30/05/2025
…
في زوايا العديد من البيوت الحلبية، لا زال بابور المازوت يقبع كرفيق قديم- مع تحفظي على كلمة " رفيق " سيئة السمعة والصيت- تعلوه طبقات من السخام، شاهد على ليالٍ طويلة كانت الكهرباء والغاز المنزلي فيها هبة نادرة.
هذا البابور لمن لا يعرفه، جهاز متعدد الوسائط، أو "ملتيميديا"، كما يُقال، لا يعرفه إلا الحلبيون، يستخدم للاستحمام، والتدفئة في ليالي الشتاء القاسية، وهو أيضًا للطبخ والنفخ.
وها هي "أم العيال" تنظر إليه اليوم، بعد توقيع اتفاقيات الطاقة، كأنها تستأذنه في التقاعد. سؤال يردد نفسه في فضاء البيت: هل سيغادر إلى متحف الذكريات المرّة؟
لا زالت ذكريات "حمام الخميس" حية كجرحٍ نازف: الماء يتحول إلى ثلج فجأة، ويعلو صراخ العيال من هول البرد، ورائحة المازوت تتسلل إلى الشعر والجلد كضيف ثقيل.
يتحدث الواقع أن أيام الظلم هذه بدأت تُطوى إلى الأبد، وأن القلب يتساءل: هل تنتهي مهزلة "الاستحمام على عَجَل" قبل أن ينطفئ التيار؟
أما ظل صاحب المولدة "الأمبيرات"، فما زال كابوسًا يسكن الأحياء، فواتيره الشهرية كالسيف، وحساباته تزداد غموضًا كلما طال انقطاع الكهرباء الرسمية.
هل سيغير مهنته اليوم، أم سيظل يتردد في الحي كشبح يُذكرنا بعصر "الظلام البائد"؟
تبشر الاتفاقيات الجديدة بزوال إمبراطورتيه… فهل سيصبح بائعًا للثلج في الصيف؟ وما أدراك ما الثلج، إنه "البوظ"، إرثٌ آخر من عصور الظلام البائد.
الأمل يتسرّب إلى القلوب كضوء خافت، لعل الغسالة "ام البرميل"، التي تشبه إلى حد كبير براميل النظام البائد، ستُكمل دورة عملها دون انقطاع، ولعل البوتوغاز ينهي طبخة الطعام قبل أن تنفد اسطوانة الغاز الذهبية التي استلمناها عبر البطاقة الذكية…
وبراد بردى الـ 11 قدمًا، الذي ورثته عن الحجة الوالدة، عداً ونقداً قدم بقدم، عمره 35 عامًا، أكل الصدأ جسده، هل سيتحول إلى صندوقٍ بارد يغنينا عن "البوظ"؟
"أم العيال" بدأت تعلق آمالها على حروف الاتفاقيات، بينما يتربّع البابور في زاوية البيت كفارس منهك ينتظر إشارة الرحيل.
حتى صاحب المولدة بدا لي ،وهو يعدّ نقوده الأخيرة:
"هل أبيع المعدات… أم أُحوّل النشاط إلى مقهى إنترنت؟"
بانتظار أن أشرب قهوة الصباح مع أم العيال غدًا… بدون رائحة المازوت؟ و"سيلفي "تاريخي لم ألتقط لحظته بعد.
ܓܛܟ
-----
قناتي على التلغرام
https://t.me/farq3at