عن كل هذا أعدت التحقيق في موت بهار، واستجوبت كل من شارك في التحقيق، وكل من تواجد في المستشفى حينها .. كل معلومة كانت تقودني لأخرى بشكل كان يفقدني صوابي حتى اتضحت الصورة وظهرت الحقيقة.
طالعه الجميع بفضول وقلق في الوقت ذاته، ليردف بألم وهو يغمض عينيه: بهار لم تنتحر .. لقد .. قتلوا بهاري.
اعتلت الصدمة وجوههم بشكل واضح في حين هز براق رأسه بعدم استيعاب وتساءل مستفهمًا: ما الذي تقوله؟ كيف هذا؟ هل أنت متأكد؟
أخذ يمان نفسًا عميقًا وأجابه بهدوء رغم الألم الواضح في عينيه ونبرة صوته: أبي .. كان يعلم بشأن هروب أمها وعائلتها الروسية التي تبحث عنها لقتلها، لذا أبلغهم بشأن بهار ولا أدري ماذا أضاف بعد .. سأعرف التفاصيل عندما أمسك بالرجل قريبًا .. لا أريد تخيل ما عانته كي لا أفقد السيطرة على نفسي .. أحاول تمالك نفسي بصعوبة ريثما أمسك بذلك الوغد وأعلم ما حدث وحينها .. لن أرحم أحدًا .. حتى بقايا عظام أبي سأحرقها وأنسفها نسفًا وأرميها في البحر .. لن أترك له قبرًا حتى.
دمعت عينا براق والبقية حيث عقب براق متسائلًا: هل عائلتها قتلتها؟ هل يعقل هذا؟ إن كانت أمها هربت مع رجل منذ زمن، فما ذنبها هي؟ لم قد يفعلون هذا بها؟! لا أستوعب الأمر يا يمان.
أسند يمان مرفقيه على الطاولة وضغط على عينيه بيديه وقال: إجابة هذه الأسئلة كلها مع ذلك الرجل الذي أنتظر وصوله على أحر من الجمر.
انسابت دموع إيلين حزنًا عليه وعلى بهار وتساءلت قائلة: هل ستنتقم يا يمان؟ رغم وصية بهار؟!
أبعد يديه عن عينيه ونظر لها قائلًا: وصية بهار تلك كانت عندما كان في نيتها الانتحار .. لم تشأ أن أنتقم ممن آذاها .. ربما عدلت عن رأيها أو ربما قالت ذلك لتموه هروبها مني ... لا أدري .. أفكار كثيرة تدور في رأسي، ولكن النهاية كانت بأنهم قتلوها .. وأنا لن أسامح ولن أتوقف قبل أن أحرقهم جميعًا، لذا وفري كلامكِ .. واجبي نحوكم أن أبقيكم في أمان ولا أورطكم معي وها قد أحضرتكم هنا .. لا تتدخلوا فيما لا يعنيكم فانتقامي يعنيني وحدي.
قال كلماته الأخيرة بحدة مخيفة جعلت الجميع يدرك بأنه لن يبقي أحدًا آذى شعرة من رأس بهار، ولن يسمح لأحد بأن يقف في وجهه.
كان براق ينظر أمامه بشرود ويعتصر قبضته يفكر بكل ما سمعه للتو حتى أخرجه كلام يمان الذي خاطبه محذرًا: وأنت! إياك أن تحاول منعي حتى لا أضطر لإيذائك.
رفع براق رأسه له وقال بجدية: لن أمنعك .. لو كنت مكانك لفعلت الكثير .. لن أطلب منك سوى أن تنتبه لنفسك وتعود لنا سالمًا.
نهض يمان فوقف براق معه، ليعقب يمان بهدوء: ابنتي بهار .. أمانة في عنقك .. أحسن تربيتها وعاملها كأنها ابنتك و...
هتف براق بحنق وخوف: يمان! لا تقل هذا .. أنت ستربي ابنتك بنفسك ..
قاطعه يمان بضجر وضيق: اصمت! لا وقت للكلام العاطفي خاصتك الآن .. هذه وصيتي وأعلم أنكم لا تحتاجون لها كي تعتنوا بها، ولكن كان يجب أن تعلموا بأنها ابنتي ..
وجه نظره لإيلين التي تبكي بصمت وقال: أعلم بأنك لست بحاجة للتوصية فأنا أثق أن بوسعي ائتمانك على ابنتي. جانسو تعاملها جيدًا، ولكنني أريدها أن تصبح مثلكِ أنتِ.
اقتربت منه إيلين وهي تردد اسمه برجاء رغم أنها واثقة من أنه لن يعدل عن قراره أبدًا إلا أنه تجاهل ذلك ورمق هيلين بنظرة سريعة، ثم خاطب إيلين مستغلًا عدم فهم هيلين للحوار قائلًا: اعتني بأختك المجنونة وتقربي منها أكثر .. إنها محض قطة جبانة تتظاهر بأنها لبؤة.
ابتسمت إيلين، ثم عقبت برجاء: أرجوك يمان ... لا تفتح باب الانتقام ... مثل هؤلاء لن يتوقفوا إن آذيت أحدهم قبل أن يحرقوا نسلك بأكمله وأنت تعلم هذا جيدًا.
زفر يمان بضيق قائلًا: ولهذا أحضرتكم لهنا.
رفعت إيلين حاجبيها وردت باستنكار: وإلى متى سنبقى محبوسين هنا ولكل منا حياته وعمله ودراسته؟!
التفتت لبراق الذي يراقب بصمت وهتفت به قائلة: قل شيئًا يا براق.
تفاجأت به يقول بجمود: ماذا أقول؟! حاولت وضع نفسي مكانه فلم أحتمل تخيل أن تصابي بجرح صغير حتى. لن أمنعه يا إيلين فلو كنت مكانه لانتقمت أشد انتقام، وفوق ذلك لولاكِ أنتِ وطفلنا لذهبت ومعه وهذا ما يقيدني فقط.
اتسعت عيناها ترمقه بذهول فها هي بقايا الجانب المظلم من شخصية زوجها تظهر من جديد بعد أن ظنت أنه دفنه للأبد، ولكن على ما يبدو بأنه سيخرج ما أن يحدث ما يتطلب استدعاءه.
أدرك يمان ما تفكر به إيلين وقطع تواصل البصر بينها وبين أخيه بقوله: لم أكن لأسمح لك بأي حال من الأحوال .. أنت لست بقاتل يا براق .. اهتم بعائلتك واعتنِ بالجميع .. أنا سأغادر ليلة الغد ولن أعود قبل أن ينتهي كل شيء.
نظر لجانسو وقال بجمود: تعالي لنتحدث مع بهار ونشرح لها الأمر بهدوء.
أومأت له بالموافقة ونهضت معه للخارج حيث تحاول عائشة إشغالها عما سمعته في الداخل حتى وصل يمان وأشار لها بالدخول وتركهم وحدهم.
بينما كان يمان وجانسو يحاولان إخبارها بطريقة تناسب عمرها بأن يمان والدها ولم يكن ميتًا كما كانت تظن كانت إيلين تخبر هيلين وأمها بما قاله يمان مما جعل هيلين تشعر بقلبها يسقط أرضًا ويتحطم لقطع لا تحصي عددها.

Address

فلسطين
Tulkarm

Website

https://t.me/mayam_novels

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when روايات ميام posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Share